المشروعُ القرآني وإصلاحُ الأُمَّــة
عبدالرحمن مراد
ما تزال السعوديّة تصر على استنفار مشاعر أهل اليمن ضدها من خلال ما تقوم به من حركة دؤوبة ومن إصرار على الإبادة الجماعية لليمنيين، مئات الغارات تنفذها الطائرات كُـلّ يوم على مدن وقرى آهلة بالسكان، وكادت أن تقصف كُـلّ مربع سقفه من مادة الزنك في العاصمة وفي المدن الثانوية، ويبدو أن قادة المملكة فقدو حالة التوازن النفسي والمعرفي وفقدوا مقاليد السيطرة ولذلك يتخبطون فيقصفون كُـلّ شيء يدب على الأرض ثم يذهب متحدثهم العسكري إلى تبرير قصفهم وتخبطهم في حالة دالة على المستوى النفسي الذي وصل إليه النظام السعوديّ، فالشعور بالهزيمة تفصح عنه التصرفات التي تكون تعبيراً عنه، وقد رأينا ذلك في أثر الغارات والقصف المدفعي خلال سوالف الأيّام.
لقد ثبت للسعوديّة ولنظامها خلال سوالف الأعوام والسنين أن الواقع لم يعد خاضعاً لسيطرتها وفقدت مقومات وعناصر قوتها في اليمن، ووصلت إلى يقين مطلق لا يقبل الشك أن المرحلة لم تعد في صالحها مطلقاً، ولذلك لا بُـدَّ أن تعيد حساباتها وتوقف عدوانها على اليمن، ولا مناصَ لها غيرُ الخضوع والنزول عند اشتراطات الواقع الذي أفرزته المرحلة، لقد كانت تحسب حساباً فخاب بها الظن من حَيثُ ظنت القدرة والتمكين كما كانت توحي تصريحات القادة العسكريين والمدنيين.
في اليمن اليوم واقع جديد، وقوى لا تساوم على الحريات والكرامة والسيادة وليس في أجندتها المساومة والبيع كما كان يفعل أُولئك القادة في العقود السوالف من الزمن، فيقظة حس الحرية وبروز المشروع القرآني كان عاملاً مهماً في تحريك الهُــوِيَّات الثقافية والإيمانية والحضارية، ومن حق اليمن كدولة ذات عمق تاريخي ومستوى حضاري وثقافي متقدم أن تستعيد وعيها بذاتها وتخرج من مربعات الوصاية والهيمنة على القرار وتأخذ بمبدأ المبادرة والريادة وتقود المرحلة بعد أن وصل العالم العربي والإسلامي إلى يقين كامل بفشل المشروع الوهَّـابي الذي صنعته بريطانيا وكان عنصراً معيقاً لحركة التقدم والنهضة العربية والإسلامية.
لم تكن الوهَّـابية حركة نهضة منذ نشأتها بل الثابت في تاريخها أنها كانت حركة هدم وتدمير في متوليات العقود وها هي اليوم تكشف عن نفسها فهي تدمّـر في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي لبنان وقد سبق لها ممارسة حركة التدمير في أفغانستان قبل أن تشرع في تدمير بعض الحواضر العربية ذات العمق التاريخي والحضاري مثل دمشق وبغداد وصنعاء.
نحن في اليمن رغم الحصار والعدوان ورغم تكالب العالم من حولنا علينا إلا أن مشروعَنا ينمو ويتطورُ وتحيطُه عنايةُ الله من كُـلّ جانب، بدليل أنه بالقياس إلى القدرات المادية والى الحصار البري والبحري والجوي إلا أننا نشهد نمواً مطرداً للمشروع القرآني، وانحساراً في المشروع الذي يستهدفنا بل وانكساراً وهزائم متوالية رغم تفوقه المادي والعسكري واستخدامه للتقنيات المعاصرة، وبعد مرور أكثر من 7 أعوام متوالية من الحصار والقصف ومن الإنفاق السخي على الاستراتيجيات التي تستهدف اليمن، إلا أن اليمن تمكّن رغم كُـلّ ما يحيط به من أسباب الفناء والهزيمة قلب المعادلة العسكرية لصالحه بل أصبح يملك زمام المبادرة ويتحكم في مسار المعركة وفي مقاليد المستقبل بقوة الإرادَة وبقدرته على الصمود وبالإيمان بعدالة القضية وبالثقة بوعد الله بالنصر المبين.
لم تعد اليمن اليوم ذلك البلد الفقير وفق الصورة النمطية التي سادت في القرن العشرين وبداية الألفية بل أصبح ذلك البلد القوي الصامد الذي يملك القوة والإرادَة في صناعة المستقبل، وذلك البلد الذي قهر تحالفًا دوليًّا أراد غزوه ونهب مقدراته وهو بذلك قد استعاد الصورة النمطية التاريخية التي تتحدث عن قهره للغزو الروماني الذي ذاب في صحراء صيهد وأصبح حديثاً وقصصاً وحكايات يتداولها الناس في أمثالهم ومقائلهم وسمرهم، فكانت تلك المقولة التاريخية والتي تجددت زمن الغزو العثماني لليمن وهي قولهم: اليمن مقبرة الغزاة.
لقد برز المشروع القرآني كحالة إصلاح للأُمَّـة ولذلك يلقى عنتاً وظلماً لكنه ظاهر بتوفيق من الله ووفق سننه وفطرته في كونه، فهو يبعث لها على رأس كُـلّ قرن من يجدد لها أمور دينها فكان المشروع القرآني هو السبيل القويم لعودة الأُمَّــة إلى جادة الصواب.