السيد عبدالملك الحوثي في المحاضرة الرمضانية الأولى:
أُعُوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ.
وارضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المُنْتَجَبين، وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصَّالحِين وَالمُجَاهِدِيْنَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
في رحابِ شهر رمضانَ المبارك نتوجّـهُ إليكم من جديد بالمباركة والتهاني، ونسأل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم في هذا الشهر المبارك الكريم لما يرضيه عنا من صالح الأعمال، وأن يوفِّقنا للتزود بالتقوى من شهر الصيام والتقوى.
شهرُ رمضانَ هو من الفرص التي أتاحها اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” وما أكثرَها التي يهيئُ اللهُ للإنسان فيها الظروف الملائمة للتربية الإيمَـانية، لتزكية النفس، للاهتداء بهدى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.
أبوابُ رحمة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” هي مفتوحةٌ في كُـلّ وقتٍ وحين، والاستقامة والصلاح والتقوى أمرٌ مطلوبٌ من الإنسان بشكلٍ مُستمرّ، لكن الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” يهيِّئ للإنسان الفرص والأجواء المتنوعة على المستوى الزمني، وعلى مستوى الأحداث والمتغيرات، أشياء كثيرة يهيِّئ الله للإنسان من خلالها التذكر، وتمثل عاملاً مساعداً على الاستقامة، وَأَيْـضاً فرص كثيرة هيَّأها الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” تساعد الإنسان على الارتقاء الإيمَـاني والأخلاقي من جهة، وعلى اكتساب الأجر والثواب، وأن يحظى بالقرب من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وأن تتعزز علاقته الإيمَـانية بالله جلَّ شأنه من جهةٍ أُخرى، ويهيِّئ الله للإنسان على المستوى الشخصي، وعلى مستوى المجتمع كمجتمعٍ مسلم، يتجه اتّجاهاً إيمَـانياً وفق هدى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، أن يحظى من خلال ذلك برعايةٍ واسعةٍ من الله، فيما لذلك من ثمرات ونتائج طيبة وعظيمة في عاجل الدنيا وفي أجل الآخرة.
في شهر رمضان تتهيأ الظروف كمحطةٍ سنويةٍ مع أجواء الصيام وبركاته للصفاء الذهني والنفسي، وللقابلية لهدى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” على نحوٍ متميز، وهي فرصة، فرصةٌ للتذكير، لِنُذكِّر أنفسنا بهدى الله، كما قال الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: من الآية55]، وَأَيْـضاً شهر رمضان هو شهر نزول القرآن، وهناك صلةٌ وثيقةٌ ما بين الصيام في الغاية المرجوة منه وهي التقوى، وما بين القرآن الكريم، والاهتداء بالقرآن الكريم، والقرآن الكريم في أثره العظيم على المستوى التربوي سماه الله شفاءً، يشفي النفس البشرية من كُـلّ ما تعانيه من الترسبات والعلل الأخلاقية والتربوية التي تدنسها، التي تؤثر سلباً على فطرتها، التي تؤثر عليها التأثيرات السيئة، فينتج عن ذلك الأعمال السيئة والانحرافات في مسيرة الحياة، ولذلك للقرآن الكريم أثره الكبير عندما نتذكر بالقرآن، ونذكر بالقرآن، ونلتفت إلى القرآن الكريم بالتدبر والتأمل، مع التقييم لأنفسنا، والتقييم لواقعنا، والتقييم لأعمالنا، والتوجّـه العملي الصادق على تلافي جوانب القصور، وإصلاح جوانب الخلل:
أول ما نتحدث عنه في هذا السياق هو عن الصيام في غايته المرجوة العملية منه، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” قال في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: الآية183]، فهنا يحدّد الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ثمرةً عمليةً هي ثمرةٌ تربوية، لها أهميتها الكبيرة التي تساعد الإنسان على الاستقامة، وبالتالي الوقاية من النتائج للأعمال السيئة.
كَثيراً ما نذكر أن مصدر الخطر على الإنسان بالدرجة الأولى والمباشرة هي: الأعمال السيئة ونتائجها السيئة، عندما نلتفت إلى واقع المجتمع البشري، فأكثر ما يعاني منه الناس هي الجرائم، هي المظالم، هي المفاسد، لها تأثيرات سيئة جِـدًّا على حياة الناس على:
- المستوى الاقتصادي: على المستوى الاقتصادي كثيرٌ من الأزمات، كثير من المشاكل الاقتصادية، تعود إلى اختلالين:
- اختلال في المحرمات، في التجاوزات، في المعاصي، وما لذلك من تأثيرات مباشرة، الجرائم لها تأثيرات مباشرة، المفاسد لها تأثيرات مباشرة، ثم أَيْـضاً في عقوباتها في واقع الحياة، في نتائجها في واقع الحياة، ما يترتب عليها من العقوبات، من نقص البركات، من نقص الخيرات، إلى غير ذلك.
- وأيضاً الاختلال الآخر هو: عدم الاهتمام بما علينا أن نهتم به، بما على المجتمع البشري أن يفعله، أن يقوم به، هناك التزامات عملية فيما علينا أن نعمل، وهناك التزامات تجاه ما ينبغي أن نتركه، أن نحذر منه، ما نهانا الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عنه.
- ثم الجانب الأمني كذلك: الكثير من المشاكل الأمنية، بل كُـلّ المشاكل الأمنية تعود إلى اختلالات كبيرة في الجوانب السلوكية والعملية، نتيجةً لما يحصل من جرائم، من مفاسد، من رذائل، تسبب الكثير من المآسي للناس في حياتهم، فمصدر الشر في هذه الحياة هو الأعمال السيئة، ونتائجها السيئة المباشرة، والعقوبات عليها، ولذلك تأتي مسألة التقوى لتضبط لدى الإنسان أداؤه العملي فيما يقيه من تلك النتائج السيئة، من تلك الأعمال السيئة ومن عواقبها السيئة، ونحن نلحظ مثلاً ما يمثله الأشرار في واقع البشر، والسيئون، والمجرمون، والظالمون، والمفسدون، من مشاكل كبيرة في حياة الناس، في كُـلّ مجالات حياتهم: في الجوانب الاقتصادية، في الجوانب الأمنية، في الجوانب الاجتماعية، في الجوانب السياسية، في جوانب كثيرة، وَأَيْـضاً من جانبٍ آخر ما ينتج عن التقصير عن الإهمال، عن التفريط، في الأعمال الصالحة، في المسؤوليات الكبيرة، في الواجبات العظيمة، من نتائج خطيرة جِـدًّا وسلبية تساعد أُولئك الأشرار والمجرمين والظالمين والسيئين والمفسدين على أن يعم فسادهم، وظلمهم، وإجرامهم، وشرهم، وآثار ذلك، فتطال الجميع.
فمسألة التقوى مسألةٌ مهمةٌ جِـدًّا، أهميتها لعاجل الدنيا ولآجل الآخرة، ولذلك يجب أن نستحضر هذه المسألة جيِّدًا، عندما نتجه إلى صيام هذا الشهر، عندما نتجه إلى كُـلّ ما يساعد فيه على تزكية النفس، على الاستقامة في أدائنا العملي، في تصرفاتنا، في سلوكياتنا، نستحضر هذه الثمرة المطلوبة، هذا الهدف العملي، وبقية الأمور هي تترتب عليه: الأجر، الثواب، البركات، الخيرات، ما وعد الله به “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، هي تترتب على الاهتمام بهذه الثمرة العملية: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فمن خلال الصيام، من خلال الإقبال على الأعمال الصالحة، من خلال التجلد على الصبر، واكتساب المنعة أمام أهواء النفس، وأمام رغباتها، التي لها تأثير كبير في انحراف الإنسان، وكذلك من خلال الاهتمام بالقرآن الكريم، وهدى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وما فيه من بصائر، ونور، وهدى، وشفاء، الإنسان يكتسب هذه الثمرة الطيبة والنتيجة العظيمة، التي هي التقوى، فيقي نفسه من عذاب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، يقي نفسه من العواقب السيئة للأعمال السيئة، يقي نفسه من الأعمال والانحرافات الخطيرة، التي تخرج به عن خط الإيمَـان والتقوى.
عندما نتأمل في واقع مجتمعنا المسلم، الانتماء للإسلام هو نعمةٌ عظيمة، ودين الإسلام هو نعمةٌ عظيمة، أكمل الله بها نعمه علينا وأتمها، وعندما نتأمل لواقع المنتمين لهذا الدين، نجد حالةً من التقصير، من الإهمال، من التفريط، ومن الظواهر السلبية في الواقع، في واقع الحياة، والانحرافات، والأخطاء، هذا شيءٌ حاصلٌ بشكلٍ كبير، وعندما نقيِّم واقع مجتمعنا المسلم على أَسَاس القرآن الكريم، وعلى أَسَاسِ هُدَى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، نكتشف فجوةً كبيرة ما بين الالتزام العملي المطلوب، والحالة القائمة في الواقع، ومجتمعنا المسلم لا ينقصه الإقرار بالله، باليوم الآخر، الإقرار بالقرآن الكريم، الاعتراف بالحق، الاعتراف بما تضمنه القرآن الكريم من أسس وثوابت، المعرفة على نحوٍ عام بالحلال والحرام، وبالذات الأمور البارزة، الأمور الواضحة، فالكثير من المحرَّمات التي تنتهك، هي لا تنتهك بجهلٍ لدى الكثير من الناس، هي من المعروفة على أنها محرَّمات، والكثير أَيْـضاً من الواجبات، والمسؤوليات، والأعمال الصالحة التي أمرنا الله بها، وهناك تقاعسٌ وتفريطٌ في القيام بها، والاهتمام بها، ليس ذلك ناتجاً عن جهلٍ في كثيرٍ منها، وهناك ما يكون التفريط فيه أَو التجاوز فيه ناتجٌ عن جهل، لكن المساحة المعروفة هي مساحة جيدة، وتتعلق بأسس وبثوابت وبأعمال أَسَاسية، أَو كذلك هناك قائمة من المحرمات الواضحة المعروفة بشكلٍ عام ويتم تجاوزها.
فمجتمعنا المسلم لا ينقصه الإقرار، لا ينقصه الاعتراف، لا تنقصه المعرفة في كثيرٍ من تلك الأمور، ولكن تنقصه التقوى، تنقصه التقوى، تظهر أمامنا قائمة، وبالذات عندما نتلو القرآن الكريم، عندما نذكِّر أنفسنا بما ورد عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، نجد في حقيقة الأمر قائمة واسعة مما أمرنا الله به ونحن لا نقوم به، نقصِّر في القيام به، نفرِّط في أدائه، وقائمةً واسعة مما نهى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عنه، ومن المحرمات، والكثير من أبناء مجتمعنا المسلم ينتهك حدود الله، ويتجاوز في تلك المحرمات ما نهى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عنه.
فلذلك فالنقصُ هو في جانب التقوى، فندرك الأهميّة للتقوى، الأهميّة للتزود بالتقوى، الأهميّة لكل ما يساعدنا تربوياً وعمليًّا على التزام التقوى كحالةٍ إيمَـانيةٍ، هي في واقع الأمر لا بدَّ منها لكي ننجو من عذاب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”؛ لكي ننجي أنفسنا من العقوبات التي توعَّد الله بها من ينتهك تلك المحرمات، أَو يقصِّرُ ويفرِّطُ في أداء تلك المسؤوليات.
عندما نأتي إلى مسألة التقوى من واقع انتمائنا الإيمَـاني، فأكبر ثمرةٍ للتقوى، هي: النجاة من عذاب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، نحن كمجتمعٍ مسلم نؤمن بالجزاء، نؤمن باليوم الآخر، نؤمن بالبعث والحساب، نؤمن بالجنة والنار، نؤمن بوعد الله ووعيده، ولكن قد يكون لدينا ضعف في هذا الإيمَـان، وبالتالي لا ينتج عنه الاهتمام اللازم، الاهتمام الكافي في الحذر من أسباب سخط الله، من أسباب عذاب الله.
يأتي الوعيد على كثيرٍ من المعاصي بحد ذاتها، بخصوصها، والكثير من الناس يصرّ على اقتراف تلك المعاصي، يأتي الوعيد على التفريط في مسؤوليات مهمة وأَسَاسية أمرنا الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” بها، فيأتي الكثير ليفرِّط في تلك الأعمال الأَسَاسية ولا يقوم بها، ولا يفعلها، ولا يلتزم بها، والمعاصي في هذا الجانب: تجاه ما أمر الله به، بعدم القيام به، هي أكثر ربما عند الكثير من الناس -وبالذات الفئة المتدينة- من تلك التي نهى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عنها.
فاللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” يذكِّرنا في القرآن الكريم عن أهميّة أن نسعى لأن نقيَ أنفسَنا من عذابه، عندما قال جلَّ شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، ودائماً عندما نسمع هذا النداء من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، لنذكِّر أنفسنا جميعاً أننا معنيون بذلك، لا نسمع وكأنه نداءٌ موجهٌ إلى آخرين، وكأنه لا يعنينا، وكأنك أنت لست المقصود بهذا النداء، أنت كمنتمٍ للإيمَـان، بكل ما لذلك من التزامات، ويترتب عليه من التزامات عملية، وبكل ما يمثله ذلك من صلةٍ بالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، تذكَّر أنك معنيٌّ بذلك.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: الآية6]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، مُجَـرّد انتمائكم للإيمَـان لا يكفيكم في أن تقوا أنفسكم من نار الله، من عذاب الله، لو كان يكفيكم هذا الانتماء؛ لما أتى هذا التحذير، هذا الإنذار، هذا التنبيه المهم، ولكن لا بدَّ لكم أن تسعوا عمليًّا لوقاية أنفسكم من هذا العذاب الرهيب، {قُوا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ}؛ لأَنَّ على الإنسان مسؤولية أَيْـضاً تجاه أسرته، أن يسعى لنجاتها من عذاب الله، {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، النار التي نؤمن بأنها الجزاء الذي أعدَّه الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في الآخرة، كعذابٍ أبديٍّ للعصاة، والمجرمين، والكافرين، والفاسقين، وتحدث عنها القرآن الكريم كَثيراً، عن أوصافها، عن أنواع العذاب فيها، وهو أمرٌ رهيب، وخطرٌ رهيبٌ جِـدًّا، والخسارة الكبرى، الخسارة الرهيبة جِـدًّا، هي: أن يتهاون الإنسان، وأن يكون في هذه الحياة مستهتراً، لا مبالياً، يعتمد على الأماني، يغر نفسه، يخادع نفسه، فيتساهل ويفرط فيما أمر الله به “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، بعض المسؤوليات إذَا فرَّط الإنسان فيها، فتفريطه فيها بحد ذاته يكفي في أن يوصلَه إلى النار؛ لأَنَّ هناك وعيدًا في القرآن الكريم على ذلك بنار الله، وعذاب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.
الاستهتارُ تجاه المحرمات، والتهاون واللامبالاة والسير وراء شهوات النفس، ووراء الغضب، ووراء الحالات النفسية والمزاجية، بعيدًا عن الوقوف عند حَــدّ الله، وأمر الله، وتوجيهات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، كفيلٌ بأن يوصل الإنسان إلى نار جهنم، فتكون خسارته كبيرة، وبالذات عندما يكون الإنسان منتمياً للإيمَـان، وهو في ظل فرصة وظروف مهيَّأة للنجاة، للفوز، فتكون حسراته أكبر.
{قُوْا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، هذا بحد ذاته كافٍ لدى الإنسان المؤمن حقاً في أن يسعى لتحقيق التقوى، إذَا كانت عواقب التفريط، عواقب الإهمال، عواقب الاستهتار، عواقب السير وراء هوى النفس، والأماني، عواقبه الوصول إلى نار جهنم والعياذ بالله، الخلود في نار جهنم، أن تخسر رضوان الله، وجنة الله، والسعادة الأبدية، وتصل إلى النار، هذا أمرٌ خطيرٌ جِـدًّا؛ ولذلك أنبياء الله، وأولياء الله، والصالحون من عباد الله، من أكثر ما يتذكرونه، ويستحضرونه، وينتبهون منه، هو: الحذر من عذاب الله، من الوقوع في عذاب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، من التورط هذه الورطة الرهيبة، الخطيرة جِـدًّا، فهم يعيشون حالة الخوف من عذاب الله، حالة اليقظة، حالة الانتباه، حالة الاهتمام، حالة التعامل بجدية مع أوامر الله وتوجيهاته، وتجاه ما نهى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عنه.
ثم في عاجل الدنيا، ما يأتي من العقوبات في عاجل الدنيا، هو أَيْـضاً كافٍ في أن يدفع بنا إلى التقوى؛ لأَنَّ الكثير مما نعانيه في حياتنا، سببه معاصينا، وتقصيرنا، وتفريطنا، المعاصي التي هي تجاوزٌ لما نهى الله عنه، أَو تفريطٌ تجاه ما أمر الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” به، التفريط في مسؤولياتنا.
يقولُ اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى: من الآية30]، ما يأتي للإنسان على المستوى الشخصي، كثيرٌ مما يعانيه، وكثيرٌ مما يواجهه من المصائب، هو ناتجٌ عن أعماله، عن تجاوزاته، عن تقصيره، عن أخطائه، وهذه مسألة ندرك من خلالها أهميّة التقوى، التي تقينا الكثير من المصائب، وتخارجنا أَيْـضاً مما بقي.
يقوُل اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إلى أجل مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}[فاطر: الآية45]، هذا يبيِّن حجم ما يحصل من المجتمع البشري من المعاصي، من الذنوب، من الجرائم، من المفاسد، التي لو يعجِّل الله لهم المؤاخذة عليها؛ لهلكوا، ولهلكت كُـلّ مظاهر الحياة في واقعهم، وهذا أمرٌ رهيب، أمرٌ خطير، يبيِّن حجم التفريط، المعاصي، التقصير، التهاون في الواقع العام لدى الناس، وفي واقع المجتمع المسلم -كذلك- هناك الكثير من المعاصي التي لو تأتي المؤاخذة عليها كاملة؛ لكانت هلاكاً كاملاً، هلاكاً نهائيًّا، ولكن برحمة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” يؤخِّر الناس إلى آجالهم، ويعطي لهم من بعض العقوبات ما فيه عظة، ما فيه تذكير، ما فيه زاجرٌ لهم، {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُـلّ عَامٍ مَرَّةً أَو مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}[التوبة: الآية126]، يأتي من العقوبات، من المؤاخذة، من العواقب الموجعة للناس، من النتائج المؤثِّرة عليهم في معيشتهم، في حياتهم، في واقعهم، ما فيه العظة، ما فيه الذكرى لهم، ما فيه الدافع لهم إن التفتوا إلى أن يرجعوا إلى الله، أن يعودوا إلى الله، أن ينيبوا إلى الله.
عندما نلحظ مثلاً ما نعانيه كمجتمعٍ مسلم من ضنكٍ في المعيشة من عناء من متاعب كثيرة، هذا يشدنا إلى الرجوع إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”؛ لأَنَّ طريق الخلاص وسبيل الخلاص هو بالرجوع إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، الله الذي يقول لنا: {وَلَوْ أَنَّ أهل الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرض}[الأعراف: من الآية96].
عندما نلحظ مثلاً ما نعانيه في هذه المرحلة من الجدب الشديد، الذي ينتج عنه معاناة كبيرة في حياتنا، في معيشتنا، هذا من المفترض أن يدفعنا إلى الرجوع إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، أن نغتنم فرصة الشهر الكريم في التوبة إلى الله، في الإنابة إلى الله، في الاستغفار، وفي نفس الوقت بالدعاء والتضرع، مع الرجوع العملي، الرجوع العملي الذي نتفقد فيه جوانب القصور لدينا، جوانب الخلل في واقعنا، ما الذي نقصر فيه، ما الذي نفرط فيه، ما الذي نتجاوز فيه توجيهات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فنصلح واقعنا، فالرجوع الذي فيه تضرع، فيه توبة، فيه دعاء، فيه استغفار، فيه إنابةٌ إلى الله، وفيه إصلاح في واقع العمل، فيه مراجعة لواقع العمل، وانتباهٌ لجوانب القصور والخلل في واقع العمل، هذا الرجوع يقبله الله؛ لأَنَّه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وذو الفضل الواسع العظيم، هو التواب الرحيم، الذي إذَا تاب إليه عباده هو الذي يقبل التوبة، يقبل التوبة من عباده.
الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أَيْـضاً في المقابل يبين لنا ثمرة التقوى العظيمة، بدءاً، أَو في مقدمة ذلك الثمرة العظيمة، النتيجة الكبرى للتوبة، للتقوى، في عالم الآخرة، في الحياة الدائمة والأبدية، في الجزاء العظيم، يقول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: من الآية133].
فالجنة التي تحدث القرآن كَثيراً عن تفاصيل النعيم فيها، عن الحياة السعيدة الأبدية فيها، {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، ولا بدَّ من التقوى، للوصول إلى الجنة لا بدَّ من التقوى، الله يقول: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}[مريم: من الآية63]، فإذا كنت تقياً، وتلتزم التقوى في حياتك، تلتزم التقوى في أعمالك، فهذه الثمرة العظيمة التي ستتحقّق لك، وهي فوزٌ عظيم، بدون التقوى، إذَا كان لدى الإنسان استهتار، لا مبالاة، تغلب عليه أهواؤه، في مواقفه، في أعماله، في أقواله، في تصرفاته، يسير وراء مزاج نفسه، رغبات نفسه، أهواء نفسه، غضب نفسه، فهو بعيدٌ عن هذه الثمرة، سيخسر هذه النتيجة العظيمة.
أما في عاجل الحياة فهناك الكثير الكثير مما وعد الله به على التقوى، مما هو عبارةٌ جامعةٌ شاملة قول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}[النحل: من الآية128]، معهم يهديهم، ينصرهم، يعينهم، يوفقهم، يفرِّج عنهم، يتولاهم برعايته، يمنحهم السكينة، يرعاهم برعايته الشاملة، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}، عندما تكون متقياً لله لن تكون وحدك في مواجهة هموم هذه الحياة، ومتاعبها، وأعبائها، وصعوباتها، وتحدياتها، الله معك، عندما تتقّي اللهَ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” لن تتحمل أعباء المسؤولية، وما ينتج عنها، وما تعانيه في أدائها لوحدك، الله معك، عندما تتقي الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” يفرَّج عنك، يتولاك برعايته، لا تعتمد فقط على ما هو متاحٌ بين يديك من طاقات وإمْكَانات وقدرات محدودة، بل تستند إلى عطاء الله الواسع الذي لا ينفد، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: الآية128]، وسنأتي -إن شاء الله- للحديث أكثر عن ثمرة التقوى فيما يتعلق بعاجل الدنيا، فيما يتعلق بعاجل الدنيا، لكن نتحدث أَيْـضاً عن مجالات التقوى، تأتي مسألة التقوى والأمر بالتقوى في القرآن الكريم كَثيراً وكَثيراً، في مقامات العمل، ما علينا أن نعمل، وأن نتقي الله في أن نفرط في ذلك العمل، وتأتي أَيْـضاً في النواهي، نتحدث عن جوانب منها باختصار، ونوكل الجميعَ إلى الاهتمامِ بتلاوة القرآن والتأمل فيما ورد بشأن ذلك خلال تلاوتهم للقرآن الكريم، يقول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: الآية102]، يأتي هذا الأمرُ والذي أتى بهذه الصِّيغة: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، وفي موضعٍ واحدٍ في القرآن الكريم بهذا التعبير: {حَقَّ تُقَاتِهِ}، في سياق الحديث عن مؤامرة فريق الشر من أهل الكتاب، من اليهود والنصارى الذين بعضهم أولياء بعض، في مؤامراتهم على المسلمين، والأمة الإسلامية، والمجتمع المؤمن، في السعي للارتداد به عن دينه، عن مبادئ دينه، عن تعليمات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ومنهجه الحق، والمسؤولية المترتبة على ذلك في التصدي لهم، في مواجهة مؤامراتهم، في تحصين المجتمع المسلم من التبعية لهم، من الطاعة لهم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، تعتبر المسؤولية في ذلك مسؤولية كبيرة، مسؤولية عظيمة، مسؤولية مهمة، وهناك تحذيرٌ كبيرٌ في التفريط فيها، يصل إلى هذا المستوى من الأهميّة: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، فننتبه ونحذر أعلى مستويات الحذر والانتباه، ونكون على أعلى مستوى من اليقظة والجد في أداء مسؤوليتنا هذه، وألَّا نفرط فيها، فالتفريط فيها عواقبه خطيرةً جِـدًّا علينا في الدنيا والآخرة، ولذلك هنا نستحضر التقوى، ندرك خطورة اللامبالاة، الإهمال، التفريط، التهاون في كُـلّ ما يتصل بمسؤوليتنا هذه، ونحن نتصدى لمؤامرة أهل الكتاب في تطويع مجتمعنا المسلم، في الارتداد به عن دينه وعن منهجه الحق.
يقولُ اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أَيْـضاً، مثلاً في مجالٍ آخرَ، في مجال صلاح ذات البين: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال: من الآية1]، هنا نستحضر التقوى في سعينا لصلاح ذات بيننا، وألَّا نفرط في ذلك، وألَّا نسمح بأن يفسد ذات بيننا، أن تسوء علاقتنا ببعضنا البعض كمجتمعٍ مؤمن، كأمةٍ مؤمنةٍ مجاهدة، فالتفريط في ذلك هو خللٌ في التقوى، وله نتائجه السلبية التي تؤثر على مدى أدائنا لمسؤولياتنا الجماعية وقيامنا بواجباتنا الجماعية ومسؤولياتنا الجماعية، وَأَيْـضاً ما ينتج عن ذلك ويترتب عليه من مفاسدَ، من معاصٍ، إذَا فسد ذات البين، إذَا ساءت العلاقة بين المجتمع المؤمن، بين الأُمَّــة المجاهدة، كم يترتب على ذلك من المعاصي المباشرة: إساءَات، تجاوزات، اغتياب، افتراءات، اتّهامات، سوء ظن، يعني: فساد ذات البين مفسدة رئيسية تتفرع عنه الكثير من المفاسد، إضافة إلى أنه يمثل عائقاً حقيقيًّا عن القيام بالمسؤوليات الجماعية كما ينبغي؛ لأَنَّ علينا مسؤوليات جماعية: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة: من الآية71]، مسؤولية الجهاد في سبيل الله مسؤولية جماعية، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، التعاون على البر والتقوى، مسؤوليات جماعية كثيرة، هنا نستحضر التقوى، نستحضر التقوى فنتقي الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” من أن نقصر في ذلك، ونسعى عمليًّا لما يصلح ذات بيننا، ونتجنب ما يفسد ذات بيننا، هذا هو الترجمة العملية للتقوى، هكذا نتقي الله.
أيضاً على سبيل المثال في المعاملات المالية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}[البقرة: 278]، الانضباط في المعاملات المالية والحذر بدءاً من الربا، هذه الظاهرة الخبيثة الخطيرة السيئة جِـدًّا التي انتشرت في الساحة الإسلامية، انتشر التعامل بها بين المسلمين، وهي من أكبر الجرائم وأعظم الذنوب، التي يترتب عليها أخطار كبيرة في الواقع الاقتصادي، وينتج عن ذلك أَيْـضاً نزعٌ للبركات والخيرات، وانتشار للمخاطر.
مثلاً: فيما يتعلق بالعلاقة مع الأرحام، أتى في سياق ذلك قول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}[النساء: من الآية1]، في بداية سورة النساء، في المعاملة بشكلٍ عام وبدءاً من محيطك الأسري تحتاج إلى تقوى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، لتعمل ما عليك من التزامات أخلاقية، تتعلق بسلوكك، بمعاملتك، بإحسانك… إلى غير ذلك، وتحذر ما نهى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عنه.
مثلاً: من المسؤوليات العامة على المجتمع المسلم: التعاون على البر والتقوى، وهو من العناوين الكبيرة والمهمة والعظيمة، والتي سنفرد لها -إن شاء الله- محاضرةً؛ لأهميتها، وما يترتب عليها، لكن هنا مثلاً يأتي الأمر من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” بقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة: من الآية2]، فتقوى الله في أن نتعاون على البر، وهو دائرة واسعة، والتقوى دائرة واسعة من الأعمال والمسؤوليات، وتقوى الله في أن نحذر من التعاون على الإثم والعدوان، مثلما يحصل مع البعض وبالذات في إطار العصبية أحياناً العصبية مع الصديق، مع القريب، مع الصاحب مع… إلخ. وأحياناً نتيجةً للاستمالة إلى الباطل بالإغراءات والماديات وما شاكل ذلك، {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
يأتي مثلاً فيما يتعلق بالجهاد في سبيل الله من ضمن المسؤوليات الأَسَاسية التذكير بالتقوى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: الآية35]، اتقوا الله فلا تفرطوا في هذه المسؤولية العظيمة الكبيرة المهمة، التي يترتب عليها عزتكم ومنعتكم وقوتكم وانتصاركم وحمايتكم من أعدائكم وتمكّنكم من الاستقلال والحرية والكرامة والخلاص من التبعية لأعدائكم ومن سيطرتهم عليكم، اتقوا الله في قيامكم بمسؤوليتكم هذه وعدم التفريط فيها.
يأتي الأمرُ مثلاً في الصبر والمصابَرة والمرابطة، ثم يقترن به التقوى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: الآية200]، فيأتي الأمر بالتقوى ليحذرنا من أن نفرط في ذلك أن نفرط في المرابطة في المصابرة في الثبات في مواقفنا، ويذكرنا بالغاية العظيمة التي نصل إليها إن التزمنا بذلك وهي: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، نصل إلى النتيجة العظيمة التي وعد الله بها في الدنيا والآخرة.
أيضاً فيما يتعلق باتِّباع القرآنِ الكريم يقترنُ الأمرُ باتباع القرآن الكريم بالتقوى، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأنعام: الآية155]، اتقوا في اتباعه في أن تفرطوا في اتباعه في أن تنحرفوا عن اتباعه؛ لأَنَّكم إن انحرفتم عن اتباع القرآن الكريم وفرطتم في إتباع القرآن الكريم سيترتب على ذلك عقوبات ومخاطر كبيرة عليكم في الدنيا والآخرة.
وهكذا تتسعُ مجالاتُ التقوى في كُـلِّ شؤون حياتنا في كُـلِّ شؤون حياتنا فنستحضرُ مسألةَ التقوى في التزامنا وفق توجيهات الله وتعليمه فيما علينا أن نعمل وفيما علينا أن نتركَ ونتخلَّصَ من الاتِّباع لأهوائنا لمزاجنا الشخصي لرغباتنا لمخاوفنا النفسية، لا تكُنْ هي المتَّبَعَ هي المعتمَدَ هي الذي نبني عليه أعمالَنا مواقفَنا انطباعاتِنا تصرفاتِنا.
نكتفي بهذا المقدارِ في هذه المحاضرة..
وَنَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يوفِّقَنا وإيِّاكم لما يُرْضِيه عنا، وأَنْ يرحَمَ شهداءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفيَ جرحانا، وَأَنْ يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ ينصُرَنا بنصره، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ، وَنَسْأَلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ أَنْ يتقبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَاْمَ وَالقِيَاْمَ وَصَالِحِ الأَعْمَالِ، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.