تحقيق التنمية المستدامة وبناء اليمن اقتصاديًّا.. أولويةٌ في مواجهة العدوان والحرب الاقتصادية
استكمال بناء الهياكل الأَسَاسية في جميع مؤسّسات الدولة واستغلال الثروات البشرية ورفع مستوى الشعب معيشياً من أهم استراتيجيات التنمية المستدامة
يجب تعزيز عوامل التنمية اليمنية المستدامة إلى جانب إصلاح الاختلالات والانحرافات الاقتصادية والمالية والإدارية
ثروات الاقتصاد اليمني الطبيعية والبشرية غير مستغلة حَـاليًّا وفي حال تم استغلالها والاستفادة منها ستصبح اليمن دولة ذات قرار اقتصادي عالمي
التنمية حَـاليًّا بحاجة ماسة إلى تفعيل أداء الجهات الإيرادية في الدولة ومنها الجهاز الضريبي والجمركي وتوصيف الوضع الراهن في معالجة نقاط الضعف
المسيرة: د. يحيى علي السقاف*
إن الحديثَ عن الهموم الاقتصادية والمشكلات الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني يُعد أولويةً في بناء اليمن وتقدمه في كُـلّ المستويات وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة وحل هذه المشكلات يُعتبر الهَــمَّ الأول للدولة وأولوية ضرورية في مواجهة العدوان والحرب الاقتصادية ويجب على الحكومة التركيز عليها واتِّخاذ كافة السبل والوسائل المتاحة والممكنة لتنفيذها وذلك من خلال زيادة الموارد العامة وتنميتها وتحقيق زيادة في الدخل القومي والوطني وزيادة الصادرات وتنمية الإنتاج المحلي من الصناعة والزراعة والمزيد من اكتشاف الثروات الطبيعية في مناطق واعدة باستثمارات كبيرة في معظم محافظات الجمهورية واستكمال بناء الهياكل الأَسَاسية في جميع مؤسّسات الدولة واستغلال الثروات البشرية ورفع مستوى الشعب معيشياً من خلال خلق آلاف فرص العمل وهي من أهم التوجّـهات الاقتصادية في تحقيق التنمية اليمنية المستدامة إلى جانب إصلاح الاختلالات والانحرافات الاقتصادية والمالية والإدارية.
ومن المعروف في أدبيات علم الاقتصاد أن الثروات العالمية تُعتبر الرافد الاقتصادي للدخل اليومي للفرد والعمود الفقري لاقتصاد الدول، حَيثُ تعتمد الدول العظمى وبقية الدول المتقدمة على استغلال ركائزها الاقتصادية من الثروات الطبيعية والبشرية في بناء اقتصادها، وتعتبر اليمن بلداً ضعيفاً اقتصاديًّا والاقتصاد اليمني غير متطور ورَيعي رغم قلة الموارد النفطية، ويعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية، ويعاني من مشاكل هيكلية أهمها الفساد وعدم استغلال الثروات الطبيعية والزراعية والبشرية.
وفي مواجهة ذلك يلزم التحَرّك في سبيل تحقيق التنمية المستدامة في اليمن والتي لا يمكن أن تتحقّق إلا من خلال تطبيق خطط وبرامج وآليات تنفيذية عاجلة تعمل على استغلال جميع الإمْكَانيات الموجودة وتوجيهها التوجيه الصحيح الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأهداف الأَسَاسية التي تعود على المواطن بالتنمية المستدامة والشاملة.
وتصنف اليمن بأنها من أشد الدول النامية ذات الاقتصاد المتدهور، بالمقارنة من أنها تحتل المرتبة الأقل في متوسط دخل الفرد بين الدول العربية، وقد تأثر الاقتصاد اليمني بشكل كبير بعد قيام الوَحدة اليمنية لعدة أسباب أهمها سياسية؛ ولأن اليمن لم يكن دولة منتجة يأكل ويلبس شعبه مما يزرع وينتج فقد تأثر اقتصاده الوطني بشكل كبير بالرغم من أنه يمتلك ركائز اقتصادية ضخمة طبيعية وبشرية تؤهله لمنافسة الدول المتقدمة وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة، وكانت للحكومات السابقة دورٌ كَبيرٌ من خلال عدم استغلال موارد وثروات اليمن الطبيعية والبشرية.
كما أن الفرق في أداء ذلك في بلادنا يقترن أَسَاساً بضعف النهج المتبع تجاه القطاع الخاص مع أن المفترض الإقرار بضرورة التركيز بقدر الإمْكَان على الاستراتيجية الإنمائية المعتمدة على مبادرة القطاع الخاص، وهذا سيتطلب لتنفيذها التغلب على تركة الماضي وتسخير أموال القطاع الخاص لأغراض التنمية مع أن هناك أَيْـضاً أمثلة عديدة تبين فيها فشل في الجانب المتعلق بالتنمية البشرية المستدامة، ويمكن في الوقت ذاته الإشارة إلى أن العديد من الإمْكَانات الفعلية والمحتملة لتمويل التنمية البشرية المستدامة بأموال من القطاع الخاص؛ ولذا نستنتج مبدئياً أن هناك مجالاً واسعاً لتعزيز استخدام أموال القطاع الخاص لأغراض التنمية البشرية المستدامة وأن للحكومات أَيْـضاً دوراً هاماً في هذا الصدد كأن تساعد في خلق أسواق جديدة وتوفير الحوافز وتحمل جانب المخاطر وأن تقوم بإنجاز الجانب الأهم في ذلك أي بناء القدرة الوطنية اللازمة لتعبئة واجتذاب وإدارة تدفقات رؤوس الأموال الخَاصَّة سواءٌ أكانت محلية أَو خارجية.
وفي نفس هذا السياق، فَـإنَّ تحسين المؤشرات الاقتصادية العامة مثل النمو الاقتصادي والإنتاج الوطني والعدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل التي بدورها سوف تحقّق الازدهار الاقتصادي وتحسن الرفاهية الاقتصادية للمجتمع ويخفض التضخم في أسعار السلع والخدمات في الأسواق وتُوفّر فرص العمل وتزيد دخل الفرد في الناتج المحلي الإجمالي ويقل أَو ينعدم الدين العام الداخلي والخارجي، ومن ضمن تلك الأهداف أَيْـضاً توفيرُ الأمن الغذائي للسلع الاستراتيجية، خَاصَّة الأغذية والأدوية والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي منها، من خلال تشجيع الاستثمار وجذب رؤوس الأموال الوطنية والخارجية.
وأهدافٌ أُخرى تتمثَّلُ في عدم الاعتماد مستقبلاً على الموارد الطبيعية من النفط والغاز، وذلك على صعيد إيجاد مصادر جديدة للدخل القومي فَـإنَّ من السلبيات الاعتماد على هذه الموارد وإغفال بقية الموارد الاقتصادية الأُخرى وإيجاد موارد دائمة ومتجددة لرفد الخزينة العامة للدولة واستغلال جميع الركائز الاقتصادية في البلاد وتتمثل أَيْـضاً خطة بناء الاقتصاد اليمني في الاهتمام بالتعليم بكافة أنواعه؛ لأَنَّ الاقتصاد المرتكز على العلم يُعتبر من الأَسَاسيات لتحقيق النهضة الاقتصادية، الحديثة لأي بلد في حال تم الاهتمام بهذا الموضوع وكذلك فَـإنَّ مكافحة الفساد بجميع أنواعه ضرورة حتمية لوجود أنشطةٍ اقتصادية سليمة وبيئة آمنة تعمل على جذب المستثمرين والذي يحتاج بدوره للتصدي للمفسدين الاقتصاديين والأشخاص الذين يلتفون على القانون ويغلّبون مصلحتهم الشخصية على المصلحة العامة.
وتُعتَبَرُ ثرواتُ الاقتصاد اليمني الطبيعية والبشرية غيرَ مستغلَّة من قبل الدولة، وفي حال تم استغلالها والاستفادة منها ستصبح اليمن دولة ذات قرار اقتصادي عالمي في الأسواق التجارية؛ لذلك بعض المراقبين الاقتصاديين يطلق عليها أفقر دولة يمشي سكانُها فوقَ الذهب، فاليمن تتميز بثروات نفطية ومعدنية وسمكية وحيوانية وزراعية وغير ذلك، إضافة إلى الثروة البشرية التي تعتبر كنزاً مدفوناً لم يتم استغلاله وتوجيهُه التوجيهَ الصحيحَ.
وبالحديث عن الطرق والوسائل التي نستطيعُ من خلالها استغلالَ الثروات الاقتصادية في اليمن يلزم علينا معرفة أن زيادة تطور التكنولوجيا واستخدامها له دور كبير في استخراج الموارد الطبيعية بسرعة وكفاءة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
ويتعين على الدولة في سبيل ذلك لتحقيقِ السياسة الصناعية والزراعية الحالية والمستقبلية توحيد آفاق مستقبلية تعتمد على عنصري الموارد الطبيعية والبشرية، من خلال تثمين الموارد الطبيعية، حَيثُ تعتبر وفرةُ وجودةُ الموارد الطبيعية نقطةَ بداية المسار الصناعي والزراعي، خَاصَّةً ما يتعلقُ بموارد الطاقة ويلزم اقتراحُ سياسة جديدة للتأهيل؛ نظراً لأهميّة مؤسّسات الدولة الاقتصادية في تحسين القدرة التنافسية لمواجهة المنافسة الدولية ومراجعة الخطط والدراسات الاقتصادية لجميع القطاعات العاملة على الأرض في المجالات المالية والزراعية والصناعية والتجارية والفنية والهندسية ومتابعتها؛ وذلك لضمان استمرار الإنتاج وتحقيق استقرار العمل في الوحدات الإنتاجية والخدمية.
ويجبُ في سبيل بناء اليمن اقتصاديًّا وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة تفعيلُ أداء الجهات الإيرادية في الدولة، ومنها الجهاز الضريبي والجمركي وتوصيفُ الوضع الراهن في معالجة نِقاطِ الضعف واستغلال الفرص في نقاط القوة ووضع المقترحات والحلول والتوجّـهه إلى تنفيذ خطةِ الإصلاح الضريبي والجمركي والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا الإطار وبما يعززُ من رفعِ كفاءة الأداء وتوسيع الوِعاء الضريبي والجمركي وإعادة بناء الهيكلية التنظيمية والتشريعية لمصلحتَي الضرائب والجمارك وفروعها التنفيذية وتبسيط الإجراءات الفنية والإدارية وجعلها أكثرَ شفافية وقابلية للتنفيذ من المكلفين وإدارتها بكفاءة عالية من القيادة العليا، وبما يسهم في الحد من فُرَصِ الفساد والتهرب الضريبي والتهريب الجمركي واعتماد أساليب عمل وإجراءات تنفيذية واضحة ومبسَّطة لربط وتحصيل الرسوم ومعالجة كافة الاختلالات في آلية التحصيل والتوريد والاستفادة من تجارب الدول في هذا المجال، وبما يكفلُ تحسينَ وتنميةَ الإيرادات العامة للدولة بما يتناسَبُ مع حجم هذا الوعاء وتقديمِ خدمات متميزة وبما يحقّقُ الثقةَ والشفافيةَ بين الإدارة الضريبية والجمركية والمكلفين وتشجيع المستثمرين، كُـلُّ ذلك له دورٌ في تحقيق التنمية المستدامة والرفاهية الاقتصادية في اليمن.
ومما لا شك فيه ومن خلال العودة إلى تقييمِ أداءِ العمل المؤسّسي في العقود السابقة والتي كانت تخلو من التخطيط الاستراتيجي الحديث نلاحظ أن البرامجَ والآليات التنفيذية السابقة في اليمن كانت ضعيفةً وغيرَ قادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والاكتفاء الذاتي من السلع الأَسَاسية التي يحتاجُها المجتمع كمرحلة أولى، ويجبُ الاتّجاهُ إلى تطبيق سياسات جديدة وحديثةٍ في تطوير الأداء المؤسّسي بجميع جوانبه التنموية؛ وذلكَ بهَدفِ حِمايةِ الاقتصاد الوطني من الانهيار وسَدِّ الاحتياجات الضرورية للمجتمع وحماية الإنتاج المحلي عن طريق الاهتمام بالمشاريع الصغيرة والأصغر، بالإضافة إلى ترشيدِ الاستهلاكِ وتخفيضِ فاتورة الاستيراد.
* وكيلُ وزارة المالية