مبادرة قائد الثورة تتصدر مشهد تحرير مأرب: أولوية السلام الفعلي وواقعية “المصلحة العامة”
المسيرة | ضرار الطيب
مع تسارُعِ التطوُّرات الميدانية في محافظة مأرب، كانت مبادَرةُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بخصوص المحافظة، ولا زالت، تتصدّر المشهد، كإطار عام للتحَرّك العسكري والقبلي الذي تشهده المحافظة والذي يمضي في مسار متصاعد نحو غايةٍ رئيسية هي استكمال تحرير وتأمين مأرب واستعادة ثرواتها من يد العدوّ، وهذا الإطار العام يؤكّـد أن خيارَ السلام والمصالحة ثابتٌ على رأس أولويات صنعاء، الأمر الذي بات واضحًا أن أبناءَ المحافظة يدركونه ويقدِّرونه، وهو ما يشكّل فضيحةً مُستمرّةً لتحالف العدوان ومرتزِقته الذين يقفون اليوم وحيدين في مواجهة عواقب تعنتهم، فيما يترقب العالم كله هزيمتَهم المدوية والحتمية.
مبادرةُ قائد الثورة التي ازداد حضورُها في المشهد بشكلٍ أكبرَ خلالَ الفترة الأخيرة مع تصاعد الالتفاف الشعبي والقبلي حولها، والذي انعكس بوضوح في تأمين عدة مديريات في المحافظة وطرد العدوّ منها، في إطار تحَرّكات عسكرية ومجتمعية متوازية، فرضت نفسها على الواقع كحل عادل ووحيد يضمن مصالح اليمنيين، وأبناء مأرب، بصورة ثابتة.
هذا ما وضحه حجم تفاعل أبناء مأرب مع المبادرة خُصُوصاً وأنه جاء بعد ضجيج كبير أثاره تحالف العدوان ورعاته الدوليون تحت يافطة “الحرص على أبناء مأرب ومصالحهم وَ(هُــوِيَّتهم)”، أي أن العدوّ كان قد حاول أن يتظاهر بامتلاك “حلولٍ بديلة” (إن جاز التعبير).
في هذا السياق، كشف عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، عن جانبٍ من كواليس ما دار خلال فترة “الضجيج” الدولي بشأن مأرب، والذي ترافق مع محاولة الولايات المتحدة مقايضة الملف الإنساني بمكاسب عسكرية وسياسية، أبرزُها وقفُ التقدم في المحافظة.
وقال العجري: “كنا نصرُّ على فتح الميناء والمطار كقضايا إنسانية، وكانوا يحاجّون أن مأرب ذات بُعد إنساني أَيْـضاً، وتوسطوا بالسلطنة لدى الرئيس والسيد القائد، فقلنا على بركة الله، الميناء والمطار ومأرب”.
وأضاف: “وبعد أن تقدمنا بمبادرة مأرب وسحبنا البساط من تحت أقدامهم وعذر البُعد الإنساني لمأرب، انكشف أن المطلوب مآربُ أُخرى لا علاقةَ لها بالملف الإنساني ولا بالسلام بقدر ما هي إدارة للحرب بطريقة أُخرى”.
كلام العجري هنا يؤكّـد بوضوح أن كُـلَّ محاولات تحالف العدوان والإدارة الأمريكية للتعامل مع ملف مأرب كانت التفافية وغير واقعية، وبعيدة كُـلَّ البُعد عن مصلحة أبناء المحافظة وحقوقهم الإنسانية والاقتصادية والسياسية والأمنية، ولذا تبخرت كُـلّ مساعي تسييس و”تدويل” ملف مأرب، وبقيت مبادرة قائد الثورة ثابتةً على الطاولة وعلى الميدان، لواقعيتها وإنصافها قبل أي شيء آخر.
تحالف العدوان اصطدم بهذه الحقيقة مؤخّراً، وبشكل فاضح، عندما تعاونت قبائلُ العبدية وحريب وجبل مراد والجوبة مع قوات الجيش واللجان لتحرير وتأمين المديريات الأربع، وهو تعاون استطاع أن يصمد أمام حملة ضخمة شُنت على مستوى دولي لشيطنة تحَرّك قوات الجيش واللجان، و”ترهيب” أبناء مأرب من مساندتها، ناهيك عن الحملة المُستمرّة منذ سنوات وَالتي استهدفت هذه القبائل بشكل مخصوص لقطع أي طريق محتمل للتواصل بينها وبين صنعاء، وقد تجلت صلابةُ هذا التعاون بصورة مدهشة في زيارة قبائل العبدية لصنعاء وما تضمنته تلك الزيارة من دلالاتٍ ومظاهرَ تؤكّـد أن الالتفاف القُبُلِ حول مبادرة قائد الثورة لم يأتِ بفعل “ترهيب” أَو “أطماع” كما يزعم إعلام العدوّ، بل بفعل واقعية المبادرة وتعاملها المنصف واللائق مع المحافظة، سواء من حَيثُ وضعها الداخلي الخاص، أَو من حَيثُ ما تمثله على الخارطة الوطنية الكبيرة، على العكس تماماً من تعامل تحالف العدوان ورعاته.
العديدُ من المحللين والمراقبين للشأن اليمني لاحظوا بوضوح اصطدام تحالف العدوان بهذه الحقيقة، وقد كتب الباحث والسياسي اللبناني علي مراد معلقاً على مشهد استقبال أبناء العبدية في سنحان قبل أيام: “لقد استهان محمد بن سلمان بالقبيلة اليمنية وأساء إليها، ومن أبرز أسباب هزائمه في اليمن هو جهلُه بالتاريخ والهُــوِيَّة الثقافية للمجتمع اليمني. لكن قبل كُـلّ ذلك؛ لأنه ينطلق من منطلقات واهية لا جذور لها سيسقط على أنفه عند أقدام اليمنيين”.
بعبارة أُخرى: فشل تحالف العدوان والأمريكيون برغم ما يمتلكونه من أدوات ضغط ونفوذ وماكينة إعلامية ضخمة، في ملامسة إرادَة ومصالح أبناء وقبائل مأرب، ومن بين كُـلّ الأُطروحات والصفقات التي تم تداولها، لم تنجح إلا مبادرة قائد الثورة في تقديم حَلٍّ عادل ومنطقي مُرْضٍ لأبناء المحافظة.
وعن المبادرة ومنطلقاتها وآليتها التي بات واضحًا أن أبناءَ مأرب قد استوعبوها جيِّدًا، يوضح عضو الوفد الوطني عبد الملك العجري مجدّدًا أن: “السيد القائد لم يقدم مبادرة مأرب؛ لأنه يخشى المواجهة، فهو رجل الحرب والسلام؛ بل لأنه لا يرغب بالحرب ولا يسعى لها ويفضّل السلام وحقن الدماء ولا يذهب لخيار الحسم إلَّا بعد أن يستنفد كُـلّ سبل السلام، وبعد أن يشهد الشعب والعالم على ذلك، بعدها يترك الأمر لفتية مؤمنين أولى بأس لصناعة الحسم الكبير”.
ويشير نائب وزير الخارجية، حسين العزي، إلى المأزق الذي يضع فيه العدوّ نفسه من خلال رفضه لمبادرة قائد الثورة وأمثالها من المبادرات العادلة التي تطرحها صنعاء، حَيثُ يقول: “قدمنا رؤىً ومبادراتٍ لسلام دائم وشامل راعت حقوق شعبنا وحقوق الآخرين في إطار من الالتزام بقيم الحق والإنصاف والواقعية لكن خصومنا مع الأسف يرفضون وكأنهم يريدون إثباتاتٍ إضافيةً على أن رفضَهم للحلول الصحيحة كان خطأً كارثياً وأن الحصار والعدوان والاختناق بلُغة الكراهية والفجور لم يكن عملاً حكيماً”.
وبالتالي فإن التحَرّكَ العسكري لقوات الجيش واللجان في مأرب، والذي يبذل العدوّ جهوداً كبيرة في محاولة “شيطنته” وتصويره كفعل عدواني، ليس هو السمة الرئيسية لموقف صنعاء بخصوص ملف مأرب، وهذا ما أظهرته بالفعل المتغيرات الميدانية التي شهدتها المحافظة خلال الأسابيع الماضية، فتحرير حريب والعبدية والجوبة وجبل ومراد لم يحدث نتيجة التحَرّك العسكري وحده، بل أَيْـضاً نتيجة تحَرّك قبَلي ومجتمعي على نفس الدرجة من الأهميّة، إذ وصل إلى حَــدِّ تأمين مديريات كاملة (ومهمة استراتيجياً بالنسبة للعدو) بدون أية مواجهات تقريبًا، أَو بمواجهات محدودة وسريعة جِـدًّا.
ويبدو واضحًا لكل من يراقب بإنصاف أن أولويةَ السلام والمصالحة لم تغب لحظةً واحدةً بموازاة التحَرّك العسكري داخل المحافظة، ففي كُـلِّ المناطق يتم منحُ فرصة للمشاورات والتواصل مع الوجهاء والقبائل لتجنب القتال والانخراط في مبادرة قائد الثورة، ومع أن الحساباتِ العسكريةَ البحتة تكون مهيأةً لصالح قوات الجيش واللجان، إلا أن المواجهة لا تحدث إلا بعد طرق كُـلّ أبواب الحل السلمي، وعندما تحدث يلاحظ بوضوح أنها تكونُ مرتكزةً بشكل كامل على أوكار ومناطق تمترس قوى العدوان والمرتزِقة التي تكون هي دائماً العائق الأول والأخير أمام الخيارات السلمية.
هذا الأمر يجعل مبادرة قائد الثورة “التصالحية” مُستمرّةً في تصدر المشهد برغم احتدام المواجهات العسكرية مع المرتزِقة، وهو ما يعني شيئاً واحداً فقط: أن العدوّ أصبح معزولاً بالكامل عن المجتمع وأبناء القبائل في مأرب، وحتى محاولته للتمترس بهم، وتضليل العالم إعلاميا بأن جزء منهم يساندونه، لم تعد تنفع.
وهذا ما يؤكّـدُه كبارُ المرتزِقة أنفسهم اليوم، عندما “يناشدون” النشطاء والمراقبين ووسائل الإعلام، بالتوقف عن “شخصنة” المعركة في مأرب، وعدم حصرها على حزب الإصلاح ومجنَّدي تحالف العدوان؛ لأن هذه “المناشدة” تعني بوضوح أن كُـلَّ ذلك التضليل المكثّـف تحت عناوين “الإنسانية” و”الجمهورية” وغيرها، والذي تشارك فيه آلةُ الإعلام الدولية المتواطئة مع تحالف العدوان، لم ينجح في إقناع أحد بأن الذين يقاتلون تحتَ راية السعوديّة في مأرب هم أبناؤها وقبائلها، وبروز هذه الحقيقة بهذا الشكل الفاضح هو أحدُ مفاعيل مبادرة قائد الثورة التي حرمت العدوّ من أي غطاء شعبي يمكنه الاختباءُ خلفَه.