عشرة أسرى يلتقون جلادَهم
أمير الدين جحاف
الزمان: صباح السبت، ١٥/ ربيع الآخر/ ١٤٤٣ هـ، 20/ نوفمبر/ 2021م.. استيقظت على اتصال في الصباح الباكر.
– ألو، الأخ أمير الدين.
– نعم.
– يا أخي تم استدعاؤكم لزيارة أحد الأشخاص أنت وبعض زملائك لو تكرمت تكون عندنا بعد ساعة.
مضيت مسرعاً للمكان وَأنا أفكر في نفسي لمن ستكون الزيارة وَهنالك خارجاً وجدت رفاقاً لي جمعتنا زنازين المعتقلات بمأرب وجمعتنا سنوات العذاب والقهر والظلام والتغييب والصعق الكهربائي.
جمعنا جبروت الجلادين وساديتهم وعذابهم.
كنا عشرة أشخاص أنا، وليد القطواني، محمد الشرفي، إبراهيم سلبه، نصرالدين الرغواني، حمود أبو دنيا، محمد سلبه، محمد المطري، يحصب الحيدري، أيمن الهيصمي، لم نعرف بعضنا من قبلُ، منا المريض والتاجر والطالب والمغترب وأسير الحرب وفي زنزانة الظالمين تعرفنا على بعض وتوحد أنين عذاباتنا وَأوجاعنا.
بدأنا جميعاً نتساءل ما سر دعوتنا؟ ماذا هنالك؟ ليبدد فضولَنا قدومُ أحد المسؤولين ليتحدث معنا.
كنتم جميعاً معتقلين في سجن الأمن السياسي بمأرب المعروف ببطش جلاديه، وجميعُكم ذكر جلاداً بعينه اسمه أبو عياش والحمد لله تم أسره وأردنا أن تتعرفوا عليه وتأكّـدوا لنا أنه هو.
تحدث المسؤول أمامنا بكل إيجاز ولكن وقع كلماته علينا كان صادماً.. فعندما ذكر اسمَه استعادت نفوسُنا وَقْعَ تلك السنوات العصيبة من العذاب.. أبو عياش ذلك الجلاد المجرم الذي حوَّلنا لفئران تجارب يمارس عليها ساديتَه.
كان يتباهى أمامنا بأنه خريج من جامعة الإيمان وأن تعذيبنا هو توجيهات؛ ولهذا كان يتفنن في إهانتنا وعذابنا وصعقنا.. كان يدحرجنا كدباب الغاز ليشبع رغبتَه في السخرية منا.. يمنعنا من التبول حتى نتسوله ذلك ليشبع ساديتَه.. كان يضربنا بالكابلات ويرغمنا على النوم والاستيقاظ متى ما أراد.. كان يقذفنا دائماً بألفاظ نابية ليريح نفسيته..
ساعات.. وأيام.. وأشهر.. وسنين لم نرَ وجهاً غيره وعذابه وصراخه.
لكن إرادَة الله شاءت أن نلتقي الجلاد في ذات الموقف فما أعظم ملكك يا الله تنزع الملك ممن تشاء وتعطي الملك لمن تشاء وَما أعظم عدلك يا الله وما أقصر الدنيا.
هكذا كنت أحدث نفسي وأتذكر شريط تلك الذكريات الأليمة.
عندما شاهدنا شخصاً من خلال الزجاج في الغرفة المجاورة وَبرفقته اثنين من الحراس.
اجلسوه لينتظرنا على الكرسي.. دخلنا عليه أنا وَرفاق الأسر، رمش بعينيه ليستطيع الرؤية جيِّدًا ليتعرف على الأشخاص الواقفين أمامه ويتفاجأ بنا ليشحب وجهه وترتعش يداه.
ويصرخ باسمي وَبأسماء زملائي، وتبدأ المواجهة التي لن أنساها ما حييت في موقف لن يمحى من الذاكرة.
حدثناه بكل أدب، كم كنا مشفقين عليه ومتألمين حتى وهو يعذبنا.. أخبرناه كم ظللنا لزمن نعاني من آثار تعذيبه.. أحدنا أراه يده التي ما زال فيها آثار الكيبل الخاص به.
أراد أبو عياش خلع قميصه وهو يرتجف وطلب منا الأخذ بحقنا.
أخبرناه أننا قادرون الآن على إيذائه ولكن قيمنا ومسيرتنا لم تعلمنا الانتقام من أحد، وأنت كنت مُجَـرّد ضحية تضليل وأدَاة لغيرك.
قمت بكل هدوء نحوه وقبلته في رأسه ودعوت له بالهداية وأخرجت من جيبي كُـلّ ما كان معي من مبلغ وكذلك قام رفاقي بتقبيله وإعطائه ما كان بحوزتهم من مبالغ ودعونا له وودعناه.. وودعنا هو بتأنيب وحسرة مهولة وعينين دامعتين ويديه لم تتوقف من الارتعاش.
وقفلنا عائدين بعد أن طوينا صفحة من عذاب تجاوزناها باليقين بالله والإيمان بعدله وانتصرنا لقيم مسيرتنا القرآنية وتوجيهات القيادة الربانية التي تحثنا على العدل والتسامح والعفو ومقابلة الإساءة بالإحسان.
هكذا انتهت زيارة الأسرى العشرة لجلادهم بالسجن بعكس شناعة موقفهم من إعدام أسرانا العشرة.