الحشود اليمنية بالمولد تكتسحُ الأبعاد وتفوقُ التوقعات
خلود الشرفي
شعب يمني عظيم، وحشود مليونية مذهلة خرجت عن بكرة ابيها، ملأت السهل والجبل، لتحتفل بأعظم مناسبة عرفها التأريخ، وأجلّ نعمة امتنَّ الله عز وجل بها على عباده المؤمنين، حين قال تعالى: “لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ، إذ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أنفسهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”.
فهناك يقف العالم بأكمله إجلالاً لهذا الشعب اليمني الثائر، وما زال مذهولاً مبهوراً وهو يرى ذلك السيل الجارف، والطوفان البشري الأخضر يملأ المكان، ولا يكاد يتسع له الزمان..
فتراهم يتساءلون، ولهم الحق أن يتساءلوا يا تُرى ما سر هذا الحشد الكبير والتجمع الهائل لشعب الإيمان والحكمة؟! وما هو الدافع الذي جعل من هذه المناسبة العظيمة فرصة لتحقيق الأهداف، ولم الشمل، وتقارب المتباعدين؟!
نعم، فقد هبّ الشعب اليمني هبة رجل واحد على دين رجل واحد، وقلب رجل واحد ليحتفلوا بالمولد النبوي الشريف على صاحبه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم، بغض النظر عن مذاهبهم أَو انتمائهم، أَو طبقاتهم أَو نفوذهم وثرواتهم..
مناسبة فريدة من نوعها.. ذات أبعاد ودلالات، ودروس وعبر..
شارك فيها الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والأبيض والأسود، والعني والفقير.. على حَــدٍّ سواء..
الكل في هذه الفرحة الكبرى، والعيد النبوي الشامخ يستشعر النعمة العظيمة؛ نعمة الهداية والتوفيق، نعمة القيادة الحكيمة، والنصر الرباني..
فجميع النعم وكلها تجسدت في شخص الرسول الأعظم صلوات الله عليه وَآله وسلم..
فرسول الإنسانية هو رسول للناس جميعاً، بلا استثناء، وهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة للناس أجمعين، صلوات الله عليه وعلى آله..
ولا عجب في هذا التبجيل والإعزاز من قبل الشعب اليمني الحكيم لرسول الرحمة، ومنقذ الأُمَّــة من الظلمات إلى النور، فالارتباط بين رسول الله واليمن وثيق، والعلاقة حميمة، والسجل حافل بإنجازات الأنصار لنصرة الدعوة المحمدية العظيمة، في بداية ظهورها فما بالنا اليوم بعد قرون من الزمان؟!..
إن أحفاد الأنصار اليوم وبخروجهم المشرف هذا، إحياءً لأعظم الأعياد، لهم يقدمون رسالة باليستية للعدو الأمريكي والإسرائيلي وأذنابهم، وأذناب أذنابهم من السعوديّين والإماراتيين ومن شاكلهم، بأن رسول الله حيَّ باقٍ فينا، موجود بيننا، يرص صفوفنا، ويوحد جبهاتنا، ويجمع شملنا..
بل إنه صلوات الله عليه وَآله وسلم هو من يرسم سير المعركة، ويحدّد الاتّجاهات والأولويات، فالنصر لنا على يديه مضمون، ومسطَّر بأحرف من نور.
فكيف يُهزم من كان قائده محمد رسول الله؟!
وأنى لجيوش البغي والاستكبار، وقادة العهر والدعارة أن تنتصر في معركة أقل ما يقال عنها إنها معركة الأخلاق والفضائل ضد منظومة الشر، وأجنحة الفساد والظلام..
ولا غرو في أن الانتصارات الكبيرة التي يمُنُّ الله تبارك وتعالى بها على الشعب اليمني العزيز الصامد، كُـلَّ يوم وما تشهده الساحة اليمنية من مشاهد بطولية منقطعة النظير لرجال الرجال في ساحات الوغى، وميادين الكرامة، لهي ثمرة من ثمرات الولاء والتبجيل للرسول الأكرم.
فها نحن نرى رجال الرجال كيف ينكلون بالغزاة، ويذيقونهم أشد الوبال، بهزائم منكرة، تمرغ انوف العدوان في التراب، وتمسح بهم البلاط، رغم قلة العدد والعدة لدى أنصار الله الذين يسطرون أعظم الملامح البطولية في مشهد لم يشهد له التاريخ مثيلاً على كرّ الأعوام، وترادف الدهور..
إن تلك الحشود المليونية لجماهير الشعب اليمني العظيم، لتعبر عن موقف واحد في مواجهة قوى الطاغوت، وجيوش الاستكبار العالمي..
فهل يُعقل أن يكونَ الشعبُ اليمني عن بكرة أبيه، رجالاً ونساءً وأطفالاً، مليشيات متطرفة، وهو الذي رسم أعظم لوحة في تاريخ البشرية كلها، لوحة بهيجة موحدة، واللون الاخضر يكسوها، ليعطيها اخضراراً ونماءً على مدى الأيّام، وتعاقب السنين..
ومن الإنصاف أن نقول: إن هذه المسيرات الحاشدة للشعب اليمني الثائر الحر لم ولن يكون أحدٌ أحقَّ بها من رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم..
فهي هدية الشعب اليمني الأبي الصامد-نيابة عن الأُمَّــة الإسلامية كافة، والعالم أجمع- إلى رسول الله سيد البشر وخاتم الأنبياء عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى السلام.