أن تكونَ مجاهداً في سبيل الله

 

منصور البكالي

معنى أن تكونَ مجاهداً في سبيل الله هو أن تسخِّرَ نفسَك ومالَك وكُلَّ جهدِك وطاقتك وفكرك ونشاطك للعمل في سبيل الله ولما يرضي اللهَ ويحقّق النصرَ والغَلَبَةَ لعباده المستضعفين في الأرض ويعزز أواصر العدل ويثبت قواعد الأمن والخير للبشرية وصلاحها وهدايتها إلى عبادة الله.

وإذا كان ميدانُ العمل في سبيل الله واسعاً وشمولياً في كُـلّ مناحي الحياة فهو يقتضي الإلمام بكل ما له صلةٌ بخدمة الإنسان واستخلافه في الأرض عسكريًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا وصحياً وسياسيًّا وعلمياً؛ لأَنَّ الغايةَ من الجهاد والعمل في سبيل الله مرتكزُها خدمةُ الإنسان وهدايتُه وإصلاحُ نفسيته وتزكيتها.

وفي عالم اليوم المليءِ بالفساد في الأرض وقتل النفس البشرية بغير وجه حق ومصادَرة حقوق ومقدرات الشعوب تحت عناوينَ وذرائعَ ما أنزل الله بها من سلطان وتتنافى مع كُـلّ القيم والمبادئ والقوانين والمواثيق الإنسانية المختلفة يتطلب من المجاهد في سبيل الله أن يكونَ رسالياً نبوياً يتحَرّك بحركة القرآن وينهج في سلوكه وكل تفاصيل حياته نهج وسلوك قرآنية واضح لا يتطلب التفسيرَ والتأويل، ولا يخضع للأهواء والرغبات والأمزجة في أي مجال هو وفي أية جبهة اقتضت الأولويات أن يتوجّـهَ ويتحَرّكَ وينطلقَ للعمل فيها.

كما يتطلَّبُ من المجاهد في سبيل الله تقديم النموذج القرآني الراقي الذي قدمه الله لعبادة في كتابه الكريم وفي التوراة والإنجيل والزبور، وشدّد عليها في خطاباته القرآنية المبتدئة بجملة “يا أيها الذين آمنوا” وما يلحق بها من تحذيراتٍ وأوامرَ ونواهٍ تقتضي المبادرة والمسابقة والمسارعة لتنفيذها وتحويلها إلى سلوك عملي، وصف بها أَو ببعض منها العديد من أنبيائه ورسله وكان لكل وحدٍ منهم صفة وصفه الله بها أَو تميز بها عن غيره من الأنبياء والرسل، كما أوردت القصص القرآنية نماذج وصفات للمجاهدين في سبيل الله وردت في سياق وصف الله لعباد الرحمن وفتية الكهف والمتقين والمفلحين والفائزون… إلخ وبعض عباده الذين صدر الله مواقفهم سواءٌ أكانوا بشكل فردي كقولة “وَجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى قال يا قومي اتبعوا المرسلين…” أَو بشكل جماعي كوصفة لأصحاب الكهف والرقيم أَو بشكل أمم وأعراق كوصف الله لبني إسرائيل وغيرهم ممن كانت لهم مواقف متطابقة مع توجيهات الله ويرغب الله فيها، أَو متنافية معها حذر الله من تكرار الوقوع فيها وبين نتائجها وآثارها على المستوى الفردي والجماعي أَيْـضاً.

المجاهدُ في سبيل الله بمواقفه وتحَرّكاته والمشروع الذي يتحَرّك على نهجه والقيادة التي يتبعها، والنهج الذي يستقي منه، في عالم اليوم الذي لا أنبياء فيها سوى الاتِّباع لكتاب الله وعترة آل بيت رسول الله محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، هو من يقدم الشاهدَ الحي للمجاهد في سبيل الله والقُدوة العظمى للبشرية وللأجيال في حاضرنا ومستقبلنا، فيجبُ أن يكونَ كما أراد له الله أن يكونَ عليه، لا كما يريد أن يكونَ العالم من حوله عليه، ليكون هو من يغيّر العالم ويؤثر فيه ثقافيًّا وأخلاقياً وإنسانياً وقيمياً لا أن يتأثر هو بما يجري في العالم المليء من حوله بالمفاسد والمظالم ونوازع الاستكبار والغطرسة العالمية التي تسعى الامبريالية تصديرها للعالم من خلال نماذجَ وشخصيات عالمية تافهة وحقيرة تعبِّرُ عن المسوخ وعَبَدة الأهواء وممثلين الانحطاط والسقوط والسفور والمجون من حولنا، وتحاول الترسانات الإعلامية تلميعها وتقديمها كنماذجَ زائفةٍ للأجيال.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com