الشهيد عبد الحميد أحمد راجح.. كابوس كبير أمام المنافقين

سجّل –رحمه الله- مواقفَ بطولية ودروساً استبسالية في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ

 

المسيرة – خاص

حينما نكتُبُ عن الشهداء لا تسعُ لذلك جميعُ الأوراق مقابلَ ما بذلوه وقدموه ولا نستطيع أن نعطيَهم حقهم مقابلَ عطائهم السخي، ففي رحاب الخالدين العظماء نحلِّقُ في سماوات الكرامة والآباء، ونقتطف ذكريات ومحطات ممن وصفهم الله بل أحياء يُرزقون ويستبشرون.

إنهم الشهداء وإنهم الخالدون العظماء من باعوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله وفي سبيل عزة وكرامة وحرية الوطن، فقد جاهدوا في الله حق الجهاد ولم يخافوا في الله لومة اللائمين، بل صدعوا بالحق في زمن الكذب والتضليل، وأمروا بالمعروف في زمن المنكرات ونهوا عن المنكر في زمن المتغيرات.

ويعد الشهيد عبد الحميد أحمد راجح عبد الحميد من أبناء ضلاع همدان بمحافظة صنعاء واسمه الجهادي حيدر، من أبرز الذين انطلقوا في سبيل الله، للدفاع عن الوطن وكرامته، ضد الغزاة والمحتلّين حتى ارتقى شهيداً، وهو متزوج وله 3 أولاد ومستواه العلمي جامعي.

وامتاز الشهيد –سلام الله عليه – بامتلاك شخصية فريدة في أسرته ومجتمعه، وكان رجلاً كتوماً لا يتحدث إلَّا بما يشد أهله وأصدقاءه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بكلمة الحق أمام أي باطل كان، وَلا يخشى في الله لومة لائم، وذا شخصية تجذب كُـلّ من عرفه، ويمتلك غيرة وحمية قوية على الدين.

كانت شخصيته القوية وإيْمَانه الراسخ هي التي ساعدته على القدرة بالتأثير وإزهاق الباطل.

سماتُ الشهيد

ولعل أبرزَ صفات الشهيد هي الشجاعة، ورباطة الجأش في مواجهة المنافقين، سواء في ميدان القتال، أَو في ميدان التضليل أمام الثقافات المغلوطة، وَكان رحيماً إذَا صادف مظلوماً حتى ينصُرَه، وشديداً أمام المنافقين المثبطين، وحريصاً على إيصال المشروع القرآني لكل محيطه ومجتمعه، وكان يحمِلُ التوليَّ الصادقَ لله ولرسوله ولأعلام الهدى بدرجة عجيبة بتَوَلٍّ نابعٍ من حب عميق واستعداد للتضحية.

وكان –سلام الله عليه- شاعراً، وقد كتب أبياتاً مادحاً قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قال فيها:

احنا خلية نوب بانسقي عسل كُـلّ الشهوب

وسيدي يعسوب للأُمَّـة علم شامخ مهاب

سلام له مصحوب بالإخلاص من اعماق القلوب

ابن النبي المحبوب والقائم مقامه في الكتاب

وكان الشهيد قُدوة لمن حوله، ملتزماً ببرنامج رجال الله في المسجد مع بعض رفاقه من بعد الحرب السادسة، وكان معطاءً في الإنفاق في سبيل الله وَعنده تركيز على الإنفاق حتى على مستوى أسرته، كما كان لديه اهتمام قوي جِـدًّا بالإعداد في سبيل الله، حَيثُ إنه أعد الكثير من الذخائر، وقام بشراء السلاح من ماله الخاص، وكان يحث المجاهدين على الإعداد وذلك بعمل جمعيات لشراء الذخائر.

ومن الصفات التي كان يتحلى بها –رحمه الله- أنه كان كريماً بشكل كبير، حَيثُ كان يكرم المجاهدين والمستضعفين بكل ما يملك، واتسم بالسرية التامة والجدية في عمله، حَيثُ كان يعمل ليل نهار. وكانت أغلب خلواته مع الملازم.

وتميز الشهيد كذلك بالشعر المصبوغ بالهدى والدفع للجهاد وفضح المنافقين، وله الكثير من القصائد التي كان يكتبها في المناسبات الدينية والأحداث، ومن كلماته التي ألقاها قبل دخول صنعاء:

احنا جنود الله وقائدنا الأصيل ابن الأصيل

محنا جنود دوله براتب أَو نلاحق ديوله

احنا مساعينا إلى الأقصى وحيفا والخليل

ما هي إلى صنعاء كما أهل الضلال تتناقله

وبا نشق الدرب لأمريكا ولو طال الطويل

والكونجرس والبيت البيض حقهم با ندخله

وبا نقيم الحق أقصى الغرب والميزان يكيل

بقدرة القادر نقيم الحق واحنا أهل له

انضمامُه للمسيرة القرآنية

وانطلق الشهيد -سلام ربي عليه- في المسيرة القرآنية وذلك خلال الحروب الست الظالمة على محافظة صعدة، حَيثُ كان يقرأ الملازم مع بعض أصحابه بشكل سري، ثم تحَرّك الشهيد إلى محافظة صعدة بعد الحرب السادسة؛ متأثراً بأخلاق وتواضع وشجاعة وكرم المجاهدين، وكذلك ثباتهم وانتصارهم على الدولة الظالمة آنذاك، كما كان متأثراً بشكل كبير بملازم الشهيد القائد، مما جعله يؤثّر على الكثيرين ممن حوله.

وأبرزُ مواقف الشهيد عبدالحميد وقوفُه أمام هجمات مليشيات “الإصلاح” وعلي محسن على مخيمات الصمود في ساحة جامعة صنعاء في عام 2011م، وكذا وقوفه أمام مجرمي مجزرة الأمن القومي.

وكان له الدور الكبير في التصدي وإفشال كافة أعمال حزب “الإصلاح” والمرتزِقة خلال الثورة، وكان كابوساً على أعداء الله حتى قاموا بمحاولة اغتيال باءت بالفشل.

يقولون عنه إنه كان قليل الكلام، كثير المواقف. ويقول أخو الشهيد: إن أكثر ما تعلمنا منه كان من مواقفه، حَيثُ كان القُدوة في جميع الأعمال وفي مقدمة أي عمل، وكان القُدوة الحسنة في الكرم والشجاعة وَالإيْمَان بالتزام وحرص شديد، حَيثُ كان لديه الحرص الكبير على توعية أهل بيته وأسرته بالثقافة القرآنية، وكان يجمع أسرته كُـلّ يوم جمعه بعد الغداء لقراءة (سورة يس) بشكل جماعي، مهتماً بتطبيق البرنامج اليومي، متابعاً أسرته في ذلك.

ويقول أهل الشهيد أَيْـضاً: إنه كان الرجل المجاهد الذي لا يستطيع السكوت على الباطل، حَيثُ تلقى منه أهل الباطل أشد التنكيل.

ذات المرات، أرسل رسالةً وهو في إحدى الجبهات، وَكان في آخر الرسالة مكتوب “أخوكم المجاهد فدائي السيد، عبدالملك عبدالحميد أحمد راجح).

كان الشهيد عبدالحميد إذَا حضر في أي مجلس، أَو في أي موقف يتطبق فيه قول الله تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، وهو صاحبُ الكلمة في الاجتماعات والمجالس، وكان يسمع له الجميع.

ويؤكّـد أحد رفقاء الشهيد قائلاً: “كان حريصاً على إيصال المشروع القرآني لكل محيطه ومجتمعه، وكان له الفضل بعد الله في انطلاقتي وإخوتي وجميع أصدقائنا، فسلام ربي عليه وعلى كُـلّ الشهداء العظماء”.

ويقول آخر عن الشهيد: “مثل الإسلام على أرقى مستواه في المجتمع وأمام المنافقين وكانت المسيرة في حالة من الاستضعاف، وكان قويَّ الإرادَة والعزيمة والهمة، عظيماً في عزمه وإصراره على مقارعة النفاق، ورجلَ بناء وعطاء وبذل، وكان لديه الشجاعة البالغة مع والسرية في العمل بكل وقار وحزم واهتمام بالغ”.

ويتحدث رفيق ثالث للشهيد عنه بالقول: “عنصر أَسَاسي وفعال داخل المسيرة، وبالنسبة لمجتمعنا كان كابوساً أمام المنافقين، وحمل الحق بجاذبيته، وصدق التولي، كما كانت صفات القيادة بارزة فيه بشكل واضح وكبير، وَكان عزيز نفس ونشطاً في المتابعة وتفقد المستجدات”.

قصةُ استشهاده

انطلق الشهيد –رحمه الله- إلى جبهات الحدود بعد توجيهٍ من القيادة، وذلك في بداية العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، حَيثُ يعتبر الشهيدُ عبدالحميد هو ورفاقه الأبطال من أول من هاجم العدوّ السعوديّ منذ الوهلة الأولى، مسجلين مواقفَ بطولية ودروساً استبساليه عظيمة.

واستمر الشهيدُ في تطهير مواقع العدوّ، وإحراق آلياته وتفجير أبراجه، حتى لقي الله شهيداً في جبهات الحدود، حَيثُ أُصيب الشهيدُ بشظية في الصدر من مدافع العدوّ السعوديّ الأمريكي، مرتقياً إلى الله شهيداً، فكانت حياتُه عظيمةً ومليئةً بالعطاء والبذل والشجاعة والاستبسال.

 

 

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com