مهلة المبادرة الرئاسية على وشك الانتهاء: السيناريوهات المحتملة
المسيرة | ضرار الطيب
تنتهي مُهلةُ الاستجابة لمبادرة السلام التي قدّمها الرئيسُ المشَّاطُ بعد أقلَّ من 24 ساعةً، وبرغم الترقُّبِ الكبيرِ للنتيجة النهائية، فَإنَّ كُـلَّ السيناريوهات المحتملَة واضحةُ المعالم، والتساؤلُ يتمحورُ فقط حولَ السيناريو الذي سيختارُه تحالُفُ العدوان الأمريكي السعوديّ، علمًا بأن صنعاءَ أكثرُ جهوزية واستعدادًا لكل الاحتمالات.
“سيندمون”
السيناريو الأولُ هو رفضُ المبادرة، وقد يكونُ ذلك بإعلان صريح أَو بعدم الردِّ عليها رسميًّا، وهو ما يعني استئناف التصعيد العسكري، بما في ذلك عمليات “كسر الحصار” التي وصلت قبل إعلان المبادرة إلى ذروة غير مسبوقة في شدتها واتساعها.
ملامحُ هذا الخيار واضحةٌ ومعلَنةٌ من قبل القيادة الوطنية، حَيثُ أكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أمس الأول، بأن تحالف العدوان “سيندم” إذَا فوَّتَ هذه المبادرة، وأن صنعاء “ستبذل كُـلّ ما في وسعها لكسر الحصار ولن تقبل باستمراره أبدًا”، وأن المخرج الوحيد للأعداء من هذه الورطة هو “رفع الحصار وإنهاء العدوان والاحتلال”.
بالتالي فَإنَّ عملية “كسر الحصار الرابعة” ستكون أول شيء من المتوقع حدوثه بعد انتهاء المبادرة بدون استجابة، والمرجح أن شدة وحجم هذه العملية سيكون مفاجئًا على نحو صادم للعدو، بالنظر إلى الوتيرة المتصاعدة لمسار عمليات “كسر الحصار”، إضافة إلى تأكيدات قائد الثورة الصريحة.
ولعل من المهم الإشارة إلى أن قائد الثورة كان قد توعد تحالف العدوان بمفاجآت كبيرة على الجبهة البحرية، حَيثُ يرى محللون أن رفض المبادرة قد يفضي إلى هذه المفاجآت في سياق كسر الحصار.
وتؤكّـدُ كُـلُّ المؤشرات بوضوح شديد على أن صنعاءَ مستعدة تماماً لهذا السيناريو، فتحديد مهلة للاستجابة للمبادرة، وإعلانها عقب ضربة “كسر الحصار الثالثة” وتأكيدات قائد الثورة والرئيس المشاط ووزير الدفاع وناطق القوات المسلحة خلال الفترة الأخيرة، تقول بوضوح: إن هناك خيارات قاسية وواسعة النطاق تنتظر إشارة البدء.
وفي هذا السياق، قد لا تقتصر تداعيات رفض المبادرة فقط على تصاعد واستمرار عمليات كسر الحصار، فالمبادرة جاءت شاملة لكل المِلفات الرئيسية، ورفضها ربما يعني دخول مرحلة تصعيد شاملة أَيْـضاً، ولعل استكمال تحرير “مأرب” من أبرز أهداف هذا التصعيد، خُصُوصاً وأنه يتقاطع أَيْـضاً مع مسار كسر الحصار.
السلامُ الفعلي
السيناريو الثاني، هو قبولُ المبادرة، وهو ما يعني تحقيقَ السلام الفعلي على شروط (وقف العدوان ورفع الحصار وخروج القوات الأجنبية من اليمن ودفع تعويضات الحرب).
هناك بالفعل انخفاضٌ ملحوظٌ سُجل خلال اليومين الماضيين في عدد الغارات الجوية لطيران العدوان، كما أن تقدماً كَبيراً تم الإعلانُ عنه في مِلف الأسرى، لكن ذلك لا يكفي في الحقيقة لترجيح حدوث هذا السيناريو.
كُلُّ المؤشرات تؤكّـد أن الرياض لا تمتلك قرار الموافقة على المبادرة والالتزام بها، وأن الولايات المتحدة -صاحبة القرار- ليست منفتحة على هذا النوع من السلام الذي يضمن إنهاء الحرب والحصار بشكل كامل، ليس حتى الآن على الأقل.
من ضمن ذلك مؤشرات عسكرية ميدانية، فبرغم انخفاض الغارات، سقط شهداء وجرحى جراء ضربات مدفعية مكثّـفة للجيش السعوديّ على مناطق سكنية في صعدة، كما أن مرتزِقة العدوان واصلوا خروقاتهم لاتّفاق السويد في الحديدة، واستهدفوا مواقع للجيش واللجان الشعبيّة في عدة جبهات.
وأعلنت القوات المسلحة، أمس، عن عملية دفاعية تمثلت بإسقاط طائرة تجسس معادية في سماء مديرية الوادي بمحافظة مأرب، ما يؤكّـد أن تحَرّكات تحالف العدوان مُستمرّة هناك، وهو ما يمثل رفضًا عمليًّا للمبادرة التي تضمَّنت التزام قوات الجيش واللجان بوقف العمليات الهجومية خلال مدة المهلة.
إلى جانب ذلك، فَإنَّ حديثَ القيادة الثورية والسياسية خلال الأيّام الأخيرة لم يلمح إلى وجودِ مؤشرات استجابة من جانب تحالف العدوان، وإن لم يلمح أَيْـضاً إلى وجود مؤشرات رفض، لكن كان هناك حديث واضح وشديد اللهجة عن عواقب الرفض، وهو ما يمكن أن يعد ترجيحًا لاحتمالات تعنت العدوّ.
المراوغةُ هي الرفض
السيناريو الثالث، هو لجوءُ تحالف العدوان إلى المراوغة والالتفاف على متطلبات السلام الفعلي التي تضمنتها المبادرة الرئاسية، وهو سلوكٌ تُرجِّحُه العديدُ من التجارب مع قوى العدوان على امتداد السنوات الماضية، وعلى الرغم من أن قائد الثورة قد أعلن بصراحة خلال خطاب افتتاح العام الثامن من الصمود أن “المحاولات الالتفافية لن تجدي شيئًا” إلا أن الولايات المتحدة تعتقد دائماً أن لديها فرصة.
يبدو أن مؤشراتِ هذا السيناريو هي الأكثر، والحقيقةُ أن كُـلّ ما يقومُ به تحالف العدوان هذه الأيّام يُقرَأُ بوضوح من هذه الزاوية، ومن ذلك الإصرار على عقد ما تسمى “مشاورات الرياض” التي لم يعد هناك شك في أنها محاولة لاستخدام عنوان “السلام” كغطاء وواجهة للتصعيد والخداع، وهو ما تقرأه صنعاء أَيْـضاً.
خفضُ الغارات الجوية مع استمرار التحَرّكات والاستهدافات على الميدان هو أَيْـضاً مؤشر واضح على المراوغة، كما أن رفض التبادل الشامل للأسرى، والموافقة على صفقة تبادل “جزئية” (ولو أن العدد كبير ويتضمن قيادات) تُذكِّرُ بالصفقة السابقة التي رعتها الأمم المتحدة والتي وافق عليها تحالف العدوان فقط تحت ضغط التصعيد في مأرب، بحسب تصريح للمتحدث باسم القوات المسلحة آنذاك، وهو ما يعني أن تحالف العدوان مُصِرٌّ على استخدام الملف الإنساني كورقة سياسية.
وفي هذا السياق، فقد أعلن رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، عبد القادر المرتضى، أمس، أن تحالفَ العدوان أعلن أنه “غير جاهز بعد” لإبرام صفقة التبادل الأخيرة وأنه بحاجة إلى “مُهلة أسبوع”،وهو ما يترجم بوضوح محاولة لكسب الوقت والمراوغة.
وإلى جانب ذلك، فَإنَّ تجربةَ السنوات الماضية في التفاوض مع تحالف العدوان تجعل سيناريو المراوغة هو المرجح دائماً، وحقيقة أن السعوديّة تكبدت خسائر كبيرة مؤخّراً وستتكبد المزيد إذَا رفضت لم تعد معيارا لـ”التفاؤل”، خُصُوصاً وأن القرار بيد الولايات المتحدة التي يبدو أن مطامعها في اليمن أهم بالنسبة إليها من مصالح السعوديّة حَـاليًّا.
حقيقة أن الولايات المتحدة هي مالكة قرار تحالف العدوان تُرَجِّحُ أَيْـضاً سيناريو المراوغة بشكلٍ كبيرٍ، فالسلام الحقيقي لم يكن يوماً وراداً في سياسة واشنطن تجاه اليمن، وَإذَا كان لا بد من مرة أولى لكل شيء، فَإنَّه لا وجودَ حتى الآن لأي مؤشر على توجّـه الولايات المتحدة نحو السلام الفعلي لأول مرة.
على كُـلٍّ حال، فَإنَّ موقفَ صنعاءَ المعلَنَ على لسان قائد الثورة، هو أن “المحاولاتِ الالتفافيةَ” لا تختلفُ عن خيار رفض المبادرة، وهذا أَيْـضاً ما يؤكّـدُ وضعَ مُهلةِ الأيّام الثلاث للاستجابة للمبادرة، فلا توجد فرصةٌ هنا لـ”كسب الوقت” يمكن أن تستغلُّها الولاياتُ المتحدة أَو السعوديّة.
إما السلامُ الحقيقي الآن، أَو التصعيدُ الدفاعي والهجومي.. وأيًّا كان خيارُ التحالف فلا فُرصةَ له في فرض معادلة أُخرى غير هذه.