المشروعُ القرآني لشهيد القرآن السيد حسين بدر الدين الحوثي.. مشروعُ الانتصار العظيم
المسيرة – عبدالقوي السباعي
في مطلع الألفية الجديدة كان المشروعُ الأمريكي قد بلغ ذروتَه في اليمن والمنطقةِ بشكل عام، إذ شهدت اليمنُ انتهاكاً صارخاً وسقوطاً مدوياً على جميع المستويات وبكل المعايير وفي كُـلّ المجالات، ففي المجال العسكري مثلاً حتى على مستوى المنهج الذي يدرُسُه الجنودُ كان منهجاً أمريكياً، إذ ليس ذات المنهج الذي تدرِّسُه أمريكا جنودَها، بل منهجٌ من نوع آخر، منهج لا يوجد في قواميسه ومفرداته ولو عبارة واحدة تشُدُّ إلى ولاية الله، وإن وُجد خليطٌ من عبارات الوطنية والانتماء الوطني التي زخرفت بزيف الادِّعاء في ذلك المنهج، فسرعان ما يتم تفريغها من جميع ما حملت على يد ضباط ينفذون ويأتمرون بأدوات المشروع الأمريكي إمّا بشكلٍ مباشر أَو غير مباشر، من خلال تعاملهم في الميدان مع أُولئك الجنود بشكل يجعلهم يكنون كُـلّ البغض لمهنتهم أولاً ولأوطانهم ولدينهم حتى.
لذلك لم يكن بالأمر الصعب أن تأتيَ امرأةٌ أمريكيةٌ لتشرف وبشكل مباشر على إتلاف الصواريخ والأسلحة بل كان هذا نتاجاً طبيعياً لما حملته تلك المناهج التي درسها الضباط اليمنيين وما جسّدته منهجيةُ تعامل أُولئك الضباط مع جنودهم، ولعلّ حادثة إتلاف الصواريخ ليست هي الأولى من نوعها حينها ولم تكن الأخيرة في تلك الحقبة من الزمن بل ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر.
أمَّا على المستوى الاقتصادي ففي الوقت الذي كان النظام السابق يبيع منابع النفط بشكل عام ولعصرٍ من الزمن بأسعار ضئيلة إجماليها أقل بأضعاف لتكاليف نقل لسفينة واحدة، كانت لدى المواطن اليمني مسألة الحصول على أسطوانة غاز منزلي أَو دبة بترول غاية صعبة المنال نظراً لحجم الفقر المهول الذي خلفته فواتير فساد وإفساد النظام.
وَعلى مستوى المجال الاجتماعي، فقد كان السائد هو قانون الغاب ولقانون الغاب أحقية التظلم في بعض الأحيان ومقارنةً ببعض المواقف، إذ عمل النظام وبكل ثقله في تنمية الصراعات القبلية وتغذية الحروب باذلاً في سبيل ذلك الغالي والنفيس بغية جعل اليمن ساحةً للصراع.
لقد كانت القبيلة اليمنية يسودها التلاحم والتكافل ونصرة المظلوم والأهم من ذلك أنها كانت تتمتع بتسليح جيد، ومسألة التكاتف والتعاون القبلي كان يشكل حصناً منيعاً أمام السلطة حينها في حال اقتضت مصالحها تصفية شخص ما أَو إجهاض مشروع معين من شأنه أن يعيد بوصلة الأمور إلى جادة صوابها.
والأهم من ذلك هو إيجاد شرعية تسمح للأمريكي بالتدخل المباشر وتواجد قواته في اليمن متى ما اقتضت مصلحة الأمريكيين في ذلك.
أما في الجانب الديني والعقائدي وهو الأخطر من نوعه، فقد بلغ أثرُ الانحراف مبلغاً تعدَّى ما تركه من ذات الأثر يعوق ويغوث ونَسْر.
إذ أعادت المملكة العبرية السعوديّة السامري وعجله في هيئة رهبان بلحية طويلة وثوب قصير يحمل مذهبًا وفكراً وهَّـابياً متطرفاً تم صناعته وتكييفه وفق ما تقتضيه مصالح من قال الله فيهم: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ)، حَيثُ أفرغت كُـلّ العبادات من معناها لتصبح مُجَـرّد شكليات لا يحقّق منها أي جدوى لإبعادها وتجريدها من الحكمة الإلهية التي أرادها الله من ورائها، فالصلاة مثلاً أضيف فيها من غير القرآن ما لم يُنزَّلْ وتخللها ضَمٌّ هو لصلاة اليهود أقرب، أمّا الصيام فلمذهب محمد بن عبد الوهَّـاب رأيٌ آخر من خلال أحاديثَ مكذوبة تتعارض تضاداً مع القرآن الكريم، فبينما الله يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، هذا يعني بصريح العبارة أن موعد السحور هو أول ظهور علامات الفجر، ووقت الإفطار هو الليل هذا استناداً إلى الآية الكريمة سالفة الذكر، ورغم هذا التبيان الواضح فقد جاء في حديث مكذوب جاء به مذهب محمد عبد الوهَّـاب عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- أنه قال أجلوا السحور وعجلوا الفطور، وهو الذي قال -صلى الله عليه وآله-: (ما أتاكم عني فاعرضوه على القرآن فإن توافق مع القرآن فهو مني وأنا قلتُه وإن تعارض مع القرآن فليس مِنِّي ولم أقُلْه).
أما الجهاد فغيب بشكل كلي عبر مذهب الوهَّـابية واقتصرت أهميته فقط على زمان الرسول -صلوات الله عليه وآله- وإن اضطروا إلى ذكر الجهاد فَـإنَّهم يربطونه بشخصيات أشبه ما تكون بنمور من ورق.
حين جاء الرسول -صلوات الله عليه وآله- جاء كما قال في حديثه الشريف: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، بمعنى أن الأخلاق كانت لا تزال موجودة في الجاهلية الأولى وإن بالشكل البسيط أما في الجاهلية الأُخرى وعلى مذهب محمد عبد الوهَّـاب، فقد طمست بشكل نهائي وأكسبت العرب من صفات الذل والهوان ما لم يكونوا ليقبلوها حتى قبل الإسلام يوم كانت فطرتهم سليمة لكن حين دنست فطرتهم بأفكار ذلك المذهب المسموم.
غيبت إغاثة الملهوف رغم أنها كانت من أبرز الصفات التي امتاز بها العرب في جاهليتهم الأولى واستبدلت بأن يكون المؤمن جباناً في الجاهلية الأُخرى.. في المذهب الوهَّـابي سيق الناس كالعبيد للحكام تحت ذريعة حديث مكذوب: (أطع الأمير وإن قصم ظهرك وأخذ مالك).
ولم يقتصر خطرُ مذهبِ محمد عبدالوهَّـاب على مسألة تغييبِ الأخلاق فقط رغم خطورة هذا بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك بأن استبدَل تلك الأخلاق بتصرفات لا يقبلها حتى الحيوان.. وما بابِ جواز رضاعة الكبير في ما أسموه بصحيح البخاري ومسلم إلا خير برهان وشاهد.
وهنا تجلى حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله- حين قال “بعثت بين جاهليتين أخراهما أشد من أولاها”، نظراً لما يمثله هذا المذهب من خطر جسيم على الإسلام فقد عمدت السعوديّة إلى تبني نشره واتساع رقعته بكل ما أوتيت من قوة.
في اليمن أقامت له المساجد والمدارس وعملت على استقطاب المدرسين من مختلف الأماكن والبلدان ساعية إلى إحلال هذا المذهب بديلاً عن جميع المذاهب وعلى رأسها مذهب زيدية آل البيت الذي قال فيهم الرسول: “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي آل بيتي فقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يختلفا حتى يردا عليّ الحوض”.
لقد بلغت الثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة ذروتها فأوفى الله بوعده ومن أوفى بعهده من الله حين قال لنبيه -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- “إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ”.
كان هادي هذا القوم في تلك المرحلة من جغرافيا قال فيها الرسول “إني لأجد نفس الرحمن من اليمن”، من ورثة الكتاب ومن عترة آل البيت، هم سفينة نوح لهذا الزمان، يحمل من الهمة ما يذيب المستحيل اتسم بنفاذ البصيرة التي اخترقت كُـلّ الحجب التي وضعها فراعنة الزمان وطواغيت العصر فمضى بخطى ثابتة وحجج دامغة يستنهض الجميع ليحيي فيهم روحية كان قد أماتها الظالمون بثقافات هي أقرب للكفر يومئذ منه إلى الإيمَـان.. إنه السيد الشهيد القائد حسين بدر الدين أمير الدين الحوثي، يعود نسبُه إلى الإمام الحسن المثنَّى بن الحسن السبط بن الإمام علي عليهم السلام.
البداياتُ الأولى
وُلِدَ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في عام 1960م بقرية الرويس في محافظة صعدة، نشأ في ظِل أسرة مؤمنة قرآنية مجاهدة فكان مثل تلك الأسرة كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كُـلّ حين بأمر ربها.
وتلقى الشهيد القائد تعليمه في مجال العلوم الدينية على يد والده العلامة المجاهد بدر الدين أمير الدين الحوثي، الذي عُرف هو الآخر برفضه ومحاربته بالفكر والكلمة للمذهب الوهَّـابي المتطرف التي عملت السعوديّة بكل ثقلها وإمْكَاناتها لاتساعه، فيما أوكل تعليمه في مجال العلوم التربوية إلى أساتذته في المعهد العلمي بصعدة، لم يكن الشهيد القائد يكتفي بحفظ ما يسمع بل كان شخصية تمتلك من المؤهلات القرآنية في الطرح والمناقشة ما ميزه عن سائر قرنائه، فكان يناقش والده ومعلميه في الأمور الفقهية التي لا يتقبلها العقل والمنطق وفق رؤية القرآن، لذا كان رجلاً صعب المناقشة على معلميه وغيرهم من الفلاسفة والمثقفين.
في عام 1981م أكمل الشهيد القائد مرحلة الثانوية العامة في المعهد العلمي بصعدة، حاول الشهيد القائد الحصول على منحة دراسية ولكن نظراً لمواقف تلك الأسرة من سياسات السلطة الجائرة خُصُوصاً ما يتعلق بمحاربتها للمد الوهَّـابي، إذ كانت السلطة حينها وضعت خطوط ودوائر حمراء على بعض الأسر لحرمانها من كافة حقوقها ولتلك المواقف وذات الأسباب كان نصيب الشهيد القائد من الخطوط الحمر ما يحول بينه وبين المنحة الدراسية آن ذاك.
في عام 1990م شارك الشهيد القائد في تأسيس حزب الحق آملاً منه أن يكون نقطة ينطلق منها في صدعه بالحق ومقارعة الظالمين، وفي مطلع العام 1992م، وبعبارة جمعت بين عمق المعنى وشموليته: “أنا لا أعدكم بشي غير أنني أعدكم أن لا أمثلكم في باطل”، بهذه العبارة انضم الشهيد القائد إلى حزب الحق بمجلس النواب ممثلا للدائرة 294 بمحافظة صعدة، بمطلع العام 1994 شبت نيران الحرب بين شطري اليمن شمالاً وجنوباً، حينها كاد لهيب تلك النار المستعرة أن يجر اليمن إلى هاوية الهلاك وإلى الأبد.
هنا تجلت حكمة وحنكة الشهيد القائد، إذ قاد مظاهرة في محافظة صعدة مندّداً بعبثية الحرب محذراً من تداعياتها مصرحاً بموقف أبناء المحافظة الرافض لما يحصل من سفك للدماء، مؤكّـداً أن الخاسر الوحيد في هذه الحرب هو الشعب اليمني.
وعلى الرغم من قوة المنطق الداعي إلى السلمية والسلام لتجنيب البلاد ويلات الحروب إلا أن السلطة قابلت سلمية الموقف وقوة المنطق بمنطق القوة، إذ أرسلت حملة عسكرية كبيرة في 16/ 6/ 1994 على أبناء مران وهمدان استهدفت دور العلماء وعملت على اعتقال خيرة رجال وشباب المنطقة محاولين تدمير منزل الشهيد القائد ووالده السيد المجاهد بدر الدين الكائن بمنطقة مران، مقتادين العشرات إلى السجون ليبقوا أكثر من عام دون محاكمة تذكر.
في العام 1996م وحينما خرج الحزب عن أهدافه ولموقف الشهيد القائد من تعامل الحزب والمجلس بالعقود الربوية قدم الشهيد القائد استقالته من الحزب ولم يسجل أنه وقّع ولو على بند واحد من تلك العقود طيلة مدة عضويته في الحزب.
وبذات العام بأعجوبة تسودها الرعاية الإلهية نجا الشهيد القائد من محاولة اغتيال أَدَّت إلى استشهاد اثنين من مرافقيه حين تواجده لإحياء فعالية يوم الغدير بصعدة.
في العام 1997م استطاع الشهيد القائد الحصول على منحة دراسية من جامعة صنعاء لإكمال دراسته العليا في السودان بجامعة أم درمان.
انطلاقُ المشروع
وفي مطلع الألفية وبعد حياة حافلة بالتجارب السياسية محفوفة بحصيلة من البصيرة القرآنية المضيئة في عصر الظلمات ممتلئة بسجلات من الصولات والجولات في ميادين العلم ومجالس العلماء بدأ الشهيد القائد مشروعه النهضوي التحرّري الداعي إلى رفض الوصاية والساعي إلى محاربة المشروع الأمريكي.
لينضم إلى ذلك المشروع الرباني ثلةٌ من المؤمنين قليلة من بين سفوح تلك الجبال المترامية سليمة الفطرة، تلكم الثلة جعلها بيئة خصبة تقوم عليها دعائم ذلكم المشروع الذي صدع بالحق في زمن السكوت، ولأن القضية المركزية فلسطين كانت حاضرة في قلب المشروع، فقد كانت أول ملزمة ألقاها الشهيد القائد هي ملزمة “يوم القدس العالمي”، مبينًا من خلالها أهميّة القضية في جوهر المشروع العظيم، موجهاً لبوصلة العداء إلى المسار الصحيح بعد أن عمل المشروع الأمريكي وأدواته في المنطقة إلى تغيير خطوطها بالشكل الذي يجعل منها ساحة للصراع والاقتتال.
بمطلع العام 2002م وفي تحد صارخ لكل الشعوب العربية عقب حادثة تفجيرات نيويورك أعلنها الرئيس الأمريكي حينها بوش بكل صراحة ووقاحة قائلاً: “من لم يكن معنا فهو ضدنا”، ارتدت كُـلّ الأنظمة أقنعة الذل ولباس الهوان جاعلة من صمت المقابر موقفاً وشعاراً لها.
في كُـلّ تلك الظروف التي بلغ فيها المشروع الأمريكي ذروته ليلوذ كُـلّ العالم بالتودد إلى أمريكا وإسرائيل زاعمين أنها هي من تمنح السلام في الأرض، متجاهلين قوله تعالى ” لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أشْرَكُوا” وحين ضنت قوى الشر أنها قد أكملت هيمنتها.
ليُسمع ثمة صوتٌ من جبال مران رافعاً لشعار يحمل في مضمونه وينادي بأعلى صوته “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” رغم ضيق مساحة تلكم الجغرافيا وقلة عدد مردّدي هذا الشعار إلا أنه وصل صدى تلك الصرخة إلى البيت الأبيض.
ولما للحق من قدرة وقوة في إزهاق الباطل فقد أوعز النظام الأمريكي إلى السلطة حينها لتبدأ سلسلة من التعسفات ابتداءً من الإقصاء من الوظائف مُرورًا بالأسر انتهاء بشن حملة عسكرية كبرى على أُولئك الثلة من المؤمنين المستضعفين الذين لا ذنب لهم ولا جرم سوى حملهم لثقافة القرآن التي تدعوهم بكل صراحة لمعاداة اليهود والنصارى.
في وقت كانت السلطة حينها قد انتهجت كما قالت هي الرقص على رؤوس الثعابين، لتتغنى باسم الحرية المسلوبة والديمقراطية المكذوبة، التي سرعان ما تبدد مضمونها ومحتواها من العبارات الفضفاضة فارغة المعنى وهشة المبنى أمام أُولئك الثلة من المؤمنين حملة ذلك المشروع القرآني، إذ تجاوز إجمالي من أسرتهم السلطة حينها ما يزيد عن الـ800 شخص.
رغم تضييق الخناق على الشهيد القائد وأتباعه من حملة المشروع إلا أن جغرافية ذلك المشروع وأعداد منتسبيه باتت في توسع وازدياد، إذ استمر الشهيد القائد في مخاطبة عقول الناس وقلوبهم بالعامية والفصحى مُحْيياً فيهم عظمة القرآن المغيبة لعقود من الزمن، مذكراً إياهم بما حملته آياته بصريح العبارات في ما يتعلق بمسألة العداء لليهود والنصارى ومدى خطورتهم على الأُمَّــة الإسلامية، مستنهضا فيهم أهميّة الجهاد في سبيل الله لدفع خطر أُولئك، داعياً إياهم إلى مقاطعة منتجات وبضائع اليهود كتعبير عن السخط الذي أمرنا الله أن نحمله لهم جاعلاً من الشعار سلاحاً وموقفاً للمعادَاة.
وببصرٍ لا تغطيه حجب الباطل وإن كانت دخاناً وناراً عن رؤية الحق المتمثل في قوله تعالى ” وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ”.. وببصيرة غاصت إلى أعمق بحر لا يدرك قعره، إنه القرآن.. كان الشهيد القائد يحث أتباعه على رفع الشعار قائلاً: “اصرخوا وستجدون من يصرخ معكم في انحاء العالم إن شاء الله”..
أمام كُـلّ هذه المؤشرات الإيجابية للمشروع ورغم سلميته، استمرت السلطة في ممارسة الغطرسة والقمع والاضطهاد لحملة ذلك المشروع تنفيذاً لرغبات من يمثل هذا المشروع الخطر عليهم، إنهم الشيطان الأكبر وأئمة الكفر أمريكا وإسرائيل.
على الرغم من اقتياد أعداد الأسرى وإنزال أشد العقوبات بهم رغم عدم تدوين أي جرم ضدهم ودون الاستناد إلى أدنى قوانينهم الوضعية التي وضعتها السلطة، حتى يكشف وعن كثب حقيقة الدستور والقانون الذي ظل يتغنى به عفاش طيلة تلك الحقبة من الزمن.
لم تكتفِ السلطةُ بانتهاج كُـلّ تلك التعسفات ولم تتوقف عند حَــدّ معين من ممارسة الإجرام الممنهج ضد تلكم الثلة من المؤمنين.
بمطلع العام 2004م أرسلت السلطة حملة عسكرية ضخمة بكل ما لضخامة الباطل من معنى إلى مران بصعدة بغيت وأد ذلك المشروع في مهده، ورغم أن السيد الشهيد القائد لم يكن له أي توجّـه عسكري عدائي ضد السلطة حينها، إلا أنه وبعد أن بغي عليهم إلى قراهم ومنازلهم بدا خيار الدفاع عن النفس بُداً لا بُد منه بالنسبة لهم.. تزامنت مع تلك الحملة العسكرية حملة إعلامية أُخرى قادها رأس الافعى عفاش ساعياً من خلالها إلى الزج بالقبائل والتغرير بالجيش حينها للانخراط في حرب شعواء تهدف إلى كبت صوت الحق وإبادة حملته.. في هذه الحرب سجلت السلطة حينها أسوأ أسطر الخيانة وصفحات العار في سجلاتها الممتلئة بحكايات العمالة المعنونة بالتطبيع والانبطاح لليهود والنصارى.
إن العار التي جلبته سلطة العمالة والانبطاح على نفسها تجلى عبر هذه الحرب من خلال جوهر منبعها وفارق العدد والعدة والعتاد، والأشد خزياً وعاراً هو إعلان أمريكا وقوفها إلى جانب السلطة في حربها ضدَّ أُولئك المستضعفين.
خلال تلك الفترة، شهدت مران بأهلها وشجرها وحجرها من الهلاك والتدمير ما يشهدُ وإلى الأبد على عِظَمِ أبشع مظلومية تعرض لها حسينٌ الحوثي وأتباعه بعد الحسين وأتباعه على يد أخزى الظالمين وأشقاهم.. في يوم واحد فقط شن على مران من القذائف والقنابل والصواريخ ما لم يشنه اليهود على فلسطين.. وإن كان هو ذات العدوّ الذي يقود الحرب في فلسطين هو ذاته من تضرب طائراته وتنفذ مخطّطاته في مران، إلا أن معرفة ويقين العدوّ بما يمثله خطورة هذا المشروع القرآني عليهم، وهو السر الكامن وراء كُـلّ ذلك التصعيد العسكري الكبير.
ثلاثة أشهر من الدمار وحرب شنها اليهود والأعراب لا هوادة فيها استخدم النظام السابق فيها وسادته من الصهاينة والأمريكان من الأسلحة ما كان بالإمْكَان أن يحرّر فلسطين وكلّ شبر محتلّ في العالم العربي، بغية إركاع الحسين السائر في درب الحسين الماضي على خطى آبائه وأجداده حملة ألوية الجهاد مقابيس الهدى ونماذج الرشاد عشاق حياض الشهادة أرباب ثقافة الاستشهاد.
فما أشبه اليوم بالبارحة وما أشبه كربلاء عاشورا بكربلاء مران وما أشبه مسيرة السيد الشهيد القائد بمسيرة الحسين السبط -عليهم السلام- وما أشبه مصيرهما وإن اختلفت جغرافية المكان.. وأرقام تاريخ الزمان بين وقوع فاجعة كربلاء ومران.. إلا أن كلا القائدين في ذات الجنان بضيافة الرحمن مع محمد وعلي خيرة خيار الأقوام على مدى الأزمان.. بعد أن أحياء كلا القائدين من ثقافة القرآن ما يحيي أُمَّـة من بعدهم إلى أن يشاء الله.
في السادس والعشرين من شهر رجب 1425 الموافق العاشر من سبتمبر ألفين وأربعة، أعلنت بكل تبجحٍ وتباهٍ مقتل الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، معلنة إنهاء الحرب زاعمة أنها قد انتصرت في القضاء على المشروع وطمس أثر ما تركه الشهيد القائد، والله متم نوره ولو كره الكافرون..
لقد أخافهم الشهيد القائد حيناً بفكره وظل يخيفهم بأثره بعد استشهاده ففي جريمة متكاملة الأركان والمبنى نقل جثمان الشهيد الطاهر قسراً إلى مكان مجهول في ذلك الوقت متناسين أن مكان حفظ الأثر في الصدور والسطور وليس فقط في القبور.
من ذات الشجرة البدرية الحسينية العلوية المحمدية التي جاء منها حسين والحسين وعلي، جاء السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ليحمل على عاتقه مسألة انتشار واتساع هذا المشروع القرآني العظيم في ذات الخطى وعلى ذات الدعائم التي أسسها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي.
مع انتهاء العام 2011م وعقب تلك الأحداث أجبر النظام على إعادة تشكيل واجهته وإن بذات الشخصيات وذات النوايا، ووفق سيناريو مرسوم تمثل في المبادرة الخليجية، أعلن عفاش تنحيه عن السلطة، في تلك الأثناء كان المشروع القرآني قد أخذ طابعاً من التوسع والانتشار أكثر من أي وقت مضى ليصبح معترفاً محلياً وإن على مضض بحركة أنصار الله، ولما أصبح للمشروع من ثقل سياسي وحاضنة اجتماعية أجبرت حكومة باسندوة على تسليم جثمان الشهيد القائد بعد 10 سنوات من التغييب القسري لذلك الجثمان الطاهر لينقل جثمان الشهيد القائد من حَيثُ وضعه الطغاة بحوش السجن المركزي بصنعاء مع ابنه إلى ألمانيا ليتم التأكّـد من أنه هو ذاته من خلال فحص الحمض النووي “الـd n a “..
وسط حضور جماهيري مهيب وفي مشهد وصفته الصحافة حينها بأنه الأول من نوعه من ناحية عدد الحاضرين على مستوى جزيرة العرب شيع الشهيد القائد ليشهد عظم ما وصل إليه المشروع العظيم.. بفضل امتزاج بين دمائه الطاهرة وجهود أخيه المتواصلة وعطاء تلكم الثلة المؤمنة الصادقة الصابرة.
أما عن حكومة باسندوة المستنسخة من حكومة عفاش ذات التشكيل السعوديّ والإشراف الأمريكي، فقد أثبتت وبجدارة أنها غير قادرة على إدارة فندق أَو مطعم كما قال السيد القائد ناهيك عن أدارتها لشعب بأكمله، إذ شهدت تلك الفترة الزمنية رغم قصرها أطول الصفحات في سجلات الدموية والانتهاك.. كثرت الاغتيالات وتزايد أعداد الانتحاريين حملة الحزام الناسف ليعم أذاهم الأسواق العامة مُرورًا بالمستشفيات، وُصُـولاً إلى دور العلم والعبادة كالمراكز العلمية والمساجد، كُـلّ هذا كان نتاجاً طبيعياً للفكر الإخواني الوهَّـابي الحاكم حينها، وما يحمله من دموية وتطرف المنبثق من ثقافة القاعدة وداعش ذات الصنع الأمريكي الإسرائيلي.
أما عن الوضع الاقتصادي فقد أمست تلك الحكومة تكبد الشعب ويلات جرع الموت كدفع عاجل لسجلات فواتير الفساد المالي والإداري المتاخم والذي سرعان ما مثل سرطاناً خبيثاً ظل ينخر في تلك الدولة وذاك النظام البائد لتسقطه مؤخّراً وإلى الأبد.
لم يكن هيِّنًا على السيد القائد أن يسكت إزاء ما يتعرض له الشعب اليمني خيرة الشعوب على يد أخزى الأنظمة وأقبحها.. ولو كان ثمة سبيلٌ إلى السكوت في هذا المشروع القرآني لَكان خياراً اتخذ منذ مطلع الألفية ولو اتخذ الصمت سبيلاً لما وصلت المسيرة القرآنية إلى ما وصلت إليه اليوم من المكانة والانتشار.. وكيف يتخذ السكوت سبيلاً في أُمَّـة شعارها هيهات منا الذلة وشعار آبائها وأجدادها “لا يدعنا كتابُ الله أن نسكت”.
حاول السيدُ القائد احتواءَ الموقف ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه لكن مواجهة السلطة بأُسلُـوب القمع والإمعان في التعسف والانتهاك.. لم يبقَ أمام السيد القائد وحملة ذلك المشروع القرآني ومعهم كُـلّ أحرار الشعب بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم ومذاهبهم من خيار سوى القيام بثورة تقتلع قواعد الطغيان من جذورها وتسد منابع الفساد وإلى الأبد.
في الحادي والعشرين من سبتمبر من عام 2014م نجح السيد القائد في القيام بالثورة المباركة التي كان الشعب في أمس الحاجة لقيامها؛ كونها تمثل الحل الوحيد ليمن مستقل مستقر ذات السيادة والكيان بعيدًا عن كُـلّ أشكال الوصاية والارتهان للصهاينة والأمريكان ودويلات الأعراب ذات اللغة العربية والعقيدة العبرية.
لم يعد مشروع الشهيد القائد بمحصور في جغرافيا منطقة مران ولا حتى بمحافظة صعدة، إذ عم بتاريخ تلكم الثورة التي ولدت من رحم المعاناة كافة أراضي الجمهورية اليمنية معلناً بدأ مرحلة جديدة دستورها وشعارها وثقافتها القرآن.
ليغادر اليمن على أثر هذا المشروع القرآني كُـلّ الزبد المدنس الذي تتعارض مصالحه مع ثقافة القرآن، إذ بلغ حجم الهلع بموظفي السفارة الأمريكية الذين كانوا قبل بزوغ شمس هذا المشروع هم الحاكم والآمر والناهي من الخوف والذعر والذل ما جعلهم يكسرون أسلحتهم ويحرقون كُـلّ ما بحوزتهم من وثائق وسجلات كما يؤكّـد ذلك شهود عيان سمعوا أصوات تكسير الأسلحة ورأوا الدخان الناجم عن احتراق تلك الوثائق والسجلات والذي ظل يتصاعد لمدة تجاوزت الثلاثة الأيّام.. ليتجهوا صوب المطار لمغادرة اليمن وعلى متن أول طائرة.
هنا يتجلى بكل وضوح قولُه تعالى: “وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا”، ليس موظفو السفارة الأمريكية وحدَهم من رحلوا فقد لحق بهم جمعٌ كبيرٌ بين مشرشف ومتنكِّر من أذيالهم في الداخل، أدوات الهيمنة والاستكبار وأئمة الكفر أمريكا وإسرائيل رغم حجم الذعر والخوف الذي أصابها حين مجيئ هذا المشروع؛ لما تعرف له من قدرة في إزهاق الباطل، ورغم مغادرة موظفي سفاراتها اليمن عقب تلك الثورة وأمام هذا المشروع، إلا أن سيلان لعاب أطماعها لم يتوقف فعمدت بشكل مباشر إلى تكليف السعوديّة ومعها قطيع من دويلات العمالة والارتزاق وعملاء من الداخل عشقت المذلة والخيانة والهوان بشن حرباً على اليمن الأرض والإنسان.
أمام ذلكم العدوانِ الذي اشتركت فيه كُـلُّ قوى الغزو مشكلين تحالفاً شيطانياً ضم كُـلّ دويلات العمالة والانبطاح، إذ فاق إجمالي الدول المشاركة في أبشع عدوان عرفته البشرية ربما في الظاهر ما يزيد عن 20 دولة عربية ويهودية.
ليجسد اليمنيون قولَه تعالى: “الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكم فاخْشَوْهم فَزادَهم إيمانًا وقالُوا حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ”.. ببأسٍ وعنفوان يماني محفوف بالمعية الإلهية أبدى اليمانيون صموداً أُسطورياً أثلج صدر الصديق وأقتلع عين العدوّ في مواجهته لأكبر عدوان تجمع فيه شذاذ الآفاق، غير آبهين بفارق العدة والعداد مستشعرين قوله تعالى: ” كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ”، فمضوا ببصيرة جهادية يذودون عن الأرض والعرض مستمدين الوعد والعون ممّن قال في كتابه: “إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا”…”، “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ”، لم يستطع العدوان رغم هول إمْكَاناته وكثرة أعداده أن يحقّق أدنى انتصار على الأرض لا على المستوى الداخلي ولا الخارجي.
فعلى المستوى الداخلي ورغم ما امتلكته قوى العدوان من ماكنة إعلامية ضخمة بضخامة ما أنفق عليها من تكاليف مهولة لغرض تزييف الحقائق واختلاق الأباطيل وبث الرعب بين أوساط المجتمع اليمني من خلال تهويل إمْكَانيات وقدرات العدوّ وما يمتلكه من سلاح وأعداد وقدرة على التموضع والانتشار وغير ذلك من الترهات، كُـلّ تلك الماكنة الإعلامية لم تستطع هي الأُخرى أن تحقّق أي هدف يذكر وإن تمكّنوا من فبركة شائعة أَو أكذوبة فحبلُ الكذب بطبيعته قصير، لكنه أمام إعلام تحلى بصدق الكلمة فسرعان ما يتم دحر ورد تلك الشائعات بدلائل وقرائن من الميدان بفضل جهود مجاهدو الإعلام الحربي، وبفضل ما تحلى به المواطن من الوعي الثوري..
هُنا عصا موسى التهمت أباطيلَ وأكاذيبَ ومزاعمَ ثعابين سحرة فرعون.. وبعد أن استنفد العدوّ كُـلّ أوراقه السياسية والعسكرية دون تحقيق أدنى نصر يذكر، عمد مؤخّراً إلى استخدام ورقة كانت هي الأخطر من نوعها، المتمثلة بعلي عبدالله صالح الرئيس الأسبق للجمهورية اليمنية، الذي كان قد تظاهر بالتعامل الإيجابي مع ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر.
وعلى الرغم من سلبية موقفه ودمويته الإجرامية تجاه هذا المشروع القرآني منذ أول أيامه، إلا أن المجاهدين لم يعاملوه بناءً على تلك المواقف السابقة، ليس لشيء إنما لانتظار تساقط الأقنعة التي لطالما تفنّن في إحكام ارتدائها ورغم كُـلّ المضايقات التي كان يقوم بممارستها عفّاش ضد المجاهدين، والتي منها على سبيل المثال قطعُ الطريق المؤدية إلى إحدى الجبهات واستدعاءُ بعض الضباط الذين كانوا لا يزالون يدينون له بالوَلاءِ لأبعادهم من الجبهات.
أمامَ كُـلِّ تلك الممارسات التعسفية كانت القيادة لا تزال تنتظر إقامة الحجّـة عليه، ليقيمها على نفسه حجّـة صريحة بينة لتسقط جميع الأقنعة عن وجهٍ لـ 3 عقود ونصف عقد ظل عنواناً للخيانة والعمالة والارتهان.
من خلال تبنيه لفتنة ديسمبر من العام 2017م، ورغم محاولة أصوات الحكمة من أحرار البلد وعلى رأسهم السيد القائد محاولة احتواء الموقف وتغليب صوت العقل والمنطق الذي كان من شأنه أن يجنب عفاش تلك النهاية الوخيمة.
لكن ذاك هو حال ومصير من تأخذه العزة بالإثم، إذ قرأ عفاش أصوات الحكمة بأنها نابعة عن ضعف وانهزام ما دفع به أن يمد يده إلى دول العدوان فاتحاً معهم صفحة بيضاء حَــدّ قوله على حساب كُـلّ الشهداء والجرحى والتضحيات، داعياً أتباعه إلى النفير العام لقتال أنصار الله..
لم تمضِ سوى 3 أَيَّـام من وقت دعوته هذه إلا وقد لقي مصرعه وهو هارب على يد أحد المجاهدين، ذاك كان مصير قتلت ورثة الأنبياء وهذه كانت نهاية لائقة بأمثالهم..
أما عن الشعار والمشروع القرآني الذي أطلقه الشهيد القائد من جبال مران، فلم تعد جغرافيته وأتباعه اليمن واليمنيون بل أصبح عالميًّا بعالمية القرآن ليتحقّق ما تنبأ به الشهيد القائد قُبَيل ما يزيد عن عشرين عاماً حين قال لأتباعه قليلي العدد محصوري الجغرافيا: “اصرخوا وستجدون من يصرخ معكم في أماكن أُخرى إن شاء الله”.