ربيعُ النصر.. فتحُ مأرب قاب قوسين أَو أدنى

 

إبراهيم محمد الهمداني

شهدت الساحةُ اليمنيةُ -في الآونة الأخيرة- تحوُّلاتٍ عسكريةً وسياسيةً كُبرى، رسمت أحداثُها المتسارعة جِـدًّا، والانتصارات المتواترة، المتحدة فيها، الخطوطَ العريضة، لمستقبل المشهد السياسي الإقليمي والعالمي، وفقاً لما أنتجته معطياتُ ومتغيرات ميادين المواجهة، وطبيعة سير المعارك الميدانية، التي غيَّرت -كليًّا- معادلة الصراع العالمي، التي رسمتها قوى الاستكبار والهيمنة سلفًا، وصنعت معادلةً جديدةً للمواجهة، ابتداءً من موقع القدرة على الرد والردع، وُصُـولاً إلى امتلاك زمام المبادرة، عسكريًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا.

إن تسارُعَ الأحداث، وسرعةَ حسم المعارك، والانتصارات المتحقّقة بتلك الأخيرة التصاعدية العالية، التي تحبس الأنفاس، جعل من الصعوبة بمكان إنجاز قراءة تحليلية أولية، تسبر أغوار تلك التحولات، والتعرف على أسبابها، وتتبع تداعياتها، داخلياً وخارجياً، ناهيك عن إمْكَانية إنجاز قراءة تحليلية عميقة، قائمة على التحليل المنهجي، والربط التناظري العلمي، بين الأحداث في سياقاتها المحلية والإقليمية والعالمية؛ كون اليمن جزءاً لا يتجزأ من مجموع أطراف معادلة الصراع العالمي، ولاعباً فاعلاً في صناعة المشهد السياسي العالمي، إن لم يكن حجر العقد فيه، وبطلَ التحولات التاريخية الكبرى، في صناعة الجغرافيا السياسية المستقبلية.

توالت العمليات العسكرية لأبناء الجيش واللجان الشعبيّة، التي نتج عنها تحرير مساحات واسعة، من الأراضي اليمنية، التي كانت واقفة تحت سيطرة قوى الاحتلال العسكري الإماراتي الأمريكي، وعملائهم ومرتزِقتهم المحليين، ونُظرائهم المستجلَبين من الخارج، بشكل رسمي وبصفتهم النظاميةَ كجيوش، ضمن تحالف عدواني، تم شراؤهم بالريال السعوديّ، من حكوماتهم، أَو بشكل قتلة مأجورين مثل بلاك ووتر، والجماعات التكفيرية الإرهابية، كالقاعدة وداعش، تحت إشراف أمريكي صهيوني مباشر، وصمت وتواطؤ أممي.

يمكن القول إن محور تحالف العدوان، قبل أن يسقط عسكريًّا، قد سقط دينياً وأخلاقياً وإنسانياً، وأسقط معه كُـلّ أوراقه ورهاناته، كاشفاً بذلك لجميع شعوب العالم حقيقة تموضعه الاستعماري التدميري، وعبثية حربه وعدوانه، وشاهداً على نفسه وعلى مرتزِقته، بسقوط الشرعية والمشروعية، وانعدام صفة أهلية الحكم، وما كان السقوط العسكري لذلك التحالف العالمي الإجرامي، إلّا خاتمة طبيعية وحتمية، في مسار تسلطه وهيمنته وطغيانه، بعد ما فقد ما كان يزعم أنها حاضنة شعبيّة، (مخدوعة أَو تبعاً للمصلحة والدفع المسبق) ليسقط آخر مظهر من مظاهر التأييد الجماهيري، الذي سرعان ما يتحول في ماكينة الصورة الإمبريالية، إلى زخم جماهيري كبير، رغم محدوديته وبساطته ليصنع منها الإعلام الإمبريالي، وهماً كَبيراً، وخدعة واسعة النطاق، وذريعة لاستمرار مشاريع الإجرام والقتل والتدمير الكامل، وفي المقابل ينكر التحالف الشر الصهيوسعوأمريكي، ما يجب الاعتراف به واحترامه من إرادَة الشعب، الذي عبَّر في مسيراته ومظاهراته المليونية المتعاقبة، عن رفضه لقوى الاستعمار الجديد، ومشاريعها التسلطية التدميرية، مستنكراً الاتكاء على شرعية محلية مزعومة، ومندّداً باستمرار حفلات الموت اليومية، تحت غطاء شرعية أممية مزعومة وساقطة أَيْـضاً.

وبهذا أصبحت تلك الانتصارات المذهلة، لأبطال الجيش واللجان الشعبيّة، هي الصورة المُثلى، لتحقّق الوعد الإلهي، بالنصر والتمكين والاستخلاف، بوصفها نتيجةً حتميةً، وثابتةً في مسار السُّنَنِ الإلهية، كحالةٍ من حالات التأييد، ذات البُعد السماوي المقدَّس، المعبِّر عن طبيعة وعمق العلاقة الله جل جلاله وجنوده أنصار دينه، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فصدقهم ما وعدهم من النصر في الدنيا، والفوز العظيم في الآخرة، ويزدادُ هذا الارتباط المقدَّسُ حضوراً، من خلال المعطيات الدلالية العميقة، التي تحملها التسميات، التي أطلقت على تلك العمليات العسكرية التحرّرية، المنفذة من قبل أنصار الله، ضد محور العدوان، سواء في الداخل اليمني، أَو في عمق دول العدوان، وهي تسميات تستحق دراسة مستفيضة مستقبلا، إن شاء الله تعالى.

ارتبطت عملية (ربيع النصر) في مرحلتها الثانية، بِذكرى المولد النبوي الشريف، بما تمثله من قداسة في الوجدان الجمعي، وخَاصَّة عند اليمنيين، وما تعكسه من تناظرات دلالية إحالية وتماثلية، تتجلى أولى مسارات أبجدياتها، في مدلولات المناسبة، بسياقَيها الديني والاجتماعي، من صور ربيع النصر الإلهي، الذي ظهرت تباشيرُه بميلاد، (ربيع النور/ النصر المحمدي)، النبي الخاتم صلوات الله عليه وعلى آله، حاملاً بشارات النجاة، وفجر الهداية، وإشراق (ربيع الرحمة الإلهية/ المحمدية)، ليضيئ مجاهيل وظلامات البشرية، المتراكمة عبر الزمن، معلنةً ميلاد المبعوث رحمة للعالمين، وانتصار الحق والمحبة والسلام والعدل، على قوى الشر والظلم والظلام والإجرام.

واليوم.. هَـا هو (ربيع النور) المحمدي، يعود بقوة في (ربيع النصر)، الذي يحمله أحفاد الأنصار، وهم يخوضون معركتهم الفاصلة والمصيرية، ضد قوى الشر والعدوان، في وضع لا يختلف كَثيراً، عن ذلك الوضع الحياتي بكل تموضعاته، الذي خاض فيه أجدادهم الأنصار، معاركهم المصيرية والفاصلة، إلى جانب (ربيع النور المحمدي)، وحامل نور الهداية الإلهية، نصرة لله ورسوله والمستضعفين، الأمر الذي استحقوا بموجبه، ما اختصهم الله به من الفوز بلقب الأنصار، دون غيرهم، وما منحهم بكرامة الإيواء والنصرة والانتماء، لله ورسوله ودينه، وما ترتب على ذلك من التمكين والاستخلاف، والفوز بالقيام بأمر الدين، ونُصرة أعلام آل البيت صلواتُ الله عليهم أجمعين، عبرَ التاريخ.

شكّلت ملابساتُ وأسبابُ فتح مكة -بوصفها مرحلةً فارقةً بين عهدَين- منعطفًا تاريخيًّا عالميًّا مُهِمًّا، ونقطةَ انطلاق، رسمت مسارَ التاريخ الإنساني الجديد، وفتحت الآفاق الواسعة، أمام ربيع الهداية المحمدي، وحاملي نور الحق، إلى كُـلّ الأمم، لتتجلى بذلك الرحمة الإلهية المهداة للبشرية، في أبهى تجلياتها، وما أقرب ملابسات ذلك الفتح، الذي غيّر مجرى التاريخ، من ملابسات وأحداث (فتح مأرب) الوشيكة -بعون الله- ضمن عملية (ربيع النصر)، في مرحلتها الثانية، هذا إن لم تكن قد تمت بالفعل -بفضل الله- أثناء كتابة هذه الأسطر؛ كون ذلك الفتح سيغير مجرى التاريخ، ويعيد صياغة معادلة الصراع العالمي، وفقاً لشروط قادة ومجاهدي محور الجهاد والمقاومة، وستمثل نقطةَ انطلاقة ثانية للأنصار، نحو عالمية الدين الإسلامي، والرحمة الإلهية، المهداة للعالمين، وهذا الأمر هو ما يزعجُ ويخيفُ قوى الاستكبار، التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة ومكر وخداع، إلى إطفاء نور الله، ووأد هذا المشروع الإلهي في مهده، مهما كلفها ذلك، وبأي ثمن، وهذا يدل على واحدية العدوّ -قريش وأحزابها، والسعوديّة وحلفائها- في الماضي والحاضر، وتطابق مخطّطاته وتصوراته، واعتماده ذات الاستراتيجية، في حربه الإعلامية والنفسية والاجتماعية، (الناعمة)، وكذلك واحدية تموضعه الاستكباري، ونزعته التسلطية، ومشاريعه الاستبدادية، وغير ذلك، من مظاهر التموضع المعادي، المتحقّقة بين عدو الأمس وعدو اليوم، من خلال عملية الإسقاط التاريخي، الذي قد يصل إلى حَــدِّ التطابق، وما تنتجه شواهد الدلالات الإحالية، التي تؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك، طبيعةَ الصراع الوجودي العالمي، القائم اليوم، بين محور الشر والشيطان وأنصاره الطغاة المستكبرين، من جهة، ومحور الخير والنور الإلهي والهداية المحمدية، المتجلية في أنصار الله، ومن معهم من محور المقاومة، من جهة ثانية.

وكما كان (فتحُ مكةَ) في مواضعاته الزمانية والمكانية، والسياسية والاجتماعية والتاريخية، فكذلك الشأنُ بالنسبة لـ(فتح مأربَ)، في مواضعاته الراهنة، بكل حيثياتها وتداعياتها، وليس الحدث الراهن، إلا صدًى لمثيلِه الماضي، واستعادة الزمن لمساره الصحيح، مؤذناً بميلاد النور المحمدي، الحامل لدين الله الخالص، والمنتصِر لأنصاره وبأنصاره، على كُـلّ أعدائه، من الظالمين والفراعنة المستكبرين، وما أشبهَ الليلة بالبارحة، حَيثُ لا يفصلُ بين فتح (مكة) وفتح (مأرب)، سوى ذلك الوهم الزمني الفاصل بين الأمس واليوم، الذي سرعان ما يتلاشى في نهر السُّنَنِ الإلهية الجارف، وقوتها العاصفة، التي تجرِفُ كُـلَّ القوى الاستكبارية، وتطوي صفحاتِ الظالمين، وتُذِلُّ الفراعنةَ المتجبرين، وتشفي صدورَ قومٍ مؤمنين، تحقيقاً لوعد الله تعالى، وإمضاءً لإرادته، ومن أوفى بوعده من الله!!.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com