مؤهلات الفوز العظيم (مواصفات المتقين) بقلم/ علي المؤيد
قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ، ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ، لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ).
بالاستفادة من أنوار الآيات الكريمة من سورة آل عمران أشار السيد القائد -يحفظه الله- إلى أن حبَّ الشهوات الدنيوية الزائلة كـ النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث قد تتحول إلى حالة من التهافت الكبير واللهاث الواسع نتيجة لتفاقم حالات النسيان والغفلة.
وهنا قد تصل حالة الجشع والطمع في السعي وراءها إلى ظلم الآخرين من الناس أَو من ذوي القربى وغير ذلك من الآفات والعواقب المؤدية إلى سوء المآل، لكن بالمقابل فَـإنَّ رؤية المتقين مختلفةٌ عَمَّا سبق من ذكره، إذ أنها تعتبر متاع الدنيا وسيلةً وليست غايةً في ذاتها وتلك رؤية قرآنية تتسق مع معيار التقوى ولذلك وفي الآيات التالية لقائمة المتاع الدنيوي المشار إليها في النص القرآني الشريف ينعم الله على الناس بعرض مادي ومعنوي عظيم وصادق مترامي الأوصاف وشاسع الفضل يتمثل في فردوس النعيم الأبدي الذي لا يفنى.
كما أن إمْكَانية الوصول إلى كُـلّ مفردات هذا العرض العظيم في متناول الجميع شريطة توفر حالة التقوى واستمراريتها قبل أي شيء وبعدها سيكون الحصول على منافع هذا العرض متاحاً لكل متقٍّ وبحسب الآيات الكريمة فَـإنَّ هذا العرض الرباني العظيم يتسم بالكثرة والإتاحة وبالبقاء والديمومة والُطهر والرضوان في جناته ونعيمه والتمتع بنعمه العظيمة المتجددة والمتعددة المتصفة بسهولة تحصيل ثمارها غير المتناهية ذات اللذة المختلفة والاتساع والدائمة إلى ما شاء الله، حالة أبدية بديعة الجمال بدون أية منغصات، ظروف مستقرة لا يشوبها إزعاج وفيها من التكريم الكثير والاحترام الهائل الناتج عن الرضوان والرعاية العجيبة من أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين؛ لأَنَّه عز وجل بصير بالعباد أي عالم بخصائص النفس البشرية وما يناسبها من تكريم ومكافآت مجزية.
وثمن كُـلّ ذلك التقوى، وهي في متناول الجميع وبإمْكَانهم أن يصبحوا من المتقين الذين يستشعرون عِظم مسؤوليتهم تجاه أعمالهم وتصرفاتهم ويدركون خطورة التفريط في تلك المسؤولية إضافة إلى كونهم يتحلون بالصبر الجميل على كُـلّ مصاعب الدنيا وهم كذلك من أهل الصدق الذين يتحرون الصدق في كُـلّ حركاتهم وسكناتهم، إضافة إلى اتصافهم بالخضوع والتذلل الدائم لله في كُـلّ الظروف طمعاً في رضا الله ولا يأنفون عن فعل كُـلّ ما فيه رضى لله بغض النظر عن الناس ولوم اللائمين ووساوس الشياطين والمنافقين ويتمتعون على الدوام بروحية العطاء والبذل مما رزقهم الله سبحانه وتعالى وفي مقدمة ذلك الإنفاق في سبيل الله ولا يحملون إطلاقاً حالة الغرور بل هم في حالة خوفٍ مُستمرٍّ واستغفار متواصل حتى في الأوقات التي يستطيب فيها الناس النوم والراحة تجدهم يداومون على اليقظة طلبا للمغفرة خيفةً من عواقب التقصير والتفريط والإهمال، وهذه المواصفات في جوهرها تفيد كذلك الاستمرارية بوصفها حالةً سلوكية يومية، غير موسمية.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.