أربعون دقيقة فقط.. كانت كفيلةً بتعرية الجيش الذي لا يُقهر
المسيرة / عبدالقوي السباعي
تعوَّدنا أن يُرْسِلَ الكِيانُ الصهيوني كُـلَّ يوم وعلى مدار الساعة، طائراتِه الحربية والقاذفة والمقاتلة والاستطلاعية إلى لبنان فتنتهك سيادته وتقوم باختراق حاجز الصوت فوق مدنه وقراه، ومن هناك تقومُ بقصف أهداف في سورية، هذا بالنسبة لدولة الكيان وحُماتها في أمريكا والغرب، شيء طبيعي وحق مكتسب وأمر لا يستحق حتى التوقف عنده في عُرف من يعتبرون أنفسَهم العِرقَ الأنقى وفرسانَ حضارة وتمدن وحقوق الإنسان.
لكن أن تقومَ المقاومةُ اللبنانية بإرسال طائرة استطلاعية إلى أجواء الاحتلال لا لتقصف وتقتل بل لتحلق لمدة أربعين دقيقة فقط وتقوم بعملية تصوير ومسح جوي لأراضٍ تبلغ مساحتها ٧٠ كم٢، فهذه جريمة لا تغتفر، وتسمع الأصوات النشاز حتى من داخل لبنان نفسها.
غيرَ أن مسيرةَ “حَسَّـان” جاءت لتؤكّـدَ إصرارَ حزب الله بمتابعة التصنيع المحلي للمسيَّرات، بحسب ما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، وكشفت عن نوعية هذا التصنيع وحجمه، كما حملت رسائلَ متعددة الاتّجاهات الداخلية والخارجية، وخَاصَّةً لكيان الاحتلال مفادُها أن الذي بدأ اليوم بالرصد، لن تثنيَه الضغوطاتُ في المِلفات الاقتصادية والملفات السياسية وغيرها.
أربعون دقيقةً كانت كفيلةً بوضع كُـلّ الأنظمة الاعتراضية العسكرية الصهيونية خارج الفعالية العمليّة، فالطائرة المسيرة “حَسَّـان”، التي تأتي على اسمِ المهندس اللبناني الشهيد حَسَّـان اللقيس، اخترقت أجواء فلسطين المحتلّة وحلّقت في سماء شمال “طبريّا” بتمام الساعة 11:50 صباحاً من تاريخ الــ18 من فبراير 2022م، لتعود إلى قواعدها بسلام، منجزةً مهمتها الاستطلاعية بنجاح.
المسيَّرةُ “حَسَّـان” كشفت تعاظُمَ قدرات التصنيع العسكري المحلي لحزب الله، فالمسيرةُ التي حلّقت بقدرةِ تحمُّــل عالية وبمدى يعتبر بعيدًا، بالإضافة إلى أنها جالت في الأجواء طولاً وعرضاً، ومع مطاردتها من المنظومة الاعتراضية “الإسرائيلية” فلا بدّ أنها أَيْـضاً تميّزت بالخِفة والمناورة والسرعة التي قدّرتها الأوساط العسكرية الخبيرة بـ500 كلم في الساعة، وهذا الأمر يحاكي أفخر الصناعات في الجيوش النظامية القوية.
أما من ناحية معادلات الردع، تعترفُ المصادرُ العسكرية العبرية، أن السيد نصر الله مَسَّ بموضوع مقلق وهو السيطرة على التفوق الجوي وتفعيل منظومة الدفاع الجوي في لبنان، ما يعني تحليقَ أقل لطائرات العدوّ وبالتالي حرمانه من المعلومات الاستخبارية عمّا يجري في لبنان، وبعودة “حَسَّـان” سالمة، فَـإنَّ كُـلّ ما رصدته من صور ومعلومات باتت في جعبة المقاومة.
أما من ناحية قواعد الاشتباك فلا يزال حزبُ الله يحافظُ على إنجازاته التي لا يجرؤ جيشُ الاحتلال على تجاوزها، فيكتفي بردٍّ متخبط تواكبه الحملات الدعائية في الإعلام العبري وغيره عن صورة “الجيش الذي لا يُقهر”.
ولكي نضعَ النقاط على الحروف فَـإنَّ من أرسل طائرة “حَسَّـان” المسيرة لتحلق في أجواء دولة الاحتلال في هذا التوقيت بالذات، قد تعمد إرسال ثلاث رسائل مهمة إلى من يهمهم الأمر في تل ابيب وواشنطن.
الأولى: أن صبرَ حزب الله وسوريا ومحور المقاومة عُمُـومًا على الاعتداءات الجوية والصاروخية قد ينفد في أية لحظة، عندها فلا يلومَنَّ قادةُ الكيان الغاصب إلاّ أنفسهم.
الثانية: أن فشلَ منظومات الدفاع الصهيونية من قبة حديدية وما يسمى منظومة (حيتس ومقلاع داوود)، ومعها الطائرات الحربية الأمريكية المقاتلة في إسقاط طائرة واحدة، لا تزيدُ تكلفة صناعتها عن بضع مئات من الدولارات، قد وجَّه ضربةً عنيفةً لمبيعات السلاح “الإسرائيلية” ولمخطّطات بيعها للإمارات وأوكرانيا وغيرهما.
الثالثة: أنه إذَا كانت طائرة استطلاع مسيرة واحدة غير مسلحة قد أربكت “إسرائيل” بأسرها وأدخلت سكان الشمال إلى الملاجئ، فكيفَ سيكون حالها إذَا تم إرسال عشرات الطائرات المسيرة القاصفة، في وقتٍ واحد، أَو في حال تم قصفها بمئات أَو آلاف الصواريخ الدقيقة وغير الدقيق دفعة واحدة؟!
إنَّ الأمرَ الذي لا شك فيه أن مسيَّرةَ “حَسَّـان” قد أدخلت قادةَ “إسرائيل” السياسيين والأمنيين والعسكريين في أزمة حقيقية فهم أمام خيارين صعبين لا ثالث لهما، إما ابتلاع الضربة وكأنَّها لم تكن، وهذا الأرجح، أَو الرد عليها وعندها ستفتحُ عليهم أبوابَ الجحيم من كُـلّ اتّجاه.