3 سنوات على عملية التاسع من رمضان.. الهجمات التي غيرت خارطة المعركة
المسيرة| محمد ناصر حتروش
يُعبَرُ التاسعُ من رمضان يوماً تاريخيًّا بالنسبة لليمنيين، إذ أنه يربطُهم بحدث عسكري هام في مسار مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، وكان بداية حقيقية لتغيير موازين القوى، وفيه نفّذت القواتُ المسلحة عمليةً أُطلِقَ عليها تسمية “التاسع من رمضان”.
وتمكّنت عددٌ من الطائرات المسيَّرة في اختراق العمق السعوديّ، واستهدفت منشآته النفطية التابعة لشركة أرامكو في محافظتي الدوادمي وعفيف التابعة للعاصمة الرياض، حَيثُ تعتبر تلك المنشأة المستهدفة محطة تحويلية تربط ميناء رأس تنورة في شرق المملكة بميناء ينبع غرب المملكة وتنقل عبر خطي أنابيب عملاقة 3 ملايين برميل نفط يوميًّا، كما تعتبر أولى العمليات الواسعة التي استهدفت العمق السعوديّ وكان لها الصدى الواسع على مستوى العالم.
لقد كانت عملية “التاسع من رمضان” مفاجئة للعدوان الأمريكي السعوديّ، حَيثُ لم يكن يتوقع على الإطلاق امتلاك القوات المسلحة لهذا السلاح الاستراتيجي، والذي تحول في ما بعد إلى كابوس أرق كيان المملكة السعوديّة، وخلق توازناً في الردع، وأجبر العدوّ على التراجع، وإعادة حساباته في معركته المتوحشة مع اليمنيين.
ولأن الوجع كان كَبيراً، فقد فضل العدوان كعادته ارتكاب المجازر المتوحشة بحق المدنيين، فجاءت مذبحة “الرقاص” يوم 11 رمضان، لتعمق جراح الإعلام اليمني، نتيجة استهداف منزل رئيس اتّحاد الإعلاميين اليمنيين السابق سفير اليمن لدى سوريا حَـاليًّا، عبد الله علي صبري، ونتج عن القصف استشهادُ 7 مواطنين وأكثر من 60 جريحاً.
ذهولٌ مفاجئ
ويؤكّـد المحلل العسكري اللواء خالد غراب، أن عملية التاسع من رمضان تعتبر من أكبر العمليات التي نفذها سلاح الجو المسيَّر في14 مايو 2019، وذلك كونها العملية الأولى الأوسع والأكبر في عمق العدوّ البعيد وسط عاصمته.
ويرى غراب أن تلك العملية أحدثت تحولاً جذرياً في مسار المعركة، ودخول حقبة جديدة من توازنات الردع لم تكن تخطر على بال العدوّ، لافتاً إلى أن تلك العملية جعلت العدوّ يصاب بالذهول من هول الحدث الذي اعتبره مفاجئاً ومعترفاً للمرة الأولى بالعملية، صارخاً للأمريكيين وللعالم بحماية منابع وخطوط الطاقة.
ويذكُرُ غراب أن صدى تلك العملية جعل اشتعالَ النيران يستمرُّ لأيام وتوقف ضخ الطاقة عبر المحطة التحويلية بشكل كامل، ما جعل أسهم السعوديّة تنخفض وتهوي في أغلب البورصات العالمية، مُشيراً إلى أن عملية التاسع من رمضان مثلت البداية الحقيقية لعمليات توازن الردع عبر دخول سلاح الجو المسيَّر البعيد المدى، ونقل معركة التوازن إلى عمق العدوّ، مؤكّـداً أن تلك العملية أثبتت نجاحاً استخباراتياً من الدرجة الأولى واختراق لمنظومة العدوان الأمنية والاستخبارية.
ويضيف أن “الاستهداف تركز على خطي النقل الرئيسيين رقم (7 وَ8) من بين شبكة من خطوط وأنابيب المحطة التحويلية، وهذا ما جعل العدوّ أكثر ذهولاً وخوفاً من دقة امتلاك أجهزتنا الاستخبارية للمعلومات عن أدق التفاصيل للأهداف الأكثر سرية، والتي أعلنت قواتنا عن امتلاكها إحداثيات لبنك أهداف في كامل عمق جغرافية العدوان ضم 300 هدف عسكري واقتصادي وحيوي أعلن عنها في ذلك الوقت.
ويرى اللواء غراب أن من أهم نتائج تلك العملية المستخلصة هو أن اليمن أصبح يمتلك اليد الطُّولى المصنّعة محلياً، ومتطورة ذات تقنية عالية متمثلة بسلاح الجو المسيَّر قادرة على الوصول إلى أهدافها بدقة ولها قوة تدميرية هائلة.
ويؤكّـد أن تواجد طيارين وملاحين مشغلين قادرين على تسيير وإدارة الطائرات المسيَّرة إلى ما وراء الحدود بمسافات بعيدة تجاوزت بتلك العملية 1400 كم.
ويقول اللواء غراب: “إن من أهم دلالات العملية هي الرسائل القوية التي أرسلت للعدو السعوديّ والإماراتي والأمريكي والإسرائيلي وحلفائهم وهي أن طائراتنا المسيَّرة الهجومية المقاتلة قد أنتجتها مصانع التصنيع الحربي اليمني بعقول وأيادي خبرائنا وعلمائنا بتقنيات تكنلوجية أحدث وأفضل وأقدر من صناعاتكم الحربية التي تتفاخرون بها وسوقها إعلامكم بأنها أساطير”.
ويضيف: “هذه العملية أثبتت عمليًّا قيام طائراتنا باختراق كُـلّ دفاعات العدوان ما يؤكّـد فشل وهشاشة كُـلّ منظومات ووسائط دفاعات العدوّ وأجهزة إنذاراته المبكر وعلى رأس تلك المنظومات منظومات الباتريوت باك 3، وَأَيْـضاً كانت رسالة وصفعة قوية للعدو السعوديّ، مفادها أن حلفاءكم الأمريكيين والغربيين قد باعوا لكم الوهم”.
ويتابع “وقد توالت عمليات توازن الردع بعمليات منفردة لسلاح الجو المسيَّر وَأَيْـضاً بعمليات مشتركة مع القوة الصاروخية طيلة الأعوام الثلاثة السابقة في عمق دولتي العدوان السعوديّ والإماراتي، معتقداً أن عمليات توازن الردع الـ 10 حظيت بهيمنة وحضور بارز وفعال لقواتنا الضاربة أقر بفعاليتها وتميزها الأصدقاء والأعداء لتتحول تلقائياً إلى قوة إقليمية يصعب تجاهلها في أية مرحلة قد يتم فيها تسويات أَو رسم سياسات أمنية أَو عسكرية في المنطقة وخَاصَّة بعد عمليات أعاصير اليمن في أواخر العام الماضي 2021 م في عمق جغرافية كُلٍّ من دولتي العدوان السعوديّ والإماراتي.
رسائل عسكرية
من جهته، يعتبر المحلِّلُ العسكري زين العابدين عثمان، أن عملية التاسع من رمضان هي أحد الشواهد الدلالية على ما أنجزته القوات المسلحة اليمنية بفضل الله تعالى، في مضمار ردع العدوان وتغيير خارطة الاشتباك.
ويؤكّـد عثمان أن تلك العملية أحد أهم وأكبر العمليات الهجومية التي ضربت أعماق السعوديّة بقوة، موضحًا أن تلك العملية كانت مدوية إلى حَــدٍّ كبير في نتائجها وأبعادها العملياتية والاستراتيجية، إذ قطعت أحد أكبر شرايين أرامكو أنبوب النفط الذي يربط أهم منطقتين نفطيتين في السعوديّة، رأس التنورة وينبع، لافتاً إلى أنها حقّقت خسائر كبيرة في أسهم الاقتصاد السعوديّ في إنتاج النفط، معتبرها صفعة مدوية للنظام السعوديّ وعملية مميزة جِـدًّا سواء من حَيثُ حجم الهجوم، أَو اختيار الأهداف التي كانت أهدافاً دقيقة وهامة التي تم بناؤها بالتعاون مع قوة الاستطلاع والمخابرات في عمق العدوّ.
ويقول عثمان: “اليوم ومع مرور نحو ثلاثة أعوام من عملية 9 رمضان الوضع تغير كَثيراً في موازين القوة وفي سباق القدرات، فبفضل الله تعالى أصبحت الأذرع النارية الضاربة في وحدات الصواريخ والطيران المسيَّر على درجة عالية من التطور والنهضة التقنية وامتلاك مخزون كبير من الصواريخ والمسيَّرات من بينها صواريخ الكروز والصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي بات يمكنها شن عمليات هجومية كبرى وبأضعاف مستوى عملية التاسع من رمضان”.
ويؤكّـد عثمان أن قواتنا الصاروخية والجوية أصبحت تملك بنية تحتية متطورة ولديها القدرة بعون الله تعالى على تنفيذ ضربات مدمّـرة بالعدوّ وبما يحقّق شللاً وانهياراً كاملاً لأهم قطاعاته الحيوية، وقد كانت عمليات كسر الحصار التي ضربت محطات أرامكو في الرياض وجدة وغيرها معطياتٍ عمليةً تثبت مستوى الاقتدار التي وصلت له قواتنا الهجومية وحجم ما تحقّقه من نتائجَ مدمّـرة”.