تجربةُ الصمود اليمني .. بقلم/ عبدالرحمن مراد
نحن في اليمن ندرك إدراكاً كاملاً أن السعوديّة تشن عدواناً علينا بالنيابة عن أمريكا وعن ربيبة أمريكا –إسرائيل- وما يفصح عنه الواقع اليوم في الجزر اليمنية، وفي مضيق باب المندب، وفي الموانئ والمنافذ البحرية ليس بخاف على كُـلّ ذي لب سواء من أهل اليمن أَو من غيرهم، إذ لا مصلحة للسعوديّة في هذا العدوان ولا للإمارات أَو من لف لفهم، كُـلّ المصالح المرسلة والمصالح المحقّقة من نتائج العدوان هي لأمريكا في صراعها مع الصين، وهي لإسرائيل في صراعها مع العرب، ولذلك كان التطبيع ثمرة من ثمار حركة الاضطرابات في اليمن وفي المنطقة العربية على وجه العموم.
اليوم تعلن السعوديّة هزيمتها الأخلاقية، وعدم قدرتها على قيادة العالم الإسلامي وهي تنساق كالبقرة الحلوب لتبلغ من العرب ومن المسلمين الغايات التي تعذرت على اليهود وعلى أمريكا في الزمن القديم، ونحن نعلم كم أنفقت أمريكا حتى تصل لتلك الغايات، وها هي تصل اليوم دون أن تنفق سنتاً واحداً بل تتباهى بأنها استطاعت أن تجعل أعداءها يقتلُ بعضُهم بعضاً ويديرون حربها بالوكالة عنها.. أليس ذلك هو الغباء المطلق حين تصبح مطية يصل من خلالها عدوك إلى غاياته وتحسب حينها أنك تحسن صنعاً.
لقد خضنا معركتنا المصيرية ونحن نعي أهدافنا تماماً وهي لا تقل عن الحرية والسيادة والاستقلال، ولذلك فالتضحيات لن تكون هباء منثوراً بل حرية واستقلالاً وسيادة على كامل الأراضي اليمنية، وعلى السعوديّة أن تعي حجم التحول في هذا المسار، فلم يعد الأمر قابل للنقاش، كما أن المقايضة بالملف الإنساني في مقابل الملف العسكري هو في حَــدّ ذاته إعلان بالهزيمة وإن جاءت مغلفة تحت لافتات السلام، فالسلام قيمة في ذاته، والانتصار لا يكون بالصغائر بل بالقدرات التي تفرضه ونحن أصبحنا نملك تلك القدرات وقادرون على فرضه بما يحقّق استقرارنا وأمننا واستقلالنا وسيادتنا على كامل أراضينا.
تحاول السعوديّة أن تقول إنها مع السلام في اليمن، وَتقوم بحملة ترويج واسعة النطاق في العالم كله؛ بهَدفِ تحسين صورتها، محاولة منها في الانتصار الشكلي وفرض شروط الاستسلام عن طريق استغلال الملف الإنساني والمقايضة به تعويضاً عن الشعور بالهزائم، وهي في السياق نفسه تحاول أن تستر نفسها من الاعتراف بالهزيمة العسكرية بعد أن امتد الزمن ليصل إلى العام الثامن دون أي تقدم للسعوديّة ولمرتزِقتها وقد باءوا بالذل والخسران المبين في كُـلّ المواقع والجبهات.
إحكام الحصار ومنع السفن من الوصول إلى الموانئ لن يكون إلا اعترافاً واضحًا بالهزيمة العسكرية؛ لأَنَّ الأقوياء والذين هم منتصرون لا يذهبون إلى الصغائر؛ لأَنَّها تقلل من انتصاراتهم وتنزلهم منازل الذل والهوان، ولذلك على السعوديّة أن تدرك أن اليمنيين ليسوا على استعداد بالتضحية بانتصاراتهم التي صنعوها بالجماجم والأشلاء المتناثرة وبالصبر والجلد، فالملف الإنساني لن يكون محل مقايضة بيننا وبين السعوديّة فقد اقترفت يدها ما هو أفظع وأبشع ولن يكون التاريخ متصالحاً مع السعوديّة في المستقبل في حال يستمر نظام آل السعود في الحكم في منطقة جزيرة العرب، ذلك أن النهايات بدأت ترسم ملامحها بدخان الحروب والأحداث التي يديرها نظام آل سعود في كُـلّ بلدان العرب.
تجربة الصمود اليمني في وجه قوى الشر والعدوان أضحت مثالاً لكل أحرار العالم ولكل حركات المقاومة للظلم والصلف والعدوان، وهي تجربة ستكون نتائجها ذات أثر على القوى الاجتماعية والثقافية والسياسية في السعوديّة، ولذلك من خلال هذه التجربة أصبح النظام العام والطبيعي في السعوديّة قاب قوسين أَو أدنى للانهيار، وعند هذه النقطة علينا الوقوف حتى نجعل من غطرسة السعوديّة ومن صلفها وظلمها نارًا تأكل فيها، وتحد من شبقها، ومن سياسة التدمير التي تنتهجها تجاه الشعوب العربية والإسلامية.
لقد بات الرأي العام العالمي على يقين مطلق أن الحركة الدؤوبة التي يقوم بها المبعوث الأممي والأمريكي هي محاولة لانتشال السعوديّة من مستنقع الرذيلة التي وقعت فيه، وكل المبادرات لم تكن إلا بهَدفِ تغطية الهزائم التي تتجرع ويلاتها السعوديّة، ولذلك تحَرّكوا في مسارات عدة منها مسار الحصار والتضييق على الناس في معيشتهم وأرزاقهم، والمسار الثاني تكثيف القصف والغارات، والمسار الثالث مبادرات السلام التي تحَرّكت في مسارين مسار أممي ومسار مشاورات إقليمية.
لا يمكن لعاقل يعي أن يتجاوز مفردة الهزيمة حال أن يقف متفكراً في الحالة التفاعلية التي تجري في اليمن، فالسعوديّة عجزت عن بلوغ غايتها من اليمن قد تكون أمريكا حقّقت قدراً من مصالحها في البحر والمنافذ البحرية لكن ذلك لن يستمر طالما ونبض الحرية والاستقلال هو ديدننا، ومثلها إسرائيل، لكن السعوديّة خسرت كُـلّ شيء حتى مشاعر أهل اليمن ولم تحقّق شيئاً يذكر.
لم يعد أمام آل سعود إلا التسليم للواقع والتعامل معه وفق معطياته إن كانوا يعقلون، فكل شروط الانتصار وفرض الهيمنة تجاوزتها المرحلة، فالقوة التي عليها أهل اليمن -بعد سبعة أعوام من الحرب الكونية والحصار في مقابل الذل والهوان الذي بات عنوان السعوديّة ومرتزِقتها في اليمن- بلاغ واضح لمن ألقى السمع أَو كان بصيراً.