حرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أن تشمل جولته الأخيرة كل العواصم الخليجية، بغرض تحسين العلاقات داخل البيت الخليجي، وتصفير الخلافات كما عبر عنها الإعلام السعودي، هذا هو ما يريد ابن سلمان وضعه في الصورة، لكن البيانات الثنائية في كل عاصمة، تقول أشياء أخرى، بدلالات مزدوجة، ظاهرها الدعم، وباطنها التوريط، والرغبة في إبقاء ابن سلمان في ورطته وغرقه أكثر فأكثر في أعقد مشاكله على الاطلاق، وهي ورطته في اليمن.
البيانات الخليجية تناولت في بعضها الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك، حسب تعبيرها، وكانت القضية الأبرز هي اليمن، المؤرقة للأمير الطامح الى العرش، والتي أجمعت البيانات على ذكرها، مع اللازمة السعودية (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) ومبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية)، مع التأكيد على أن ذلك ناتج عن تطابق وجهات النظر.
صيغة البيانات تكاد تكون نفسها، عبارة عن نسخ لصق، صاغها فريق محمد بن سلمان، قبل وصوله إلى كل بلد، حسب ما يريد هو منهم قوله، مع إدخال بعض التعديلات التي تناسب كل بلد على حدة، وستكون تلك الصيغة هي صيغة بيان ختام القمة الخليجية المرتقبة أواخر الشهر الجاري.
كان لافتاً أن اتفاق الرياض، بين المرتزقة، لم يأت على ذكره إلا البيان الإماراتي السعودي، بما يعني أن ذلك الاتفاق، هو شأن خاص بهما، لإدارة خلافاتهما في اليمن، ويؤكد أيضا عدم تطابق وجهات النظر بشكل تام، والأمر ينسحب على بقية البيانات، من حيث عدم التطابق، لتصبح المسألة مجرد حفلة علاقات ومجاملات.
لم يكن هناك من جديد إذن في الموضوع، سوى أن جميع من التقاهم ابن سلمان، لا أحد منهم قدم له النصيحة لإنهاء أزمته في اليمن، صحيح أنهم وافقوا على صيغته المتعلقة باليمن، لكنها ليست الصيغة الحقيقية والواقعية لمواقفهم، فمسقط لديها وجهة نظر مختلفة من أول لحظة لبدء العدوان السعودي، وقطر هي الأخرى خرجت أو أُخرجت من التحالف مع بدء الأزمة مع الرياض وأبوظبي 2017، وظهر الخلاف جلياً حينها، وتموضعت الدوحة في مكان مضاد للرياض، ولم تعد إلى التحالف حتى هذه اللحظة، وأما الكويت وإن كانت قد شاركت في التحالف بعدد من الطائرات الحربية، إلا أنها منذ استضافة المشاورات 2016، لم تعد شريكة للرياض بشكل كامل، وإذا أتينا إلى البحرين، فحضورها لا يعدو كونه إكمال للصورة، يبقى الحديث عن الإمارات مختلفاً بشكل جذري هذه المرة، فهي التي شاركت بشكل واسع إلى جانب الرياض وحملت ثقلاً كبيراً، مالياً وعسكريًّا وسياسيًّا، إلا أنها بدأت في الاختلاف الجذري مع الرياض، في عدة ملفات، أبرزها الملف الاقتصادي، والمنافسة المحمومة بين رؤية ابن سلمان ومحاولة سحب البساط من تحت الإمارات، بمشاريع سياحية واقتصادية تضر بمكانة أبو ظبي ودبي، كلها انعكست على التحالف في اليمن، والعكس صحيح، فالإعلان الإماراتي فبراير 2020 ، عن إنهاء وجودها العسكري في اليمن وإعادة نشر قواتها، والدخول في استراتيجية جديدة غير عسكرية، كان بحقيقته إنهاء تحالفها مع الرياض، لأن الوجود العسكري بقي ولا يزال حتى هذه اللحظة، لا ننسى أن إعلان الانسحاب الإماراتي، جاء بعد توقيع ما سمي اتفاق الرياض، بين مرتزقة الإمارات أو ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ومرتزقة السعودية بمسمى الشرعية، ومع ذلك بقي الخلاف قائماً ولم يتم تنفيذ ذلك الاتفاق، وقد حظي بذكر يتيم في البيانات الثنائية، اقتصر على البيان السعودي الإماراتي كما سبق الإشارة إليه.
ما يمكن التأكيد عليه في هذه البيانات هو الخلافات أكثر، منها تصفير مشاكل وموضوع اليمن، مثال بارز على ذلك، لأن الجميع الآن في طور تصفير مشاكله نعم، فقطر حققت إنجازات بعودتها إلى مجلس التعاون الخليجي، وإنهاء الحصار، وقبول خصومها بها كما هي، وتخلصت من إجراءات العزل السياسي والاقتصادي وحتى الجغرافي، وألغت القناة المائية السعودية لعزل البر القطري عن السعودي، بل وحتى احتمالية الغزو التي هدد بها ابن سلمان، لإسقاط نظامها بالقوة.
الإمارات أيضاً، استدارت في سياساتها الاستراتيجية، ولو ظاهرياً على الأقل، وأعادت علاقاتها مع سوريا وتركيا، وتقوم بتحسين العلاقات مع إيران، وسحبت يدها جزئياً من اليمن، وتعمل على تحصين نفسها من الضربات اليمنية، البالستية والمسيَّرة، وهذا يخدم فكرة تصفير المشاكل بشكل أو بآخر.
لكن الرياض، حتى وإن حسنت علاقاتها داخل مجلس التعاون أو تظاهرت بذلك، وكذلك مع تركيا، فهي لا تزال بعيدة عن سوريا، وعالقة مع الإمارات أيضاً، وما يقصم ظهرها هو أزمتها في اليمن، التي أصبحت فيها وحيدة، تحصد الخيبات والهزائم والضربات الجوية شبه اليومية، بالصواريخ والطائرات المسيَّرة، وآخرها عملية 7 ديسمبر، التي وسعت أهدافها من شرق المملكة إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، ليكشف عورتها تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نقلاً عن مسؤولين أميركيين وسعوديين، أن الرياض طلبت من الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج وأوروبا تزويدها “على وجه السرعة” بصواريخ اعتراضية لصد الهجمات المتكررة، بعد أن بات مخزونها من صواريخ باتريوت يوشك على النفاد.
مع هذه المعطيات يمكن القول إن البيانات الصادرة في اللقاءات الثنائية، على الأقل المتعلق منها بالشأن اليمني، كانت بيانات توريط، لتبقى السعودية وزعيمها المتهور والمنبوذ دوليًّا وعالميًّا، في المستنقع اليمني، ليحصد المزيد من الهزائم، ويتلقى العديد من الضربات، فبن سلمان مهزوم، يستجدي إمدادات باتريوت، وحبر البيانات، أفضل لهم بكثير منه منتشياً متخففًا من ثقل الهزائم، ليبق إذن في المستنقع، ولتصرف له البيانات عن تطابق وجهات النظر.