الأطماع الأمريكية البريطانية.. محاولة ترسيخ الأقدام على أرض اليمن

 

المسيرة- إبراهيم العنسي

تتقدَّمُ بريطانيا مشهدَ احتلال المحافظات الجنوبية، مستعيدةً أطماعَ الماضي بالسيطرة على سواحل ومحافظات اليمن الاستراتيجية، إذ لم يكن المجيءُ بتمثال الملكة فيكتوريا ونصبه بحديقة التواهي عام 2012 مصادفةً كما لم تكن تصريحات سفير أمريكا ما قبل الربيع العربي حول ضرورات تغيير النظام السياسي في اليمن مصادفة.

إن اهتمامَ بريطانيا بالتفاصيل السرية لقوات البحرية اليمنية لم يكن ترَفاً معلوماتياً، لقد كان المحتلّ يعيد ترتيبَ أوراقه مع أتباعه من جديد للعودة بسواعد اليمنيين أنفسهم، وعلى دماء أبناء اليمن دون غيرهم ليحتلَّ هذا البلد، أَو لنقل ليسيطر على منافذه وموانئه وَجغرافيته الاستراتيجية، في وقت يتطلع العالم لمشاريع عملاقه ستجني من ورائها الكثيرَ من الدول المال الوفير حين تمزقت وتشتَّت أيادي سبأ.

لقد سعت بريطانيا إلى تحقيق أهدافها في المنطقة بتعميقها التعاوُنَ مع السعوديّة والإمارات الباحثتَين عن المزيد من الحماية والاستقواء في آن؛ تمهيداً لتقسيم اليمن والعودة لاحتلال الجنوب، وهو ما بدا من تصريحات رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي في لندن ودعوته بريطانيا للعودة إلى اليمن.

لقد أظهرت تصريحات المرتزِق عيدروس الزبيدي الأطماعَ البريطانية في دعم الانفصاليين وإرساء قواعدَ لها في البحر الأحمر والخليج، ومن ثَمَّ محاولات السيطرة على المحيط الهندي، والوصول للسيطرة الاقتصادية والسياسية في المنطقة، وكان التخطيط البريطاني يجري في ظل صراعات وتناقضات وفوضى عاشتها اليمن في ظل نظام سابق كان بوابةً لاختراق اليمن من كُـلّ اتّجاه.

أواخر التسعينيات استضافت لندن قياداتٍ جنوبيةً ما بعد حرب 1994 رغم اعتراضات صنعاء وقتَها على ذلك الموقف البريطاني الذي كان يحيك خيوط لعبة المستعمر القديم على هون، مع إدراك أن الفوضى التي خلقها تنازعُ سياسيي ومشايخ اليمن على الحكم والنفوذ والثروة آنذاك سيقودُ إلى تمزيق البلاد عاجلاً أَو أجلاً.

وفي الموفمبيك، ظهر التأثيرُ البريطاني أكثرَ وضوحاً إلى جانب تماهيه مع أهداف واشنطن، ومن بعدها السعوديّة ودول الخليج الطامعة في نفوذ وتأثير في الدولة اليمنية، وبدا تقسيم اليمن لأقاليم أهمَّ مؤشرات الأطماع الخارجية.

وللتذكير، فَـإنَّ سفير بريطانيا آنذاك ذكّر المتحاورين بعدم تجاوز الخطوط الحمراء، بإشارته إلى الإقليم الصحراوي الذي يضم المحافظات الشرقية، كأبرز هذه المناطق المحظورة لصالح القوى الدولية، حَيثُ هناك الثروة الوطنية التي تنامُ عليها رمالُ اليمن.

لقد كان الدورُ البريطاني في اليمن أكثرَ وضوحاً بإنشاء كيانات سياسية وعسكرية يمنية في هذه المناطق الحيوية، بدءاً بالمجلس الانتقالي الجنوبي في أيار/مايو 2017، ثم المكتب السياسي لما يسمى “المقاومة الوطنية” في آذار/مارس 2021 للخائن طارق عفّاش، وتحت مظلتهما تنطوي العديدُ من التشكيلات العسكرية التي تحظى بتأييد واضح من قوى دولية فاعلة انسجمت مع ما أنجزه المبعوثُ الأممي السابق مارتن غريفيث، بضم انتقالي الإمارات تحت مظلة “الشرعية” ثم الاعتراف به وترسيخ وجوده باتّفاق الرياض وزيارة رئيسه “الزبيدي” للندن في آذار/مارس 2019 بدعوة من مجلس العموم البريطاني.

كذلك ترحيبُ السفير البريطاني السابق في اليمن “مايكل آرون” مع إشهار المكتب السياسي لجبهة طارق عفاش واجتماعه افتراضياً، بالإضافة إلى إشراك مليشيا الانتقالي في الحكومة بموجب “اتّفاق الرياض”، وفتح مكاتب له في كُـلّ من واشنطن وكندا والاتّحاد الأُورُوبي، كاعترافٍ غير معلَن.

 

جواسيسُ في صنعاء.. خبراءُ في الرياض

في صنعاءَ، كشفت الأجهزةُ الأمنيةُ عن الخلايا التي تُدار مباشرةً من قبل المخابرات البريطانية جواسيسَ تعملُ على رصد تحَرّكات الجيش واللجان الشعبيّة ومواقع إنتاج المنظومات الصاروخية والطائرات المسيّرة.

وفي الرياض، هناك 6300 خبير وفني بريطاني يشاركون القوات السعوديّة في عملياتها وعدوانها على اليمن، من خلال الإعداد والتجهيز وصيانة الطيران الحربي، وإدارة غرف العمليات والتحكّم والسيطرة والمراقبة.

ومع اعتراف لندن بوجود هذا العدد من خبرائها، والمهام التي يتولّونها، إلا أنها تدّعي أنهم يعملون في شركات أمنية خَاصَّة، وهكذا لا بُـدَّ أن تبرّر تحَرّكاتها؟

وَعلى المستوى السياسي، تُعتبر لندن المسؤولة عن المِلف اليمني في مجلس الأمن مع تبنيها الكثيرَ من المواقف السعوديّة التي تؤكّـد توافق المحتلّين.

وكانت السعوديّة وقّعت، بداية العام الجاري، اتّفاقاً عسكريًّا مع بريطانيا لتنفيذ ما سمّتاه “أعمالاً أمنية” في محافظة المهرة، بدعوى “تعزيز أمن وسلامة الملاحة الدولية ومكافحة تهريب المخدرات والسلاح”.

وعلى أَسَاس هذا، تتواجد قواتٌ عسكرية وأمنية بريطانية، إلى جانب قوات أميركية وسعوديّة، في مطار الغيضة وعشرة مواقعَ أُخرى، وهو ما سبقه قيام وفد من كبار ضباط المخابرات البريطانية، برفقة مسؤولين سعوديّين، بزيارة إلى المهرة.

 

الإمدَادُ بالسلاح

ويبرُزُ دورُ بريطانيا في العدوان على اليمن ليس فقط بإمدَاد الرياض وأبو ظبي بالسلاح وتقديم الخدمات اللوجستية، ففي السنتين الماضيتين، ضغطت بريطانيا على الدول الأُورُوبية التي أوقفت بيع السلاح والذخيرة للمملكة السعوديّة؛ بسَببِ قضية الصحافي جمال خاشقجي وثني تلك الدول عن قراراتها.

وتظل بريطانيا ثانيَ مصدر للسلاح للسعوديّة بعد الولايات المتحدة، مع العلم أن مملكة آل سعود تستورد ما مقداره 49 % من السلاح البريطاني، الأمر الذي يؤكّـد مدى استغلال لندن للرياض في جني المزيد من الأموال بما فيها رسوم حماية أمن الخليج التي نصحت بها واشنطن حليفتها بريطانيا واستثمار مخاوف دول الخليج، والتي تظهر في الملف اليمني كقوى محتلّة، فيما هي بالأَسَاس قوى تابعة ليس لها سوى تنفيذ أجندة القوى الدولية التي تطلب حمايتها.

وتتواجد قوات عسكرية أمريكية وبريطانية في مطار الغيضة الذي أصبح قاعدةً عسكريةً مغلقةً للقوات الأمريكية والبريطانية، وسط معلوماتٍ عن توجّـهات دولية لتحويله إلى مركز للقوات الدولية تحت مبرّر مكافحة الإرهاب، وربما كان خيرَ دليل على نوايا الغرب الاستعمارية الجديدة، وإن كان في عباءةِ خليجية أمام العالم.

 

مساعٍ لتدويل مياه اليمن

ومع هذا التواجد البريطاني الأمريكي في محافظتَي شبوة وحضرموت المحتلّتين، يمكن استعادة اتّفاقيات مضت للدول الكبرى تفسّر هذا السلوك والتواجد الغربي في محافظات الجنوب المحتلّة وإن كانت تتوارى عن الأنظار في ظل وجود سعوديّ إماراتي.

لقد كانت اتّفاقيةُ أعالي البحار سنة 1947م من القرن الماضي، والتي وُقِّعت بين كُـلٍّ من الاتّحاد السوفييتي وبريطانيا وأمريكا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، تسعى لتنظيم وجود القوى الكبرى في السواحل والموانئ وحقوق المرور وقضايا كبيرة تتعلق بمصالح الشركات الملاحية البحرية التي تتبع هذه الدول.

وفي 17 أغسطُس 2017م، أصدرت بريطانيا تحذيراً للسفن التجارية من احتمال شن هجماتٍ من اليمن عند باب المندب، ومع أنها لم تلقَ أيَّ اهتمام أَو تغطية إعلامية، مع حقيقة أنه لم يكن هناك أيةُ تهديدات تستهدف باب المندب ولا السفن التجارية ولا خطوط الملاحة البحرية، لكن استمرار خلق تلك الأحداث بنفس النمط المعهود كان بداية وتمهيداً لخطوات قادمة ستخطوها بريطانيا مع أتباعها في الرياض وأبو ظبي.

لقد كانت التحذيراتُ البريطانية متزامنةً مع مشروع بريطاني يتم إعدادُه لطرحه على مجلس الأمن، يتعلق بتدويل المياه الإقليمية اليمنية.

ولم تدُمِ التحذيرات البريطانية طويلاً حتى كان الحضورُ البريطاني فعليًّا في المناطق المستهدفة باعتراف مصدر في خفر السواحل في عدن بوجود خبراءَ بريطانيين في معسكرات خفر السواحل، وأن تواجدهم يتعلق بقوات خفر السواحل اليمنية وأن قوات من البحرية السعوديّة بانتظار دورٍ لها في السواحل اليمنية بإشراف بريطاني مباشر وبتوجيهات من الخبراء البريطانيين المتواجدين في عدنَ ويتخذون من مقر خفر السواحل في مدينة عدن مقراً لهم، بالإضافة إلى وجود قوات أُخرى في جزيرة ميون، وهذا ما يتماشى مع المراجَعة التي أجرتها حكومة بوريس جونسون بخصوص السياسات الخارجية، والتي من ضمنها تعميقُ التواجد البريطاني في آسيا بدوافعَ أمنية وعسكرية، ولو تحت ستار ذرائعَ كاذبة لتبرير التدخل العسكري الهادف إلى تثبيت الهيمنة مباشرة أَو من خلال دعم الأنظمة القمعية.

في ذلك السياق تحديداً، يمكن فهمُ قدوم قوة عسكرية بريطانية إلى محافظة المهرة اليمنية، في أعقاب استهداف الناقلة الإسرائيلية “ميرسر ستريت” قُبالة المياه العمانية في بحر العرب.، إذ يبدو أن المملكةَ المتحدةَ تواصلُ احتلالَ موقع الصدارة في الانخراط الغربي في العدوان على اليمن، في إطار عملية انتشار أوسع تشترك فيها لندن وواشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وُصُـولاً إلى خليج عدن.

ويمكن القول: إن ما تعرضت له السفينة “الإسرائيلية” لم يكن في سواحل المهرة كما أكّـدت قبائل المهرة، بل في ساحل سلطنة عُمان، إذ تقول مصادرها إن حادثةَ الهجوم على سفينة الشحن في أيار/ مايو 2020 وقع في منطقةٍ تتوسّط منطقتي قشن ونشطون، وأنه كان مدبراً من قِبل جهات استخباراتية دولية، وَأن منفّذي الهجوم فرّوا أمام أعين قوات خفر السواحل السعوديّة، دونَ استبعاد أن يكونوا أصلاً تابعين للقوات السعوديّة المتواجدة في ميناء نشطون.

كما قالت قبائل المهرة: إنَّ الأدلّة أكّـدت أن وراء كُـلّ حادثة سفن مفتعلة أَو مزعومة في سواحل المهرة هدفاً للاحتلال البريطاني السعوديّ الإماراتي، مشيرةً إلى أن “القوات السعوديّة زعمت، مطلع آذار/مارس 2020، إحباطَ هجومٍ استهدف ناقلة نفط في بحر العرب بأربع زوارقَ مفخّخة يتم التحكّم بها عن بعد جنوب شرق ميناء نشطون، وهو الميناء الرئيس لمحافظة المهرة، وأن تلك الحادثة التي قال التحالف إنها تُمثّل تهديداً بحرياً لأمن الطاقة العالمي وطرق المواصلات البحرية والتجارة العالمية للسفن، كانت مفتعَلةً من قبل “القوات السعوديّة” كذريعة للسيطرة على ميناء نشطون وطرد قوات “حكومة المرتزِقة” التي كانت مرابطةً هناك، وهو ما تم بعد ذلك بأيام بإنزال قوات بريطانية وأميركية في الميناء، ونقلها تحت حراسة مشدّدة إلى مطار الغيضة الدولي، الذي أصبح في ظل الاحتلال السعوديّ للمهرة قاعدة عسكرية سعوديّة -بريطانية_ أمريكية مشتركة.

وفي 17 آيار/ مايو 2020، أعلنت “هيئةُ عمليّات التجارة البحرية البريطانية” تعرُّضَ سفينة شحن تجارية لهجوم بالقرب من ميناء المكلا من دون أن تُقدّم دليلاً على ذلك.

وفي الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2020، قالت شركة “أمبري إنتيلجانس” البريطانية ذات المهام الاستخباراتية البحرية: إن سفينةَ شحنٍ ترفع عَلَم سيراليون، وتحمل اسم “حسن” تعرضت لهجوم إرهابي في سواحل قشن في محافظة المهرة، عندما كانت في طريقها إلى ميناء صلالة في سلطنة عمان.

واللّافتُ في كُـلّ تلك الحوادث، إعلانُ البريطانيين عقبَ كُـلِّ واقعة أن “السفينة وطاقمها بخير، ولم يصابوا بأي أذًى”، فيما استغرقت في تكثيفِ الأحداث المفتعَلة أَو الكاذبة لحشدِ التركيز عالميًّا حول أمن المياه الإقليمية اليمنية وتبرير أي تواجد عسكري غربي، وُصُـولاً إلى اتّفاقية أمنية مع الخليج؛ للمزيد من استثمار التوتر والقلق الحاصل لدى حُكَّام الخليج؛ لضمان ضَخِّ المال السعوديّ الإماراتي لخزانة بريطانيا كما تفعل أمريكا، مع ترسيخ الأقدام في جغرافية اليمن حَيثُ الثروة الكامنة التي ترنو أبصارُ بريطانيا إليها إلى جانب أطماعها في السيطرة على هذه المناطق الاستراتيجية ذات الإمْكَانيات الهائلة التي لم يقدر اليمنيون قيمتَها ذات يوم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com