مع السيد القائد في العاشر من رمضان .. بقلم/ صالح مقبل فارع
التواصي بالصبر:
ركّز عَلَيْهِ القرآن، وجعله من عوامل النَّجَاح والفوز، فالصبر لَهُ علاقة بالمسئوليات الْكُبْرَى الَّتِي تحقّق مصير الأُمَّــة، وَلا يَتِمّ تَحْقِيْق هَذِهِ المسئوليات إِلَّا بالتواصي بالصبر، قَالَ تَعَالَى وَهُوَ يأمرنا بالتواصي بالصبر:
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [الْعَصْر:3]، ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [الْبَلَد: 17].
فانطلاقاً من الآيتين السابقتين إذن لا بُـدَّ من التواصي بالصبر وخَاصَّة فِيْ هَذِهِ المرحلة. فالْمُنَافِقُوْنَ يتجهون نَحْو زرع حَالَة الوهن واليأس والاستسلام والتشجيع عن التنصل عن المسئوليات العظيمة والمقدسة، والحل لمواجهة هَؤُلاءِ الْمُنَافِقِيْنَ هُوَ التواصي بالصبر والحث عَلَيْهِ.
أهميّة الصبر:
للصبر أهميّة كَبِيْرَة وعظيمة فِيْ حياتنا كمؤمنين، ومن هَذِهِ الأهميّة نختصرها فِيْ البنود التالية:
1- يعتبر الصَّبْر من أعظم العبادات والقرب إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فيجب عَلَيْنَا أن نصبر فِيْ طاعة اللَّه، وأن نصبر وَنَحْنُ نقوم فِيْ مسئولياتنا الإيمَـانية الَّتِي أمرنا بِهَا وأن نصبر وَنَحْنُ نجاهد، ليكون صبرًا عمليًّا، صبرًا فِيْ أدائنا، نصبر صبر الأحرار الْمُؤْمِنِيْنَ الْمُجَاهِدِيْنَ الْمُتَّقِيْنَ، فَهُوَ عبادة عظيمة. والصبر لجميع النَّاس لجميع الطبقات من الأسرة حَتَّى قِيَادَة الدَّوْلَة.
2- للصبر نَتَائِج إيجابيَّة عَلَى المستوى التربوي وَعَلَى المستوى العملي.
فالصبر مهم ومطلوب لجميع الطبقات بدءًا بنبينا مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-، والأوامر الصَّادِرة من اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للنبي مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- بالصبر كثيرة مِنْهَا قوله تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [هُوْد:115]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يُوْنُس:109]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النَّحْل:127]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:28]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [الْمُزَّمِّل:10]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطُّوْر:48]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المعارج:5]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَو كَفُورًا﴾ [الْإنسان:24]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الرُّوْم:60]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [الْمُدَّثِّر:7]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هُوْد:49]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [طَهَ:130]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [غافر:40]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأَحْقَاف:35]، وَكَذَلِكَ قوله تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [الْقَلَم:48]، وغيرها من الآيات الكثيرة الَّتِي تحث النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- بالصبر.
فصَبَرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- فِيْ جَمِيْع مراحل الرسالة مُنْذُ بدئها حَتَّى نهايتها تَنْفِيْذًا لأوامر اللَّه السَّابِقَة؛ فكانت النَّتِيْجَة كَبِيْرَة ومثمرة بأن انتشر الهدي والرسالة فِيْ كُـلّ أصقاع الأرض، وَأصبح للإسلام دَوْلَة مهمة ذَات قوة وهيبة هزت أكبر عروش الطواغيت بفضل الصبر.
3- الصبر سلاح مهم فِيْ مواجهة العدوّ.
ومن أمثلة هَذَا الصبر:
■ حركة النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-
■ حركة الْمُسْلِمِيْنَ الأَوَائِل، الَّذِيْنَ صبروا فأدى صبرهم إلى قيام دَوْلَة إسلاميَّة كَبِيْرَة وتفكك دَوْلَتي الرُّوْم والفرس.
■ حزب اللَّه فِيْ لُبْنَان وصراعه مَعَ العدوّ الإسرائيلي الَّذِيْ استمر لسنوات طويلة، أراد أن يكسر إرادَة الْمُجَاهِدِيْنَ فِيْ حزب اللَّه ولكنهم صمدوا لَهُ وصبروا حَتَّى انتصروا وحقّقوا مَا لم يستطع الْعَرَب تحقيقه وَهُوَ دحر الإسرائيلي من جَنُوْب لُبْنَان.
■ الشَّعْب الْيَمَنِي فِيْ تصديه لِلْعُدْوَانِ الأمريكي السعوديّ صمدنا وصبرنا وحقّقنا نَتَائِج مثمرة. فوصل العدوّ إلى فشل ذريع ولم يحقّقوا مَا أرادوه، وتحقّق الْكَثِيْر من الانتصارات لشعبنا، واليمنيون بصبرهم وصمودهم فرضوا إرادتهم عَلَى الْمُجْتَمَع الدولي.
مَعَ الصَّبْر والمصابرة:
قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عِمْرَانَ:200] المصابرة أكثر من الصبر.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسرافنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عِمْرَانَ:146-148].
4- عاقبة الصبر الحسنة:
ارتبطت بوعد اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِيْ لا يخلف وعده، وَهُوَ الصبر المجدي المثمر النافع. فالقرآن يُؤكّـد عَلَى البشارة، ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [الْبَقَرَة:155]، فمن البشائر: الانفراجات، الانتصارات، تأتي حَالَة اليسر لتترافق مَعَ العسر ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الانْشِرَاح:5-6]، فمن غايات الصبر هُوَ الفلاح وَالانتصارات والنتائج المثمرة، جمعها اللَّه فِيْ قوله ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عِمْرَانَ:200].
الصبر المذموم:
هُوَ الصبر عَلَى الذلة والإهانة. والانهيار والمسكنة والاستسلام والخضوع للباطل، هَذَا صبر مذموم لَيْسَ فِيْهِ أجر وَلا ثواب وغير مجدٍ ولن يحقّق النَّتَائِج المثمرة.
وَفِيْ الصبر فِيْ سبيل اللَّه ترد لفظة ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عِمْرَانَ:200]، فالبديل عن ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عِمْرَانَ:200] هُوَ لعلكم تخسرون.
تخسرون كرامتكم، معيشتكم،.. إلخ، فيصلون إلى حَالَة ﴿فَاصْبِرُوا أَو لَا تَصْبِرُوا﴾ [الطُّوْر:16]؛ فهنا يكون الصَّبْر غير مجدٍ وَلا مثمر، وَلَيْسَ فِيْهِ أجر.
5- التواصي بالدوافع المهمة الَّتِي تؤدي إلى الصبر.
أ- من الدوافع المساعدة للصبر هُي الدوافع الإيمَـانية، قَالَ تَعَالَى: ﴿﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [الْمُدَّثِّر:7]. ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ [الرَّعْد:22].
ب- ومن الدوافع المساعدة للصبر هِيَ الدوافع الإنسانيَّة وَالأخلاقيَّة: مثل: العزة، الْكَرَامَة، الْإِبَاء. هَذِهِ قيم كلما نمت فِيْ الْإنسان كلما ترسخت فِيْهِ كلما كَانَتْ عاملاً مساعدًا للصبر أكثر، فالذي يعشق العزة يأبى الذلة والهوان.
جــ- ومن الدوافع المساعدة للصبر هُوَ دافع الوعي بظروف الحياة،
د- ومن الدوافع المساعدة للصبر هُوَ دافع الوعي بعواقب التفريط والتنصل عن المسئولية، عواقب خطيرة جِـدًّا في الدُّنْيَا وَالآخرة.
وهنا نصل إلى نهاية المطاف ونكون قَدْ صاحبناكم مَعَ السَّيِّد الْقَائِد عَبْدالْمَلِكِ بَدْرالدِّيْنِ الْحُوثِي -يَحْفَظُهُ اللَّهُ- ومحاضرته الرمضانية الَّتِي ألقاها يَوْم 10 رَمَضَان 1443هــ الْمُوَافِق 11 أَبْرِيْل 2022م، وَالَّتِي تحدثت عن الصَّبْر الجزء الثاني.