في محضرِ الصمَّاد .. بقلم/ هنادي خالد
في محضرِ النُّور، تقفُ الكلماتُ عاجزةً أمام قداستِه، فماذا عسانا أن نقولَ عن نُورٍ أضاء وطنًا في زمنٍ حالكِ الظُلمة؟!
بل كان قميصًا يوسُفيًا أُلقِي علىٰ خوفِنا فَـ ارتد إلينا الأُمنُ والبَصر، وبعثَ في قُلوبِنا أملًا من رمادِ اليأسِ والخطر.
بل كان يوسُفنا المُؤتمن أَيَّـام القحط والسنينُ العِجاف، حَيثُ أدخر لنا مؤونةً من زَادِ التقوى، بروحٍ تفيضُ بصيرة، ولسانٍ يُردّد الآيات، يُبدد ظلام الملمّات، ويزيحُ عنّا بإطلالتهِ جبالًا من الأحزانِ والآلامِ حتّىٰ كان من نصيبِنا السكينةُ ومن بعدها تحقّق لنا الظَفر.
رأيناهُ عالمًا في ميادينِ ﴿اقرَأ﴾ وفارسًا حيدريًا في ميادين ِ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا﴾، فأخذَ ينسُجُ العِّز لشعبِه،
يقتحمُ الموتَ بلا ذَّرةِ وجلٍ أَو جزع، يصنعُ النصرَ من غُبارِ الجبهات وبارودِ المدافعِ والرصاصِ الذي أحرق بِـ ﴿ وَأعِدُّوا لَهُم﴾ للعدوِ ألفُ موقعٍ ودِشمة.
كان نورٌ يُلاحق فلول الأعادي، يُبدد جورهم وظلامهم، بل كان كـ نورٍ فجرٍ في ليلةِ قدرٍ يمحو دُجى العدوان، ويجلِبُ لنا قبساتٍ روحانيّةٍ مطبطبةً على قلوبِنا بأن لا خوف.
فالحَقُّ مهما حشّدَ ضِدهُ الباطلُ فإنَّهُ لا محالةً سينتصِر، حتّى عندَ احتِدامِ الصراعِ كان الفوزُ لنورِ شهادتِك يا صمادَنا، وأنّا لظلامِهم أن يحجُب النُور، كلّا ولن يقتدِر.
وعلى بُراقِ الاصطفاءِ الإلهيّ وصلت إلى السماءِ التي خبأت لكَ في رياضِها ما لا أُذنٌ سمِعتْ ولا على قلبٍ خطر،
وظلَ عبقُ شهادتِك يفوحُ مِن جسدِك المُخضب بِـ حُمرةِ دِماءِ الشَّهادة تضمهُ أدمع الفاقدين، والنعشُ علىٰ الأكتافِ يزفه الألمُ، والأشواقُ واللّوعاتُ تهمِسُ السلامَ على مسمعِك.
سيّدي الرئِيس، أتعلمُ أن رحيلك المُبكر أيتمَ شعبًا بأكملِه، هدَّ كاهل وطن، وجلبَ له الأسىٰ والحَزن، وأضحىٰ يشتكي حُرقةَ اللَّوعةِ ومن المُصابِ يأنّ؛ لأَنَّ جُرحهُ بمُصابه فيكَ مهما مرَّ عليه مِن الشُّهورِ والأيّام والسّاعاتِ فَـ لنْ يلتئِم!
سيّدي الرئِيس، أتعلم أنّك كُنت في عيونِ شعبِك مُستقبلًا قد رسموا لهُ في العُقولِ والقلوبِ ألفُ أُمنيَة،
وعند كُـلّ مُفترقِ طريقٍ مُعتمٍ في دياجيرِ العُدوانِ كان يلوحُ لهم قبسٌ من نورِك فيرسمُ علىٰ شفاهِ الجياعىٰ البسمة، ويمسحُ عن المُقلِ الدمعة.
سيّدي الرئِيس، أرادوا لروحِكَ أن تغيب فَـ ازدادت حضورًا، ورعبًا دائماً، يلاحِقهُم، يُزلزل أركانهُم.
وفي كُـلّ ميدانًا تختزلُ الخطر وتدحر العدوّ الأشر ﴿وَسَيَعلَمُ الَّذِين ظَلَمُوا أي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون﴾.
سيّدي الرئِيس، صحيحٌ أنّك لم تُورث لنا مالًا ولا ثروة، لكنك أورثتَ لنا سلاحًا ونهجًا ومستقبلًا لِـ قبلة الشَّهادة.