عملية “فجر الصحراء” حقّقت الكثيرَ من المكاسب وأثبتت معادلةَ فرض السيادة الوطنية
خبراء عسكريون واقتصاديون لصحيفة “المسيرة”:
المسيرة – منصور البكالي
تكتسبُ عمليةُ “فجر الصحراء” وما حقّقته من تحرير منطقة “اليتمة” وما جاورها في مديرية خب والشعف بمحافظة الجوف شمال شرقي صنعاء أهميّةً استراتيجيةً ولها أبعادُها العسكرية والاقتصادية والسياسية.
ويؤكّـد الخبيرُ الاستراتيجي والمحلِّلُ العسكري العميد عزيز راشد، أن الأهميّة الاستراتيجية والعسكرية لعملية فجر الصحراء وتحرير اليتمه، ترتبطُ بالأهميّة الاستراتيجية لمحافظة الجوف ذاتها؛ كونها تقع شمال شرقي اليمن وعلى خطوط التماس مع المملكة السعوديّة مباشرة، وبشريط حدودي يمتد من جنوب غربي نجران جنوبي المملكة، وحتى جنوب شرقي نجران، وكذلك يمتد حتى صحراء الربع الخالي، وهو ما يزيدها أهمية، من حَيثُ إغلاق أي دعم عسكري من هذا الشريط الحدودي لإسناد جبهة مأرب.
ويضيف العميد راشد في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” “أن عملية “فجر الصحراء” أتت مباغتة للعدو، ولم يكن في حسبانه لمثل هكذا عمليه خاطفة، وهذا يعتبر عجزاً مخابراتياً لدى تحالف العدوان، وتفوقاً مخابراتياً ومعلوماتياً لدى قواتنا، وتعتبر عملية خاطفة ناجحة، والتي يصنفها كخبير عسكري ضمن العمليات الخاطفة الناجحة التي قام بها الجيش الألماني في اختراق خصومه أثناء الحرب العالمية الثانية رغم فارق الإمْكَانيات، مُشيراً إلى أن الخبراءَ يعرفون معنى العملياتِ الخاطفة، من حَيثُ جمع المعلومات والاستطلاع المتعدد والتغطية الجوية والضربات الأولية بأسلحة نوعيه والسرعة المتطلبة والآليات الناقلة للجنود والتأمين والتموضع”.
ويتابع الخبير العسكري والاستراتيجي عزيز راشد “أن عملية بهذه المساحة الواسعة وفي غضون ثلاثة أَيَّـام لا شك بأنها عملية دوّخت العدوان وتساقطت قيادات عسكرية كبيرة في صفوفه، حَيثُ مثّلت إحباطاً وانهياراً في معنوياته، وهذا أهمُّ جانب عسكري كرسالة واضحة للعدو أنه لا يستطيع تغطيتها، أَو التبرير، وهذا ما أفقده أعصابَه وقام بردة فعل انفعالية بضرب المدنيين في العاصمة صنعاء والمحويت وتعز وبقية المحافظات”.
ويردف قائلاً: “من الأهميّة العسكرية لهذا التحرير هو قطع خطوط الإمدَاد على العدوّ عبر هذه المحافظة لأي دعم أَو إسناد للمرتزِقة في ما تبقى من محافظة مأرب وهذا أهم جانب في الوقت الحالي وهو ما سيسهل من عمليات تحرير لعدد من المحافظات الأُخرى بما فيها مأرب، معتبرًا وصولَ الجيش واللجان الشعبيّة إلى منطقة اليتمة التي هي امتدادٌ لصحراء الربع الخالي وحرمان العدوّ من هذه المحافظة رغم أنه يعتبرها ضمن أراضيه إحباطاً للآمال التي بنى عليها نظرته التوسعية طوال عقود من الزمن.
ويشير العميد راشد إلى أن الجيش واللجان الشعبيّة لأول مرة في تاريخ الجمهورية اليمنية أثبتوا معنى فرض السيادة الوطنية على هذا الجزء من الجغرافيا اليمنية، وهو ما سيعزز ثقة الجماهير اليمنية لهذه القيادة اليمنية الحكيمة ممثلة بقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- ومن خلفه الشعب والجيش كأمة واحدة تسعى لتحرير الوطن والأمة من أدوات الاستكبار ومشاريع الظلام والرجعية، وأن هذه العملية أنهت مؤامرة ما يسمى إقليم سبأ الذي مرّره السفيرُ الأمريكي في مؤتمر الحوار، وقضت على آمال وطموحات السعوديّة وَأحلام العكيمي والعرادة بالانفراد بتلك المحافظتين النفطيتين تحت مسمى “إقليم سبأ” التقسيمي التفتيتي لليمن والمنطقة وفق المشروع الأمريكي الصهيوني تفتيت المفتَّت وتقسيم المقسَّم.
ويقول: “نظراً لمساحة محافظة الجوف الواسعة التي تبلغ (٤٠٠٠٠) كم مربع، فهي تعتبر خط الدفاع الأول لأربع محافظات مجاوره لها، ومرتبطة بصعدة من الشمال، ومن جهة الغرب، وعمران ومحافظة صنعاء ومأرب من الجنوب”.
من جانبه، يؤكّـد الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي العقيد مجيب شمسان أن الأهميّة الاستراتيجية والعسكرية لتحرير “اليتمة” وما تبقى من محافظة الجوف في عملية” فجر الصحراء” تحمل العديدَ من الدلالات والمؤشرات، من حَيثُ موقعها الجغرافي، وتوقيتها الزمني، وتبعث رسالة إلى تحالف قوى العدوان الأمريكي السعوديّ، وربما كانت الهستيريا التي صدمت العدوّ وتكللت بتحرير 1200 كم مربع في منطقة “اليتمة” بمديرية خب والشعف بمحافظة الجوف.
ويشير العقيد شمسان إلى أن هذه العملية النوعية لم تكن مُجَـرّد انتصار متراكم للجيش واللجان الشعبيّة إلى جانب الانتصارات السابقة، بل تعد انتصاراً تاريخيًّا كونها استعادت منطقة ظلت لعقود طويلة تحت الوصاية السعوديّة، وبالتالي فَـإنَّها من دلالة المسمى بعملية “فجر الصحراء” توصل رسالة للعدو السعوديّ بأن كُـلّ الأراضي اليمنية المغتصبة حديثاً خلال هذه العدوان، أَو سابقًا ستكون بيد الجيش واللجان الشعبيّة، وهذه هي الرسالة البارزة والقاصمة لتحالف العدوان، لأن كُـلّ الأراضي اليمني المغتصبة ستعود إلى حضن الوطن، وستتنفس الحرية والاستقلال.
ويتابع الخبير العسكري شمسان بقوله: “جاءت هذه العملية لتؤكّـد قدرة الجيش واللجان الشعبيّة على استعادة الأراضي المغتصبة، وكسر الحاجز الذي أرادت سلطات النظام السعوديّ وضعَها بيننا وبينها في الحدود التي اغتصبها سابقًا، لتصبح تلك المسافة الطويلة من الحدود اليمنية مع مملكة العدوان في الأراضي التي تم اغتصابها سابقًا في نجران لتصبح اليوم على خط تماس مع تقدم الجيش واللجان الشعبيّة نحوها”.
ويضيف “أَيْـضاً تمثل هذه العملية، من حَيثُ توقيتها عملية نادرة ونوعية؛ كون الجيش واللجان الشعبيّة لا يقومون بهذه العملية فقط، بل هناك عمليات أُخرى يخوضونها في مأرب والساحل الغربي، وعلى كافة المحاور والاتّجاهات ومعارك أُخرى في ما وراء الحدود، وخاضوا هذه العملية في أرض مفتوحة، ودون غطاء جوي وتمكّنوا من حسمها في زمن قياسي بحدود 3 أَيَّـام، فهذه العملية بما تمثله، من حَيثُ موقعها الجغرافي وموقعها الزمني وطبيعة الأرض التي نفذت عليها تمثل عمليةً نوعية راكمت الانتصار وحقّقت انتصاراً تاريخيًّا أعادت من خلاله أراضيَ مغتصَبةً لعقود على السيادة اليمنية، وستكون بوابة ومنطلقاً لتحرير الأراضي الأُخرى المحتلّة من قبل العدوّ السعوديّ”.
أما على مستوى تحرير الأراضي اليمنية الأُخرى، فيشير العقيد شمسان إلى أن هذه العملية بما فرضته من واقع جديد على هذه المنطقة وعلى امتدادها الذي وصل إلى منقطة البُقع والخط الدولي الواصل إلى منفذ الخضراء، أَو اقترابها أَيْـضاً من التمهيد للوصول إلى منفذ العبر، وقطع خطوط الإمدَاد لمرتزِقة العدوان في محافظة مأرب، فهذا يمهّد الواقعَ العملياتي وميدان المواجهة أمام الجيش واللجان الشعبيّة لتحرير ما تبقى من مأرب، ويضاعفُ الخِناقَ على مرتزِقة العدوان داخل هذه المحافظة الذي يسعى فيها حزب “الإصلاح” لجر ما تبقى منها لويلات الحرب والنار، وبالتالي جاءت هذه العملية في هذه التوقيت الذي لم يكن يتوقعه تحالف العدوان لتؤكّـد على عدد من الرسائل أن بإمْكَان القوات المسلحة اليمنية تنفيذ عمليات واسعة وكبرى بهذا الحجم، وتؤكّـد على إرادَة ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر وأهدافها في دولة ذات سيادة، تبسط إرادتها على كُـلّ شبر من هذه الأرض شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، ورسائل أَيْـضاً بأن كُـلّ الأراضي اليمنية التي اغتصبت من هذا الوطن ستعود إليه اليوم أَو غداً طالما هناك إرادَة وهناك قيادة حكيمة تعزز إرادَة المقاتل وقد تكللت كُـلّ تلك العمليات بالنصر ومن نصر إلى نصر إلى أن تتحرّر كامل الأراضي اليمنية”.
ويقول الخبير شمسان: “هذه العملية -وبحسب ما ورد في خطاب المتحدث الرسمي للجيش واللجان الشعبيّة العميد يحيى سريع- جاء فيها بالانتقال إلى مرحلة جديدة للعمليات العسكرية الرادعة وتجديد الدعوة لتحَرّك أبناء الشعب اليمني هي رسالة أَيْـضاً في جانب أن الأراضي التي ظلت مغتصبة من قبل العدوّ السعوديّ لأكثر من خمسة عقود إلى جانب الأراضي المغتصبة من قبل والتي استمر العدوّ السعوديّ بمحاولاته منع الجيش واللجان الشعبيّة من الوصول إليها إلا أن زمن هذه العملية والتوقيت المفاجئ أربك حسابات تحالف العدوان ومكنهم من تحريرها وتوجيه ضربة قاصمة للعدو، لا سِـيَّـما أن هناك معلومات تتحدث عن نهب الثروات النفطية بطريقة، أَو بأُخرى من هذه المناطق”.
ويوضح العقيد شمسان أن توقيت هذه العملية وعلاقتها بالمعارك المركزية في الأراضي الأُخرى في مأرب هي رسالة للعدو السعوديّ مفادها بأننا عازمون على تحرير كافة الأراضي اليمنية، وما يتعلق بالغطاء الجوي ومضاعفة الدعم السعوديّ للمرتزِقة في مأرب، فقواتنا الصاروخية تعمل على تحييد الغارات السعوديّة من خلال استهداف مطاراته القريبة التي تُستخدم لمساندة مرتزِقته على الأرض، وهناك أَيْـضاً إمْكَانية لتطوير الدفاعات الجوية التي تمكّنت من إسقاط العديد من الطائرات التجسسية والقتالية، إضافة إلى تحييد فاعلية الطائرات الحربية الحديثة وترك أثرها ومفعولها على الواقع، وبالتالي كانت نتائجها على الواقع ومثل هذه العناصر سمحت للجيش واللجان الشعبيّة التقدم على الأرض بشكل أكبر مما كان عليه سابقاً.
ضربة قاصمة أربكت حسابات دول العدوان
ولم تقتصر الأهميّة الاستراتيجية لعملية “فجر الصحراء” في الجانب العسكري فحسب، بل كان لها أهميتها وأبعادها الاقتصادية والسياسية.
ويؤكّـد الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، أن الأهميّةَ الاستراتيجيةَ لمنطقة “اليتمة” وما جاورها كبيرٌ واستراتيجي عسكريًّا واقتصاديًّا، وأن عملية فجر الصحراء أنهت الوَصاية السعوديّة التي كانت الرياضُ تفرضُها طيلةَ العقود الماضية، فهذه المنطقةُ الحدودية التي تمتد إلى عمق صحراء الربع الخالي الغنية هي الأُخرى بالنفط والثروات المعدنية، وتقع على التماس مع منطقة نجران، أي على شريط حدودي واسع يمتد إلى المئات من الكيلوهات، مبينًا أهميّة منطقة “اليتمة” الاقتصادية أنها واقعة فوق بحيرة من الغاز المسال والنفط وكذلك بحيرة مياه للشرب وللزراعة كبيرة جِـدًّا وفق الدراسات، ولذلك فَـإنَّ حديثَ العميد يحيى سريع، عن منع السعوديّة للمواطنين اليمنيين في تلك المنطقة من حفر آبار مياه، يؤكّـد حرصها على إبقاء تلك المنطقة “ميتة” كون إحيائها وزراعتها واستغلالِ المساحات الواسعة فيها يشكِّلُ خطراً على مصالحها، يضاف إلى أن منع الناس من استغلال المياه الجوفية في “اليتمة” وما جاورها، يعكس نوايا الرياض في عدم تكاثر أعداد السكان فيها حتى يسهل ابتلاعها كما تم ابتلاع 40 ألف كيلو متر من أراضي حضرموت الحدودية مع شروره تحديداً ومنطقة خراخير اليمنية.
ويتابع الخبير الاقتصادي الحداد في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن اليتمة الواقعة في نطاق مديرية خب والشعف شرقي محافظة الجوف مساحتها كبيرة جِـدًّا وتتجاوز مساحة البحرين، ولكن فرضت السعوديّة على الحكومات اليمنية المرتهنة أن تترك 70 % من أراضي الجوف تحت مسمى مديرية خب والشغف حتى يسهل ابتلاعها وهناك 17 مديرية تتقاسم نطاق 30 % من مساحة الجوف، الهدف من وراء ذلك اقتطاع أجزاء واسعة من المناطق الحدودية اليمنية كما حدث بعد ترسيم الحدود بموجب اتّفاق جدة الموقّع بين اليمن والسعوديّة عام 2000 م، والذي شمل جزءاً على تماس مع محافظة الجوف، وتم تأجيل الترسيم في منطقة الربع الخالي بصورة متعمدة رغم أن السعوديّة تستغل النفط في الربع الخالي، وبعد الاتّفاق قامت السعوديّة بتغيير المعالم الحدودية والتوغّل داخل الأراضي اليمنية مع الجوف، وتحديداً في المناطق القريبة من اليتمة واستحوذت على أكثر من 20 كلم، وقدّمت العلامات الحدودية فيها وضمّتها إلى أراضيها.
ويبين الحداد أنه وخلال العقود الماضية عملت السعوديّة على إفشال أية محاولات يمنية للتنقيب في عدد من الحقول القريبة من المنطقة الحدودية، وأغلقت منتصف ثمانينيات القرن الماضي بتواطؤ من نظام صالح قطاعين نفطيين يمنيين بعد اكتشاف وجود كمّيات كبيرة من النفط فيهما غرب اليتمة، وحقلاً غازياً آخر أثبتت الدراسات امتلاكه كمّيات تجارية كبيرة من الغاز المسال، ولذلك استعادة هذه المنطقة يعد كنزاً ثميناً لصنعاء وضربة مؤلمة للسعوديّة، فتحرير اليتمة من قبل الجيش واللجان الشعبيّة في عملية فجر الصحراء أعاد هذه المنطقة الاستراتيجية إلى حضن الدولة لأول مرة منذ ستين عاماً، وسيسهم في إنعاش المنطقة اقتصاديًّا وزراعياً وعمرانياً.
ويشير الحداد إلى أن محافظة الجوف تعتبر إقليماً زراعياً هاماً، وتمثل ٢٨ % من المحاصيل الزراعية من إجمالي الإنتاج الزراعي في الجمهورية اليمنية وخَاصَّة من الحبوب والأعلاف ومساحتها الزراعية تكفل تأمين اليمن والجزيرة العربية بالأمن الغذائي الذي يعتبر من أهم ركائز وأسباب العزة والصمود.
وبحسب دراسات عالمية يوجد في الجوف مخزون نفطي ومائي عالمي، وفي حال تم استغلال ذلك المخزون سيكون اليمن من الدول الاقتصادية في العالم والأول على مستوى المنطقة وهذا العامل أهم أسباب الحرب والعدوان على اليمن باعتراف الرئيس الأمريكي السابق “ترامب” أثناء ترشحه لمنصب الرئاسة حين أجاب على سؤال: لماذا الحرب في اليمن؟ فقال مباشرة: إنها حرب مِن أجلِ النفط!!
ومحافظة الجوف تاريخية ولها عُمقٌ حضاري يمتد إلى ما قبل الميلاد ٤٠٠ ق. م بتأسيس حضارة اليمن المعينية (براقش)، وهي وجهة سياحية متنوعة، وتعداد سكانها (٦٠٠) ألف نسمة، أي ضعفي سكان محافظة مأرب، وتعتبر خزاناً من القوة البشرية الصحراوية القادرة على استغلال كافة الموارد إذَا تم توجيهها لذلك من قبل الدولة.
وتعد الجوف من ضمن المحافظات الواعدة والنفطية والغازية، وقد عملت السعوديّة من خلال العطاءات وشراء الولاءات في هذه المنطقة أَو من حَيثُ استخدام سلطتها لمنع أي تنقيب أَو استفادة من ثرواته النفطية ناهيك عن حفر آبار المياه ليستفيدَ منه أبناءُ هذه المنطقة.