عُقبى لنا
مرتضى الحسني
تعاطفٌ عربيٌّ عالميٌّ واسعٌ اجتاحَ وسائلَ التواصلِ الاجتماعي بشكلٍ ملفت شكلَ ما يشبه ثورةً افتراضيةً على منصات تويتر وفيسبوك وواتساب وإنستجرام إلى آخر مسمياتِ برامجٍ التواصل الاجتماعي عن موضوعِ الطفلِ المغربي رَيَّان الذي سقط في بئرٍ عميقةٍ تصل إلى حوالي 32 متراً في إحدى مناطقِ المملكة المغربية خلال الأيّام الماضيةِ، ناهيك عن التغطيةِ الإعلاميةِ الهائلةِ المصاحبةِ لعمالِ الحفرِ وفرقِ الإنقاذ لحظةً بلحظة في ذاتِ المكان.
نعم، وبلا خلاف يقولها أي إنسان بسيط هذا إنسان وهذهِ مشاعرُ إنسانيةٍ فُطرَت عليها البشريةُ وخُصُوصاً أنّهُ طفلٌ والنظرةُ إليه تكونُ أرقَّ وأرحمَ بِغَضِّ النظر عن جنسه وَجنسيته أَو حتى ديانته، لا سِـيَّـما أن براءة الطفولةِ تفوقُ كُـلّ ما سبق، وَأَيْـضاً نحن كبشرٍ شعرنا بهذا تجاهه وكان دعاؤنا معقوداً بناصيةِ الخيرِ له وسلامتِه وأنْ يُردّ إلى حِجرِ أمِّه كي تقرَّ عينها، ولكن مشيئةُ الأقدارِ فاقت كُـلّ مشيئةٍ وأخذتهُ المنيةُ قبلَ الجميع، ونسأل الله أن يرحمَه ويعصمَ قلوبَ أهلِه.
لكنّ الشيء المثير للدهشة هو صبُّ كُـلّ ذلك التعاطف والتهويل الإعلامي في مصبٍّ واحد ولطفلٍ واحد دون أدنى لفتةٍ واحدةٍ لما يحدثُ للأطفال من حولِنا في جميعِ الجغرافيا الممتدةِ على الرقعةِ المناهضةِ للعدو الأمريكي والإسرائيلي، واليمن وأطفاله خيرُ شاهدٍ ودليلٍ على ذلك.. فكمّن أطفال تجاوزوا المئات – إن لم يكونوا آلاف – قُطعوا أوصالاً بفعلِ غارات العدوان السعوديّ الأمريكي وأطفال ضحيان في مقدمة هؤلاء؟!
وكمّن أطفال دُفنوا تحت أنقاض منازلِهم التي هدمها تحالفُ الشرِ على رؤوسهم؟!
وكمّن أطفال يوميًّا يتساقطون في آبارِ الجوع والمجاعة وسوء التغذية والأمراض المعدية، الذين صنفتهم الأمم المتحدة بأنهم يمرون بأسوأ أزمة إنسانية على الأرض؟!
وكمّن أطفال فقدوا أباءهم وأُمهاتهم وأقاربهم ويُتموا وشُردوا؛ بسَببِ العدوان الغاشم على بلدِنا وشعبِنا؟!
وكل هذا وأكثر لم يحرك ساكناً أمام هؤلاء، أَو حتى يهزَ وتر الإنسانيةِ في أعماقهم، ولم يدغدغ حتى القليل من مشاعرهم إلا عند النادر من الناس وَالنادر لا حكمَ له.
في اليمن الطفولة ذُبحت وهي لا تزالُ في المهد، وبراءةُ الطفولةِ دُفنت قبل أن تنبت، وضمير العالم يغطّ في نومه تجاهنا وما نعانيه.. قُتل الأطفال وشُردوا وحُرموا من أبسط حقوقِهم والعالم وضميره ما زالوا (مدعممين).
عُمُـومًا عُقبى لنا في أن يتضامنَ العالم مع ما يمرُ به أطفالنا وكبارنا ونساءنا ورجالنا، وعسى أن تكون اللفتة للطفل ريان قدحةً تُشعل فتيل الإنسانية والمشاعر الصادقة تجاه اليمن من قِبل الشعوب العربية والعالمية والنظرِ إلى مظلوميةِ الشعب اليمني بكل أطيافه، وَأَيْـضاً تحَرّكاً لإبراز معاناة شعبٍ يُفتكُ به صباح مساء من تحالفٍ عدواني تكالب معه الصديق والعدوّ لا يعرف الإنسانية ولا الأخلاق ولا الأعراف وكل معارفه هي القتل والحصار والدمار والبطش على كُـلّ شيءٍ في هذا البلد الشامخ الأبي.