أنا وقلمي في ذكرى العدوان .. بقلم/ سكينة الأهدل
ما إن تذكرت أننا مقبلون على ذكرى بدء العدوان الغاشم والحصار الظالم على بلدي اليمن ودخولنا في العام الثامن حتى هرعت مُسرعةً إلى محرابي “طاولتي وقلمي” أمسكت بقلمي الذي وقف بجانبي وظل يكتب معي طيلة هذه الفترة لكتابة مقال عن هذه الذكرى كما في كُـلّ مرة علّه يسعفني لكتابة المقال كون الوقت قد أزف والموعد اقترب.
لكن هذه المرة أختلف حال قلمي فقد جف حبره، ووقف حائراً عن ماذا سيكتب؟! رغم أنه فيه من الحبر ما يكفي لكتابة ألف كتاب وكتاب، بل لقد كان يرجف بقوة لم أعلم ما سبب ذلك، هدأته وحاولت معه بأن نكتب سوياً كما في كُـلّ مرة، لكنه أعتذر لي وقال ماذا عساي أن أكتب فأنا لا أستطيع الكتابة عن هذه الذكرى، وسيجف حبري، توسلت إليه بأن لا يخذلني وأن يقف معي لكتابة المقال كي نُسطّر معاً سطوراً تكشف للعالم عِظم مظلوميتنا وأننا لم نخن بلدنا وشعبنا كالمرتزِقة الذين باعوا شرفهم وبلدهم للغازي المحتلّ بثمنٍ بخس.
قال لي مُتألماً مَا الذي تُريده مني أن أكتبه!!هل أكتب عن دموع الثكالى التي أحرقت مهجتي، أم عن بكاء اليتامى التي تعالت ووصلت أصواتهم إلى عنان السماء، أم عن الطفولة المذبوحة من الوريد إلى الوريد، أم عن آهات المكلومين الذين يكويهم ألم الحزن والفراق، أم عن ذرات أجزاء المقصوفين في عشيتهم المبعثرة في الهواء، أم عن الأجزاء المقطعة التي فتت قلبي لها وهي تحت التراب، أم عن الأشلاء الممزقة في الشوارع والطرقات التي تحكي بشاعة وفظاعة جرم قوى العدوان، أم عن الأجساد النحيلة والأمعاء الخاوية التي أنهكها الحصار والجوع، أم عن النازحين المشردين في العراء بلا مأوى الذين أحرقت أجسامَهم حرارةُ الشمس وأنحلتها قساوةُ البرد، بفعل الدمار، أم عن أرواح المرضى المعلقة التي لم تصعد إلى السماء فتريحهم أَو تسكن داخل أبدانهم، أم عن الأرض التي سقيت بشلال من الدماء بدل الماء، أم عن السماء الصافية التي أحرقتها تلك الأدخنة السامة التي لوثتها الغارات والقنابل.
قلت له: قلمي أرجوك أستمع لي هذا المقال لن يكون كأي مقال، فإن أنت خذلتني في هذه اللحظات القليلة، والدقائق المتبقية في حلول هذه الذكرى العظيمة والأليمة، فمن ذا الذي سيقف معي ويسطر هذه السطور بعبير حبره، ويصف للعالم بشاعة وفظاعة ما يجري في بلدي الحبيب غيرك؟!
إن لم تقف معي الآن في أحلك هذه الظروف فلن أحتاج إليك فيما بعد مرةً أُخرى.
قال لي انتظري بُرهة أنا سأقف معكِ، ولن أخذلكِ وسأخط بحبري سطوراً تحكي عن ثبات رجال هذا البلد العظيم، وسأصف صموده الأُسطوري الذي حوّل من أشلاء أطفاله إلى بالستيات وشهدائه إلى منصات نسفت أموال أمريكا، ومن دمائهم الزكية التي سُفكت إلى مسيَّرات تعصف بممالك الشر والعهر، ومن أحجار بيوته المهدمة إلى شظايا متفجرة تحرق المرتزِقة، ومن أشجاره إلى صواريخ دفاع جوي، وبحاره إلى قنابل تغرق بوارج الإثم والعدوان، وكيف حوّل من نفسه من حالة دفاع إلى حالة هجوم، وقلب موازين الأعداء رأساً على عقب.