واقع جديد مساند للعدوان.. أمريكا تصنع السلام الزائف في اليمن
المسيرة | عباس القاعدي
اكتملت فصولُ المسرحية في عاصمة العدوّ السعوديّ الرياض، بإزاحة الفارّ عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، ليتصدر المشهد رجلُ أمريكا الأبرز وعميلُ الإحداثيات المرتزِق رشاد العليمي، ليقوم ما يسمى بالمجلس الرئاسي الجديد، الذي يضم في عضويته إلى جانب العليمي سبعةَ أعضاء آخرين، جميعُهم يشتركون بالعِداءِ الشديدِ لأنصار الله وسلطة صنعاء.
ويدرك جميعُ المتابعين أن ما حدث كان وراءه أمريكا، وذلك عبر مبعوثها إلى اليمن، ليندركينغ، وأن وليَّ العهد السعوديّ المجرم محمد بن سلمان، وجميعَ المرتزِقة اليمنيين بالرياض ليسوا سوى بيادق، نفّذوا كُـلَّ ما يُمْلَى عليهم بالحرف الواحد، ولم يملكوا القدرة على الاعتراض أَو الرفض.
ومنذ بدء العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، كانت أمريكا حاضرةً بقوة في المشهد، فالعدوان أعلن من واشنطن وبلسان عادل الجبير سفير السعوديّة آنذاك.
وخلال السنوات السبع الماضية، ظلت أمريكا تقود العدوان على اليمن من خلف الستار، فهي التي تدفع السعوديّة والإمارات للتحَرّك عسكريًّا، وهي التي تملي عليهم الاستمرار في العدوان، وهي التي تشارك رسميًّا بفرض الحصار على الشعب اليمني، وظلت دعواتها للسلام وإنهاء الحرب على اليمن، غير صادقة؛ لأَنَّ الواقع يثبت عكس ذلك تماماً.
وعلى الرغم من تعيين أربعة مبعوثين أمميين إلى اليمن؛ بهَدفِ حَـلِّ الأزمات وإنهاء الحرب، إلا أن جهودهم كانت تصطدمُ بالتعنُّت الأمريكي البريطاني السعوديّ، وبالتالي لم يتمكّنوا من إيجادِ حَـلٍّ أَو مخرَجٍ، أَو اختراقٍ في جدار الأزمة اليمنية، ولهذا ظلت شرارةُ النار متقدةً في اليمن، وظلت الأزمات والحروب والوضعُ البائس ترافقُ اليمنيين طيلة السنوات الماضية.
ومع أن إعلانِ الهُدنة أراح الكثيرَ من اليمنيين، وجعلهم يستبشرون خيراً بإمْكَانية إحلال السلام، إلا أن قلوب الكثير من الأحرار غيرُ مطمئنة للمخطّطات التي تنسُجُها أمريكا والرياض؛ ولهذا تبرُزُ بعضُ المؤشرات التي تَدُلُّ على عدم الجدية في إحلال السلام، والالتزام بالهُدنة، ومنها عدم فتح مطار صنعاء الدولي إلى الآن، واستمرار عرقلة سفن الوقود ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة غربي البلاد.
ويرى رئيسُ مركَز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة صنعاءَ، الدكتور حسين مطهر، أن أمريكا عملت على تحجيم دور المبعوث الأممي وصلاحياته، حَيثُ صرّح بذلك الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش قائلاً: “إن المبعوث ليس مسؤولاً عن الحرب ولا عن السلام، وإنما يقتصرُ دورُه على أن يعرض ما نريد ويلعب كيفما نريد مع طرفي الحرب؛ ولهذا نجد أن أهم أهداف الأمم المتحدة عدم تحقيق الأمن والسلام الدوليين”.
ويؤكّـد الدكتور مطهَّر في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن المبعوثَ الأمريكي، ليندركينغ معنيٌّ بتعميق الحرب، وفقاً للمصلحة الأمريكية وبتحقيق نتائجَ فاشلة حول عملية السلام وفق مهمته المكلَّف بها والمتضمنة بتوظيف إمْكَانيات جديدة تزيدُ من تأجيج الحرب والخلافات بعد دراسةِ وفَهْمِ الواقع اليمني وعلاقاته الداخلية والخارجية تحت شعار السلام الزائف، الذي تهيئُ له أمريكا واقعاً دولياً مسانداً للعدوان والحصار البري والبحري والجوي.
وبحسب الدكتور مطهر، فَـإنَّ تحَرّكات المبعوث الأممي تؤكّـد أنه ليس لدى أمريكا رغبة في إجبار دول العدوان على إيقاف الحرب والتدمير الممنهج نتيجة الغارات التي شنها العدوان على اليمن وبلغت 270 ألف غارة والتي أَدَّت إلى استشهاد وجرح الآلاف من المدنيين الأبرياء، وكذلك أكثر من ثلاثة ملايين نازح، وبالتالي لن ينجح المبعوث الجديد إذَا استمر الحال عليه، والدليل على ذلك تعدد المبعوثين والنتيجة واحدة، بالإضافة إلى اختلاف وجهات النظر ما بين المبعوثين باتّجاه أزمة اليمن وعدم توحدهم على موقف واحد وتراخيهم في التعامل مع انتهاكات وَخروقات دول العدوان.
ويشير مطهر إلى أن دور المبعوثين الأمميين إلى اليمن كان بتجزئة قضايا الحرب والعدوان ما بين إنساني واقتصادي وسياسي وعسكري وعدم حلها بشكل واضح، ما ساهم في تشظِّي الأزمة وفشلِها على المستويين الإنساني والاقتصادي، ما جعل دورَها لا قيمةَ له أمام شعوب العالم.
وبخصوص الحرب مع قوى الشر العالمي وعلى راسها أمريكا، يؤكّـد الدكتور حسين مطهر، أن الشعب اليمني يخوض حرباً وجوديةً بقيادة قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي -بحفظه الله-؛ مِن أجلِ الحرية والسيادة والاستقلال ورفض الوَصاية السعوديّة.
تمييع الملف اليمني
وفي هذا الشأن، يعتقدُ نائبُ رئيس دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية في حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاءَ، الدكتور محمد السادة، أن المبعوث الأممي يمضي نحو تحقيق تسوية سياسية شاملة، في الوقت الذي يقومُ بتمييع المِلف اليمني من حَيثُ يدري أَو لا يدري.
وبحسب الدكتور السادة، فَـإنَّ الفشلَ الأممي في اليمن يبدو أنه يعزز الفرصة لخيارات أُخرى لإحلال السلام فيه بعيدًا عن الأمم المتحدة، وبشكل أكثر جدوى، ويُوفِّرُ الكثيرَ من الوقت والجهد، فالرؤى الأممية لم تنجح لكونها ترتبط برؤى ومصالح أمريكية – بريطانية، فيما إتاحة الفرصة لوسيط إقليمي أَو دولي يتمتع بالنزاهة، ويحظى بالقبول لدى كُـلٍّ من صنعاء كطرف أول، والرياض وأبو ظبي وأدواتهما المحلية كطرفٍ ثانٍ، سيُمكِّنُ من تجاوُزِ الحسابات والمصالح الأمريكية المعطَّلة، لتقدم حلولاً عمليةً تنطلق من واقع المعطيات الجديدة، وبما يحقّق مصالحَ الوطن.
بدوره، يؤكّـدُ المحلِّلُ السياسي الدكتور عرفات الرميمة أن المبعوثَ الأممي هانس غروندبرغ لم يقدم إلى الآن الشيءَ المطلوبَ منه كمبعوث خاص للأمم المتحدة، لتحقيق مهمته الرئيسية المتمثلة في إرساء سبل السلام المفقود في اليمن، وهو كسابقيه ينطلقُ من رؤية أُحادية وواحدة للحل هي رؤية العدوّ الأمريكي الذي يرى في استسلام اليمن لدول تحالف العدوان سلاماً، وهو كذلك يضع عربة الحل السياسي أمام حصان الأزمة الإنسانية الخانقة التي يعاني منها الشعب اليمني طيلة السبع سنوات الماضية من عمر العدوان الأمريكي البريطاني -بأدوات سعوديّة إماراتية – ولذلك لم يحقّق المطلوب منه حتى الآن.
ويبين الرميمة أن المبعوثَ الجديدَ كسابقيه يرى بعين واحدة ويسمعُ بأُذُنٍ واحدة فقط هي عين وأذن دول تحالف العدوان السعوديّ الأمريكي، ولا يرى بعين الشعب اليمني المظلوم ولا يسمع بأذنه، وهذا من أهم الأسباب التي قيَّدت حركتَه وجعلته يقفُ في نفس النقطة التي وقف عندها سابقوه ويدورُ في نفس الحلقة المفرغة التي داروا فيها.
وبحسب الدكتور الرميمة، فَـإنَّ غروندبرغ إذَا لم يستمعْ لمعاناة الشعب اليمني جراءَ الحصار الخانق -براً وبحراً وجواً – ويفصِلِ الجانب الإنساني عن الجانب العسكري والسياسي ويبدأْ من حَيثُ انتهى سلفُه، وليس من حَيثُ بدأ فَـإنَّه لن يقدمَ الجديدَ وسيظلُّ أدَاةً من أدوات تحالف العدوان في إطالةِ أَمَدِ العدوان.