الشهيدُ صانعُ الانتصارات
عبدالرحمن مراد
تعيشُ اليمنُ واقعًا جديدًا بعد أن عملت أقدامُ منتخب الناشئين على توحيد مشاعر الناس شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، ولم يكن الانتصار إلا حلقة في سلسلة الانتصارات للجيش واللجان الشعبيّة التي سطّرتها سواعدُ رجال الرجال في شتى الجبهات ولذلك كانت المشاعر تفيض توقًا واشتياقًا للنصر الكبير الذي تنتظره جماهير شعبنا من الجيش واللجان الشعبيّة.
وقد عبّر عن توق الانتصار ذلك الفتى اليافع وهو يركز علم اليمن وسط الملعب بشموخ وتوق كبير لغد أكثر أملًا وإشراقًا وكأني به كان يقول: غدًا ترفرفُ هذه الراية هنا في هذا المكان، لقد كان تصرف ذلك الفتى عفويًّا وبريئًا، لكنه حمل إشارات ذات دلالة قد يقرأها المستقبلُ بأُسلُـوبه الخاص الذي يفسّر لنا لغةُ الإشارات الخفية التي تكون في سلوكيات البشر دون إدراك معانيها في حاضرهم، فهي تتحَرَّكُ في البشر بدون وعي منهم؛ ولذلك نجد الكثير يقول بعد أن يحدث تصرف يحمل إشارات لا أدري كيف تصرفت بهذه الطريقة؟
نحن على مشارف زمن جديد لن يكون شبيهًا بالذي مضى ولكنه يرسم ملامحه اليوم أُولئك الأبطال الذين يخوضون معارك العزة والكرامة في الجبهات، وفي دم الشهداء الذين ارتقوا وهم يرسمون غدًا مشرقًا لليمن بكل ألوان الطيف ويسطرون الملاحمَ والبطولات بما يعزز من رصيد الفخر والاعتزاز ليمنية اليمن، ويزيد من رصيد هُــوِيَّتهم الإيْمَانية والثقافية والحضارية حتى كاد العدوّ أن يفقد توازُنَه، ولذلك يحاول اليوم ومنذ أمد قصف صنعاء بجنون لا مثيل له، وقد تحدث ناطقُهم أنهم أبلغوا المجتمع الدولي برصدهم لعلميات عدائية تخرج من هناجر التجار والشركات في صنعاء ومن بيوت الصفيح التي تم استهدافها خلال سوالف الأيّام والشهور حتى يجدوا مبرّرًا لحالتهم الهستيرية ويعملوا غطاء لفقدانهم حالة التوازن، في مقابل ما أعلنته صنعاء من عمليات توازن الردع، وهي علميات جرحت مقلةَ من كان يرى في نفسه أسدًا فأضحى نعامة تدس وجهها في التراب وتترك باقيَ جسدها معرَّضًا للخطر، وهي في كُـلّ الأحوال تفر من صفير الصافر، وقد شاهد العالم بأسره جنودًا يتدحرجون من قمم الجبال خوفاً ورُعباً بالرغم من تفوقهم التقني في التسليح.
فقدت السعوديّة من خلال العمليات العسكرية التي نفذها الشهداء العظام نظامَها العام والطبيعي، وتكسرت صورتَها النمطية في الأذهان، وبات السعوديّ الذي يذهب إلى بلدان آسيوية أَو أُورُوبية ينكر سعوديّته وبدلاً عن اعتزازه بالشماغ وبالعقال كما كان يفعل سابقًا بات اليوم يتركُهما في خزانة ملابسه ويضطر لشراء ملابس تتسق والبلد الذي يزوره، والكثير من المواقف ترصدها كاميرات الهواتف وتقوم ببثها تطبيقات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية وهي متوفر لكل متابع.
في مقابل فقدان السعوديّة لنظامها الطبيعي وصورتها النمطية تجد صعودًا متناميًا للمارد اليمني الذي صنعته تضحيات ودماء الشهداء، ولعل زيارة قصيرة لتطبيق اليوتيوب قد يجعلك تشعر أن تضحيات الشهداء صنعت مجدًا مؤثلًا، فبفضلها أضحت هناك قيمةٌ كبرى في التصورات الذهنية للعالم عن اليمن وأهله وتعززت بعض المقولات التاريخية حتى كادت أن تصبح يقينًا مطلقًا إلى درجة الاجماع، ونادرًا ما يجتمع البشر بكل تعددهم وحضاراتهم وثقافاتهم على شيء كما هم متفقون على حقيقة تاريخية تقول: اليمن مقبرة الغزاة، وهي مقولة يقولها ويعرفها الصغار قبل الكبار، ولا تكاد تسمع تقريرًا خبريًّا أَو تقرأ مقالًا دون الولوج إليها وتضمينها في السياق.
لقد أرعب دم الشهداء حتى ضعاف النفوس فتراهم ينفرون من أي نشاط اجتماعي أَو ثقافي فيه ذكر الشهيد وقد تجدهم يعبرون عن مواقفهم وخوفهم من خلف جُدُرٍ ولا تكاد تجدُهم في موقف ثابت ينتصر لليمن وقضاياه ولكنهم جماعات تألف زعزعة القناعات وتبث السموم وقد نجدها أكثر نشاطًا في شبكات التواصل الاجتماعي اليوم بمناسبة لذكرى السنوية للشهيد، تستغل كُـلّ شاردة وكل واردة وتبث سموها من خلال تسجيل مواقف غير صريحة وكأنها تحارب من خلف جدر.
لقد صنع الشهداءُ انتصاراتٍ عظيمةً، وليس أمام كُـلّ الصغار من الذين ألفوا الهوانَ والبحثَ عنه في نعال الغرباء إلا الهوان، فنفوسهم تأبى العزةَ والكرامة، وقديمًا قالها المتنبي
من يهُنْ يسهُلِ الهوانُ عليهٍ.. ما لجرحٍ بمَيِّتٍ إيلامُ.