غزوة بدر الكبرى.. الدرس الكبير في الجهاد
المسيرة | أيمن قائد
تحلُّ علينا ذكرى غزوة بدر الكبرى في وقت لا يزال فيه اليمنيون يعيشون واقعاً مريراً مع استمرار العدوان الأمريكي السعوديّ الذي جمع كُـلّ قواته وعتاده وإمْكَانياته، محاولاً غزو بلاد الإيمَـان والحكمة وأحفاد الأنصار.
ولا تخلو هذه المناسبة، دون أن يخصص لها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مساحة للحديث؛ باعتبَارها “يوم الفرقان” التي يتم فيها استلهام الدروس والعبر من هذه الواقعة كون التاريخ يعيد نفسه.
ويعتبر يوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية للهجرة يوماً مهماً وعظيماً ومجيِّدًا وتاريخيًّا واستثنائيًّا ومفصليًّا وفارقاً، في تاريخ الأُمَّــة، فقد أسس لمرحلة جديدة خرجت بها الأُمَّــة المسلمة آنذاك من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة القوة والهيبة والمكانة، كما كسرت هيبة الطاغوت، وكسر الله بها شوكة الأعداء، وعززت الأمل لدى المستضعفين، وغيرت النظرة السائدة في واقع الناس آنذاك، وغيرت النظرة السائدة لقوى الطاغوت أنها قوى لا يمكن أن تقهر ولا أن تكسر وأنها أمر حتمي وأمر لا مفر منه.
وهنا نستذكر الدور العظيم لرسول الله محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- في نصرة دين الله، ومواجهة المستكبرين، وفك قيود العبودية للطواغيت، وتحطيم أوصال الذل والخضوع للأعداء الظالمين المجرمين، وكسر أغلال العبودية لغير الله، ولإخراج الإنسان من عبوديته للطواغيت والمفسدين في الأرض إلى عبودية الله وحده، وإعادته كما خلقه الله إنساناً حراً كريماً عزيزاً شامخاً مؤهلاً لحمل رسالته التي خلق؛ مِن أجلِها، وهي خلافة الله في أرضه ونصرة دينه ومواجهة أعدائه من الطواغيت والمستكبرين.
لذا نجد أن سورة الأنفال قدمت غزوة بدر بطريقة لا تراعي التسلسل التاريخي للأحداث؛ كون الأهم في الأحداث هي الدروس والعبر وليس التسلسل، بينما نجد التكفيريين قدموا غزوة بدر ومفهوم الجهاد في سبيل الله بطريقة بشعة ومشوهة.
وتقدم السورة الدروس القيمة ليس لتلك الأيّام فقط، وانما لواقع المسلمين إلى نهاية الحياة؛ وبالتحديد عندما تشاجر المسلمون على الغنائم ليعطيهم درساً مفاده أن من ينطلق مجاهداً يجب أن يتجرد من المطامع والأهداف الشخصية، وهذا ما يؤكّـده قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في جل محاضراته، وهو أن الانطلاق؛ مِن أجلِ المطامع والرغبات الشخصية سيوجه ضربة للألفة والمودة والأخوة التي تعتبر ركيزة لنجاح العمل.
ويوضح السيد عبد الملك في محاضرات سابقة في سياق حديثه عن غزوة بدر الكبرى أنه وكي لا تشخصن الغنائم وتدخل الحساسيات وفساد ذات البين والمطامع، فقد أمر الله بأن لا تعود للملكية الشخصية، وإنما للحق العام تحت إمرة الرسول كقائد للمسلمين، وَهذا لا يعني أن الله يريد أن يحرم المجاهدين من الغنائم، بل الالتزام بأوامر الله والحفاظ على المال العام سيعود عليهم بالخير والرزق، مُشيراً إلى أن البعض مهووسٌ بالغنائم والمطامع والأنانيات، وهذه هي سبب هزيمة المسلمين في غزوة أحد، ويؤكّـد أن صلاح ذات البين والتقوى والطاعة لله وللقائد الرباني ثلاث ركائز مهمة في تمكين الأُمَّــة وتحقيق النصر.
دروسٌ وعبر
في هذا السياق، يؤكّـد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في ملزمته بعنوان “غزوة بدر الكبرى أن القرآن الكريم يقدم أحداث التاريخ كأحداث مليئة بالدروس والعبر لهذه الأُمَّــة في كُـلّ جيل وفي كُـلّ عصر؛ لأَنَّ رسول الله نبي لأول هذه الأُمَّــة وآخرها فتخطيطاته ومسيرته الجهادية يقدم فيها الدروس للأُمَّـة إلى يوم القيامة، فلم يكن النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- يفكر لعصره فقط، فالقرآن قدم الأحداث على هذا الأَسَاس، على أَسَاس أنها أحداث تعليمية في كُـلّ عصر، وليس فقط للسنة الثانية للهجرة مثل واقعة بدر، ولذلك لا يوجد حديث عن مكة وقريش هنا وإنما حديث عن إيمَـان وكفر، مؤمنين وكافرين، أنصار لله وأنصار الباطل؛ لأَنَّها قضية تبقى دائماً في كُـلّ زمان وفي كُـلّ عصر على أَسَاس أنها قضية مرتبطة في كُـلّ عصر”.
ومن تلك الدروس يذكر الشهيد القائد أن تطهير الأرض من الفساد قضية تقع على عاتق المؤمنين، فالقرآن الكريم يقدم تطهير الأرض من الفساد قضية مهمة، تجد أن هذه المهمة ـ فعلًا ـ في معارك النبوة، في معركة بدر ماذا حكى الله عن قريش؟ أخرجهم إلى المجزرة، إلى، حَيثُ ينحرون، أخرجهم إلى، حَيثُ ينحرون، ومهمة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ومن معه أن يطهروا الأرض من هؤلاء، وهذه مهمة أَسَاسية بالنسبة لمن يدينون بدين الله، أن الدين هو لتطهير النفوس وتطهير الأرض، تطهيرها من الخرافات، تطهيرها من الفاسدين، تطهير النفوس أولًا من الفساد.
ويشير الشهيد القائد إلى أهميّة الرصد والرقابة والمتابعة لتحَرّكات الأعداء لمعرفة ما يخططون له وينوون القيام به اقتدَاء بالرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- الذي كان طوال مواجهته لأعداء الله يبعث بمجموعات لغرض الرصد والرقابة لكل تحَرّكات الأعداء، مؤكّـداً أن الاستغاثة القوية بالله الذي بيده النصر وأن الرهان عليه مع الثقة به وليس الرهان بالعدد والعدة.
ويقول إن القرآن الكريم وضح لنا كيف تكون نهاية الطواغيت، كما قدم النبي -صلوات الله عليه واله وسلم للأُمَّـة درساً مهماً في الصراع هو أن تكون أُمَّـة مستقلة.
وبالعودة إلى يوم الفرقان فقد كان البعض كارهاً الخروج لقتال قريش خوفاً من الهزيمة، لذلك أخرج الله النبي للقتال بالحق كعنوان ومضمون وليس مُجَـرّد عناوين بمضامين جهنمية كحال التكفيريين.
وهنا يبين السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن إحقاق الحق في غزوة بدر تمكّن في إفشال العدوّ وتحطيمه عسكريًّا، وأن هذا درس للجميع بأن الحق يطمس أي باطل أمامه ويظهر بشكل قوي ولا يقبل أبداً الهزيمة أَو الخنوع والاستسلام.
ويذكر قائد الثورة في إحدى محاضراته على ضوء ما ورد في سورة الأنفال عن عناصر وعوامل النصر في ميدان المعركة والمواجهة مع الباطل، والدروس والعبر المهمة التي ضمنتها، والتي تستفيد منها الأُمَّــة في مواجهة كُـلّ التحديات والأخطار والأعداء، وكيف يجب أن تكون نفسيات المؤمنين المجاهدين وكيف ينبغي أن يكون قربهم وارتباطهم بالله تقوى وإيمَـان صادق وإصلاح ذات البين والتوكل على الله والطاعة لله ورسوله.
ويستعرض السيد القائد الأمور التي تؤدي إلى الفشل والفوضى وتؤدي إلى عدم التوفيق الإلهي والتي تكمن في الشخصنة والأنانية والغرق في وحل الغرور والكبر ونسبة الإنجازات للنفس حتى يصبح البعض يشبه شر الدواب إذَا ذكر بالله ولم يسمع، مشيراً إلى عدد من الدروس والعبر التي نستلهمها من هذه الآية المباركة: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ}، أولها هو: ثمرة الاعتماد على الله -سبحانه وتعالى-، والتوكل على الله -جل شأنه-، فالله -جل شأنه- يمنح من رعايته ومعونته وتأييده ما يمكِّن عباده المؤمنين في موقفهم الحق من إلحاق الخسائر الكبيرة بالعدوّ، بالرغم من محدودية الإمْكَانات على المستوى المادي والعسكري في يد المؤمنين.
دروس أُخرى
وإلى ذلك فَإنَّ الدرس الآخر الذي نستلهمه، هو درس تربوي مهم، وهو: أنَّ الله -سبحانه وتعالى- يذكِّرنا بأنه -جل شأنه- الذي يمكِّن، لولا تمكينه، لولا تأييده، لولا معونته، لولا إمدَاده المعنوي، وتسهيلاته الكثيرة التي يحقّقها لعباده المؤمنين؛ لما تمكّنوا من النكاية بالعدوّ بحساب إمْكَاناتهم المادية وقدراتهم البشرية.
كذلك من الدروس التي أشار إليها السيد القائد أَيْـضاً درس على المستوى الأمني، وهو لا يستحسن أن يتباهى الإنسان بقتل أشخاص مثلاً في صف العدوّ، فيصبح يتباهى أنه الذي قتل فلاناً، أَو أنه الذي تمكّن من قتل فلان، على المستوى الأمني يمكن أن يركِّزوا عليه شخصيًّا، وتتحول القضية إلى قضية شبه شخصية وثأر شخصي.
ويلفت السيد القائد إلى درس اجتماعي، وهو أنَّ البعض قد يكون من أسرة معينة، أَو من منطقة معينة، أَو من قبيلة معينة، والتباهي بقتله قد يورث الضغائن في نفس أسرته، في نفس أصحابه، في قبيلته، وتكون المسألة حسَّاسة، تترك تأثيراً سلبياً على المستوى الاجتماعي، البعض قد يكون من نفس مجتمعك الذي أنت تعيش فيه، فيكون لهذا آثار سلبية حتى على مستوى المستقبل، على مستوى المستقبل قد يؤثِّر على البعض في موقفهم، في هدايتهم، في صلاحهم.
ونستخلص من محاضرات السيد القائد أن الطاعة ركيزة أَسَاسية ونقطة جوهرية تدل على صدق الإيمَـان وبها تتحقّق الأمور والإنجازات، وهذا تشخيص عسكري ميداني قرآني دقيق لمجريات وأحداث المعركة بين الحق والباطل ليس هذا فحسب، بل حتى على مستوى الحديث عن الحسم والنتيجة النهائية للمعركة لصالح المؤمنين وهذا ما تحدثت عنه سورة الأنفال عن معركة غزوة بدر الكبرى.
كما نستخلص أمر مهم لا ينبغي أن نتجاهله، وهو كيف أن الله تعالى هو الذي يتولى الأمر في المعركة من البداية إلى النهاية ويتدخل ويحسم الأمور لصالح المجاهدين في سبيله.