من وحي الاصطفاء الإلهي
حريتنا دين، كرامتنا وعزتنا إيمان وجزءٌ رئيسيٌّ من مكوننا القيمي والأخلاقي والإنساني لا يمكن أن نتخلى عنه.
رويدا البعداني
على أثيرِ الاصطفاء تفوحُ دماءُ الشهداء رياحينَ عَبِقَةً، تتصاعدُ أرواحُهم إلى السماءِ إِثر يومٍ مهيب كُلِّل بعناقيد التَّضحية والفداء، فعلى أرضِ الوطنِ الراعفِ في كُـلّ آن، هُناك دومًا أرواح تُصارِعُ كُـلَّ من أراد المساسَ بها بسوء، تنتشي من البسالةُ عزيمةً لتَّدُكَ بها حُصُونَ كُـلّ مستبد، فليس من السهل أن نرى أوطانَنا تُستباح، وأراضيَنا تُدمّـر، ودماءَنا تفترش الأرض رحيقاً أحمر، حتماً ستثورُ فينا الحمية، ويشتعلُ البأسُ اليماني مُدافعاً، سنقفُ ثائرين نزمجرُ في ساحات المعارك، ومع كُـلّ جنازة جديدة، ستولدُ فينا نشوةُ النَّصر المؤزر لنرفع راية الحرية عالياً.
يقولُ تعالى:- {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، ما بين ليلةٍ وضحاها تسموُ أرواح إلى بارئها بغمضةِ عين، وكأنها لم تعش الحياةَ قط، أرواح زكية يتضوّعُ منها المسك، ويتجلى منها النُّورُ أبدًا.
أرواحُ التاعت شوقاً إليه جلَّ شأنُه، ونما عشقُ الشِّهادة في بساتينها، آثرت البذلَ والعطاءَ في سبيله، لتعلوَ كلمة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ذكَّت نفسَها لتصبُو الحياة الكريمة على تُراب الوطن، ولتتهاوى دعائمُ الضيم وَالإجحاف في الوطن السَّليب؛ ليعود حُرًّا عزيزًا أبيَّا.
يقولُ تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
مكافأةٌ عظيمةٌ، وبُشرى إلهية ثمينة، حالةٌ من الطمأنينةِ التامة، والسمو الروحي، والاستقرار النفسي، كُـلّ ذلك لمن توجّـه في ركب هذا الواجب الديني المقدس، واستشعر عظمة الجهاد، وزهدُ بمعنى الشِّهادة الحقَّة.
{أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} لا موتَ هُنا وإنَّما حياةٌ أبدية، يتوارى الجسدُ ويُسَجَّى وتظلُّ الروحُ تعبقُ في ملكوته، تسبحُ وتهيمُ في فضائه الرحب وقد هُيأت لها الجنان، فطوبى لمن هو شهيد.
{عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} حياةٌ طيبةٌ محفوفةٌ بعناية الله ومعيته، تتنعم برزقٍ كريم وتحظى بضيافته جلَّ شأنه، حياة هانئة لا يشوبها حزن أَو تعتريها فاقة.
فيا أيُّها الباني كراماتِ الأوطان وعزَّ الرِّجال والمُفْدِي بروحه الأجيال، أيها المُكرَّمُ من الله تعالى، حَيثُ يُشفِّعُكَ الربُّ جلَّ وعلا في سبعينَ من أقربائك؛ أرأيتَ كم لك من الفضلِ والحظوةِ والكرامةِ والتكريم.
أيُّها الجواد وها قد جُدت بنفسك ولعمري ما أعظمَ قول الشَّاعر (والجودُ بالنفس أقصى غاية الجُود) نمْ طيِّبَ الثَّرى، وذكرك يعانق الثُّريا وهاماتنا بك عالية، والملتقى الفردوس برحمة الله.