التصعيد الإجراماتي على اليمن.. الإمارات دويلة غير آمنة
المسيرة- عبد الله علي صبري*
في 17 يناير/ كانون ثاني 2022م، ظهر المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية معلنا عن عملية عسكرية نوعية في العمق الإماراتي أطلق عليها إعصار اليمن. وقال العميد يحيى سريع إن العملية ” استهدفت مطاري دبي وأبو ظبي ومصفاة النفط في المصفح في أبو ظبي وعدداً من المواقع والمنشآت الإماراتية الهامة والحساسة ” في رد مشروع على التصعيد الأمريكي السعوديّ الإماراتي. وأفَاد سريع أن العملية التي وصفه بالنوعية والناجحة ” تمت بخمسة صواريخ بالستية ومجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيرة “. وهدّدت القوات المسلحة اليمنية العدوّ بالمزيد من الضربات الموجعة والمؤلمة، وقالت في بيانها إن الإمارات دولة غـير آمنة طالما استمر تصعيدها ضد اليمن.
وإذ اعترفت أبوظبي بالعملية الهجومية فقد سارعت إلى التهوين منها حين زعمت شرطة أبوظبي في بيان لها صدر ذات اليوم، أن أجساماً طائرة صغيرة تسببتا في انفجارات وحرائق أصابت ثلاثة صهاريج نقل محروقات بترولية بمنطقة المصفح، وحريق آخر في منطقة الإنشاءات الجديدة في مطار أبو ظبي الدولي، وقالت أنه “لا أضرار عن الحادثين”.
أجواء ما قبل الإعصار:
مع اشتداد المواجهات المسلحة في جبهة مارب خلال الشهرين الماضيين، أعلنت قوات العمالقة المدعومة إماراتيا انسحابها على نحو مفاجئ من الساحل الغربي لليمن، وبهذا تحرّرت غالبية مديريات محافظة الحديدة من الاحتلال الأجنبي، غير أن هذه القوات سرعان ما ظهرت في شبوة بعد إعلان حكومة الخائن هادي تغيير محافظ المحافظة، وتعيين محافظ جديد يحظى بدعم الإمارات. ومع بداية العام 2022م، تحَرّكت هذه القوات مع نظيرات لها من قوات الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا باتّجاه مديرية بيحان في محافظة شبوة المجاورة لمحافظة مارب.
رافق هذا التحَرّك السياسي والعسكري تصعيدا كَبيراً في الغارات الجوية على مناطق التماس، ما سمح لقوات التحالف التقدم بعض الشيء باتّجاه “بيحان” و”حريب” و”عسيلان”، وهي مديريات سبق للجيش واللجان الشعبيّة تحريرها بتفاهمات محلية. وبرغم أن قوات العدوّ تكبدت خسائر كبيرة وموجعة في الأرواح والعتاد إلا إن إعلام العدوّ تعاطى مع ما يسمى عملية إعصار الجنوب بنوع من المبالغة وتضخيم النجاح المحدود، وابتلاع الخسائر التي رافقته. وهكذا دخلت الحرب على اليمن فصلا جديدًا له ما بعده.
في الأثناء تمكّنت القوات البحرية اليمنية من الاستيلاء على سفينة شحن إماراتية دخلت المياه اليمنية قبالة ساحل الحديدة. وتبين أن الشاحنة ” روابي ” كانت تحمل أسلحة ومعدات عسكرية سعوديّة وإماراتية. وكان لافتاً أن الإمارات لم تعلق على الحادثة بشكل رسمي وتركت المهمة للناطق العسكري باسم التحالف. واتسع نطاق الإدانات من قبل الإدارة الأميركية أَو الاتّحاد الأُورُوبي والأمم المتحدة وُصُـولاً إلى مجلس الأمن الدولي الذي رأى أن العملية تشكل تهديداً للأمن البحري في خليج عدن والبحر الأحمر، داعياً إلى الإفراج الفوري عن السفينة وطاقمها.
وفي إطار الضغط على حكومة صنعاء استغل التحالف هذه الحادثة، وبات يتحدث عن موانئ الحديدة كمصدر للقرصنة وتهديد للملاحة الدولية، ولوح باستهداف الحديدة وموانئها.. وفعل الشيء نفسه مع مطار صنعاء الدولي.
بالموازاة ضاعف التحالف من إحكام الحصار على اليمن والحؤول دون دخول ما يكفي من السفن التي تحمل المشتقات النفطية، مع إجراءات إدارية تعسفية اتخذتها حكومة الخيانة مع رجال الأعمال، ما أَدَّى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وتشكل “طوابير” عند محطات البنزين والمازوت وتعبئة الغاز المنزلي في مختلف المحافظات.
إسرائيلُ الفاعلُ الأصيل:
إقليميا ودوليًّا، يعزو بعض المراقبين التصعيد العسكري للتحالف وبدفع إماراتي إلى تنسيق جرى مع الكيان الصهيوني، أثناء زيارة رئيس وزراء الكيان إلى دويلة الإمارات في 13 ديسمبر / كانون الثاني 2021، حَيثُ التقى محمد بن زايد وعقد اجتماعات مع مسئولين إماراتيين وسط دعاية كبيرة للزيارة التي وصفت بالتاريخية. ويعد نفتالي بينيت أول مسؤول إسرائيلي بهذا المستوي يزور ويلتقي ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
ومما يدلل على هذا التنسيق، مستوى ردة الفعل لدى قادة الكيان ووسائل إعلامه إثر عملية إعصار اليمن التي استهدفت مواقع حساسة في الإمارات، فعلى صعيد الموقف أعلن رئيس وزراء الكيان في اتصال مع بن زايد دعمه لكل ما تقوم به الإمارات “دفاعاً عن أمنها ضد هذه الاعتداءات”، مشدّدًا على ضرورة التصدي للقوى الإرهابية التي تهدّد الاستقرار والسلام في المنطقة، حَــدّ زعمه. وذكرت وسائل إعلامية أن إسرائيل عرضت دعما أمنيًّا ومخابراتيا على الإمارات في مواجهة هجمات الطائرات المسيرة القادمة من اليمن.
وعلى صعيد المخاوف من تطور القوة الصاروخية اليمنية ذكرت صحيفة “هآرتس”، أن “الهجوم على أبو ظبي يدل على أن إيلات ليست محصنة أيضا”. وأشَارَت الصحيفة إلى أن المؤسّسة الأمنية في إسرائيل تتعامل مع التهديدات اليمنية بجدية. وسبق لرئيس وزراء الكيان السابق بنيامين نتنياهو أن صنف ” أنصار الله اليمنية ” كتهديد آخر لإسرائيل.
وتناول الإعلام الإسرائيلي مؤخّراً قدرة التشغيل والتنفيذ في آنٍ واحد، من خلال إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة نحو عدة أهداف، إضافة إلى الجرأة والمستوى العاليٍ من التطور، فيما تمتلكه أنصار الله من صواريخ بعيدة المدى، وقوارب مفخخة، وصواريخ تطلق من على الكتف.
ولفتت هآرتس أَيْـضاً إلى تهديد الممرات الملاحية في البحر الأحمر، وقالت إن إسرائيل تولي هذا الموضوع أهميّة قصوى، وأن سلاح الجو والبحر الإسرائيلي يعمل في ساحة اليمن منذ عقود. وأشَارَت أَيْـضاً إلى تهديدات السيد عبدالملك الحوثي التي وجهها لإسرائيل أثناء معركة سيف القدس الأخيرة.
ولا يخفى أن دور الإمارات في حرب اليمن لم يقتصر على الدعم المالي واللوجيستي للمرتزِقة والمقاتلين المأجورين، لكنها باشرت بنفسها وجيشها الكثير من المهام التي كشفت عن الأهداف والمطامع الخفية لتحالف العدوان في هذه الحرب، وما يتصل بها من أجندة صهيوأمريكية، وخَاصَّة ما يتعلق بمنطقة باب المندب الاستراتيجية، التي لا تزال القوات الإماراتية تسيطر عليها، بزعم تأمين الملاحة في البحر الأحمر، وهو هدف مشترك لأمريكا وإسرائيل.
إضافة إلى ذلك، فَـإنَّ سيطرة الإمارات على الموانئ الاستراتيجية في جنوب اليمن، لا يمنحها امتيَازات خَاصَّة فحسب، لكنه يجعل منها أدَاة أمريكية في “حرب الموانئ” المشتعلة مع الصين. وليس سرا أن المشروع الصيني حزام واحد طريق واحد، يعتمد في مساره البحري على البحر الأحمر؛ بهَدفِ الوصول إلى شرق وشمال أفريقيا من جهة، وإلى أُورُوبا من جهة أُخرى.
هولوكوست يهودي في اليمن:
إثر عملية إعصار اليمن ضاعف تحالف العدوان السعوديّ الإماراتي من هجماته وغاراته الجوية والهستيرية على اليمن وبالذات على العاصمة صنعاء التي ارتكب فيها مذبحة بحق أسرة كاملة من آل الجنيد راح ضحيتها نحو 14 شهيدا، وبلغت جرائم التحالف ذروتها مع المحرقة التي تعرضه لها نزلاء أحد السجون في مدينة صعدة، وكان ضحيتها المئات من القتلى والجرحى في هولوكوست يهودي بأيادي إماراتية سعوديّة.
ولا يمكن النظر إلى هذه المجازر الوحشية والمروعة التي يرتكبها تحالف العدوان السعوديّ الإماراتي على اليمن كردة فعل انتقامية على الضربات الأخيرة المسددة التي استهدفت مواقع ومنشآت حيوية في العمق الإماراتي، ذلك أن استهداف المدنيين وبالذات النساء والأطفال عمل ممنهج ودائم لهذا التحالف الإجرامي منذ بدء العدوان وما يسمى بعاصفة الحزم في 2015م وحتى اليوم.. غير أن حملة القتل المفتوحة بحق المدنيين في اليمن خلال الأيّام الماضية تعبر عن إفلاس قيمي وإخلافي وفشل ذريع لهذا التحالف الذي ما إن يخسر جولة في جبهات القتال حتى يعود لينتقم من الأطفال، مستندا إلى غطاء دولي يغض الطرف عن موبقات بني سعود وأولاد زايد في اليمن.
أما استهداف مراكز الاتصال والإنترنت المصاحبة لهذه الجرائم، فلا تقل بشاعة في جرمها عن استباحة الدماء البريئة، ذلك أن الهدف منها تغييب الحقيقة وطمس آثار الجريمة، في أُسلُـوب غير جديد بقدر ما كان متعمدا طوال هذه الحرب العدوانية، التي أراد لها التحالف أن تكون منسية مع استمرار الحصار الإعلامي وحملات التضليل التي تولى كبرها كبريات وسائل الإعلام العبرية وإن كانت ناطقة بالعربية.
ربما يتوهم العدوّ أن مثل هذه الجرائم من شأنها تخويف الشعب اليمني وردع قواته الباسلة التي كبدت العدوّ خسائر كبيرة في كُـلّ الجبهات وطالت بصواريخها وطائراتها المسيرة المئات من المواقع في العمق السعوديّ والإماراتي.. غير أن الاستسلام غير وارد في قاموس اليمنيين، بل إن هذه الدماء الطاهرة المستباحة والمسفوكة ظلماً وعدواناً هي الوقود الذي يشعل نار التحدي والعنفوان، وهي نيران لن تتوقف إلا في أحشاء العدوّ، الذي نعرف أنه لن يرتدع أَو يتراجع إلا حين يشرب من ذات الكأس.
• سفير الجمهورية اليمنية لدى سوريا