الشهيـد المُبَشَّـر.. حمزة أبو طالب
هدى أبو طالب
هناك قصصٌ في الحياة ترويها الأحداث، وتغرس بالأرض بذرة الجهاد، وتسقيها بدماء الأحرار المؤمنين الصادقين في إيمانهم، فمن مواقفهم يكتب مسلسل الحريات، ومع كلامهـم يُعزف لحـن الجهـاد، لتذوب القلوب عشقاً بمقطوعة الاستشهاد، التي ستدرس أجيالنـا القادمـة فنـون العـزف على القتـال.
ستصمت حروفي خجلاً، حينما تبـدأ أناملـي بالكتابـة عن هـذا الشهيـد ابن صعدة الأبية.. إنه الشهيد حمزة المبشر بالشهـادة.
حمزة عبدالله محمد حسين أبو طالب (أبو ضياء)، من مواليد صعدة مديرية رازح الحدودية.
ولد الشهيـد في صعدة، وتربى في ظل أسرة مكونة من أمه وأبيه واثنين من إخوانه، وخمس أخوات.
عاش حمزة حياتهُ وطفولتهُ في بلاده رازح النظير صعدة، منطقته التي قدمت الكثير من الشهداء؛ بسَببِ بطش الدولة السعوديّة، عاش الشهيد في ظل أسرته الكبيرة والعريقة، فقد كانت منطقة رازح تتميز بعلماء من آل البيت عليهم السلام، من أسرة آل أبو طالب.
الشهيد حمزة عاش في كنف جده السيد العلامة: محمد بن حسين أبو طالب “حاكم رازح ” رحمة الله عليه.
عندما ولد حمزة تنبـأ جده أنه سيقتل شهيداً فكان جدهُ يعطف عليه ويمسح على رأسه ويشفق عليه كَثيراً عندما كان طفلاً، فلقد صارع حمزة المرض منذُ صغره “كان لديه ضمور في إحدى كليتيه”، حتى أُجريت له عمليه جراحيه لاستئصال كليته، وعاش بكلية واحدة إلى يوم استشهاده؛ بعد الحرب السادسة التي استشهد الكثير من أسرته بقصف الطيران السعوديّ بتحالفها مع الدولة آنذاك، استشهد ما يقارب 48 شخصاً من أسرته، من شيخ وَامرأة وطفل وشاب، وبينهم خمس نساء حوامل.
بعدها سافر مع بقية أسرته إلى العاصمة صنعاء كنازحين واستقروا في سعوان بصنعاء.
مشـواره الجهادي: الجهاد سمة عظيمة لا يتميز بها إلا من مُلِئَ قلبهُ بالإيمان، وأحب العيش في دار القرار.
إنها مهمة ربانية لا يحملها إلا من تميّـز بالصبر واتصـف بالشجاعة، وقول الحـق، بعد أن انتقل الشهيد حمزة أبو ضياء وأسرته إلى سعوان-صنعاء، كان أهل تلك المنطقة يكنون بالكره والضغينة له لأسرته كونه من أنصار الله ومن صعدة، حتى إنهم آذوه وأسرته، لكنه! لم يخف ولم ييأس فلقد زاد من إيمانهِ وتمسكه بالمسيرة القرآنية شجاعة وأقداماً لا يهاب أحد! حتى استقطب الكثير من الشباب في تلك المنطقة وهو يدعوهم لهدى الله.
مع شدة الظروف المعيشية اضطر الشهيد حمزة أن يشتغل في مصنع لكي يكفي حاجة أسرته، استمر بتثقيف الناس، ودعوتهم للمسيرة القرآنية وذات يوم لم يستطع العمال في ذلك المصنع إنزال حبل من الأعلى، فنادوا يا أبو طالب تعال وأنزل الحبل ونادي الحسين بن علي ينفعك سخريةً منهم بعقيدته ومذهبه فأتى الشهيد حمزة وسحب الحبل ونادى متوسلاً يا حسيناه! كناية عن كلامهم، فنزل الحبل بسهولة فبهت الجميع أمام هذه الكرامة، أبو ضياء عشق الجهاد فكان بعد أن يكمل عمله وهو متعب يذهب إلى أصحابه الذين قد استجابوا له ويحيون الفعاليات الحسينية التابعة للمسيرة القرآنية وغيرها من المناسبات، وفي حي النصر كان يوعي الكثير من الشباب، وكان عوناً له أولاد إخوانه المجاهدين محمد وعبدالملك فكانوا ثـلاثـي الدعـوة في المسيرة القرآنية.
في هذه الحرب الظالمة رفدَ الشهيد حمزة وأصحابه الجبهات بالرجال في كُـلّ المحافظات لرفع راية الحـق، والوطن، فكما عُرف عن هذا البطل وشهد له أصدقاءه المجاهدين بأنه سباقاً مقداماً شجاعاً، في الصفوف الأولى من المواجهات.
البشارة بالشهادة لا تأتي إلا لمن كانوا مع الله.
في إحدى مواقف الشهيد أبو ضياء وهو في أرض المعركة في الظالع كان أصدقاؤه ينادونه يا حمزة! ارجع سوف تستشهد، فكان يرد عليهم “لم نأتِ إلا لهـا.. واكتبوا عني الشهيد القادم من سناح-الضالع حمزة أبو طالب”.
كان مؤمناً بالشهادة مسارعاً إليها، فهو أحد الذين لم يعيشوا لأنفسهم! بل عاش واستشهد ليحيـا الجميع في عزة، وكرامة كان يحمل همّ الأُمَّــة وهمّ شعبه وأسرته أَيْـضاً على كاهلـهِ.
شهيدنا لم يترك صفات حسنة، وأخلاق مميزة إلا وتحلى بهـا، روحية الجهاد تتطلب الطيبة والكرم، فلقد كان حنوناً مطيـعاً لوالديه ومحـباً لإخوانه، يحب الصغير والكبير يبادل الجميع الاحترام والتقدير، تميّـز بصفاء القلب بتعامله مع الناس ومن عرفه يفعل الخيـر، ويحسن ويخدم دون مقابل لا يغتاب، ولا يخاصم، كلما قابل صديق أَو رفيق، أو قريب وحتى من لا يعرفهُ يقابلهم مبتسماً، ضاحكـاً، البسمة لا تفارق شفـته، هكذا هم رجال اللـه أشداء في مواجهة أعداء الله، وأذلاء أمام المؤمنين بتعاملهم معهم.
مـرّ على استشهاده سبعة أعوام، تاريخ الاستشهاد 2015/5/25م، في مدينة (الضالع / اليمن).. لقد رحل بجسده وروحه، وبقت سيرتهُ تعطر الساحات بذكرهِ، وأخلاقه التي ما زال يتحدث عنها الكثير وسط أسرتهِ ومجتمعة.
(وصيتُة) لأمته، وأسرته ولكلِ المؤمنين أوصيكم بتقـوي الله والتمسك بكتابهِ وبأعلام الهُـدى من آل بيت رسول الله، وإلى كُـلّ من ينتمون للأُمَّـة الإسلامية، بالتمسك بحبل الله والمضي في طريق السعادة والاستشهاد طريق ونهج قاداتنا العظماء حتى يظهر الله أمره لتقوم دولة عدل إلهية.