تحالف العدوان يفوّت فرصةَ الحل الشامل والأمم المتحدة تناقش “هُدنة رمضانية”
المسيرة | خاص
فوَّت تحالُفُ العدوان مبادرةَ الرئيس مهدي المشاط للسلام، وانتهت مُهلةُ الأيّام الثلاثة بدون أَية استجابة واضحة، إذ سلكت الرياضُ طريقَ المراوغة كما هو متوقَّع بإعلان زائف عن “وقف إطلاق النار” بدون رفع الحصار وبدون الحديث عن بقية المِلفات، بل بدونِ الإشارة حتى إلى المبادرة، في مجازفةٍ خطيرةٍ تضعُ النظام السعوديّ أمامَ احتمالات مرعبة، ولو أنه يعتقد أنه يستطيع تجنبها مطمئنًا إلى “هُدنة رمضانية” يبحثها المبعوث الأممي، وربما يرى فيها السعوديّون أَيْـضاً فرصةً لكسب وقت لترتيب صفوفهم تحت غطاء ما يسمى “مشاورات الرياض”.
مع حلولِ آخر يوم من مهلة المبادرة الرئاسية، أعلن تحالفُ العدوان عن وقف إطلاق النار وزعم إن ذلك يأتي “دعمًا لمشاورات الرياض” الهزلية، وهي خطوةٌ عبرت بوضوح عن أن السعوديّة تسعى للالتفاف على المبادرة وفرض رؤيتها الخَاصَّة التي لا تتضمن رفع الحصار ولا الانسحاب من اليمن. (لاحقًا شن طيرانُ العدوان عدةَ غارات على عدد من المحافظات).
هذا السلوك اعتبر رفضًا للمبادرة، وهو ما أكّـده بيانُ المجلس السياسي الأعلى بعد انتهاء آخر ساعات المهلة، مساء الأربعاء، إذ عبّر “عن أسفه الشديد إزاء عدم استجابة تحالف العدوان الواضحة والصريحة لمبادرة الجمهورية اليمنية للسلام الجاد والدائم والتي أثبتت وبما لا يدعُ مجالًا للشك حرص اليمن على استعادة السلام وحُسن الجوار”.
وَأَضَـافَ البيان: “ندركُ تماماً طبيعة تحالف العدوان وما دأب عليه من التسويف والمماطلة والتلكؤ والتعنُّت وغير ذلك من الأساليب الملتوية”، مؤكّـداً الترحيبَ بأية استجابة إيجابية تحت أي عنوان ومن أية زاوية، لكن مع التأكيد بأنه “لا سلام دون رفع الحصار عن كاهل الشعب اليمني واحترام سيادة واستقلال اليمن”.
وأكّـد أن: “اليمن يحتفظُ بحقه الكامل في اتِّخاذ الخطوات السياسية والعسكرية التي تضمن انتزاع حقوقه المشروعة كاملة غير منقوصة”.
هكذا استحوذت على الواجهة تحذيراتُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الأخيرة التي أكّـد فيها أن تحالُفَ العدوان “سيندم” إذَا فوَّت فرصةَ المبادرة، فلا شيء آخر يستطيع النظام السعوديّ الآن أن يفعله لتجنب خيارات الردع التي أكّـدت القيادة اليمنية أنها ستكون أشد وأقسى خلال المرحلة المقبلة.
حساباتُ العدوّ في هذه المخاطرة كانت كالعادة هشة وقصيرة الأمد، فأملُه في تجنب عواقب رفض المبادرة يتمحور كله حول “هدنة رمضانية” يجري بحثها هذه الأيّام.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام، الخميس، عن لقاء عقد مع المبعوث الأممي هانز غروندبيرغ، في مسقط “لاستكمال النقاشات حول مقترح الهدنة الإنسانية والعسكرية برعاية الأمم المتحدة”.
وبحسب المبعوث فَـإنَّ الهُدنةَ تتضمنُ أَيْـضاً “تخفيفَ أزمة الوقود وتيسير حرية الحركة والتنقل”.
تجاوُبُ صنعاء مع هذه “الهدنة” يثبت مجدّدًا انفتاحَها على خيارات التهدئة والسلام، بما يضمنُ التخفيفَ عن معاناة المواطنين، لكن الموقف بالنسبة للسعوديّة ينطوي على الكثير من السلبية فالمفروض هو رفع الحصار وفصله عن الملفات السياسية والعسكرية، لكن “تخفيف القيود” في إطار هدنة، يشير بوضوح إلى إصرار سعوديّ (هو أمريكي في المقام الأول) على استخدام الملف الإنساني كورقة تفاوض وكمناورة سياسية.
مع ذلك، فَـإنَّ مضمونَ هذه الهُدنة يشيرُ بوضوح إلى “هبوط” سقفِ التعنت السعوديّ الأمريكي قليلًا، فالرياض وواشنطن كانتا قد عرضتا “تخفيف القيود” عن مطار صنعاء وميناء الحديدة سابقًا، ولكن طلبات في مقابل ذلك أن تستسلم صنعاء وتلقي سلاحها، أما الآن فكُلُّ المطلوب هو هُدنةٌ قصيرة، الأمر الذي يعكس بوضوح تأثير ضربات “كسر الحصار”، وإن كانت السعوديّة لا زالت تحاول إظهار “صلابة” زائفة.
وإلى جانب ذلك، فَـإنَّ الهُدنةَ -في حال تم الاتّفاق عليها وتم الالتزام بها- لن تشكل “مخرجًا” حقيقيًّا للسعوديّة من مأزق اليمن، فالهُدنةُ ستنتهي، وستجد الرياض نفسها مجدّدًا أمام رعب الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة اليمنية، هذا إذَا لم يحدث ذلك قبل نهاية الهدنة؛ بسَببِ لجوء السعوديّة إلى خرقها وارتكاب جرائم ضد المدنيين، وهو ما لن يكون جديدًا.
المؤشراتُ تقول إن الحساباتِ السعوديّة الهشَّة مبنية على وهْم أكثر هشاشة وهو توحيد صفوف أدواتها تحت مظلة ما تسمى “مشاورات الرياض”، فالخطة كما يبدو هي استغلال الهدنة لأجل التحَرّك، على أمل يكون هذا التحَرّك “حاسما”، وهو ما بدأ بعض مرتزِقة “المشاورات” يشير إليه بوضوح، الأمر الذي يكشف أن “تعقل” النظام السعوديّ أَو قدرته على تمييز الصواب بات أمرا غير وارد؛ لأَنَّ الإصرار على المراوغة وبالأدوات التي أثبتت فشلها أكثر من مرة على امتداد أكثر من سبع سنوات يعبر عن عقدة مزمنة في طريقة قراءة النظام السعوديّ للأحداث.
على أيةِ حال، فَـإنَّ شروطَ ومتطلباتِ السلام الفعلي ثابتة، وقد فشل تحالُفُ العدوان ورُعاتُه الدوليون بالفعل في محاولة دفع صنعاءَ للتخلي عنها أَو لتجزئتها وبالتالي فَـإنَّ “الهدنة” و”المشاورات” لن تغيّر من الأمر شيئاً، وهذا يعني أن الرياض “ستندمُ” لا محالة.