الطالب محمد مفتاح أحد المفرج عنهم من سجون مرتزِقة العدوان بمأرب في حوار لـ “المسيرة”: تم اعتقالي بمأرب بدون تهمة وتعرضت للإهانة أثناء التحقيق وتعامل المرتزقة مع السجناء سيء جِـدًّا

 

المسيرة – حاوره أيمن قائد

تمتلئُ سجونُ ومعتقلاتُ مليشيا حزب “الإصلاح” بمدينة مأرب، بالكثير من القصص المأساوية، لمعتقلين، تم القبض عليهم بدون تهمة واضحة، وزج بهم في السجون المظلمة، ليعيشوا أياماً من المعاناة والآلام، وحتى مع الخروج من هذه المعتقلات، والعودة إلى الحياة الطبيعية في صنعاء أَو غيرها، إلَّا أن ذكريات الاعتقال وما رافقها من محن تظل عالقة في الأذهان.

ويعد الطالب محمد مفتاح، وهو أحد طلاب كلية الإعلام بجامعة صنعاء، واحداً من هؤلاء الذين قادهم القدر إلى المبيت في هذه المعتقلات لعدة أشهر، ليعيشَ تفاصيل المأساة والألم، نتيجة اعتقاله بدون تهمة أَو أي ذنب اقترفه.. صحيفة المسيرة التقت به في صنعاء وأجرت هذا الحوار.

إلى نص الحوار:

– حدثنا في البداية عن كيفية اعتقالك والزج بك في سجون ومعتقلات مرتزِقة العدوان في مأرب؟

في البداية نزلت إلى محافظة مأرب؛ مِن أجلِ أن أقطع لي جواز سفر؛ بهَدفِ السفر إلى الخارج للعمل، وتم إيقافي في النقطة الأمنية، وفحصوا هاتفي، فوجدوا مكالمة بيني وبين أحد عيال عمي، اتفقنا على الذهاب إلى مأرب لاستخراج جواز سفر، لكنه رفض المجيءَ معي، ومن ثم انتظرت في الدشمة -غرفة صغيرة- التابعة للنقطة الأمنية بعد سوق السلاح، وجاء طقم ومعه حوالي عشرة أفراد مسلحين، فأخذوني إلى قسم المنطقة الثانية في “الروضة”، والواقع أنني نزلت إلى مأرب بجوالي الشخصي، باعتقادي أنه لا أحد يأخذ جوالي مثل ما أحنا متعودين في صنعاء وغيرها من المناطق “الحرة”، ومن ثم وصلت “القسم”، وبالتحديد إلى عند ضابط، وبعدها أخذوا كُـلّ ما في جيبي وفتشوني بالكامل والزلط حقي قالوا با يطرحوها في الأمانات، وقدموا لي ورقة وبصمت عليها.

– وما الذي حدث بعد ذلك؟

أدخلوني مباشرة “الزنزانة”، وهي ممتلئة بالمساجين، وجلست ثلاثة أَيَّـام بدون تحقيق، ولا خلوني اتصل، لأطمئن أهلي أَو نسبي أَو البزي الذين هم في مأرب ومعهم محلات تجارية.

وفي الرابع يوم تم التحقيق، ففي اليوم الأول والثاني والثالث تعرضت خلال هذه الثلاثة الأيّام إلى الإهانة والتهم والأباطيل الكاذبة وكأنهم يريدون أن يلبسوني أية تهمة بأية حال من الأحوال.

– تهم مثل ماذا؟

أول ما وصلت إليهم في البداية، قاموا بأخذ هاتفي، وفتشوه، وأخذوا بطاقتي، وفي مزاعمهم أنهم وجدوا ما يثبت أنني أعمل في الجانب الإعلامي “لأنصار الله” حسب قولهم، أَو رمي تهماً وما شابه ذلك، فقالوا إن هذه إجراءات أمنية.

وتارة يوجهون لي تهماً متعددة، وذلك بعدما قاموا بسجني عدة أَيَّـام، أخلاقي لا تسمح لي أن أذكر لكم جميع تلك التهم؛ لأَنَّ أغلبها سيئة جِـدًّا، وفيها مصطلحات “قذرة” لا أحد يستطيع التكلم بها وهو يحمل أخلاق اليمنيين، ولكن أذكر لكم بعضاً من هذه التهم، ومنها أني الإعلامي حق “أنصار الله” وأني قد أخذت عشر دورات ثقافية في صعدة، وقد جرحت معهم، وأن أخوتي بيحشدوا لأنصار الله، وأني نزلت بخلية نساء يفجرن في مأرب، وأني نزلت بكاميرا أصور مواقع وأرسلهن للمشرفين أصحابي، وهكذا من هؤلاء التهم التي ذهلت لسماعهن؛ كونهن كذباً وافتراءً وتلفيقَ تهم غير موجودة.

– ماذا كانت ردودك لهم؟

أثناء التحقيق كنت أتحداهم أن يثبتوا عليَّ بشيء.. حاولوا ما قدروا وما حصلوا أي دليل؛ لأَنَّه كُـلّ ادِّعاءاتهم كذب،

أما عندما كانت تزور “القسم” لجنة لا نعرف من وأين أصلها كُـلّ ما تأتي إلينا هذه اللجنة يقولوا قضية ما أعرفها، وكلّ مرة يأتون بقضية غير الأولى، وأنا أكذبهم وأتحداهم يثبتوا على ادِّعاءاتهم الكاذبة، ولكنهم لم يجدوا ما يثبت ذلك، إلَّا أنهم يحاولون هزي وإرباكي بأية وسيلة، وعندما يقذفونني بتهمة أكبر ويصدموني بخبر مفاجئ هكذا في محاولة لهم تخويفي واضطرابي، ولكنني كنت ثابتاً أمامهم ولم اضطرب أَو أرتبك.

– كيف كان تعامل مرتزِقة العدوان بمأرب مع السجناء؟

والله أن تعاملهم مع السجناء سيء جِـدًّا جداً، وهذه شهادة لله بما شاهدناه، كما كان التعامل متفاوتاً مع البعض، وشديداً مع البعض الآخر.. أما الذي يحصلون معه زوامل، أَو محادثة مع أي واحد من “أنصار الله” أو كلام سياسي يا ويله، أَو صورته مشتبه، أَو أي واحد عمل عليه بلاغ يضربونه ويقومون بتعليقه.

وفي الأخير حتى لو أن شخصاً ما أحتبس في قصر، أَو في مكان ضخم مثلاً وهو مظلوم، وبدون أي سبب ويعطونه كُـلّ متطلباته، فلا يوجد أفضل من الحرية على الإطلاق، ومهما كان تعاملهم سواءً قاسياً أَو غير قاسٍ فأكبر ظلم أنهم يقومون بسجن الشخص لعدة أشهر دون تواصل، أَو اتصال مع أحد، ويكون منقطع بشكل تام عن أهله وأسرته وأطفاله وحتى لا يدعوا للسجين أي مجال أن يقوم باتصال لكي يطمئن أهله ولا يفكروا أن وراءه أسرة وأطفال يبحث لهم عن رزق المعيشة، وكذا يبحثون عنه وقلقون عليه، وهذا قهر كبير عندما تسلب كُـلّ حقوقك الشخصية للحياة.

– وماذا عن الأكل؟

كانوا يعطوننا القليل من الفول مع بعض الكدم صباحاً ومساءً، أما وجبة الظهيرة، فكانت بعضاً من الأرز والمشكل، يعني تسد بها نصف جوعك ونادراً ما كانوا يجيبون لنا بيضاً، أَو زبادي أَو حلاوى، وأكثر الليالي كنا نبحث عن حبة واحدة من الكدم نسد بها جوعنا، ولكنه سجن ظلماً في ظلم، حتى وإن قدموا للسجين على سبيل المثال كبشاً أَو عجلاً فلن يهنأ به السجين وهو لا يعرف ما هو مصيره بعدُ، أَو أثناء هذا السجن وكذلك ينهمك في التفكير بأهله وأطفاله، عن حالتهم وعن صحتهم، في هذه الحالة الشخص الضعيف حتماً سيخرج مجنوناً.

– برأيك لماذا يتم الزج بالأبرياء في هذا السجون الموحشة؟

بحسب اعتقادي، وَمن خلال تصرفاتهم هذه، هو أنهم في قلق وخوف ورعب وذعر شديد، فتجد تصرفهم كمرض جنوني “كجنون البقر”، حَيثُ أصبح الخوف والرعب فيهم يدفعهم لهذه الأعمال، لمُجَـرّد الاشتباه بالشخص فقط يتم سجنه، ومن ثم يقولون بعد إجراءات أمنية، احترازات أمنية، وَتحريات أمنية، أَو يقولون مشتبه “حوثي” ومن هذه الأشياء.

– كيف تمكّنت من الخروج؟

هي إرادَة الله سبحانه وتعالى وتوفيقه فوق كُـلّ شيء وكذلك دعوة أمي، وقد طال حبسي دون أن يجدوا عليَّ أية تهمة، أَو قضية.

– رسالتُك لمرتزِقة العدوان؟

يوجد مَثَلٌ شعبي يقول: “قاتل مع أخوك وأشهد ضده” بمعنى أنك تقاتل مع أخيك كيف ما كان، غلط رجّعه إلى عقله ومش تقاتل مع عدو أخيك وتوقف معه وتقتل أخاك مع أجنبي خارجي ليس من أهل اليمن.

– كلمة أخيرة؟

الثقة بالله تمنحُك معزة كبيرة، وما دمت مع كتاب الله القرآن الكريم فلن يضيعك الله مهما كانت التحديات والمخاطر.