تفاصيل “ربيع النصر2”.. مسارات عسكرية ومجتمعية نحو الجولة الأخيرة
المسيرة | خاص
كشفت القواتُ المسلحة، أمس الثلاثاء، تفاصيلَ المرحلة الثانية من عملية “ربيع النصر” العسكرية الواسعة، التي تكللت بتحريرِ مديريتَي “الجوبة” و”جبل مراد” في محافظة مأرب، والتقت فيها مسارات الهجوم الغربية بالجنوبية لتتجه نحو الفصل الأخير من المعركة بمشاركة مجتمعية وقبلية كبيرة وواسعة، في الوقت الذي يتصاعد فيه صراخ مرتزِقة العدوان الأمريكي السعوديّ معترفين بهزيمتهم وعجزهم وملقين باللائمة على مشغليهم الذين يبادلونهم نفس الموقف، في مشهد غير جديد يفضح هشاشتهم جميعاً ويؤكّـد حتمية تحقّق معادلة التحرير الكبرى التي يمضي أبطال الجيش واللجان في تثبيتها وتأسيس مساراتها على الأرض.
المعركة بالأرقام
التفاصيلُ التي كشفها ناطقُ القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، أمس، تضمنت أرقاماً مهمةً تحدثت بوضوح عن حجم الإنجاز الذي تحقّق خلال العملية، بدءاً بالمساحة المحرّرة والتي بلغت 1100 كيلو متر مربع، تتنوع فيها التضاريس بين مناطق جبلية شديدة الوعورة ومناطق صحراوية ووديان، وهو الأمر الذي برهن مجدّدًا على مهارة وبسالة أبطال الجيش واللجان في التخطيط والتنفيذ.
وتضمنت الأرقامُ التي كشفها سريع إحصائيةً لمشاركة أسلحة الردع الاستراتيجية في العملية، حَيثُ تم تنفيذ 47 ضربة صاروخية منها 31 ضربةً استهدفت مواقع وأوكار العدوّ في الداخل، و16 ضربة استهدفت العمق السعوديّ، كما شن سلاح الجو المسيّر 141 هجوماً (128 في الداخل، و13 في العمق السعوديّ)، فيما نفّذت قواتُ الدفاع الجوي 86 عملية تصد ناجحة لطيران العدوان.
وتوضح هذه الإحصائية ثباتَ المسار التصاعدي لتطور القدرات والوسائل الهجومية والدفاعية الرادعة، وتطور أساليب استخدام وتوظيف هذه القدرات في إطار المعركة، بما ينطوي عليه ذلك من تنسيق ومواكبة ورصد استخباراتي دقيق على أكثر من جهة.
الأرقامُ تضمنت أَيْـضاً خسائرَ العدوان خلال العملية، حَيثُ بلغ عددُ قتلاه أكثرَ من 200 مرتزِق، إلى جانب 550 مصاباً، وعدد من الأسرى، وهي حصيلة كبيرة يؤخذ بالاعتبار عند النظر إليها، حجم الدعم الكبير الذي قدمه العدوّ للمرتزِقة، من الأسلحة والعتاد، وَأَيْـضاً من الغطاء الجوي، حَيثُ شن طيران العدوان 159 غارة لإسناد مرتزِقته، لكن كُـلّ ذلك لم يغن عنهم شيئاً كالعادة.
مسارات عسكرية ومجتمعية
على المستوى الميداني، أوضح العميد يحيى سريع، أن قوات الجيش واللجان الشعبيّة تحَرّكت من عدة اتّجاهات لتحرير المديريتين، حَيثُ كانت خطة العملية تقتضي قطع خطوط إمدَاد المرتزِقة من مسارَين رئيسَين، الأول جرى فيه تحرير منطقة “واسط” وما يحيط بها وقطع خط (جبل مراد)، وُصُـولاً إلى “الجديدة” مركز مديرية الجوبة، فيما تضمن المسار الثاني قطع خط “حريب” ومهاجمة معسكر “الخشينا” الذي كانت تتمركز فيها قيادة قوات العدوّ.
واستمر التقدُّمُ من هذين المسارين لتحرير أطراف المديرية وُصُـولاً إلى منطقة “العمود” وجبل “السواد”، حَيثُ التقت هناك المسارات الهجومية لأبطال الجيش واللجان من “الجوبة” و”صرواح” لإكمال الطوق الذي يضيق باستمرار على العدوّ في آخر معاقله داخل المحافظة.
وبالتوازي مع المسارين الهجوميين، كان هناك مسار ثالث “مجتمعي”، جرى فيه التواصل مع قبائل وأحرار المديرتين، والذين كان لهم دور رئيسي في تسريع حسم المواجهات وطرد قوات العدوّ والمرتزِقة من المديرتين، وتأمين مناطقهما بشكل فوري بالتعاون مع السلطة المحلية، الأمر الذي يؤكّـد مرة أُخرى على الالتفاف الشعبي الواسع والفاعل حول قوات الجيش واللجان داخل المحافظة، وهو التفاف يرسل رسائل واضحة مفادها أنه لا مقامَ لتحالف العدوان وأدواته داخل المحافظة، وأن اكتمال تحريرها أصبح مسألة وقت.
مشاهدُ الإعلام الحربي عرضت الصورةَ الكاملةَ التي رسمتها المسارات الثلاثة، حَيثُ وثقت جانباً من بسالة أبطال الجيش واللجان الشعبيّة عند اقتحام مواقع العدوّ ومطاردة عناصره وآلياته والاشتباك معها من مسافة صفر، في تضاريس صعبة ومتنوعة، وتحت غطاء جوي مكثّـف من طيران العدوان الذي عرضت المشاهد أَيْـضاً حجم الهستيريا الإجرامية التي شن بها غاراته على منازل المدنيين وقراهم في محاولات يائسة لإعاقة تقدم المجاهدين، لكن بلا جدوى.
والتقطت عدسة الإعلام الحربي مشاهد مؤثرة للترحيب الواسع الذي حظي به أبطالُ الجيش واللجان من قبل المواطنين والأهالي في مختلف القرى والمناطق التي تم تحريرها، والتي كان مرتزِقة العدوان قد حوّلوها إلى أوكار عسكرية، حَيثُ أظهرت المشاهد أَيْـضاً كمياتٍ كبيرةً من الأسلحة والذخائر التي كدسها المرتزِقة داخل المنازل، كما أظهرت كمياتٍ كبيرةً من الألغام المحرمة التي قاموا بزراعتها في تلك المناطق، والتي قامت الفرق الهندسية للجيش واللجان الشعبيّة بإزالتها قبل أن تتسبب بخسائر كبيرة في صفوف المواطنين.
مجدّدًا.. “الوكالة الأمريكية للتنمية” في متارس العدوان
إلى جانب ذلك، عرضت مشاهد الإعلام الحربي مجدّدًا الدعم الأمريكي المباشر للمرتزِقة والتكفيريين، والذي يأتي خلف واجهة “إنسانية”، حَيثُ كان عدد كبير من صناديق الأسلحة والذخائر تحمل شعار “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” التي سبق أن كُشف دعمها العسكري للتنظيمات التكفيرية بالصوت والصورة في أكثر من منطقة.
وتكشف هذه المشاهد حقيقة “المساعدات” التي كانت “الوكالة” قد أعلنت في وقت سابق تخصيصها لمحافظة مأرب، الأمر الذي يبرهن بشكل قاطع أن الولايات المتحدة تستخدم “العمل الإنساني” كواجهة لنشاط عسكري واسع وَممنهج وخطير، وأن “الوكالة الأمريكية” هي جزءٌ لا يتجزأ من القوة العسكرية المعادية التي تعمل داخل البلاد.
الفصل الأخير.. المرتزِقة يعترفون بالهزيمة
الكشفُ عن تفاصيل العملية العسكرية جاء متزامناً مع تطورات مثيرة طرأت على مشهد الوضع الداخلي للمرتزِقة في مدينة مأرب، حَيثُ نشرت وسائل إعلام العدوان الليلة الماضية، بياناً صادراً عن ما تسمى “الأحزاب السياسية” التابعة للمرتزِقة، اتهمت فيه “التحالف” بالتخاذل و”سوء إدارة المعركة” في مأرب.
البيان مَثَّلَ اعترافًا رسميًّا بالهزيمة وبحسم معركة المحافظة لصالح قوات الجيش واللجان الشعبيّة، واعتبره مراقبون محاولةً من قبل المرتزِقة لإلقاء اللائمة على مشغليهم الذين يفعلون نفس الشيء منذ مدة، حَيثُ كانت وسائل الإعلام السعوديّة والإماراتية قد حاولت خلال الفترة الماضية تحميل المرتزِقة مسؤولية ما يجري في المحافظة من تراجع كبير، بل أشَارَت أَيْـضاً إلى عدمِ جدوى “الضغوط” الدولية، التي كان النظام السعوديّ قد عوَّل عليها كَثيراً لإيقاف تقدم قوات الجيش واللجان في مأرب.
البيانُ سلَّطَ المزيدَ من الضوء على وضعية اليأس والتفكك التي تعيشها كُـلّ أطراف العدوّ، والتي لم تكن مخفيةً من قبل، لكنها تزداد ظهوراً مع قرب قوات الجيش واللجان من مدينة مأرب.
وتؤكّـد هذه الوضعيةُ حجمَ العُزلة التي يعيشُها العدوُّ أَيْـضاً، في ظل الالتفاف الشعبي والقبلي المتزايد حول خيار استكمال تحرير المحافظة، وهو ما يثبت أن الحسمَ أصبح مسألةَ وقت لا أكثرَ.
هذا أَيْـضاً ما أكّـده ناطقُ القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، أمس، والذي أوضح أن قواتِ الجيش واللجان الشعبيّة باتت قريبةً من نقطة “الفلج” مدخل مدينة مأرب، وقال إنه “يجري في هذه اللحظات تقدم كبير باتّجاه المدينة وسط انهيارات كبيرة في صفوف العدوّ ومرتزِقته”.
وجدّد سريع دعوةَ مَن تبقى من المرتزِقة في مدينة مأرب إلى إلقاء السلاح فورًا، محذراً من أن استمرارهم في موقفهم سيدفع القوات المسلحة لاتِّخاذ إجراءاتها ضدهم.
وأضاف: “ونحن على مشارف مدينة مأرب من عدة جهات، نجدد التأكيد للمواطنين في المدينة أننا مُستمرّون في أداء واجباتنا تجاههم”.
وتصاعدت خلال الأيّام الماضية دعوات للمرتزِقة وعلى رأسهم حزب “الإصلاح” لتسليم مدينة مأرب ومديرية “الوادي” بدون قتال وحقن الدماء، بعد ثبوت حتمية الهزيمة، لكن تحالف العدوان ما زال يبدي تمسُّكًا واضحًا بخيار المواجهة فيما تمارس قيادات المرتزِقة في الخارج تحريضاً متواصِلاً لدفع المخدوعين إلى معركة خاسرة، في مشهد فاضح يكشف انتهازية إجرامية وسقوطاً مدوياً لكل الشعارات الإنسانية التي يرفعها العدوّ.