الفلسطينيون أصحابُ الأرض والحقّ.. المسجد الأقصى خطٌّ أحمر
المسيرة / متابعة خَاصَّة
معركةٌ مفصليةٌ خاضها المصلون والمرابطون في المسجد الأقصى المبارك، مع بدء اليوم الأول لما يسمى بـ (عيد الفصح اليهودي من 15 – 22 ابريل الجاري)، وسط رفع الكيان الصهيوني لحالة التأهب.
على الموعد ومع صلاة الفجر كان الفلسطينيون – بكل مكوّناتهم – بالمرصاد لاقتحامات المستوطنين وقوات الاحتلال التي اعتدت على المصلين والمرابطين في المسجد الأقصى في القدس المحتلّة.
احتشد للصلاة أكثرُ من 30 ألف فلسطيني أتوا من القدس ومختلف مناطق الضفة الغربية المحتلّة، كما توافد الفلسطينيون من الدّاخل المحتلّ تلبيةً لنداء “فجر حماة الأقصى” ضمن حملة “الفجر العظيم” في أَيَّـام الجمعة، من شهر رمضان.
كان الشباب الفلسطيني قد أعدَّ المتاريس استعداداً لصدِّ الاقتحامات التي دعت إليها الجماعات اليهودية وخَاصَّة المتطرفة جماعات ما يسمى بـ (الهيكل)، لتنفيذ مخطّطاتهم التهويدية في المسجد الأقصى، حَيثُ يصرّ اليهود على تقديم “القرابين” داخل باحات المسجد، وقد تمّ إحباط 15 محاولة بها مستوطنون في الساعات الأخيرة لتهريب حملان أَو خراف.
ودارت الاشتباكاتُ بين قوات الاحتلال والمرابطين أسفرت عن وقوع أكثر من 200 إصابة واعتقال الاحتلال لحوالي 400 فلسطيني.
وقد اقتحم جنودُ وشرطة الاحتلال إلى داخل المصلى القبلي مخلفين أضراراً واسعة، وألقوا بالقنابل الدخانية عبر النوافذ؛ بهَدفِ تفريق المرابطين. لكنّ الفلسطينيين نجحوا في المواجهة واستطاعوا إخراج الاحتلال وباشروا العمل في تنظيف المكان استعداداً لصلاة الجمعة، التي أداها أكثر من 60 ألفاً، أمس الأول.
حيث تصدّوا لمخطّطات ذبح “القرابين” في المسجد وتدنيسه باقتحامات المستوطنين، وسط اشتباكات عنيفة دارت بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال التي اعتدت بوحشية على المتواجدين في الباحات وداخل المصلى القبلي كما اعتدت على حرمة ورمزية الأقصى.
المقاومةُ ترقُبُ ويدُها على الزناد
أصداءُ المواجهات وتدنيس الاحتلال ومستوطنيه للمسجد الأقصى سُمعت في قطاع غزّة، حَيثُ قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش: إن “غزة الجريحة والمحاصرة تخرُجُ اليومَ وتعلن وقوفها لجانب القدس وأهلها وتؤكّـد رفضها لكل محاولات فرض الهُوية اليهودية على القدس ولتحمي ثوابت شعب الفلسطيني”.
وأجمعت فصائلُ المقاومة أن القدس لا تزال الخط الأحمر وأن المساس بها يعيد الاحتلال إلى معركة “سيف القدس”، وقد أكّـد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في تصريحه: أن “قرارنا الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك وحمايته مهما كان الثمن”.
كذلك صرّح القيادي بحركة المقاومة الشعبيّة خالد الأزبط، أن “المقاومة يدها الآن على الزناد وأصبحت رشقاتها جاهزة، وساعة الصفر في يد الاحتلال إذَا ما ارتكب حماقة بذبح القرابين في الأقصى”.
ومن ناحية ثانية، فَـإنَّ ما بات ثابتاً في معادلات الردع منذ المعركة الأخيرة هو أن إشعال الجبهة مع غزّة يترافق دائماً مع احتمالية امتداد المعركة إقليمياً وخَاصَّة نحو الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان الذي أعلن أمينه العام السيد حسن نصر الله “أن القدس تعني حرباً إقليمية”، وفي هذا السياق أشار الناطق باسم حركة حماس عن مدينة القدس محمد حمادة إلى أن “الاستقرار في المنطقة لن يستمر إذَا واصل الاحتلال اعتداءاته على المسجد الأقصى”.
وأكّـد عضو المكتب السياسي في حركة الجهاد الإسلامي الدكتور يوسف الحساينة أن “الصامدين المرابطين في القدس المستباحة يقفون بشموخ على أسوارها يدافعون عن التاريخ، والحضارة، والتراث، والحياة”.
في السياق، أكّـد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وقوف بلاده إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، مستنكرًا الجرائم الصهيونية، وأدان ما قامت به من اقتحام للمسجد الأقصى، وأشاد بالمقاومة الفلسطينية التي تتصدّى لهذا العدوان والصلف ومحاولات الاستيلاء على المقدسات.
كلام عبد اللهيان جاء خلال اتصال هاتفي برئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية مساء يوم الجمعة الفائت، حَيثُ تباحثا في الأوضاع المتصاعدة في مدينة القدس المحتلّة والانتهاكات الصهيونية في الأقصى، وعمليات القتل والاغتيال التي جرت في مدينة جنين وبعض مدن الضفة.
وثمّن هنيّة الموقف الإيراني الداعم للقضية الفلسطينية ومقاومته، وقال إنّ “شعبنا متمسّك بحقوقه وأرضه ومقدساته، ولن تنجح هذه المحاولات في السيطرة على الأقصى أَو تغيير طابعه الإسلامي”، مشدّدًا على قناعة شعبنا أنّ الأُمَّــة تقف إلى جانب ومع الشعب الفلسطيني، ولافتاً إلى أنّ القدس جزء من عقيدة الأُمَّــة، وأمتنا ثابتة على عقيدتها.
على المقلب الآخر، رفعت الأجهزة العسكرية والأمنية للاحتلال حالةَ التأهب القصوى على الجبهة الجنوبية وخَاصَّة فيما يتعلق بنظام الدفاع الجوي والقبة الحديدية في ظل ووجود مخاوف من إطلاق الصواريخ.
الضفة تنتفضُ نُصرةً للأقصى
خرجت، أمس الأول، الضفةُ الغربية المحتلّة بدورها دفاعاً عن المسجد الأقصى، حَيثُ اشتبك الفلسطينيون مع قوات الاحتلال في نابلس، وبيت لحم، قلقيلية، البيرة، الخليل، رام الله وعند الحواجز مقدّمين 19 جريحاً.
وقد دعت حركة حماس “الجماهير في مختلف مدن الضفة الغربية لنصرة حماة الأقصى ومساندتهم عبر تصعيد وتيرة الاشتباك مع قوات الاحتلال، وإشعال كُـلّ نقطة يتواجدون فيها”.
مساراتُ التهدئة والوسطاء
رغم عودة الهدوء إلى الضفة الغربية والقدس المحتلّة إلا أنّ احتمالات عودة التصعيد قائمة في ظل تحويل محيط المسجد الأقصى إلى ثكنات عسكرية بالتزامن مع الأعياد اليهودية التي سوف تستمر طيلة الأسبوع الحالي.
هذا التصعيدُ “الإسرائيلي” استدعى تدخل عدة دول والأمم المتحدة على خط الوساطة لمنع انفجار الأوضاع.
ونفت فصائل المقاومة الفلسطينية التوصل إلى تهدئة أَو هُدنة مع الاحتلال “الإسرائيلي”، مؤكّـدة أنّها تتعامل مع الاحتلال حسب معطيات الميدان.
وشدّدت فصائل المقاومة الفلسطينية أنّ الضامن الوحيد لردع اعتداءات الاحتلال هو المقاومة واستمرار الرباط في باحات المسجد الأقصى.
القيادي في حركة “الجهاد الإسلامي” داوود شهاب، قال: “نحن لا نتحدّث عن تهدئة، نحن نتحدّث عن تعاملنا مع متطلبات الميدان”، وَأَضَـافَ شهاب “بمعنى إذَا اعتدي على الشعب الفلسطيني سيكون لنا موقفٌ ورد في حينه”.
وتابع “أرسلنا رسائل واضحة لكلّ الوسطاء إذَا لم يتوقف العدوان “الإسرائيلي” عن الضفة الغربية والقدس والمسجد الأقصى، فَـإنَّ الأوضاع ستؤول إلى معركة حقيقية وقاسية”، مُشيراً إلى أنّ عدداً من الوسطاء تحدّثوا مع الحركة؛ مِن أجلِ منع التصعيد”.
وأكّـد شهاب “أنّ فصائل المقاومة تتابع ما يجري على الأرض، ولن نتخلّى عن واجب الدفاع عن الأقصى ولا عن حماية أبناء الشعب الفلسطيني”.
وشدّد على أنّ فصائل المقاومة لن تسمح للاحتلال بالاستفراد بأيّة منطقة على حساب منطقة أُخرى”.
بدوره، قال المتحدث باسم حركة “حماس” عبداللطيف القانوع: “لا توجد تهدئة وهُدنة في ساحات القدس والمسجد الأقصى، ومن حقّ شعبنا الفلسطيني في الصلاة والاعتكاف والرباط في المسجد الأقصى وهو حق لا مساومة عليه”.
وأوضح: “أنّ الاتصالات التي تجري لوقف اقتحامات الاحتلال وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني وعدم تدحرج الأمور لمعركة عسكرية جديدة، وإنْ كانت المقاومة جاهزة لذلك”.
المقاومةُ تحدّدُ شروطَها
تدخّلت وساطاتٌ مصريةٌ وقَطرية لمناقشة الأوضاع بالإضافة إلى اتصال هاتفي أجراه المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الشرق الأوسط تور وينسلاند مع هنية أعلن فيها الأخير شروط حماس للاحتلال، “أولها السماحُ للمصلين والمعتكفين بالوصول إلى المسجد الأقصى بحرية تامة وعدمُ الاعتداء عليهم داخل المسجد، والإفراجُ عن المعتقلين الذين تم اعتقالهم فجر يوم الجمعة وقبله، ووضع حَــدٍّ نهائي لقصة القرابين، ووقف عمليات القتل والاغتيال في جنين ومخيمها ومختلف أنحاء الضفة”، وضرورة إلزام الأمم المتحدة للكيان بها.
معركةٌ هُوية
إنها معركةُ وعي وهُوِيَّة بامتيَاز انتصر فيها الشعب الفلسطيني مرّة جديدة ليثبتَ أن هُوِيَّةَ القدس والمسجد الأقصى عربية وإسلامية لا يُتنازل عنها أمام كيان الاحتلال وجماعات اليمين المتطرف الذين أرادوا تهويد وأسرلة القدس المحتلّة في إطار شرعنة احتلالهم أَو ما يعتبره وجوداً تاريخيًّا وعقائدياً في فلسطين المحتلّة.
وتعتبر هذه التصعيدات في أَيَّـام شهر رمضان من جهة وتزامنها مع الأعياد اليهودية من جهة أُخرى، معركةً لها أبعاد أيديولوجية تمسّ بمستقبل هُوِيَّة القدس والمسجد الأقصى.
فذبح “القرابين” في الأقصى ليس إلا محاولة لإحياء الهيكل اليهودي المزعوم وأسرلة القدس، في المقابل فَـإنَّ الموقف الفلسطيني اليوم يأتي دفاعاً عن الهُوِيَّة العربية والإسلامية للمسجد الأقصى ويحمل رسالة مفادها أن الفلسطينيين وحدهم أصحاب القرار، إذ لا يمكن للاحتلال وقواته تحديدُ مَن سيدخُلُ الأقصى أَو كيف وما نوع الطقوس التي يجب أن تمارَسُ هناك.