السيد عبدالملك الحوثي في خطاب بتدشين الذكرى السنوية للشهيد:
دعا للعناية بالأنشطة في ذكرى الشهيد وللاستمرار بدعم الجبهات بالرجال والقوافل
سر البطولات التي يسطرها شبابنا هو الروحية العظيمة التي ينطلقون بها إلى الجبهات
نقبل السلام ولا نقبل الاستسلام ولتحقيق ذلك عليهم أن يوقفوا عدوانهم ويرفعوا حصارهم وينهوا احتلالهم
تُنزع الأرواح من أجسادنا دون أن تُنزع العزة والكرامة من أخلاقنا ومبادئنا وقيمنا، هذا هو الشعب اليمني
نحن بحاجة لأن نكون شعباً حراً غير مستعبَد والله يريد لنا أن تبقى رؤوسنا شامخة وهاماتنا مرفوعة
المجريات اليوم تشهد بأن تحقيق أهداف العدوان أصبح في حكم المستحيل
نرى في شهدائنا مدرسةً متكاملةً جسّدت القيم والأخلاق في المواقف والأفعال
حريتنا دين، كرامتنا وعزتنا إيمان وجزءٌ رئيسيٌّ من مكوننا القيمي والأخلاقي والإنساني لا يمكن أن نتخلى عنه
استمرارنا في الدفاع عن شعبنا وحريتنا هو موقف حق وقضية عادلة وموقف صحيح وحكيم ومشروع بكل الاعتبارات
لا يقبل الله منا الخضوع والاستسلام وأن نمكنهم من رقابنا وأن نصادر معهم حريتنا واستقلالنا
ما نقدمه لأسر الشهداء رسمياً وشعبياً ليس ثمناً لعطاء أسر الشهداء فالثمن الوحيد الذي يرتقي إلى مستوى عطائهم هو رضوان الله والجنة
مستمرون في التصدي للعدوان كمسؤولية إنسانية إيمانية أخلاقية وكجهاد مقدس
قدمنا في موقفنا أغلى الرجال، أولئك الذين عندما نستذكرهم نخجل من أن نفرّط وأن نقصّر بعد أن وصلوا في عطائهم إلى التضحية بأرواحهم
لسنا شعباً عدوانياً بل هذه حالة تحالف العدوان لأنهم هم المعتدون علينا بلا مبرر ولا حق
++++++++++++++++++++++++++++++++++
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّــدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّــدٍ وبَاْرِكْ عَلَى مُحَمَّــدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ عَلَى إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إِنَّـكَ حَمْيْدٌ مَجِيْدٌ.
وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصَّالِحِيْنَ والشُّهَدَاءِ وَالمُجَاهِدِيْنَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الحَاضِرُون جميعاً:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
نتحدَّثُ اليومَ في تدشين الذكرى السنوية للشهيد، هذه المناسبة المجيدة، التي يُحْييها شعبُنا منذ سنوات، ويحييها بكثيرٍ من الأنشطةِ الثقافية، والاجتماعية، والخيرية، وهو بذلك يعبر عن وعيه بقيمة مدلول هذه المناسبة، وهي الشهادة والشهداء، وَأَيْـضاً يعطي القيمة الإيمانية والأخلاقية والإنسانية للشهادة والشهداء، وهذا يدُلُّ على انتمائه الإيماني، ويجسِّدُ هذا الانتماء ضمن ممارسات واهتمامات وأولويات وأعمال هذا الشعب والتزاماته الأخلاقية والإنسانية.
هذه المناسبة العظيمة والمهمة، التي ندشّـنها اليوم، والتي تستمر في العادة على مدى أسبوع، يتخللها الكثير من الأنشطة المتنوعة، المفيدة والمثمرة، ذات الأهميّة الكبيرة والتأثير الكبير، على المستوى التوعوي والتربوي، وعلى المستوى الخيري، وعلى المستوى العملي، وفي كُـلّ المجالات، ولها أثر ملموس سنوياً.
شعبنا العزيز عندما يهتم بهذه المناسبة بتفاعل كبير، واهتمام كبير، وأنشطةٍ متنوعة، فلأنه من خلال هُــوِيَّته الإيمانية، وبانتمائه الإيماني، يعبر عن اهتمامه وعن تقديريه لهذه المناسبة بمستوى قيمتها الإيمانية، والإنسانية، والأخلاقية، فنحن ننظر إلى قيمة الشهادة الأخلاقية والإيمانية كما قدمها الله في القرآن الكريم، فنرى فيها شرفاً عظيماً، ونرى فيها شرفاً كَبيراً وفضلاً، ومجداً وعزةً، وفوزاً عظيماً، نراها بعين القرآن، وكما قدمها الله لنا في كتابه الكريم، وهذا ما نعبر عنه؛ لأَنَّنا ننطلق كشعبٍ يمني من منطلقات إيمانية، في تقييمنا للأشياء، في مدى ما نعبر عن إعزازنا وتقديسنا وتقديرنا للأمور، فهذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر: فعلى المستوى الفعلي، على المستوى العملي، شعبُنا العزيز يودِّعُ كُـلَّ يومٍ مواكِبَ الشهداء، ويقدم في كُـلّ يومٍ كوكبةً من الشهداء، وآلاف الأسر من أبناء شعبنا هم أُسَرِ شهداء، والكثير من أبناء هذا الشعب إما هو ابنٌ لشهيد، أَو أخٌ لشهيد، أَو رفيقٌ لشهيد، أَو قريبٌ لشهيد، أَو صديقٌ لشهيد، دائرة الشهداء دائرة واسعة في مجتمعنا، دائرة العطاء بالشهادة، وبالموقف، وبالتضحية دائرة واسعة تشمل الكثير من أبناء شعبنا؛ بينما الكثير ينطبق عليهم قول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}، الكثير لا يزال أبناؤهم في الجبهات وأبناؤهم في ميادين العمل، وفي ميادين التضحية، وفي ميادين الفداء، وفي ميادين المواقف المشرفة والأعمال العظيمة، والنهوض بالمسؤوليات الكبيرة، وفي حالة الاستعداد التام للعطاء والتضحية، في حالةٍ من الانتظار الذي تعنيه الآية المباركة في قول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب: الآية23].
في هذه المناسبة يتم التذكير بعددٍ من الأمور في كُـلّ عام؛ لأهميّة استحضارها على المستوى السنوي وبشكلٍ مُستمرّ:
وفي مقدمة ذلك: أهميّة هذه المناسبة في ترسيخ المفهوم القرآني الصحيح عن الشهادة في سبيل الله، وما تعنيه، وعن أهميتها، وما تمثله من قيمة إيمانية عالية، ومن فوزٍ عظيم، لربما الكثير من الناس قد ينظرون إلى الشهادة في سبيل الله إلى أنها خسارة، وإلى أنها تمثل إشكاليةً كبيرة على المجتمع الذي يقدم الشهداء؛ ولأنها ذات طابعٍ مأساوي، ينظر إليها دائماً بعين المأساة، والكارثة، والمصيبة، والفاجعة، والمحنة، والألم، وهذه النظرة السلبية هي نظرة بعيدة عن النظرة القرآنية، وبعيدةٌ جِـدًّا عن الوعي الإيماني والقرآني، وهي نظرة تفصل مسألة الشهادة في سبيل الله عن الجانب الرئيسي فيها، وهو الموقف الذي هي في إطاره، والمنطلق الذي هي على أَسَاسه؛ ولذلك عندما نتحدث من خلال القرآن الكريم، ومن خلال الواقع، وبالمقارنات، ندرك كم أنها فوزٌ عظيم، وشرفٌ كبير، وفضلٌ لا يساويه فضل، ودرجةٌ ومرتبةٌ رفيعةٌ وعاليةٌ جِـدًّا.
الشهادةُ في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” هي عطاءٌ عظيمٌ، وهي فيما يتعلق بالعطاء هي أسمى عطاء يجود به الإنسان، فالإنسان قد يقدم المال، وقد يقدم الكثير من الأمور مما يستطيع أن يفعله، أَو أن يساهم به في إطار الموقف الحق، في إطار الموقف الصحيح، في إطار تجسيد القيم الإنسانية والأخلاقية والإيمانية، في إطار المواقف التي هي رضا لله، والتي هي أَيْـضاً تنسجم كُـلّ الانسجام مع الفطرة الإنسانية، ولكن أيَّ عطاءٍ يقدمُه الإنسانُ ويبذُلُه الإنسان لا يصل أبداً إلى مرتبة العطاء بالنفس، الجود بالنفس، أن يهَبَ الإنسانُ روحَه وحياته هو أسمى عطاء وأعظم عطاء، وهذا ينطبق عليه أنه عطاءٌ في سبيل الله، عندما تتوفر فيه عدة عناصر أَسَاسية، بدايتها من المنطلق الذي يتحَرّك الإنسان فيه وهو حاضرٌ لبذل روحه، لتقديم حياته، كيف يكون منطلقاً سليماً، صحيحاً، سامياً، عظيماً، راقياً، وأسمى نية، وأسمى هدف، وأعظم مقصد، هو عندما يكون ذلك؛ مِن أجلِ الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، استجابة لله “جَلَّ شَأْنُـهُ”.
والله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” عندما يوجهنا ويأمرنا في القرآن الكريم إلى أن نقف المواقف التي قد نضحي فيها بحياتنا، ونبذل فيها أرواحنا، تحت عنوان الجهاد في سبيل الله، هو ليس بحاجةٍ منا إلى ذلك، ونحن عندما نفعل ذلك لا نقدم له شيئاً يحتاجه، أَو نعينه في شيء، أَو نقدم له شيئاً نعينه به، هو “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” الغني الحميد، وهو المالك للنفس وللبشر، هو ملك الناس ومالكهم وربهم، ومالك السماوات والأرض، وهو رب العالمين، هو “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” جعل لنا وسيلةً أَسَاسيةً نحتاج إليها نحن في واقع حياتنا لدفع الشر عنا، لدفع الضر عنا، لدفع الأشرار والطغاة عن الهيمنة علينا، وعن السيطرة علينا، وعن الاستعباد لنا، وسيلةً لدفع الشر والأشرار، ودفع الطغيان والطغاة، ودفع الاستعباد والإذلال، وسيلةً للتصدي للمجرمين والأشرار.
وفي نفس الوقت كُـلُّ ما يمكن أن يحصلَ لنا من عناء، أَو أن نقدِّمَه من تضحيات في إطار هذه الوسيلة التي نحظى فيها بعونه، بنصره، بتأييده، فهو محسوبٌ لنا عنده “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، عندما نتحَرّك وفق الطريقة التي رسمها، نمتلك القضية العادلة، نقف الموقف الصحيح المشروع، الذي يتوافقُ مع المعايير الإيمانية والدينية والأخلاقية، حينها عندما ينطلق الإنسان من منطلقٍ كهذا، في موقف الحق، وفق الطريقة التي رسمها الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، يكون كُـلّ عناءٍ يعانيه، وكل بذلٍ يبذله، وكل تقدمةٍ يقدمها، وكل عطاءٍ يعطيه، حتى على مستوى الخطوة الواحدة وهو يتحَرّك في الميدان، حتى على مستوى كُـلّ معاناة بكل أنواع المعاناة، على مستوى الظمأ، على مستوى الجوع، على مستوى النصب، على مستوى ما يبذله من مال، على مستوى ما يعانيه نفسياً، ثم على مستوى أن يصل إلى هذا العطاء الكبير، الذي يبذل فيه روحه وحياته، كُـلّ ذلك مكتوبٌ له عملاً صالحاً، يقابله الله بأجرٍ عظيم، في الدنيا نتائج لهذا الجهد، لهذا الصبر، لهذا العطاء، ثمرة لهذه التضحية، تكون في أرض الواقع، تطابق أهدافاً عمليةً ركز عليها الشهيد، ركز عليها من يتحَرّك في ميدان العطاء والجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”.
ثم أَيْـضاً في الآخرة، حَيثُ يوفي الله الأجور، حَيثُ يوفي الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” كُـلّ نفسٍ قدمت عملاً صالحاً أجرها بغير حساب، الأجر العظيم (رضوان الله، والجنة)، فالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” عندما قدم لنا هذه الوسيلة العملية التي نحتاج لها في واقع حياتنا؛ لأَنَّنا في واقع هذه الحياة، بطبيعة هذه الحياة وظروفها نعيش فيها حالة الصراع؛ نظراً لوجود الأشرار، لوجود المجرمين، لوجود الطغاة، لوجود المستكبرين من بني الإنسان، الذين هم من يتحملون المسؤولية في صنع المأساة، نتيجة ظلمهم، جبروتهم، أطماعهم، طغيانهم، إجرامهم، هم من يتحمّلون المسؤولية فيما يصنعونه في واقع الحياة من مشاكل، ومن مآسٍ.
أما الاتّجاهُ الذي هو في اتّجاهِ التصدي لطغيانهم، لإجرامهم، لمساعيهم الاستعبادية، وهم يسعَون لاستعباد الناس، والتحكم بهم، والانفصال بهم عن منهج الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، والاستعباد لهم فيما يطابق أهواء ورغبات ونزوات الطغاة المترفين المجرمين، المستكبرين العابثين، من يتحَرّك في الاتّجاه الصحيح، وفق الطريقة التي رسمها الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، وكل جهدٍ يقدمه وكل عطاءٍ يبذله له قيمة إنسانية تسمو بالإنسان، هي مبعثُ اعتزاز للإنسان، مبعثُ فخرٍ وشرفٍ للإنسان، ما يقدمه وهو في الموقف الصحيح، في الموقف الحق، في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، لكي يكون الإنسان حراً، لا يعبِّد نفسه إلا لله، لا يخضع إلا لله، ولكي يعيش بكرامة، ولكي يعيش عزيزاً، ولكي لا يكون مستعبداً للطغاة المجرمين المستكبرين، ولكي يدفع عن نفسه، عن أمته، عن شعبه، شرهم، طغيانهم، إجرامهم، تكبرهم، فسادهم، فكل جهدٍ هو مبعث شرفٍ وفخرٍ واعتزاز وسمو للإنسان، يسمو به الإنسان، يشرف به، يعتز به، وفي نفس الوقت هو محط رصيدٍ عند الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، مكتوبٌ للإنسان عند الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، يقابله الله بعطائه العظيم في الدنيا وفي الآخرة.
لما كان عطاءُ الشهداء هو أسمى عطاء وهم يضحُّون بحياتهم وبأرواحهم، ويجودون بحياتهم في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، نُصرةً لأمتهم، نصرةً لشعوبهم، نصرةً للمستضعفين من عباد الله، والمظلومين من عباد الله، فَـإنَّ اللهَ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، وهو الكريم العظيم الرحيم، قابل عطاءَهم بكرمه الواسع، فهم لما وهبوا حياتَهم، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” قدم لهم وعجَّل لهم بحياةٍ واستضافةٍ كريمة، واستضافةٍ مميزة يستضيفهم الله فيها “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” إلى يوم القيامة، ولهذا يؤكّـد لنا هذه الحقيقة في القرآن الكريم في آياتٍ متعددة (في سورة البقرة، وفي سورة آل عمران).
في (سورة البقرة) يقول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}[البقرة: الآية154]، لَا تَقُولُوا: لا تكن هذه نظرة لكم تعبرون عنها، فأنتم ترون فيهم أناساً فقدوا حياتهم، خسروا حياتهم، وانتهت حياتهم، وبقوا في حالة الموت إلى يوم القيامة، عندما تنظرون هذه النظرة فتعبرون عنها بقولكم أنهم أموات، وفلان -يعني: الشهيد فلان مثلاً- ميت، ومات فلان وهو شهيد، وفلانٌ أصبح من الأموات، لا تقولوا ذلك أبداً؛ لأَنَّ هذا ينافي الحقيقة، لا صحة لذلك، ولأن هذه المقولة تقدم فكرة عن الموضوع وكأنه خسارة، والمسألة مختلفة عن ذلك كليًّا.
(بَلْ أَحْيَاءٌ): هم أحياء بكامل مشاعرهم، وهم حضوا باستضافةٍ كريمةٍ لدى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، هذه الاستضافة تستمر في وضعٍ خاص، وكامتيَاز خاص للشهداء، امتيَاز خاص للشهداء، تستمر هذه الاستضافة إلى يوم القيامة، وما بعد يوم القيامة هو جنة المأوى والفوز العظيم الدائم الأبدي، ولكن إلى أن تأتي القيامة ليسوا كغيرهم ممن ماتوا بشكلٍ طبيعي وبوفاة طبيعية، أُولئك حالتهم مختلفة، وكامتيَاز خاص قدمه الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” لهم أنه استضافهم استضافةً كريمة.
(وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ)؛ لأَنَّهم غائبون عن إدراكنا، عن مشاهدنا، عن مشاهدتنا، عن إدراكنا، أمرٌ هو خارجٌ عن كُـلّ ذلك، ولكن الذي أخبرنا عنه هو الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، هو المستضيف الكريم “جَلَّ شَأْنُـهُ”.
في آيةٍ أُخرى في (سورة آل عمران) يقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران: الآية169]، لا يكن في حساباتك، في تقديراتك، في تصورك، أنهم أصبحوا من الأموات، وأنهم انتهت حياتهم وسيبقون في حالة الموت إلى يوم القيامة، فالمسألة مختلفة عن ذلك، الشهداء كما كرّرنا لهم امتيَاز خاص، هم انتقلوا فورًا، ينتقل من ساحة المعركة عندما يكون في ساحة المعركة، أَو استشهد فيها أَو في أي مكانٍ كان ينتقل فورًا إلى تلك الاستضافة الكريمة، تتجه روحه إلى، حَيثُ يهيأ الله لها تلك الاستضافة، بالطريقة التي يجعلها الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، التفاصيل غائبة عنا، غائبة عنا، ولكنها بالتأكيد تفاصيل تدل على أنهم في حياةٍ حقيقية، حياة حقيقية يُرزَقون فيها، يعيشون فيها على المستوى النفسي حالة الفرح، السرور، لا يشعرون بالغبن، لا يندمون على عطائهم، ولا على تضحياته، هم يعيشون كما قال عنهم: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[آل عمران: من الآية170]، هم في حالة فرح، قبل ذلك: {عِنْدَ رَبِّهِمْ}، بكل ما يعبر عنه ذلك، من مقامٍ عظيم، من تكريمٍ كبير، من سعادةٍ عظيمة، من استضافةٍ كريمة، عند ربهم، هذا يعزز في نفس الإنسان حالة الاطمئنان التام تجاه قريبه الشهيد، أين هو؟ {عِنْدَ رَبِّهِمْ}، في استضافة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، يرزقون، هذا يدل على أنهم يعيشون حياةً حقيقية، حياةً بكامل مشاعرهم، يحظون فيها بالرزق، بالعطاء الإلهي المُستمرّ في تلك الحياة، قد سلموا كُـلّ الهموم، كُـلّ المعاناة، كُـلّ متاعب هذه الحياة، كُـلّ ما في هذه الحياة من مخاطر على الإنسان فيما بقي من حياته، وصلوا إلى، حَيثُ يأمنون، إلى، حَيثُ يطمئنون على مستقبلهم الأبدي، على مستقبلهم الأبدي، وأصبحوا في حالة يستبشرون فيها حتى بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، كما قال: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[آل عمران: الآية170].
فمثل ما نستذكرهم كشهداء من رفاق دربنا، من أقربائنا، من أعزاءنا، من أحبائنا، هم يستذكروننا وهم في ذلك النعيم، ويستبشرون لنا أن نصير وأن نصل إلى ما وصلوا إليه، إذَا كنا نقيم المناسبات لذكراهم، لذكرى سيرهم، لذكرى عطائهم، للحديث عنهم، للحديث عمَّا قدموه، للحديث عن مآثرهم الطيبة، ذات القيمة الإنسانية والأخلاقية، فهم لم ينسونا، وقد وصلوا إلى نعيم عظيم، وسعادة كبيرة، وراحة عظيمة، ما نسيونا يقولوا: [ها خلاص أحنا قد كيفنا وبس، يسدوا، يسدوا يخلوهم هناك يسدوا لهم فيما هم فيه من مشاكل[ لا، هم يستذكرون.
{وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}؛ لأَنَّهم يرون أن تلك الطريق توصل إلى ذلك الفوز العظيم، والسعادة الحقيقية والأبدية، ولذلك لا هم نادمون على ما قدموا، ولا على ما وصلوا إليه، ولا هم خائفون على الآخرين من خلفهم، فيقولون لا يتورطون كما تورطنا، أَو يخسرون كما خسرنا، لا؛ لأَنَّه ليست هناك أية خسارة، هناك الفوز العظيم.
اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” عندما فتح هذا البابَ، وقَدَّمَ هذا العطاءَ الكبيرَ، فهو يُشَجِّعُنا بتشجيع كبير جِـدًّا من فضله وكرمه، إلى أن نقفَ الموقفَ الحَقَّ، وذلك ما نحتاج إليه في دعم موقفنا، كيف نصمد، كيف نثبت في مواجهة التحديات والأخطار، عندما نعود إلى واقعنا، وما نواجهه من تحديات وأخطار، نرى بكل وضوح أن قوى الشر والإجرام والطغيان لا تتركنا في حال أن نعيش كما يريد الله لنا وفق توجيهاته، وفق تعليماته، أحرار، كرماء، أعزاء، نتحَرّك وفق خيارنا الإيماني، كشعبٍ هُــوِيَّته إيمانية وانتماؤه للإيمان، يتوق للحرية بمفهومها الصحيح، وللاستقلال على أَسَاس من انتمائه الإيماني، وهُــوِيَّته الإيمانية، وانتمائه للإسلام، هم يريدون استعبادنا، وقهرنا، والسيطرة علينا، والاحتلال لأرضنا، ونهب ثرواتنا ومقدراتنا، وأكثر من ذلك الاستعباد لنا، أن نتحول فيما نحن فيه، فيما نحن عليه، فيما نفعل وفيما نعمل وفق ما يريدون، وفق ما يخدم مصالحهم، وفق ما هو يصب في مصالحهم، وفي أهدافهم، وفي مكائدهم، وفي رغباتهم الشيطانية، وهم يمارسون الظلم بحقنا؛ لأَنَّهم يهدرون كرامتَنا الإنسانية، عندما يريدون أن نتحول نحن مُجَـرّد أُمَّـة، أَو مُجَـرّد شعب يخضع لهم، يقدم حياته، يقدم وطنه، يقدم ثرواته، يقدم كُـلّ جهده وسعيه لمصالحهم، وفق رغباتهم، وفق نزواتهم، وفق أهوائهم، هم بذلك يتجاوزون حقنا المشروع، ويهدرون حقنا المشروع في أن نكونَ عبيداً لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، نعيش بحرية وكرامة واستقلال، وهذه هي مشكلتهم معنا، ولذلك هم يعتدون علينا، هم يعتدون علينا، يسعون إلى أن يكسروا إرادتنا بجبروتهم، بما يمارسونه من عدوان، من قتل، من استهداف للناس في حياتهم، من حربٍ شاملة:
• على المستوى العسكري: بالقتل، والدمار، والجبروت.
• وعلى المستوى الاقتصادي: بالحصار، والمؤامرات الاقتصادية التي تهدف إلى خنق هذا الشعب وتجويعه، والإسهام في الإضرار به إلى أقصى حَــدّ.
• وهكذا على مستوى الحرب الإعلامية والثقافية، التي تهدف إلى التضليل والتزييف للحقائق، أمام هذا الشعب، وأمام الآخرين تجاه هذا الشعب، وتجاه الأحداث، وتجاه المؤامرات التي يتآمرون بها على هذا الشعب، هذا على مستوى شعبنا.
ومن حولنا ما يحدث على مستوى أمتنا بشكلٍ عام؛ لأَنَّ المسلمين في كُـلّ قُطرٍ من أقطارهم وفي كُـلّ بلدٍ من بلدانهم هم أُمَّـةٌ مستهدَفةٌ، أُمَّـة مستهدفة، يستهدفُها أعداؤها بكل أشكال الاستهداف:
• المؤامرات ذات الطابع العسكري.
• ذات الطابع الأمني.
• ذات الطابع الاقتصادي.
• ذات الطابع بالحرب الناعمة، بالسعي للإفساد والإغواء والتضليل.
كل الوسائل التي يستغلها الأعداء، ويعتمد عليها الأعداء، في الاستهداف لهذه الأُمَّــة في كُـلّ المجالات، هي تعبر عن استهداف لهذه الأُمَّــة، أنها أُمَّـة مستهدفة في كُـلّ المجالات، وأعداؤها يريدون السيطرة عليها، وأن يسلبوا منها حريتها، كرامتها، استقلالها، وهذا هو أهم الثمرات لإسلامها، ولدينها، ولانتمائها الإيماني، ما قيمة إسلام، وما قيمة انتماء إيماني لا يبقى الإنسان فيه حراً، يصبح عبداً للطاغوت، عبداً للمجرمين، خانعاً خاضعاً للمستكبرين، ذليلاً مستسلماً عاجزاً أمام المجرمين، لا قيمة له، لا قيمة له.
لذلك بحكم انتمائنا الإيماني الواعي، الذي نرى ثمرته حريةً، وعزةً، وكرامةً، واستقلالاً، نرى كرامته أنه يحفظ لنا قيمتنا الإنسانية، كأناس أحرار بشر، غير مستعبدين للطاغوت وللمجرمين، وللأشرار وللسفهاء، قيمة هذا الانتماء تعززه هذه الروحية التحرّرية الثورية الجهادية، التي يعيش فيها الإنسان أعلى استعداد للعطاء، وأعلى استعداد للتضحية، في سبيل أن يحافظ على هذه القيمة، القيمة الإنسانية، القيمة الأخلاقية، القيمة الإيمانية، أن يكون إنساناً لا يُعَبِّدُ نفسه إلا لله، لا يخضع ولا يستسلم إلا لربه، لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، أن يعيش حراً عزيزاً كريماً أبياً شامخاً، يفوز برضوان الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” في الدنيا والآخرة، يحظى برعاية الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، يتحَرّك وفق تعليمات الله المقدسة، والمباركة، والحكيمة، والرحيمة، التي هي صلةٌ بين الإنسان وبين الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”.
قيمة الشهادة أنها تعزز فينا حالة الإباء، والصمود، والصبر، والثبات، مهما كانت التحديات، وجيلنا الناشئ اليوم هو جيلٌ يعشق الشهادة، ولذلك هو جيلٌ حرٌّ عصيٌّ على الاستعباد، عصيٌّ ومنيعٌ تجاه الإذلال والقهر، وتجاه الاستسلام، والأعداء يدركون ذلك، هم يرون كيف ينطلق شبابنا إلى الجبهات بكل رغبة، بكل اهتمام، بكل جد، وبكل صبر، وبكل ثبات، وكيف هم في ثباتهم في ميدان المعركة على أرقى مستوى، يسطرون المواقف البطولية، التي تصبح مثالاً راقياً يُعَبِّرُ عن هذا الشعب، عن إيمانه، عن عظمة إيمانه، عن عظمة قيمه، مواقف عظيمة، شاهدنا وشاهدتم الكثير منها مما وثَّقه الإعلام الحربي، مواقف بطولية نادرة تذهل كُـلّ العالم، يتفاجأ بها الناس في كُـلّ البلدان: ما هذا الصمود؟! ما هذه التضحية؟! ما هذا الصبر؟! ما هذا الوفاء؟! كيف يتقافز أُولئك الشُّبَّانُ في ميدان المعركة حتى وهم حفاة، ويسطِّرون أروعَ الملاحم البطولية، ما الذي يصنع هذه البطولة، هذا الثبات، هذا الموقف القوي الصلب المنيع في مواجهة الأعداء، ومواجهة جبروتهم؟! ما الذي يصنع تلك المواقف؟! إنها هذه الروحية، هذه الروحية العظيمة، التي ينطلق بها شبابنا رجالنا إلى ميدان الجبهات، وهم في قمة الاستعداد، وفي أعلى مستوى من الاستعداد للتضحية، من واقع وعيٍ صحيح، وفهمٍ صحيح بقيمة موقفهم على كُـلّ المستويات: القيمة الإنسانية، القيمة الأخلاقية، القيمة الإيمانية، الثمرة المهمة التي تصنعها تلك التضحية لشعبهم ولأمتهم، كرامةً، عزاً، استقلالاً، حريةً في مفهومها الصحيح، فهذه أهميّة المناسبة التي ترسِّخ هذا المفهوم القرآني الصحيح الواعي عن الشهادة، عن أهميّة الشهادة، عن كرامة الشهادة، أنها فوزٌ عظيم، وفي نفس الوقت لها أهميتها الكبيرة في مستوى صمودنا، ثباتنا.
ثم عندما نتحدث عن الشهداء، والإعلام الحربي يوثِّق وينتج الكثير عنهم، وعن ذكرياتهم، عن مواقفهم، عن بطولاتهم، من وصاياهم، من أقوالهم، من أفعالهم، نجد فيهم مدرسةً كبيرةً، متكاملةً، معطاءةً، حيَّةً، جسَّدت القيم والأخلاق إلى مواقف وأفعال، وهذا ما يعبِّر عن ميزة تلك المدرسة، أنها مدرسةٌ حيَّة، تجسَّدت فيها القيم إلى مواقف، والأخلاق والمبادئ إلى أفعال، فنشاهد كيف هو الصدق، نشاهد كيف هو الوفاء، نشاهد كيف هو الرجاء لله، والأمل بالله، والثقة بالله، كيف أثره في الميدان، كيف تجسَّد فعلاً، إقداماً، تضحيةً، استبسالاً لا نظير له في كُـلّ العالم، وهكذا بقية القيم، وهذا من أهم ما نحثُّ عليه ونؤكّـد عليه في عملية الاستذكار للشهداء، في إنتاج ما يمكن إنتاجه على المستوى الإعلامي، وفي الحديث عنهم، عن ذكرياتهم، عن مواقفهم، عن سيرهم، عن مآثرهم الطيبة، العظيمة، المهمة، المؤثرة، المعبِّرة، المفيدة، فنجد فيهم مدرسةً معطاءة، نتزود منها ما يزيدنا عزماً إلى عزمنا، وصبراً إلى صبرنا، ووعياً إلى وعينا، وثباتاً إلى ثباتنا، وإصراراً واستمراريةً في موقفنا.
ثم في إطار ما هو مهمٌ في هذه المناسبة، وما يأتي التأكيد عليه، والتذكير به، والحث عليه، هو: العناية بأسر الشهداء، أسر الشهداء هي كثيرة، كما قلنا: أصبحت دائرة العطاء والتضحية دائرة واسعة في أبناء شعبنا، الآلاف من الأسر أسر شهداء، أسر مضحية، معطاءة، صابرة، محتسبة، تدرك قيمة تضحيتها، وأنها في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، وأنَّ أجرها العظيم على صبرها، على احتسابها، هو من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”.
ما يمكن أن نقدِّمه كمسؤولية، كشعب، ما يمكن أن نقدِّمه على المستوى الشعبي والرسمي كمسؤولية، ليس هو ثمن لعطائهم، إنما الثمن الوحيد الذي يرتقي إلى مستوى عطائهم، هو: رضوان الله والجنة، هو رضوان الله والجنة، ما نقدِّمه هو ضمن مسؤولياتنا واجباتنا تجاه أسرهم، على مستوى التكريم المعنوي، والاهتمام العام، وعلى مستوى الاهتمام المادي مع الأسر الفقيرة، أمَّا الأسر الميسورة فهي لا زالت تعطي، لا زالت تقدِّمُ، ونحن نشاهد حتى في التلفزيون أنَّ بعض أسر الشهداء يقدِّمون باسم شهدائهم قوافل، قوافل من العطاء والكرم، يقدمونها للجبهات، الأسر الميسورة هي لا تنتظر العطاء المادي، هي لا تزال تحمل روحية العطاء، وهي تستمر في إسهامها، في عطائها، في تقدمتها في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” في الموقف الحق، في القضية العادلة، لصالح شعبها وأمتها.
ولكن بالنسبة للجانب المادي، هناك أسر فقيرة معانية، لها الحق، وعلينا المسؤولية في أن نلتفت إليها، وأن نهتم بها، إضافة إلى التكريم المعنوي، الذي يعزز ترسيخ مفهوم الشهادة، وقيمة الشهادة، واعتبار الشهادة في مجتمعنا المسلم، مجتمعنا ذي الانتماء الإيماني، والهُــوِيَّة الإيمانية، (الإيمان يمان، والحكمة يمانية)، وهذا مهمٌ جِـدًّا.
إضافة إلى النشاط الواسع في ظل هذه المناسبة، في زيارة روضات الشهداء، بكل ما لذلك من تأثير نفسي، معنوي، إيجابي، ووجداني إيجابي، وأثر مهم جِـدًّا على المستوى الأخلاقي والتربوي.
كل هذا يذكِّرنا جميعاً بمسؤوليتنا في حمل الراية، ومواصلة المشوار، في هذا الطريق العظيم: طريق الحق، طريق الموقف الحق، التمسك بالقضية العادلة، الاتّجاه الصحيح، الذي هو رضا لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، وهو بالنسبة لنا حاجة إنسانية، نحن بحاجة على مستوى واقعنا الإنساني إلى أن نكون كشعب شعباً حراً، عزيزاً، كريماً، مستقلاً، غير مستعبَد، غير مستذل، غير مهان، غير مصادر ومسلوب القرار، غير مقهور تحت وطأة وأرجل وأحذية المستكبرين والمجرمين.
نحن كشعبٍ يمني يريد الله لنا أن تبقى رؤوسنا شامخة، وهاماتنا مرفوعة، وأن نبقى شعباً حراً، وكأمة على المستوى العام، الأُمَّــة الإسلامية هذا ما يريده الله لها جميعاً، وهذا هو أَيْـضاً ما يفرضه انتماء هذه الأُمَّــة للإسلام، انتماؤها للإيمان، إيمانها بأن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
فبشكلٍ عام نواصل، أَو نستشعر مسؤوليتنا في مواصلة المشوار، أن نثبت على الموقف الحق، أن نتحَرّك فيه بكل جدية، في كُـلّ مجالات العمل والمسؤولية، في كُـلّ ميادين المسؤولية، أن نتحَرّك بروحية ثورية تحرّرية جهادية، بروحٍ مستعدةٍ للعطاء إلى أعلى المستويات، بكل جد، بكل اهتمام، بحذرٍ من التقصير والتفريط، وأن نستشعر قدسية الموقف الذي نحن فيه، هو موقفٌ عظيم، قدَّمنا فيه أغلى الرجال، قدَّمنا فيه أعزاءَنا، أحباءَنا، أخيارَنا، صفوتَنا، شرفاءَنا، أُولئك الذين عندما نستذكرهم؛ نخجل من أن نفرِّط، من أن نقصِّر، من أن نهمل، بعدما وصلوا هم في مستوى عطائهم، صدقهم، إخلاصهم، إلى أن يضحوا بحياتهم وأرواحهم، فلا نفرِّط، ولا نقصِّر في الأعمال التي هي أعمال بسيطة، مقارنةً بمستوى بذل النفوس والأرواح، وتقديم الحياة.
الإنسان نتيجة غفلته، نتيجة بُعدِه عن تذكُّر هذه القيم والمفاهيم؛ قد يفرِّط، يتنصَّل عن المسؤولية، يتقاعس، يتثاقل في أعمال بسيطة، وقد يكون دوره في هذه الحياة دوراً ضئيلاً، هو قليل العطاء، قليل العمل، منعدم الأثر، قليل الفائدة، أين قيمتك الإنسانية عندما تكون على هذا النحو: يعني [ما فيك خير، ما منك خير، ما منك فائدة]؟! قيمة الإنسان فيما يعمله، فيما يقدِّمه من عملٍ صالح، يسمو بهذا في الدنيا، وينال به الفوز العظيم في الآخرة.
ولذلك مسؤوليتنا كبيرة في أن نواصل المشوار بكل جِدٍّ، أن نحملَ الراية بكُلِّ ثبات، هذه مسؤوليتنا جميعاً، أن نتحَرّك بروحيةٍ عالية في الاستعداد للعطاء والبذل والتقدمة والموقف، وهذا هو الخيار الصحيح بكل الاعتبارات.
بحمدِ الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، نقولُ بكل اطمئنان، بكل راحة بال، بكل رضا: نحن في موقف الحق، هذه نعمة كبيرة، هذه نعمة عظيمة، نحن في الموقف الذي يُكتَب لنا فيه ما نعمل، ما نقدِّم، ما نفعل، ما نتحَرّك فيه، ما نعاني فيه، يُكتَب لنا عند الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، ويثمِّره الله لنا، ويحقّق لنا من نتائجه في عاجل الدنيا، وفي مستقبلنا الأبدي في أجل الآخرة، هذه نعمة عظيمة.
الخسارة الرهيبة، هي: خسارة أُولئك الذين انطلقوا في صف الباطل، مثلما هو حال تحالف العدوان، هل يمكن أن يكون السعوديّ والإماراتي الذي يتحَرّك تحت الراية الأمريكية، وتحت عنوان التطبيع مع إسرائيل، بالمؤامرات على أمته، وعلى شعبنا على وجه الخصوص، والعدوان على شعبنا، والمؤامرات على أمتنا بشكلٍ عام، هل يمكن أن يُؤْجرَ من الله على مؤامراته، على جرائمه، على أفاعيله القبيحة، التي حمل بها الصيت السيئ في كُـلّ العالم، عند كُـلّ البشر، عند المسلمين والكافرين، أصبحت جرائم تحالف العدوان في اليمن جرائم بشعة، مشوِّهة، مخزية، ووصمة عارٍ في كُـلِّ المجتمع البشري، أصبح الكل في مشارق الأرض ومغاربها يقولون عنها أنها جرائم، وأنها الأبشع في سجل الجرائم، وأنَّ هذا العدوان على شعبنا هو حربٌ كارثيةٌ مأساويةٌ، ولا تتسم بأدنى معيار من معايير الإنسانية، أَو القيم، أَو الأخلاق، الممارسات الوحشية والإجرامية تعبِّر عنها وتقدِّم الشهادة عليها: المشاهد التي هي بالآلاف، المشاهد التلفزيونية، مشاهد مصوَّرة لجرائم المجازر الوحشية، جرائم الإبادة، جرائم القتل للناس بشكلٍ جماعي، في أفراحهم، في أعراسهم، في أحزانهم، في أسواقهم، استهداف لمصالحهم المشروعة، للمصالح الإنسانية، للخدمات الطبيعية، الحصار والتجويع على نطاقٍ واسع، جرائم وحشية مخزية لهم أمام كُـلّ العالم، لا يستطيعون تبريرها، في بعضٍ منها يحاولون أن يتنكَّروا لها، وأن يجحدوا أنها منهم لأيام، ثم يعترفون بعد ذلك؛ لهول فظاعتها، لشدة بشاعتها، في البداية يحاولون أن ينكروا، ثم يعترفون بعد ذلك.
هم في عدوانٍ ليس له مبرّر، لا في بدايته، ولا مبرّر لاستمرارهم فيه، نحن في العام السابع، وهم يستمرون في عدوانهم، ويستمرون في حصارهم، ويستمرون في جرائمهم.
أمَّا الموقف الذي نحن فيه، فهو الموقف الحق، الموقف المشروع، الذي نمتلك فيه الشرعية بكل الاعتبارات، الشرعية الحقيقية: شرعية القرآن، شرعية الحق، شرعية الموقف الصحيح، حتى بموجب الأعراف والقوانين الدولية، لنا الحق المشروع أن ندافع عن أنفسنا، عن بلدنا، عن شعبنا، في التصدي لذلك العدوان، الذي بدأوه هم بغير مبرّر، ثم هم يستمرون فيه بلا مبرّر، كُـلّ العالم يقول لهم: أنتم قد فشلتم في عدوانكم، لا مصلحة لكم في استمراركم في هذا العدوان، لن تصلوا إلى تحقيق أهدافكم بهذا العدوان، لو كنتم ستصلون إلى أهدافكم وآمالكم ورغباتكم في الاحتلال لكل هذا البلد، والسيطرة على أبناء هذا الشعب، لكان ذلك قد تحقّق فيما قد مضى، أمَّا اليوم فالمجريات بكلها تشهد بأنَّ ذلك أصبح من المستحيلات، أصبح في حكم المستحيل.
لماذا أصبح من المستحيل؟؛ لأَنَّ شعبنا -منذ البداية- وثق بالله، توكَّل على الله، اعتمد على الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، وانطلق من واقع رصيده وانتمائه الإيماني، ومخزونه القيمي والإنساني، الذي يأبى له القبول بالذل، والهوان، والاستسلام، والعبودية للطغاة والمستكبرين؛ لأَنَّ شعبنا بهُــوِيَّته الإيمانية، يأبى الله له أن يقبَلَ بالذلة، يأبى الله له إلَّا أن يكون شعباً عزيزاً حراً كريماً.
قلنا لهم منذ البداية: حريتنا دين، حريتنا دين، كرامتنا إيمان، عزتنا إيمان، جزءٌ رئيسيٌ من مكوننا الأخلاقي والقيمي والإنساني والشعوري والوجداني، لا يمكن أن نتخلى عنه، يمكن أن تُنزعَ الروح منا، من أجسادنا، دون أن تنزع العزة والكرامة من قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا، هذا هو الشعب اليمني.
ولذلك استمرارنا في الدفاع عن أنفسنا، في الدفاع عن شعبنا، في الدفاع عن كرامتنا، في الدفاع عن حريتنا، في الدفاع عن استقلالنا، هو موقف حق، وقضيةٌ عادلة، وموقفٌ صحيحٌ، وحكيم، ومعتبَرٌ، ومشروعٌ بكل الاعتبارات، بكل الحيثيات.
لا يعني هذا أننا لا نريد السلام؛ لأَنَّ الحالة التي نفرِّط فيها بكرامتنا، بحريتنا، باستقلالنا، ونقبل فيها بالذل، والسحق، والدهس على الكرامة، والمصادرة للحرية، ليست قبولاً بالسلام، هي -كما كرّرنا- في مدلولها العربي، في اللغة العربية اسمها استسلام، نحن نقبل بالسلام، ولا نقبل بالاستسلام.
ولذلك هم المعنيون هم أن يوقفوا عدوانهم، أن يرفعوا حصارهم، أن ينهوا احتلالهم، هذا هو ما عليهم؛ لكي يتحقّق السلام، السلام يتحقّق بهذه الطريقة، نحن لسنا شعباً عدوانياً، ولسنا شعباً همجياً، نتحَرّك لنزوات ورغبات، هذه هي حالة تحالف العدوان، هم الذين حاربونا واعتدوا على بلدنا وشعبنا بطراً، كبراً، غطرسةً، إجراماً، سفهاً، لا مبرِّرَ لهم في ذلك، لا موجب لذلك، لا حقَّ لهم في ذلك.
أمَّا موقفُنا ونحن ندافعُ، نتصدى لعدوانهم، نتصدَّى لاحتلالهم، نواجهُ إجرامَهم، جبروتَهم، نتصدى لما يفعلونه بحق شعبنا من حصارٍ جائرٍ ظالم، فهو الموقفُ الطبيعي بكل الاعتبارات: بالحق الإنساني، الذي تقتضيه وتقرُّ به الفِطرة الإنسانية في كُـلّ الدنيا، وبالحق الديني، هو مسؤولية وليس مُجَـرّد حق، أكثر من ذلك هو مسؤولية، لا يقبل الله منا أن نخضع، أن نخنع، أن نستسلم، أن نمكِّنهم من رقابنا، أن نصادر نحن معهم حريتنا وكرامتنا واستقلالنا.
فلذلك إذَا أرادوا السلام، فطريق السلام واضحة، بيِّنة:
• ليتوقفوا عن عدوانهم.
• ليرفعوا حصارهم.
• ليكفوا عن عدوانهم على هذا الشعب.
• لينهوا احتلالهم لهذا البلد.
وبهذا يتحقّق السلام، يتحقّق السلام بهذه الطريقة.
أمَّا أن يريدوا أن نقبَلَ بصفقات ومساومات يبقى فيها الحصار الخانق على شعبنا الذي لا مشروعية له، يبقى بلدنا فيها مستباحاً لطائراتهم، لقصفهم، لاعتداءاتهم، تبقى فيه مساحات شاسعة من هذا البلد تحت احتلالهم وسيطرتهم، يبقون هم ويواصلون تدخلهم في شؤون هذا الشعب، في كُـلّ شؤونه، في كُـلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من أموره، وكأنهم أوصياء على هذا الشعب، وكأنهم يمتلكون الحق في السيطرة على أبنائه، والتحكم بهم، فهذا ما لا يمكن القبول به.
طالما استمرَّ العدوانُ، سنستمر نحن كشعبٍ يمني في التصدي لهذا العدوان، كمسؤوليةٍ إنسانيةٍ إيمانيةٍ أخلاقيةٍ، وكجهادٍ مقدس، وكجهادٍ مقدس، وسنفتخر ونتشرف بكل عطاء بكل تضحية نقدِّمها، وسيفتخر بها أجيالنا اللاحقون والآتون، الذين سينعمون بثمرة هذه التضحية، وهذا الصمود، وهذا العطاء؛ لأَنَّهم ربحوا فيه الحرية والاستقلال والكرامة، وعاشوا فيه لا يعبِّدون أنفسهم إلَّا لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”.
في هذه المناسبة ونحن ندشّـنها، أدعو إلى العنايةِ خلال كُـلّ هذه الفترة، خلال هذا الأسبوع بكله، الذي هو الذكرى السنوية، بالأنشطة المتنوعة والمتعددة المعتادة في هذه المناسبة، والمعتمدة لهذه المناسبة.
أدعو أَيْـضاً إلى الاستمرار لدعم الجبهات والميدان بالرجال والقوافل والعطاء، وإن شاء الله يكون لهذه المناسبة -كما هو في كُـلّ عام- أثرُها العظيم على المستوى التربوي والوجداني والأخلاقي في كُـلّ المجالات، في كُـلّ المجالات؛ لأَنَّ هذا -كما قلنا- يذكِّرنا بقدسية المسؤولية في كُـلّ مجالٍ أنت فيه، هذه مسؤولية عظيمة، قُدِّم فيها أعز الرجال، وأشرف الرجال، وخير الرجال، وخير الناس.
نَسْأَلُ اللهَ –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفيَ جرحانا، وَأَنْ يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..