ويأبى الله إلا أن يتم نوره .. بقلم/ عبدالرحمن مراد
على مدى أَيَّـام معدودات اقتربت من فكر القائد العلم السيد عبد الملك الحوثي وخرجتُ بقين واحد لم أصل إليه منفرداً فقد وصل إليه غيري حين قالوا: إن المرء كلما زاد علماً زاد في مقابل ذلك علماً بجهله.
لقد قرأت وتفكرت وتأملت كَثيراً لكني أمام فكر السيد القائد ازداد يقيني بجهلي، القضية هنا لا علاقة لها بمدى ما يقرأ المرء ولا علاقة لها بالتجارب والخبرة بل بالفتح الذي يفتح به الله على بعض عباده فيلهمهم الصواب، وبذلك يمتازون عن غيرهم ومثل ذلك من عطايا الله.
حين تحدث القائد عن التعاون على البر والتقوى على مدى محاضرتين خلال ما سلف من أَيَّـام وجدت نفسي جاهلاً تماماً، فقد كنت أجهل مصطلح البر بذلك المفهوم الذي يلامس حياة الفرد والمجتمع ويتسع ليشمل الأُمَّــة، فالأمة تحتاج إلى هذا التأصيل النظري والفلسفي لمفهوم البر ومفهوم التقوى بكل ذلك الامتداد الرأسي والأفقي للدلالة والتي فصل السيد القائد القول حولهما في محاضرتيه، كما فصل القول حول مصطلح التعاون، إذ اتسعت دلالة التعاون حتى شملت البعد الاقتصادي فضلاً عن البُعد الاجتماعي والثقافي.
إذا استمع المرء إلى محاضرات السيد القائد فهو بالتأكيد قد يصل إلى نتيجة واحدة وبقناعة مطلقة أن القرآن -فضلاً عن قداسته- فهو كتاب حياة، ومنهج حياة، في آياته النظرية الاقتصادية، والنظرية السياسية، والنظرية الأخلاقية والتربوية، والنظرية اللغوية والاجتماعية وخاب وخسر من ظنه نصا مقدسا جامدا لا حركة فيه كما نظر إليه كُـلّ الذين سبقونا، فكان تفسيرهم له لا يتجاوز الدلالة اللغوية والحادثة التاريخية وأسباب النزول وجهلوا ولم يستنبطوا آياته وإشاراته ورموزه كما يستنبطه الراسخون في العلم فاستخرجوا مقاصده من معادنه.
مر بالأمة زمن طويل وحقب وهي تجهل القرآن ولا ترى فيه إلا تعبُّدًا وقداسة فكان من أمر الأُمَّــة ما رأينا وقرأنا في حقب التاريخ المختلفة، منذ انهيار فكرة الدولة وتضعضع وضع المسلمين بعد أن دخل التتار بغداد فعاث فساداً ودماراً وأغرق كتب المسلمين في نهر دجلة إلى يومنا المشهود الذي لا نشهد فيه إلا ذلها وهوانها وشيوع الفساد في برها وبحرها دون أن يكون لها موقف ينتصر لكرامتها وعزتها، فهي أُمَّـة ربطت مصيرها بأهواء حكامها فظلت وتعس حالها، والمثال واضح جلي اليوم نقرأه في الفساد الذي ترعاه إرادَة من يحكمون من أصحاب الثروة في الجزيرة والخليج.
فالخليج أصبح مرتعاً وملاذاً لكل فساد العالم وكانت السعوديّة تنأ بنفسها عن ذلك لكنها اليوم وقعت في الشراك فخاب أمرها وخسر وهي مقبلة على تعاسة أبدية، ومن حسناتها –وربما رأى غيري أن لا حسنات لها– أنها بعدوانها على اليمن أشعلت قبسا قرآنيا ما كان له أن يتسع كُـلّ هذا الاتساع ويمتد كُـلّ هذا الامتداد لولا عدوانها على اليمن، وقديما كان يقول الحكماء وأهل البصيرة والرأي: “رُبَّ ضارةٍ نافعة”، وقالوا أَيْـضاً: لولا اشتعال النار فيما حولها ما كان يُعرف طيب عَرْفِ العُود، فالضرر الذي كان من العدوان لا أراه إلا روحاً جديدة وبعثًا جديدًا لأمة كان الزمان قد أهال ترابَه عليها، وقضت إرادَةُ الله أن يبعثها من بين ركام الأحداث، فلم تزد النار أهل اليمن إلا إصراراً وقوة، وكما وصلت قذائفهم إلى أماكنَ لم يتوقعها العدوّ يوم أن أعلن عدوانه -ها هو فكرهم الذي يتجدد ليبعث الأُمَّــة- يحدّد مساره ويختار طريقه وهو يصنع أُمَّـة جديدة ترتبط بهدى الله وبمنهجه وقرآنه، فالصناعة القرآنية التي يصر عليها قائد الثورة ويجهد نفسه ويكابدها ويلزمها العناء الكبير -رغم كُـلّ الصعاب- إلى أن تصل للناس.
وقف العالم كله أمام حركة أنصار الله وخاض الحروب تلو الحروب وأعلن حرباً كونية حتى يطمس نور الله والمسيرة القرآنية ويأبى الله إلا يتم نوره ولو كره الكافرون.