أُمهاتٌ يصنعُ المجدَ لأبنائهن.. الدربُ الخالدُ للشهيد
أُمُّ الشهيد المستكا: استشهاد ابني دفعني أكثر للعمل في سبيل الله وأتمنى أن أختم حياتي بالشهادة
أُمُّ الشهيد بزدان: جسدُ ابني الشهيد امتلأ بالشظايا أثناء محطاته الجهادية حتى لقي الله في مأرب
أُمُّ الشهيد الكبير: أقول لطواغيت العصر: لا يخيفُنا ولا يرهبنا إجرامُكم وإنما يزيدنا ثباتاً في مواجهتكم
أُمُّ الشهيد الديلمي: ابني كان من السباقين في الالتحاق بالجبهات ورابط في جبهة نجران وعمره 16 عاماً
أُمُّ الشهيد الشهاري: الشهادة كرامة من الله وأنا أفتخر وأرفع رأسي بولدي الشهيد أمام الله ورسوله
المسيرة: محمد ناصر حتروش
يمتلئُ سِجِلُّ اليمنيين بالكثير من القِصَصِ التي تُوَثِّقُ بسالتَهم وشجاعتَهم في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ على مدى سبع سنوات مضت، ومن بين هؤلاء نساءٌ عظيماتٌ دفعن بفلذاتِ أكبادهم إلى ساحات الوغى، وجبهات العزة والكرامة، فمثلن النموذج الصادق في التولي لله وللرسول وأوليائه الصادقين.
وخلال سنوات مضت، وثّقت عدسات الكاميرا مشاهدَ لعدد من أُمهات الشهداء تظهرهن في معنويات عالية وهن يودعن أولادهن الشهداء، ليس بالنواح والبكاء ونثر التراب على رؤوسهن، وإنما بالزغاريد ونثر الورود، في مشهد لا نظير له في التاريخ، وفي رسالة تؤكّـد على عظمة التضحية والفداء، وإغاظة الأعداء المستكبرين على شعبِ اليمن.
والتقت صحيفةُ “المسيرة” بعددٍ من أُمهات الشهداء، لتستقصيَ سِرَّ هذا الشموخ اليماني الكبير، ولتغوصَ في أعماقهن لمعرفة دوافعهن من كُـلّ هذه التضحية، فكانت هذه الحصيلة:
تسرد أُمُّ الشهيد حسن المستكا، في بداية حديثها مع صحيفة “المسيرة” بعضاً من مناقب ابنها، فتقول: “كان ولدي الشهيد حسن في قمة الطاعة والرعاية لوالديه، وكان رحيماً بالحيوانات يستعطف لهن إذَا حدث لهن حادث، وكان شجاعاً مقداماً يسعى لأن يكون في مقدمة الصفوف كما عرفنا عنه بعد استشهاده”.
وتضيف “كُـلّ من عرف حسن أحبَّه لأخلاقه وحسن سلوكه، وحينما انطلق في المسيرة المباركة اندفع معه العديد من أصدقائه، والبعض من الأصدقاء تأثر باستشهاد حسن والتحق بالجبهات حباً فيه”، مؤكّـدة أن جرائم العدوان الوحشية بحق الأطفال والأبرياء دفعت ابنها الشهيد حسن للتحَرّك إلى الجبهات لرفع الظلم وإيقاف الظالمين عند حدهم وذلك استجابة لقوله تعالى: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ)، موضحة أن ولدها بعد أن اتخذ قراره النهائي في الذهاب للجبهات والتصدي للغزاة لم تعترض طريقه، وإنما استودعته الله تعالى، ودعت الله أن يحميَ ولدَها ويقوي عضده لضرب أعداء الأُمَّــة الإسلامية، مضيفة بالقول: “رغم علمي أن طريق الجهاد سينتهي بالشهادة أَو النصر وكلاهما عظيم بل إن الشهادة مقصد عظيم يناله المخلصون من عباد الله وكنت أتمنى أن أنالها قبله لكن كتب الله أن يسبقني ابني والحمد لله”.
وتزيد والدة الشهيد حسن: استشهاد ابني لم يوقفني عن مواصلة الجهاد وإنما دفعني أكثر للعمل في سبيل الله وإعلاء كلمة الله فاتّباع نهج الشهيد يصلح الكثير من أمور الدنيا والآخرة، ويجلب الراحة والاطمئنان، داعية من الله تعالى أن يختم حياتها بالشهادة في سبيل الله، وأن يجمعها بولدها الشهيد في عليين، منوّهة إلى أن من أولاد إخوتها سبعة شهداء من آل عشيش التحقوا بركاب الخالدين.
وتصف والدة الشهيد حسن الشهادة بالوسام العظيم والحياة الأبدية الخالدة في ضيافة رحمانية وهو ما يتنماه الجميع، داعية جميع أُمهات الشهداء بالسير على نهج الشهداء واقتدَاء أثرهم وذلك كي يحظين بالرعاية الإلهية واللطف الرباني ولنيل شفاعة أبناهن الشهداء.
فخرٌ وغزة وشموخ
وبمعنويات تعانق السماء، تتحدث أم الشهيد أحمد محمد لطف بزدان، عن ولدها وقرة عينيها بالقول: “كان بطلاً متأملاً يتطلع إلى السماء بقلب واعٍ، ونفس تنازعه الحنين إلى أن يسطر أروع البطولات، وكان رجلاً رغم صغر سنه (من مواليد عام 2000)، طيب القلب، قليل الكلام، مخلصاً في كُـلّ أعماله”.
وتذكر أن البداية الأولى لانطلاقة الشهيد بزدان كانت في الرابعة عشرة من عمره، وذلك أثناء انخراطه في العمل الأمني، وأنه حينما بلغ سن السابعةَ عشرةَ انتقل الشهيد إلى العمل العسكري في جبهات العزة والكرامة، مشيرة إلى أن بطلها الشهيد سطر أروع البطولات متنقلاً من جبهة إلى جبهة، بدءاً من جبهة الساحل، ثم تعز بمعسكر البرح، وُصُـولاً إلى جبهة نجران الحدودية، موضحة أن جسد الشهيد امتلأ بالشظايا أثناء محطاته الجهادية، لتكون جبهة مأرب هي المحطة الأخيرة التي ارتقى فيها شهيداً لتصعد روحه الزكية إلى عليين في ضيافة ربانية.
وتصفُ والدة الشهيد شعورها المليء بالفخر والعزة والشموخ وذلك كون الله أكرمها بأن تقبّل قربانَها إليه، سائلة الله عز وجل أن يجعله شفيعاً لها يوم القيامة، وأن لا يحرمها أجر الألم والوجع، وحرقة قلبها على فراقه.
من جهتها، تدعو أم الشهيد أحمد جميع، أُمهات الشهداء إلى التذكر باستمرار قول الله تعالى (أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)؛ وذلك كون الآية الكريمة تجسد النعيم والفضل الكبير الذي أعده الله لخَاصَّة أوليائه، مختتمة بالقول: “هنيئاً أيها الشهداء، أيها العظماء لمقامكم الذي وصلتم إليه، إن دماءَكم ارتوت بها قلوب العاشقين للشهادة واخضرت بها الأرض عزاً ونصراً”.
أما والدة الشهيد محمد الكبير فتقول عن ولدها العظيم: “كان الشهيدُ متزوجاً ولديه 4 أولاد منهم شهيدان و5 بنات”.
وعن صفات الشهيد الكبير، تؤكّـد والدته أنه اتسم بالشجاعة والإحسان والكرم والأخلاق العالية وأنه كان من السباقين العاملين بقوله تعالى: (والسابقون السابقون)، حَيثُ اندفع منذ وقت مبكر للجبهات مقدماً أولاده وماله وسلاحه.
وتذكر بعضَ المواقف الجهادية البطولية للشهيد والتي منها الوقوف بكل شموخ وثبات بوجه آل الأحمر أثناء حرب “حوث” وأن هيبته وشجاعته جعلت أعداءَه يخافون منه، وأنه في إحدى المرت اجتمع الأعداء حول منزله لمحاصرة المنزل وضرب القنابل والرصاص على منزله حرصاً منهم لقتله وقتل أفراد أسرته إلَّا أن الرعاية الإلهية أنجت جميع من في المنزل وأن الشهيد انتقل إلى محافظة صعدة بعد أن دمّـر الأعداء منزله تدميراً كليًّا.
وتوجّـه والدةُ الشهيد الكبير رسائلَ للعدوان قائلة: إلى طواغيت العصر وإلى فراعنة الزمان نقول لكم: لا يخيفنا ولا يرهبنا إجرامُكم وإنما يزيدنا ثباتاً في مواجهتكم، إنما يزيدنا قوة وإصراراً، كلما استمر عدوانكم استمر عطاؤنا، كُـلّ ما استمريتم استمرينا في عذابكم والتنكيل بكم.
السبقُ إلى الجبهات
(عندما كان جنيناً في أحشائي رأيتُ في منامي أنني واقفة في الحوش أنظر إلى السماء، وَإذَا بالقمر يشع نوراً حتى أن نور القمر أضاء المكان بأكمله، وعندما فسرنا الرؤيا وضّح لنا المفسرون أنه سيأتينا ولدٌ صالحٌ) هكذا تستهل والدة الشهيد أحمد الديلمي حديثها عن فلذة كبدها.
وتضيف: كان في حياته هادئاً وفى دراسته متفوقاً، وكان من المحسنين لوالديه ولإخوته وأخواته ولجميع أرحامه، كان صديقاً مثالياً لوالده وكان ملتزماً بالصلاة لا سِـيَّـما صلاة الفجر، حَيثُ كان يستيقظ مبكراً وكان يوقظ جميع أفراد المنزل.
وقبل العدوان بسنة، رأى الشهيد الديلمي في منامه رؤيا أنه مع سيدنا رسول الله صلوات الله عليه وآله، والإمام علي صلوات الله عليه، وهم على خيول وكانوا يقتحمون مناطق ويطهروها حتى طهروا جميع المناطق، وَتقول والدة الشهيد حدثني أحمد عن الرؤيا قبل العدوان وكان عمره في حينها 15عاماً.
وتتابع: بدأ العدوان على اليمن وكان من السبّاقين في الالتحاق بالجبهات حاولنا إقناعه أنه لا يزال صغيراً لكنه أصرَّ على موقفه بالالتحاق بالجبهة، فرابط الشهيد أحمد بجبهة نجران وعمره 16 عاماً.
وتلفت إلى أن الشهيد تنقل من جبهة إلى أُخرى حسبَ احتياج الجبهة، وأنه حينما كان يجرح كان يتعالج ويرجع للجبهات دون علم أسرته بإصابته وذلك حرصاً على الجهاد.
وتشير إلى أن الشهيدَ -رضوان الله عليه- ظل ستة أعوام وهو يجاهدُ في مختلف الجبهات، وأنه بعد زواجه أُصيب بالزائدة الدودية، وبعد إزالةِ الزائدة بأيامٍ عاد الشهيد إلى جبهة مأرب، وأنه قبل عيد الأضحى قام جميعُ رفقاء الجهاد بغسل ثيابهم، وطلبوا منه رفاقه بخلع ملابسه لغسلها، فأجاب لا أريد أن أخلع ملابس القتال، حَيثُ إذَا أكرمني الله بالشهادة التقي الإمام علياً وأنا بملابسي القتالية.
وتستعجب والدة الشهيد من الأُمهات اللواتي يفرحن برؤية أولادهن وهم يسعَون إلى تحقيق المناصب الفانية التي تنتهي بانتهاء حياة الإنسان! مبينة أن الفرحة الحقيقية تكمُنُ في طلب الشهادة وذلك كون الشهداء يحضون بحياة أبدية تختتم بالفوز بالجنة.
وتختتمُ والدةُ الشهيد الديلمي حديثَها بالقول: رسالتي للمجتمع بأكمله بأن يصحوا من سباتهم وأن يعرفوا أن هذا وقت التمييز لقول الله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، وأن الدنيا لعب ولهو، وقد رأينا جميعاً كيف كان موقف أهل اليمن من لعبة الكرة، وَكيف تفاعلوا وكيف كانت فرحتهم بنصر الكرة، في حين العدوان استهدف الكبير والصغير والشجر والحجر بجميع أنواع الأسلحة المحرمة، وغير المحرمة، ومع ذلك يلتزم غالبية الناس حالة الصمت، أَو ما يسمى بالحياد، مؤكّـدة أن الجهاد فرض تكليف على عامة الناس بلا استثناء.
حكاية أُخرى عن شهيد وشموخ أُمَّـة، مع أم الشهيد محمد أحمد الشهاري: على الرغم من صغر سِنِّه إلَّا أنَّه كان يمتلك من الحمية والغيرة والكرم ما لا يمتلكه الآخرون من كبار السن، فمنذ الوهلة الأولى لبدء العدوان على اليمن انطلق ولدي الأصغر الشهيد محمد أحمد الشهاري إلى الجبهات للذود عن حياض الوطن.
وتضيف والدة الشهيد الشهاري: خرج ولدي للجهاد وعمره 15عاماً وارتقى إلى السماء شهيداً وعمره 18عاماً سلام الله عليه وعلى كُـلّ الشهداء.
وتؤكّـد والدة الشهيد أن رفقاء الجهاد المقدس أكّـدوا أن الشهيد الشهاري -رضوان الله عليه- كان يتقدم الصفوف أثناء التصدي لزحوفات العدوان، أَو الهجوم عليهم، وأن تضاريس المعركة الوعرة والصعاب التي تحدث في المعارك من الجوع والعطش وغيرها لم تثنِ صغيرها البطل ولو لحظة عن مواصلة النزال والتنكيل بأعداء الله رغم أن رفقاء الجهاد المقدس عرضوا عليه الجلوس في مؤخرة المعركة والقيام بأعمال جهادية أُخرى وظل يصول ويجول من معركة إلى أُخرى حتى ارتقى شهيداً.
وعن الشهادة، تقول والدة الشهيد الشهاري: “الشهادة كرامة من الله وأنا افتخر به وأرفع رأسي به أمام الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فسلام الله على جميع الشهداء والمجاهدين وسلام الله على كُـلّ أم دفعت وشجعت أولادها على الجهاد في سبيل الله وسلام الله على سيدي ومولاي السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، خير قائد، أرواحنا وأولادنا فداء له سلام الله عليه”.
وتختم والدة الشهيد الشهاري حديثها بمخاطبة ولدها الشهيد قائلة: “رفقاؤك أخبروني أنَّك ارتقيت شهيداً والابتسامة تعلو شفتَيك لعظيم ما لاح لعينيك من الجزاء والمقام الرفيع برفقة الشهداء والأنبياء، ربي يتقبلك ويجعلك في الفردوس الأعلى، ونسأل من المولى أن يكتب لنا لقاء قريب أُطْفِئُ به حرقة قلبي وشوقي للقائك يا نور عيني كم اشتاق لضحكتك ولأصغر تفاصيلك، الكلام كثير ولا يكفي العمر أن أصف وجعي بفراقك.. لا أتخيَّلُ أن أيامَنا تمر بدونك ولكنها تمُرُّ بمرارة الشوق والفقدِ لابني وحبيب قلبي”.