المكاسبُ الوطنية في إطار الهُدنة الإنسانية .. بقلم/ صدام القفيلي
لم تكن الهُدنةُ الإنسانية التي أعلنها المبعوثُ الأممي وليدةَ اللحظة، فخلال السنوات الماضية، توالت مبادراتُ قيادة الثورة والقيادة السياسية الهادفة إلى إحلال السلام وتكرّرت إعلانات صنعاء عن وقف العمليات القتالية من طرف واحد، واستمرت دعواتها لإنهاء الحرب العدوانية المُستمرّة منذ مارس ٢٠١٥م، وتواصلت مساعي فتح أبواب التفاوض والحوار والتي كانت في مجملها تؤكّـد الحرصَ على حقن دماء اليمنيين وإنهاءِ معاناتهم التي حرصت دولُ تحالف العدوان الأمريكي على استمرارها والتسبب في تفاقمها يوماً بعد الآخر، من خلال مضاعفة هجماتها العسكرية بمختلف الأسلحة، بما فيها تلك المحرَّمة دوليًّا وتعنتها بفرض مزيدٍ من الإجراءات والقيود على دخول كافة الواردات، بما فيها واردات السلع الأَسَاسية التي لا غنى للمواطنين عنها لتيسير حياتهم المعيشية كالغذاء والدواء والوقود.
وفي المقابل، عبرت المبادراتُ التي أعلنتها دولُ التحالف عن حالة الكبر والفجور في الخصومة وتغليبِ مصالحها وأهدافها وكانت بعيدةً كُـلَّ البُعد عن حفظ مصالح اليمنيين وحقن دمائهم.
ومن جهة ثانية، اتضح جليًّا أن فتراتِ الهُدنة التي كانت تعلنُها دولُ تحالف العدوان خلال السنوات الماضية لم تكن أكثر من مُجَـرّد مناورات لتضليل الرأي العام العالمي، وكانت خروقاتها الموثَّقة هي السمة العامة لفتراتها المعلنة منذ ساعاتها الأولى.
بإعلان هُدنة الشهرين وما ترتب عليها من التزامات الرفع الجزئي للحصار المفروض على موانئ اليمن البحرية والجوية ومنافذه البرية تحقّقت عددٌ من المكاسبِ الوطنية وَتعزَّزَ الإيمَـانُ بمطالب اليمنيين المشروعة وبرز التوصيفُ القانوني للحرب في اليمن؛ باعتبَارها حربًا دوليةً وليست نزاعًا داخليًّا -كما كان يروج لها المعتدون والسائرون في فلكهم-، وَاتضحت حقيقةُ قيام التحالف الدولي بتنفيذ عدوان عسكري ظالم وفرض حصار شامل تسبب في تجويع ملايين اليمنيين، في مخالفةٍ صريحة وعلنية لكافة المواثيق والأعراف والقرارات الدولية وعلى رأسها قرارُ مجلس الأمن “٢٢١٦” الذي تتغنَّى به دول العدوان وحكومة “الشرعية” المزعومة القابعة في فنادق الرياض، وتأكّـد للعالم أجمع وخُصُوصاً من كانت آلةُ التضليل الإعلامي المعادية قد استهدفتهم وعمت أبصارَهم عن رؤية حقيقة أن عدوانَ السعوديّة وتحالفها كان وما يزال السببَ الوحيدَ لما وصلت إليه الحالةُ الإنسانية وتدهور الأوضاع المعيشية لليمنيين وتزايد معاناتهم، وأن الجهود التي بذلتها حكومة الإنقاذ الوطني كانت تحقّق الكثيرَ من النجاحات في مواجهة كُـلّ مرحلةٍ من مراحل التصعيد وتضييق الحصار ومحاولات الاتّجاه بالوضع الاقتصادي إلى حافة الانهيار الكامل.
اليوم يرى اليمني الصابرُ الصامد أولى بشائر النصر العسكري والسياسي، وَأصبح يدركُ حقيقةَ قوله تعالى “وَبَشِّرِ الصَّاْبِرِيْنَ”، فالعزةُ والكرامة والسيادة الكاملة غيرُ المنقوصة هي واحدةٌ من ثمار الصبر والصمود التي سيجنيها أحرارُ اليمن وشُرَفاؤه والتي تجلت بوضوح في مضامين اتّفاق الهُدنة المعلَنة لتؤسّسَ أولى لبنات الاعتراف بمشروعية تلك الثوابت التي تمسك بها شعبُنا الكريم الصابر حتى اليوم.
خلاصةُ القول سواء التزمت السعوديّة وتحالفها بهُدنة الشهرين المعلَنة أم لم تلتزم بها سيظل رهانُنا على أن النصرَ من عند الله، وشعارُنا هيهاتَ منا الذلةُ، ولغتُنا الوحيدةُ هي الدعوةُ للسلام العادل لا الاستسلامَ والخنوعَ، وستبقى عزةُ وكرامةُ اليمني وحُرمةُ تراب أرضه ودماءُ شهدائه وتضحياتُ أبنائه والتحرُّرُ من الوَصاية والتبعية هي الحدودَ التي تتوقفُ عندها كُـلُّ الاتّفاقيات والمبادرات وجولات مفاوضات السلام.