الحكاية الكاملة لقصف حمام جارف!
صدى المسيرة- زكريا الشرعبي
أطفالٌ ونساء وشيوخٌ بعضهم مرضى وبعضهم مرافقون للمرضى جاءوا من أماكنَ متعددةٍ إلى حمَّامات جارف الطبيعية؛ أملاً في التعافي من أمراض أعاقتهم عن ممارسة حياتهم بنعيم الصحة دون استشعار منهم أن عدو الحياة لا يرضى لهم أن يعيشوا حتى بنصف حياة.
في الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء الماضي كان العشرات من المرضى متواجدين في حمام جارف الطبيعي.. نساء يجهزن الإفطار، الباعة المتجولون متواجدون في أسوار المكان، الحركة مستمرة، الكثير من هؤلاء قدموا من معظم محافظات الجمهورية، لم يكن أحدٌ يتوقَّعُ أن تُحدِثَ الكارثة!
حلَّقت طائراتُ الغزو في سماء المنطقة، وبدأت بكل وحشية بالقصف على المكان، ليتحولَ إلى ركام، ودماء المدنيين تنزف، وصراخ النساء والأطفال يملأ أرجاء بلاد الروس.. امرأة تصرخ بأعلى صوتها.. يا رب، وطفل صغير، يرتمي في حضن والدته وهو يقول من شدة الرعب والهلع.. الطيران الطيران يا أمي.
تتوقف الغارات للحظات، ثم يعاود الطيران القصف، مستهدفاً المسعفين الذين هرعوا لإنقاذ الضحايا.
يقول المواطن صالح ناصر مظفر (45) سنة: إن الغارات قتلت شخصاً يُدعى صالح محمد حسين أبو جابر، وأصيب في الغارة 11 آخرون، بعضُهم جراحُهم خطيرة، مضيفاً والحزن يكاد يخنقة: “هذا مكان سياحي، ليس فيه معسكرات ولا تجمعات للمسلحين.. لا يشكل خطورة على أحد إطلاقاً”.
ويزيد بقوله: “العدوان تمادى، لا أحد يصدق أن الطيران السعودي الأمريكي سيرتكب مثل هذه الحماقات، لا بد من إيقافه.. يجب إيقافه”.
دماء وأشلاء ومصاحف ممزقة
لم يبقَّ في المكان شيء سوى آثار الدماء والأشلاء وأوراق المصاحف التي تمزقت وجدناها في قبلة الجامع و(عربية) لأحد الباعة المتجولين، فاضت روحه إلى السماء، في ما بقي متاعُه هنا في هذا المكان شاهداً على إجرام آل سعود!!.
في المكان أَيْـضاً ثلاث سيارات كانت تقفُ إلى جانب الحمامات لم يبق منها سوى الحديد المتلاصق وبعض الملابس الرجالية والنسائية الموزعة هنا وهناك وسرير انتزع مع جثة طفلين كانا ينامان في حضنه من تحت الأنقاض، وكذلك جثة قط كان يأكل من خشاش المكان، إضافة إلى أنين خافت من تحت الأنقاض سمعه أبناء المنطقة قبل دقائق من وصولنا (بعدَ يومين من الجريمة) ولا يدرون مَن صاحبه ولا كيف يصلون إليه مع رائحة دم تحت أنقاض لم تستطع الجرافة إزاحتها عن جثث الضحايا.
قصة مأساوية يحكيها المكان عن الذين استهدفهم طيران العدوان الأمريكي السعودي وتفضح أخلاق المرتزقة الذين برّروا استهدافَ المكان في مواقعهم الإخبارية بأنه تابعٌ لمَن أسموه بـ “المخلوع صالح”.
هنا استشهد شيخ مسن يُدعى “صالح مقصع” قدم مع ابنه وامرأة وثلاثة أطفال من منطقة سنحان إلى حمامات جارف ليواصل العلاج، حيث كانت صحته قد بدأت بالتحسن منذ بدأ بزيارة هذه الحمامات وما عاد منهم أحد على قيد الحياة.
كان مقصع ينام في المسجد وتنام أسرته في غرفة مجاورة للمسجد– كما يقول أهالي المنطقة-وقتلتهم غارات العدوان الأمريكي السعودي قبل أن يخرجوا للاستحمام.
رجلٌ آخرُ من بيت “دماح” منطقة “توالب” في بلاد الروس قدم مع ابنه وزوجة ابنه وأحفاده واستشهدوا جميعاً.
ورجل آخر من سنحان يُدعى محمد الفقيه قَدِمَ بسيارته وعادوا به أشلاءً متناثرةً على سيارة الإسعاف فسيارتُه أَيْـضاً تدمرت.
أسماء مجهولة لم تتبين هوياتهم، حيث المكان مفتوح لمن يريد العلاج فيه كانوا أَيْـضاً ضمن قائمة الشهداء.
أنس السندي شاب في العشرين من عمره، يقول لـ “صدى المسيرة”: إن ما حصل كان كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. مؤكدة أن المكان ليس فيه ما يستدعي القصف، وداعياً منظمات العالم لزيارة المكان وتوثيق جرائم العدوان.
مزار صحي طبيعي
ويُعتبر حمام خارف من أبرز المزارات الصحية الطبيعية في محافظة صنعاءَ ويقصده الكثير من المرضى من مختلف الأماكن للعلاج.
ويقع في منطقة جارف بلاد الروس التي تبعُدُ عن العاصمة ما يقارب سبعين كيلومتراً في الاتجاه الجنوبي، وكون هذه المنطقة من المناطق النائية لم يستطع المسعفون توفيرَ معدات متخصصة برفع الأنقاض لإخراج كُلِّ الضحايا، الأمرُ الذي جعل مخاوفَهم تزدادُ من البقاء طويلاً خاصةً مع تحليق الطيران الكثيف فوق رؤوسهم.
ولم تكن الحماماتُ وحدَها هي التي استُهدفت من قبَل العدوان الأمريكي السعودي، فقد تدمر المسجد المجاور بشقيه المخصص للرجال والمخصص للنساء على مَن كان فيهما، حيث كان زوار الحمام الذين لا يجدون لهم مكانَ إقامة في الأماكن المجاورة ينامون فيهما ويعودون إليهما بعد أن يستحمّوا لقراءة القران وأداء العبادات.
التحليق مستمر
كُنَّا في المكان لتوثيق بعض تفاصيل ما حدث، لكن الطيران عاد وحلَّق من جديد في سماء المنطقة، كان الخوفُ والهلَعُ ظاهراً لدى الجميع، غادرنا جميعاً، فالكل متخوِّفٌ من معاودة الطيران للقصف، والكثيرون يتضرعون إلى الله ويرددون باستمرار (حسبُنا الله ونعم الوكيل).
وتأتي هذه الجريمة ضمنَ هستيريا العدوان السعودي التي ارتفعت حدّتُها مؤخراً، حيث كان الأسبوعَ الماضيَ قد قام بقصف الأحياء السكنية في العاصمة صنعاء بالقنابل العنقودية وكذلك استهداف مركَز النور للمكفوفين وقصفه لأحد المستشفيات التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في محافظة صعدة.
إستنكار واسع
ولاقت هذه الجريمة استياءً كبيراً لدى المواطنين اليمنيين في صنعاء وباقي المحافظات، حيث ندّد
المجلسُ المحلي بمحافظة صنعاء بارتكاب طيران العدوان السعودي الأمريكي مجزرةً وحشيةً في منطقة حمام جارف بمديرية بلاد الروس، والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى بينهم نساء وأطفال.
وأكد محلي صنعاء في بيان له أن هذه الجريمة شاهدٌ آخر علی بشاعة وحقد النظام السعودي الذي بلغ ذروتَه في استهداف الأبرياء والمدنيين في حربه الظالمة على اليمن منذُ عشرة أشهر خلت دون أن يفرِّقَ بين مدرسة أو مسكن أومنشأة عامة.
وأشار البيانُ إلى أن إفلاسَ النظام السعودي وحالة اليأس في عدوانهم العبثي علی جيرانهم، وعدم تحقيق أي انتصار يُذكر منذ بدء عدوانهم تجعلهم يتمادون كُلَّ يوم في استهداف المدنيين وقصف المنازل والمحال التجارية والمصالح العامة والخاصة.
كما أدانت وزارةُ السياحة ومجلسُ الترويج السياحي استهدافَ طيران العدوان السعودي الأمريكي منتجعَ حمام جارف السياحي والمسجد في مديرية بلاد الروس محافظة صنعاء.
وأشارت الوزارةُ والمجلسُ في بيان لهما إلى أن استهداف المنشآت السياحية يعتبر إمعاناً في النيل من المكوّن السياحي اليمني الذي يعد جزءً من المنظومة السياحية والحضارية والثقافية اليمنية.
واستنكر البيان صمْتَ المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية بالسياحة وَكُلّ الأحرار في العالم على الجرائم الوحشية التي يرتكبها العدوان السعودي الأمريكي، مستهدفاً رصيدَ اليمن السياحي، ومنها المجزرة المروعة بمنطقة جارف التي أودت بحياة نساء وأطفال رُضَّع ومدنيين.