المشروعُ القرآني أمام خيارَين
منار الشامي
يُقال: إن المجتمعات البشرية منذُ بدايتها كانت تتحَرّك على منهجيةٍ واحدة، فلقد عُرف بأن كُـلّ قبيلةٍ كانت تتفرّد عن أُخراها في قوانينها، كذلك الشعوب وعلى مرّ العصور كان لها المنهجية الموضوعة التي تتبدلُ غالبًا.
لقد افتقرتْ منطقتنا العربيّة في العصرِ الحديث لمنهجيتها الحقيقية التي هي بدورها تُنقذُها من الانزلاق وراء الهاويات، لقد تُرك الكتاب الذي قيل في حقّه “فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ”، ولقد جُمّد أَيْـضاً دورهُ التربويّ حين أقامت الدول العربية كافة قوانينها الخَاصَّة بعيدًا عن توجيهاتِ القرآن، لذلك لم يعد القاتلُ قاتلًا ولا السارقُ سارقًا وغيرها من الجرائم الّتي عالجَ وقوعها القرآن بالأُسلُـوب الراقي والذي تعمّهُ وتحصرهُ الفائدة من كُـلّ الاتّجاهات.
عندما انطلق المشروع القرآني كانت غايته تصحيح هذهِ الأخطاء الفادحة والحدّ من انتشار الفساد وضياعِ الكرامات في مجتمعنا العربي والإسلامي ككل، وليضبُط المسارَ المُنحرِف والتوجّـه الشّاذ الّذي آلَ اليوم إلى أن تتتابع صفقاتُ التطبيعِ مع إسرائيل والاعتراف بها، والانفتاحات اللاأخلاقية والّتي من نتاجها الطبيعي جِـدًّا أن يتأثر العرب بالغربِ عندما لا يدركون عظمة كتابهم، لهذا لم يكن غريبًا أن يُستماتَ شباب العرب والإسلام بموجات الحربِ الناعمة المتتالية التي سعتْ لضرب القيمِ والأخلاق وزكاءِ النفوس.
المشروع القرآني أتى للأُمَّـة الإسلامية كافّة ولم يأتِ فقط لبلدِنا وشعبنا، هو مشروعٌ عالمي عُمّد بدم عزيز هذا الزمان، ولقد كانت كلفةُ أن يبقى هذا المشروع مُستمرّا كبيرةً جِـدًّا وعميقةً بشكلٍ كبيرٍ، فشلالاتُ الدماء كانت واسعةَ الأُفُق والشهيد القائد لم يكن تحَرّكهُ عبثًا، لقد تحَرّك وجدّ وجاهد حتى خاضت أمريكا ضدهُ تلك الحربَ المؤلمة الّتي حاولت قطع جذور انتشار هذا المشروع بقتلِ قائده، وهذهِ الأحداث كفيلة بأن تجعل الإنسان مستوعبًا وفاهمًا لخطورةِ توقف المشروع ومستوى النجاح الذي يضمنُ لنا الفوز بالدارين إن تحقّقت أهدافه.
إن المسار طويلٌ للغاية للوصولِ إلى الهدف ولكن تقصيرنا الفادح أَيْـضاً يجعلُ الطريقَ يطولُ أكثر ويُقوّض من نسبةِ نجاحه، بالتالي فَـإنَّ استذكار مظلومية الشهيد القائد ومظلومية من عاصروا المشروع القرآني في بدايته تشكلُ حافزًا لمواصلةِ الطريق لأن هذا الخيار أصبح خيار الأُمَّــة كما قال الشهيد القائد.
شرعت انطلاقةِ هذا المشروع في مرحلةٍ صعبة وبإمْكَاناتٍ محدودة ولم يكن عامل قوتهِ إلا القرآن الكريم الذي أثبتت لنا كُـلّ تلك الحروب والنكبات وحَـاليًّا هذهِ الحروب وظواهر الانحراف بأنه لا مخرج ولا مناص إلا به، فكما أوضحَ السيد القائد -يحفظهُ اللّٰه- في عددٍ من محاضراته بأنّ المشروع القرآني الذي تحَرّك به السيد حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- هو مشروع عظيم ينطلقُ من قراءة واعية عن العدوّ، عن الأحداث، عن مسارات هذه الأحداث، عن المجالات التي يتحَرّك فيها العدوّ وفيما يذكر بأنه أَيْـضاً جاء بخصائصِ القرآن الكريم وما يتميزُ به، وبارتباطه بالواقع، وملامسته له وصِلته بالأحداث والظروف.
وها هو اليوم أمام خيارين لا غير وعلينا كمنتمين لهذا المشروع أن نختار أحدهما، الأول هو إمّا أن نتكاسل ونُفرط ونُقصّر ونتراجع ونترك المجال مفتوحًا ومُهيئًا ومُتاحًا للعدو فيأخذ راحته القصوى تجاه الخطر الوحيد المُتبقي أمامه، فنُذل ونخنع وينهشُ العدوّ كرامتنا ويكسرُ شوكتنا ويردينا صرعى أمام إجرامه وشراسته، وبالتالي سنُقابل الله بوجوهٍ مسودّة وصحائف نحملها بيسارنا وهذه الخسارة كُـلّ الخسارة، والخيار الثاني هو أن نستمرَّ على هذا الطريق ونحفّ المشروع القرآني بما يُبقيه حيًا ونابضًا، بل وبأن يستمر عطاؤنا، عطاء الدم، عطاء الروح، عطاء المال، وهو يحتاجُ إلى كلفةٍ تُعادل تلك التي بدأ بها المشروع، والطريق مليءٌ بالأشواك وليس مبسوطاً بالورود وهذا سيحفظُ وجود هذا المشروع الذي يعملُ على إنقاذ الأُمَّــة من الحالة المأساوية التي وصلت إليها، فهو بالتالي سيبنينا في كُـلّ مجالاتِ الحياة العلمية والعملية وهو في نهايةِ المطاف يمنحنا تأييد الله وملاقاته ببياضِ الوجوهِ والصحائف.