المناطقُ الصناعية.. تجربة تايلاند
محمد عبدالمؤمن الشامي
المناطق الصناعية هي تلك المناطق التي يتم تصميمها؛ مِن أجلِ التنمية الصناعية، تُخصَّصُ للصناعات وتجهَّزُ بجميع أنواع الخدمات والتسهيلات والمنشآت التي تتطلَّبُها الصناعات، ولقد وضعت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية تعريفاً جامعاً وموحداً، حَيثُ عرفتها بأنها قطعة أرض تم تطويرها وتقسيمها إلى وحدات صناعية ووفقاً لخطة شاملة وتتوفر في هذه المنطقة خدمات البنية التحتية (ماء، كهرباء، صرف صحي، طرق، اتصالات).
إن فكرة المناطق الصناعية ليس بالأمر الجديد، بل تعود إلى العصور الوسطى في عهد الرومان، حَيثُ نشأت بهَدفِ زيادة النشاط الاقتصادي والتجاري ولتحقيق مصالح وأهداف إمبراطورية الرومان، أما تطبيق فكرة المناطق الصناعية فهي تعود لعام 1896، حَيثُ أقيمت أول مدينة صناعية في العالم في مدينة مانشستر البريطانية، ولحقتها مدنية شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1899، تليها مدنية نابولي الإيطالية في عام 1904، وبدأت المناطق الصناعية في الانتشار على نطاق واسع في العالم سواء في الدول النامية أَو المتقدمة، لذلك يحظى إنشاء وتطوير المناطق الصناعية بأهميّة كبيرة من قبل دول العالم نظراً لأهميتها بالنسبة لعملية التنمية الصناعية ودورها في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
لذا من المفيد هنا ذكر تجربة تايلاند في مجال إنشاء وإدارة المناطق الصناعية كأحد التجارب التي استطاعت أن تنمو باقتصادها من خلال سعيها إلى تطوير المناطق الصناعية؛ مِن أجلِ تنمية صناعية فعالة ورائدة، حَيثُ استخدمت المناطق الصناعية كأدَاة للحفاظ على الموارد الطبيعية، وزيادة الإيرادات، وتطوير القدرة التقنية في عدة مناطق، وتدير هيئة المدن الصناعية في تايلاند 13 منطقة صناعية عامة، وتشترك مع القطاع الخاص في إدارة 14 منطقة صناعية ملكية مشتركة، وتساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية، ويتمثل دور هيئة المدن الصناعية بمنح الأراضي وإصدار رخص التشغيل، وإدارة الخدمات وأنظمة معالجة المخلفات، ومراقبة البيئة، وتوفير الأمن، والإدارة الضريبية، وتختلف الحوافز المقدمة للمناطق الصناعية في تايلاند باختلاف موقعها وخَاصَّة قربها أَو بعدها عن بانكوك العاصمة، حَيثُ أن المناطق الصناعية القريبة من العاصمة تحصل على محفزات مثل إعفاء من ضريبه الدخل 5 سنوات وتزيد فترة السماح من ضريبة الدخل للمناطق الصناعية البعيدة عن العاصمة لتصل إلى إعفاء كامل لمدة 8 سنوات و50 % من الضريبة عن 5 السنوات التالية، أما المناطق الصناعية المحيطة بالعاصمة تحصل على الحد الأدنى من الحوافز مثل إعفاءات من ضريبة الدخل لمدة ثلاث سنوات، وتتمتع المناطق الصناعية بالامتيَازات والحوافز مثل خصم على رسوم الاستيراد للمواد الخام والمعدات وخصم على العلامات التجارية وبراءات الاختراع لمدة خمس سنوات وخصم 10 % على قيمة الكهرباء لمدة خمس سنوات من تشغيل المشروع وخصم على ضريبة المبيعات للمنشآت العاملة في المناطق الصناعية يصل إلى 90 % لمدة أقصاها خمس سنوات، وتعد تجربة تايلاند مثالاً للعمل المشترك بين القطاعين العام والخاص في مجال التنمية الصناعية وتطوير المناطق الصناعية.
وأخيرًا لا بُـدَّ من الإشارة إلى أنه يجب الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في تكوين وإدارة المناطق الصناعية والتي أصبحت من أهم ركائز التنمية الاقتصادية التي يُعتمَدُ عليها لإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وَخُصُوصاً أن المناطق الصناعية في بلادنا بحاجة ماسّة إلى سياسة صناعية مدروسة تعمل على تهيئة البيئة الملائمة للاستثمارات الصناعية في إطار سياسة الدولة لتحفيز وجذب الاستثمارات بدءاً من توفير بيئة تشريعية وقانونية مواتية تشجع الإنتاج المحلي ووضع المعايير والأسس الكفيلة والعملية التي من شأنها تطوير هذه المناطق الصناعية وفق خطط مدروسة من شأنها النهوض بالقطاع الصناعي والنهوض بالاقتصاد الوطني.