الصَّماد: بين الذكرى والعبرة .. بقلم/ هنادي محمد
اعتادت الشعوبُ العربيةُ على أن يكونَ حُكَّامُها سلطويين بعيدين عن أبناء شعبهم قريبين من الأطماع، هَـــمُّهم الأولُ والأخيرُ هو كرسي الحكم ورفاهيةُ المنصب ورغد العيش الرئاسي وطوفان الحراسة الأمنية المشدّدة ورصيد الأملاك والأموال؛ لأَنَّهم يرون في المسؤولية مغنماً كَبيراً يحتم عليهم اغتنام مدتها والخروج منها بما يثقل الأكتاف يوم القيامة!
في المقابل، برز الشهيد الرئيس صالح علي الصماد، كأول نموذج قرآني عربي مسلم حمل المسؤولية كتكليف لا كتشريف معنوي، ونظر إلى شعبه بعين الحريص المكلف والوالي المؤتمن، كان القريبَ من بسطاء شعبه، البعيدَ كُـلَّ البُعد عن أسوار المكاتب وكراسيها، يقضي أعيادَه ومناسباته الوطنية في ثغور المجاهدين ومتارس المرابطين، يده تصافح أيديهم وأقدامه تخطو الخطوة معهم وإلى جانبهم ولسانه يخاطبهم قائلًا: “يشرّف الواحد أن يمسح الغبار من على نعال المجاهدين أشرف له من مناصب الدنيا”.
استطاع الصماد -عليه السلام- أن يكون حلقة الوصل والتقارب بين مختلف الفرق السياسية بعد تحملهِ لرئاسة المجلس السياسي الأعلى في مرحلة صعبة جِـدًّا كانت تحتاج لشخصية كمثله، مثّل النموذج الإيمَـاني الصادق الراقي الذي قرّب حتى خصومه منه أَو بصحيح العبارة من كانوا يرون أنفسهم مستقلّين بفكرهم وتوجّـهاتهم بعيدًا عن موضعهم في السلطة.
انطلق أبو الفضل -على روحهِ السلام- في مسؤوليته تحت قاعدة: دولة للشعب وليس شعب للدولة، وجعل من نفسه ومن مقامه الحساس خادمًا للشعب، وعند أية حواراتٍ أَو مشاورات مع العدوّ لا يساوم في أبسط حقوق الشعب ولا يسمح بالمطلق أن يكون المواطن هو الضحية في سبيل الوصول إلى السلام الزائف الذي يتشدقون به ولو على حساب أن يستمر العدوان جيلاً بعد جيل، ولم يكن تاجراً يبيع ويشتري مصالح الشعب في سوق العمالة.
كان -عليه السّلام- أولَ رئيس يتبنى مشروعاً من الشعب وإلى الشعب يوصله إلى حالة الاكتفاء الذّاتي وهو مشروع “يدٌ تبني ويدٌ تحمي” والذي مثّل ضربة قاصمة للعدو أوقدت من شرره وبطشه ونمت إرادته في إبادة شعبنا وكسر عزيمته.
ونحن نعيشُ الذكرى السنوية الرابعة لارتقاء شهيدنا العزيز ورئيسنا العظيم أبا الفضل وصاحب الفضل على كُـلّ فردٍ في شعب الإيمَـان والحكمة، في هذا المقام لا يسعني أن أقول لك شيئاً سيدي الشهيد وأنت أعظم من أن تخاطبك كلماتي وتفيك عباراتي، لا أقول إلا هنيئاً للجنة بك، فما جُعلت إلا لأمثالك، خطابي سأوجهه لمن تركت لهم المسؤولية من بعدك، يا سيادة المسؤولين وكلّ فرد في مقام المسؤولية مهما صَغُرت فهي عند الله عظيمة، كفاكم شرفاً ورفعةً أن تجعلوا من رئيسكم الباقي بينكم رغم الرحيل أنموذجًا عمليًّا تستلهمون من روحيته العملية وتستمدون من نفسيته الإيمَـانية ما يجعلكم عند حسن ظننا بكم، وما ينجيكم يوم تقفون بين يديّ الله قبل كُـلّ شيء، اقتبسوا من نور الصّماد وإنْ قدراً بسيطاً يجعلكم تمشون بنورٍ تضيئون به ما انطفأ في أرواح شعبكم المغلوب الذي لم يعد يريد حُكاماً له إلا كالصماد الذي ينتمون إليه ولهُــوِيَّته ومبادئه وبات محطة لتقييمكم أنتم، فاشتروا الجنةَ بإخلاصكم وتفانيكم وصدقكم مع الله ومع رعيتكم، ولا تجعلوا من ذكرى الصماد منبراً لإلقاء أشعار المديح والثناء ثم تعودون أدراجكم، بل اجعلوا منها محطةً لتصحيح وضعيتكم إلى ما يجعلكم أهلاً لما تركه الصمادُ بين أيديكم، والعاقبـةُ للمتّقيـن.