انتصارٌ آخر للدبلوماسية الإيرانية
في نسختها السابعة.. مفاوضات فيينا واستئنافُ عمل الخبراء بشأن رفع الحظر
المسيرة / متابعة خَاصَّة
فيما بريطانيا تفاوِضُ إيرانَ في فيينا، تتعهَّدُ في الوقت نفسه لـ “إسرائيل” بمنع برنامج طهران النووي، بعد فشلِ الأخيرة من التأثير على مسارات واشنطن، لكن ثمة مؤشراتٍ هذه المرةَ تعكسُ خيبةً جديدةً لآمال الكيان الصهيوني في عرقلة التوصل إلى اتّفاق في هذه المفاوضات.
رئيسُ الدبلوماسية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، أكّـد أن طهران تريد ضمانات أمريكية؛ كي لا يتكرّر سيناريو عام 2018م، حين انسحب دونالد ترامب من الاتّفاق النووي، كما أن ليس لدى الإيرانيين ترَفَ الوقت لكي يسمحوا بالمماطلة أَو التسويف.
لا شك أن المفاوضات النووية الحالية بنسختها السابعة وُصفت بالمهمة والمعقَّدة والشائكة والمتشعِّبة، وقد تخرُجُ الاتّفاقُ النووي من العِناية الفائقة التي دخلها قبل سنوات، ورغمَ الأجواء الإيجابية والتصريحات المفعَمة بالأمل إلا أنه لا ينبغي الإغراقُ في منسوب التفاؤل، لا سِـيَّـما أن الأمريكي لطالما وعد ولم يفِ، ولم يلتزمْ بأيٍّ من عهوده.
أول الانتصارات
إلى ذلك، فثمة مؤشراتٌ إيجابية لا يمكن تجاهلها، إذ بات الانتصار الجديد للدبلوماسية الإيرانية مسألة وقت، ومن هذه المؤشرات، نقل مكان انعقاد مفاوضات فيينا من فندق غراند اوتيل إلى فندق كوبورغ، حَيثُ تم التوقيع على الاتّفاق النووي عام 2015م، وهذا الأمر بالطبع له رمزيته ودلالاته.
وصولُ كبير المفاوضين الإيرانيين نائب وزير الخارجية، علي باقري كني، يرافقه وفد كبير مؤلف من 40 شخصية متخصصة وخبيرة في مجالات الاقتصاد والتجارة والمال والمصارف والحقوق والسياسة والدبلوماسية والذرة، يؤكّـد جدية الموقف الإيراني ورغبة طهران في المفاوضات، وأنها تريد التفاهم للعودة إلى الاتّفاق النووي، بالطبع هي تريد إلغاء الحصار والقرارات الظالمة ضدها، وهو الهدفُ الرئيسُ لعودتها إلى فيينا، فالتفاوض مِن أجلِ التفاوض هو فَخٌّ أمريكي لا تريد إيران أن تقعَ فيه مجدّدًا، كما أن هذا الوفدَ الإيراني الكبير يدحَضُ كُـلَّ ما يثيرُه الإعلامُ من شائعات عن أن إيران تريد تطييرَ المفاوضات، أَو ترفُضُ العودةَ إلى الاتّفاق النووي.
تفاوُضٌ غيرُ مباشر مع الأمريكي
رفض الجمهورية الإسلامية الجلوس والتفاوض المباشر مع الموفد الأمريكي إلى فيينا، حَيثُ يجلس الأمريكي في غرفة مجاورة وحيداً، فيما تحاور إيران مندوبي دول 4+1 بشكل مباشر في القاعة الرئيسية، كما كان الأمر في جلسات التفاوض الست السابقة، ما يعني أن الأمريكي أَيْـضاً رضخ مجدّدًا للشرط الإيراني، خلافاً لما يثيره بعض الإعلام أن إيران رضخت بعودتها إلى المفاوضات، كما أن هذا الموقف الإيراني هو درس في الكرامة والسيادة للأمريكيين، وَأَيْـضاً للدول الخانعة والمنبطحة أمام المشروع الأمريكي في المنطقة.
موعدُ جلسة المفاوضات.. تمرير رسائل
إيران هي من حدّدت تاريخَ وموعدَ انعقاد الجلسة السابعة من المفاوضات في 29 نوفمبر، وهو ذكرى استشهاد العالم النووي مجيد شهرياري؛ لتمرير مجموعة رسائل، منها، أولاً التذكير بأن إيران قدمت الشهداء في سبيل برنامجها النووي وهي ليست على استعداد للتنازل أَو التراجع عن حقوقها المشروعة والقانونية، وثانياً إحياء قضية اغتيال العلماء النوويين والإضاءة على جرائم الموساد الذي ثبت تورطه فيها وضرورة محاسبته، ثالثاً تذكير مندوبي الدول الغربية بأن هؤلاء الشهداء النوويين إنما سقطوا بفعل خيانة من قبل بعض مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذين سربوا المعلومات وعملوا جواسيس لصالح الموساد والمخابرات الأمريكية.
الموفد الإيراني يمتلك اليوم أوراقَ قوة إضافية قد تساهم في دفع الأمريكيين والأُورُوبيين للقبول بالعودة إلى الاتّفاق، واهمها انها تفاوض وهي تواصل عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء عالٍ 60 %.
نوايا إيرانية صادقة
إظهار الأُورُوبيين الرغبةَ بإنجاز تفاهم ما، لهذا وقبيل انطلاق المفاوضات في فيينا أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني السيد إبراهيم رئيسي استغرق ساعة ونصف ساعة، علماً بأن الأُورُوبيين كانوا قدَّموا اقتراحاً أولياً ووسطياً (في حال لم يتم العودة الكاملة إلى الاتّفاق) من مبدأ “التعليق مقابل التعليق”، أي أن تعلّق أمريكا العقوبات، وفي المقابل تعلّق إيران عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة.
يتضح من خلال المعطيات أن النوايا الإيرانية صادقة وواضحة وجلية، فيما يسأل أَو ربما يشكك البعض بالنوايا الأمريكية، فهل أمريكا صادقة بالعودة إلى الاتّفاق؟ أم انها مناورة وتكتيك جديد ومضيعة للوقت؟، وانها تريد التفاوض لاجل التفاوض، والإيحاء للرأي العام العالمي أن طهران ترفض العودة إلى الاتّفاق، وبالتالي إحالة القضية النووية إلى مجلس الأمن مجددا؟.
حاجة أمريكا للعودة إلى الاتّفاق
ثمة مؤشرات ومعطيات جديدة يبدو أنها السبب وراء رغبة الرئيس جو بايدن هذه المرة للعودة إلى الاتّفاق النووي، فقد كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة عن تراجع شعبيّة بايدن والديموقراطيين، وثمة انتخابات للكونغرس ومجلس النواب بعد حوالي سنة، وبايدن بحاجة إلى إنجاز ما لاستعادة شعبيته.
أمريكا بحاجة للعودة إلى الاتّفاق النووي كمقدمة لبدء الحوار سواء المباشر أَو غير المباشر مع إيران لترتيب أوضاع قواتها في المنطقة التي تنسحب منها، ولو أن هذا الانسحابَ إنما هو تكتيكٌ وإعادة تموضع، ومخطئٌ مَن يظن أن أمريكا تريد ترك المنطقة ونفطها وثرواتها وتتخلى عن “إسرائيل” وحمايتها، لكنها بحاجة إلى الحوار مع إيران، أولاً لتغطية انسحاباتها وحماية حلفائها؛ كي لا يتكرّرَ مشهدُ الانسحاب المُذِلِّ من أفغانستان، في العراق وسوريا لا سِـيَّـما أن محور المقاومة اتخذ قرارَه بإخراج الأمريكي من غرب آسيا، وبدأ بالفعل التنفيذ (قصف قاعدة التنف الأمريكية في سوريا)، وأمريكا تشعر بوطأة وخطورة الخروج من المنطقة تحت نار المقاومين في سوريا والعراق واليمن ودول أُخرى.
فيما فشلت الضغوط الاقتصادية القصوى على إيران والحصار وسياسة العَصا والجزرة، أقر المسؤولون الأمريكيون، غيرَ مرة، بأن سياسة الاحتواء والحوارَ مع إيران هي الخيار الوحيد المتبقي بعد سقوط كافة الخيارات بما فيها الخيار العسكري، وهذا لا يعني إطلاقاً أن المواجهةَ بين طهران وأمريكا ستنتهي بعد العودة إلى الاتّفاق النووي، بل الصراع سيظل مُستمرًّ إنما بأساليبَ وطرق مختلفة، ما دامت أمريكا الشيطان الأكبر كما يصفها الإيرانيون، وخشية أمريكا من تعاظم قدرات وإمْكَانيات إيران النووية، وعدم القدرة على احتوائه، أَو فرملة عجلة القطار النووي الإيراني الذي يسير بوتيرة متسارعة.
فرائضُ ترتجفُ من عودة الاتّفاق النووي
جميع المواقف والمؤشرات تؤكّـد أن واشنطن تفاوض إيران نووياً لكن عينها على الدور الإيراني في المنطقة وعلى صواريخها الدقيقة، وقلقها على أمن الكيان الصهيوني، ولا شك أن مفاوضات فيينا النووية سواء نجحت أَو فشلت كسابقاتها، ستنعكسُ على قضايا وملفات المنطقة، وثمة من ينتظر بل ترتجف فرائضه من العودة الأمريكية إلى الاتّفاق النووي، إلا أن الثابتَ والواضحَ وضوحَ الشمس في رابعة النهار، أن محور المقاومة اليوم أقوى مما مضى، ويبدو أنه يتهيأ إلى مرحلة انتقالية، من الدفاع إلى الاندفاع، على قاعدة أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، لا سِـيَّـما مع التراجع الملحوظ للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وتنامي أقطاب جديدة، من بينها محور المقاومة.