نبذة عن التنمية.. من هاجس البقاء إلى السلاح الاقتصادي .. بقلم/ إبراهيم محمد الهمداني
كانت التنميةُ –وماتزال– الهاجس الأول، الذي شغل تفكير الإنسان، والقضية الكبرى التي أخذت كُـلّ اهتمامه، منذ فجر تاريخ البشرية، نظراً لارتباطها الوثيق بحقيقة تموضعه الوجودي على الأرض، واستمرار بقائه، وبطبيعة علاقته بما ومن حوله من الكائنات والأشياء.
ومثلما اندفع الإنسان -بدافع الحاجة- وبفعل غريزة البقاء، إلى امتهان حرفة الصيد، لتأمين احتياجاته من الغذاء، وضمان تحقيق البقاء، فقد دفعته الحاجة إلى ابتكار الوسائل والأدوات الكفيلة بإنجاح مهمته، وتحقيق هدفه، من خلال استغلال وتوظيف الممكن والمتاح والمتوفر، من مفردات وعناصر الطبيعة من حوله، لصناعة أدوات ومستلزمات الصيد، في صورتها البدائية الأولية، والعمل على تطويرها وتحديثها، بما من شأنه تأكيد تطور الاكتساب والتحصيل المعرفي، عند الإنسان الأول، وشعوره بأهميّة مواكبة عامل الزمن، معرفةً وإنجازاً.
وإذا كانت مهنة الزراعة قد ظهرت استجابة لضرورات التحول الاجتماعي، وانتقال الإنسان إلى طبيعة الاستقرار الدائم، تبعا لمقتضيات مسيرة التطور، فَإنَّ مهنة الرعي قد عكست طبيعة الاستقرار الجزئي، وفقاً لظروف وعوامل جغرافية ومناخية واجتماعية معينة، ضمن معطيات الإطار الزمني التطوري العام.
وكذلك مثَّلَ النشاط التجاري صورة متقدمة، من صور التفكير التنموي، والعمل على تنويع مصادر الدخل والثروة، ويمكن القول إن تلك الأنشطة وغيرها، قد رسمت الإطار العام للمسيرة التنموية، في مسارها التطوري المتصاعد، وأكّـدت تطور الفكر الإنساني، وسعيه الحثيث إلى تطوير معارفه ومهاراته، وفقا لمعطيات التطور الحضاري الإنساني.
وإذا ما تجاوزنا تلك الحقب والأزمنة، من مسيرة التطور والارتقاء الحضاري، وُصُـولاً إلى العصر الحديث، وخَاصَّة حقبة الاستعمار الحديث، وما تلاها من وهم الاستقلال، الذي صدرته القوى الاستعمارية للشعوب، نظير ثوراتها وتضحياتها الكبيرة، فَإنَّه يمكن القول إن حقبة القرن العشرين في الغرب وأُورُوبا، قد اتسمت بنهضة صناعية، وثورة تكنولوجية، وقفزة تنموية شاملة، كانت من نصيب ذلك الغرب أُورُوبي، ولم يكن للعالم العربي والإسلامي حظٌ فيها، إلا بمقدار ما يجود به عليه الآخر، الذي استغل – بدوره – ذلك التموضع الريادي العالمي، ليجعل منه وسيلة لممارسة دوره الإمبريالي مرة أُخرى.
وبناءً على ذلك المعطى الاقتصادي التنموي، تم تقسيم العالم إلى قسمين؛ عالمٌ متحضرٌ وآخر متخلف، دولٌ متقدمة وأُخرى نامية، مجتمعات منتجة وأُخرى مستهلكة... إلخ، وهي تسميات اعتمدت المعيار الاقتصادي التنموي، ومقومات الإنتاج، في عملية التصنيف والفرز، كما ظهرت تسميات أُخرى، ارتكزت على العنصرية العرقية الاستعلائية، والبعد الاستكباري التسلطي، لتمييز العالم الثالث المتخلف، عن عالم ذوي الدماء الزرقاء، وأصحاب السلالات النقية، لتكشف عنصرية العرق والنسب، عن حقيقة ذلك السرطان الاستعماري، الذي استنكف أن يسمي عالما ثانيا، يفصله عن عالم التخلف الثالث، الذي لا ذنب له فيما مني به، إلا أنه كان يرزح تحت نير المستعمر، ويحترق في براكين ثورته، التي سرعان ما أطفأتها صكوك الاستقلال الوهمي، ليعود ذلك المستعمر، مرتدياً قِناعَ التفوق الاقتصادي والتكنولوجي، ولكن بذات الأطماع الاستعمارية، وذات العقلية اللصوصية المتوحشة، ليمنح نفسه –من جديد– حق الاستحواذ والتسلط، ونهب ثروات وخيرات ومقدرات الشعوب النامية.
وبعيدًا عن التعريفات اللانهائية لمفهوم التنمية، يمكن القول إنها عملية مجتمعية، تبحث عن الطرق والوسائل والسبل، الكفيلة بإدارة وتطوير وتنويع وتوليد مصادر الثروة، واستغلالها الاستغلال الأمثل، وفقا لطبيعة الإمْكَانات المتوفرة والممكنة والمتاحة، ويقاس النمو الاقتصادي في مجتمع ما، بمستوى قدرته على الإنتاج، مقارنة بمصادر ثروته المتجددة، ونسبة عملياته الإنتاجية، إلى مستواه المعيشي، وسقف متطلبات حياته.
وعادة ما تقوم الحكومات بوضع سياسات واستراتيجيات تنموية شاملة ومدروسة، معتمدة على مستوى كفاءة وقدرة المؤسّسات والأفراد، في إنجاح عملية إدارة التنمية، وإنجاز كُـلّ مشاريعها المزمَّنة، ومواكبة إيقاع المسيرة التنموية، في سياقها الحضاري العام، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الدور التنموي، الذي لعبته الأنظمة العربية، وطبيعة التنمية التي قدمتها لشعوبها، وخَاصَّة في اليمن؟!