روسيا وأوكرانيا.. العِبرةُ في الخذلان
منار الشامي
سياسةُ أنكَ خاضعٌ للعملِ وِفقَ إرادتي أَو عدوّي حتّى تعملَ وِفق إرادتي هي منهجيةٌ خطّتها الولاياتُ المُتحدة منذُ فجرِها الأول، وعلى أنّ منوالَ القضيّةِ أنني في الصِعابِ سأتركك للحفاظِ على نفسي فليسَ غريبًا أن تقِف كُـلّ الدول الّتي راهنت على أمريكا على شفا جرفٍ هار، فمهنةُ العملِ خلف الكواليس والدعم المعنوي إلى التوّرط من مهامِّ الأمريكيّ والبريطاني.
في بدايةِ العقدِ التاسع عشر تفكك الاتّحاد السوفيتي والّتي كانت أوكرانيا أحد مكوّناته لتستقلّ بحكومةٍ خَاصَّة بها، وفيما بعد تطوّرت العلاقاتُ الوديّة بينها وبين روسيا منذُ أن كانت في جانبِها الاقتصادي والعسكري نائية، لكنّ المسارَ أخذ اتّجاها مُغايرًا عندما قدّمت الحكومة الأمريكية دعوةً لأوكرانيا؛ كي تنضمَّ لحلفِ شمالِ الأطلسي الّذي تتحكمُ هي فيه في العام الرابع للعقدِ الثاني من القرنِ العشرين، وبعد أن تطوّرت الأمور إلى حَــدّ الأزمةِ الكبيرة في أوكرانيا تزامنًا مع صعودِ حكومةٍ تكنّ العداء للروس بدأ مسلسلُ الأزماتِ الأوكرانية من التخلّص من القدرات النووية للبلد وحتّى الخضوع لأمريكا والاحتماء بها.
تواصل احتدامُ الأمور بعد أن استقلّت عدداً من الأقاليم الأوكرانية عنها، واستمرّت الأزمةُ بالتوسّع عندما عادَ الرئيس الأمريكي جو بايدن لفتحِ مِلف الانضمامِ إلى الحلف من جديد إلى أن بدأت روسيا بشنِّ حملتِها العسكرية في حدودِها مع أوكرانيا حفاظًا على مصالحها العامّة، لتبدأ عملياتها في الثالثِ والعشرين من فبراير شباط هذا العام أَدَّت إلى تعطيل البنية التحتية للقوات الجوية الأوكرانية الدفاعية، بالإضافة إلى السيطرة على الخطِ السريع بين العاصمتين موسكو وكييف وكذا فرض التحكم على العدد من المدن الحدودية الأوكرانية وحتى جنوبها.
بدأت معالمُ القلقِ تظهر على ملامحِ الغربِ خوفًا من احتماليةِ نشوب حربٍ عالميّةٍ ثالثة أمام دولةٍ كُبرى كروسيا والتي تتميّزُ بعتادها وجيشها العسكري الضخم، أضف إلى ذلك اقتصادها الكبير وأجهزتها المتيقظة للغربِ بشكلٍ أَسَاس، فتوالت تهديداتُ الغربِ من الأمريكيين والبريطانيين للدبِ الروسي بعدمِ الهجومِ ضد أوكرانيا في الوقتِ الّذي كممت أفواهها فيه عند شنّ الحملات العسكرية الروسية، ولم تجرؤ على اتِّخاذ أية خطوةٍ بعد تهديداتِ الرئيس الروسي والقادات السياسية في موسكو.
جُلُّ ما استطاعت أن تقِف به أمريكا مع أوكرانيا هو حشدُ الإدانة الدوليّة وهذا ما تحدّث به الرئيسُ الأمريكي خلالَ مكالمةٍ مع نظيره الأوكراني، بدرسِ خذلانٍ واضح لكلّ من يستندُ على قضيبٍ مُتهالكٍ تضعهُ لهُ السياسةُ الأمريكية الذاتية.
وعلى خلافِ أننا نودُّ أن تتوتر الأمور إلى حَــدِّ أدنى غيرَ أنّ مرارة الدرسِ كافٍ للتلقين المباشر لكلّ الدول الّتي باتت تنهارُ نحو انحداراتِ التحطّم في عدوانها على اليمن وحربِها المباشرة تنفيذًا للأوامر الأمريكية والبريطانية، لذا فنظرةٌ خاطفة لهزيمةِ أوكرانيا وذلّها بلا ناصرٍ أَو معين تضعُ السعوديّة والإمارات في موقعِ مساءلة الذات إذَا ما كانت أمريكا والغرب سيبقون معهم أم أنهم كالعادة سيستمرّون في الخذلان، فأمريكا دوماً عدوة الشعوب.