المحاضرة الرمضانية الـ22 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1443 هـ 23-04-2022م
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
من أهم المبادئ الإسلامية، والفرائض الدينية، والمتطلبات الضرورية لواقع الحياة، وطبيعة المسؤولية، هي: الاعتصام بحبل الله جميعاً، والتوحد، والأخوّة بين المؤمنين، يعتبر هذا المبدأ العظيم فريضةً من فرائض الله “سبحانه وتعالى” الإلزامية، التي لابدَّ منها في تحقيق التقوى والالتزام الإيماني، أي: لا يمكن أن يُحسَب الإنسان عند الله من عباده المؤمنين الصادقين، ومن عباد الله المتقين، إذا لم يكن عنده اهتمامٌ وسعيٌ للالتزام بذلك، اهتمامٌ بتنفيذ ذلك، بتحقيق ذلك، وسعيٌ وفق توجيهات الله وتعليماته “سبحانه وتعالى”.
وهي فريضةٌ ضروريةٌ للقيام بالمسؤوليات الجماعية الإيمانية، الله “سبحانه وتعالى” أمرنا بمسؤوليات، نتعاون فيها، نتحرك فيها بشكلٍ جماعي، على مبدأ الأمة الواحدة، ومنها: الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة القسط… ومسؤولياتٌ أخرى، وكذلك التعاون على البر والتقوى، كل هذه المسؤوليات الجماعية التي لابدَّ من التحرك فيها على نحوٍ جماعي، وبجهدٍ جماعي منظَّم، لابدَّ فيها من أخوة المؤمنين فيما بينهم، لابدَّ فيها من أن تقوم على أساس مبدأ التوحد.
وكذلك المشروع الإلهي في أساسه هو مشروعٌ جماعي؛ لأن الواقع البشري هو واقعٌ مترابط، والناس يتحركون في إطارٍ جماعيٍ: إمَّا في صف الحق، أو في صف الباطل، وفي أي اتجاهٍ كانوا، المجتمعات البشرية على الأرض هي مجتمعات تتحرك بشكلٍ جماعي، ضمن تكتلات وأطر، منها دول، منها كيانات، منها…إلخ. هذا شيءٌ معروف في الواقع البشري، فالمشروع الإلهي هو في نفسه مشروعٌ جماعيٌ، يجمع ويرسم المسؤوليات الجماعية، التي يتحرك فيها المؤمنون، على أساس القيام بها، والنهوض بها، والتحرك لتنفيذها.
إضافةً إلى ذلك، هو عامل قوة، وهذه مسألةٌ معروفةٌ في الواقع البشري، أنَّ التوحد قوة، وأنَّ التفرق ضعف، والقوة في التوحد قوةٌ في مواجهة الأعداء، قوةٌ في أداء المهام الجماعية، قوةٌ في إنجاز المشاريع الكبرى، قوةٌ في كل ما تحتاج الأمة فيه إلى قوة، قوةٌ في مواجهة التحديات والأخطار، قوةٌ في تحقيق الأهداف العظيمة والكبيرة والمهمة…إلخ. وهذه أيضاً مسألةٌ معروفة.
إضافةً إلى أنَّ التوحد، والتآخي، والتعاون، والتفاهم، والألفة، من أهم عوامل الاستقرار الداخلي، كل أمة تتحرك في واقع الحياة ضمن مسؤولياتها وأهدافها، تحتاج إلى استقرارٍ داخلي يساعدها على النهوض بمسؤولياتها كما ينبغي؛ لتحقق التعاون المطلوب، المبني على الانسجام القائم، والتفاهم القائم.
ثم أيضاً لتتحرك بجهدٍ كبير، بجهدٍ جماعيٍ قوي، يحتاج ذلك كله إلى أن يكون هناك تفاهم، انسجام، تعاون، استقرار داخلي، إذا فقد الاستقرار الداخلي، انشغل الناس أصلاً بالمشاكل التي تتكاثر، فتزعجهم، تؤثر عليهم، انشغالهم بها انشغالٌ تام، على المستوى الذهني، والنفسي، والفكري، وعلى مستوى الاهتمامات العملية، فيؤثر ذلك بشكلٍ مباشر على اهتماماتهم الرئيسية، على أعمالهم المهمة؛ وبالتالي على أهدافهم الكبيرة، وهذه أيضاً من المسائل المعروفة: الاستقرار الداخلي، الذي يؤمنه التوحد، وتؤمنه وتوفره الأخوّة، هو عاملٌ مهمٌ جداً في النجاح، وفي أداء المهام الكبرى، وفي النهوض بالمسؤوليات مهما كان حجمها، وبتحقيق النتائج الكبيرة والعظيمة، وهذه مسألة سنتحدث عنها على نحوٍ من التفصيل بشكلٍ أكثر.
مع كل ذلك، مع اعتبار هذه المسألة فريضة إيمانية، ومبدأً إسلامياً عظيماً ومهماً، ولابدَّ منها في الالتزام الديني وتحقيق التقوى، لابدَّ منها في النهوض بالمسؤوليات الجماعية، ومواجهة التحديات والأخطار، لابدَّ منها في تعزيز وترسيخ الاستقرار الداخلي، أهميتها الكبيرة جداً فيما يترتب عليها من نتائج لأي مجتمع ينطلق على أساسها، مع كل هذا، هي من الفرائض التي لا تحظى بالاهتمام المطلوب على المستوى العملي في الواقع، وتلقى محاربةً شرسةً جداً من الشيطان، وأولياء الشيطان، وقلة اهتمام في واقع المسلمين، إمَّا بشكلٍ عام، أو حتى على المستوى الداخلي لدى المسلمين.
وهذه من المفارقات العجيبة، مسألة بهذه الأهمية في موقعها في القرآن الكريم والآيات الكثيرة، وفي ما تحدث به الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، لها هذه الأهمية، لها هذه الثمرة، لها هذه النتيجة، والإهمال لها، والتفريط بها، يترتب عليه خسائر كبيرة جداً، حالة الفرقة والاختلاف عليها وعيدٌ بعذاب الله العظيم، هو أمر رهيب جداً، كل إنسان مؤمن، صادق الإيمان، يسعى إلى نجاة نفسه من عذاب الله العظيم، يترتب عليها الخسائر الكبيرة، والفشل الكبير، على مستوى سعي الناس للقيام بمسؤولياتهم فلا يتمكنون من ذلك، يفشلون في أعمالهم، ينزعجون من بعضهم البعض، وينشغلون ببعضهم البعض، على حساب قضاياهم الكبيرة والعظيمة والمهمة، ومسؤولياتهم المقدسة، الآثار السلبية جداً شنيعة، وفظيعة، وخطيرة، يفتحون ثغرات للشيطان، فيعمل على توسيع الفجوة، على أن يبذر بذور الشقاق والفتنة، ويترتب على ذلك نتائج سيئة جداً من المعاصي والذنوب المتنوعة، والتي سنتحدث عنها- إن شاء الله- على نحوٍ من التفصيل.
أوامر الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم، التي تتعلق بهذا الموضوع كثيرة، وصريحة، وواضحة، ومؤكدة؛ إنما يبقى الاستجابة، الاستجابة من كل الذين يعتبرون أنفسهم منطلقين على أساس الاستجابة لله، الله يقول في القرآن الكريم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: من الآية103]، يرسم لنا الله في القرآن الكريم أرقى مستوى وأعظم نموذج من الوحدة، التي تفوق أي وحدة في واقع المجتمع البشري، هي: الوحدة الإيمانية، التي ننطلق فيها من منطلقاتٍ إيمانية، فنعتصم بحبل الله جميعاً، نلوذ به، تجتمع كلمتنا على أساس هدى الله “سبحانه وتعالى”، وتعليماته المباركة، الجامعة، المقدَّسة، العظيمة.
وهذه الوحدة الإيمانية يقدِّم الله لنا أساسها المتين، أساسها العظيم، أساسها القوي الذي تبنى عليه، فيكون بنيانها بنياناً شامخاً، متماسكاً، صلباً، قوياً؛ لأنه قام على أساسٍ وأرضيةٍ صلبةٍ، وثابةٍ، ومتينةٍ، وقويةٍ، ومحكمة.
من أكبر العوامل في الفرقة والاختلاف، هو: الاختلاف على المستوى الفكري، على المستوى الثقافي، على مستوى الرؤى، حتى عندما نأتي إلى الجانب العملي، فتتباين الرؤى المتعلقة بالجانب العملي، فيؤدِّي ذلك إلى التباين، وإلى الفرقة، وإلى الاختلاف، والقرآن الكريم يعالج أول ما يعالج هذه المسألة:
فيحدد لنا المنطلق والدافع، ليكون منطلقاً إيمانياً، ودافعاً إيمانياً مقدَّساً، فنحظى من الله “سبحانه وتعالى” بالمعونة، بالتوفيق على ذلك.
ثم يوحِّد لنا الرؤية؛ حتى نتحرك برؤيةٍ موحَّدةٍ، وتوجهٍ واحدٍ.
ثم مع ذلك يؤكِّد لنا في القرآن الكريم أنه لابدَّ مع التحرك الجماعي هذا، من الأخذ بأسباب الوحدة والألفة، والحذر من أسباب الفرقة والاختلاف، ويعدد لنا ذلك في القرآن الكريم.
هنا في هذا الأمر الإلهي: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}[آل عمران: من الآية103]، يأتي الأمر في: {وَاعْتَصِمُوا}، الذي يفيد أن يكون الاعتصام جماعياً من الأساس بـ(واو الجماعة)، ثم أيضاً يضيف إلى ذلك قوله: {جَمِيعًا}؛ ليؤكِّد على أنَّ هذا الاعتصام اعتصام جماعي، هو اعتصامٌ جماعي، ويأتي بعده بقوله: {وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: من الآية103]، فهو تأكيدٌ ثالث، هذا التأكيد الكبير والواضح يبين خطورة التفرق، وأنه يعتبر من المعاصي، من الذنوب، من الجرائم، من الجرائم الكبيرة، والخطيرة، والسيئة.
يقول الله “سبحانه وتعالى”: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: من الآية10]، فالمؤمنون بانتمائهم الإيماني، ومسؤولياتهم الإيمانية، ومسيرتهم الإيمانية هم إخوة، عليهم أن يشعروا بهذه الأخوة الإيمانية، التي هي أسمى من روابط النسب، ومن كل الروابط.
يقول الله “سبحانه وتعالى”: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال: من الآية1]، فيأمر بصلاح ذات البين؛ للحفاظ على الوحدة، على الأخوة، على التعاون.
يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف: الآية4].
يقول الله “سبحانه وتعالى”: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: من الآية13].
ويحذِّر أيضاً من الفرقة والاختلاف بتحذيرٍ شديد؛ باعتباره من الجرائم الكبيرة، من كبائر الذنوب، فيقول “سبحانه وتعالى”: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران: من الآية105]؛ لأن البينات تجمع، هي كافية في أن يجتمع بها وعليها المؤمنون، في أن تحل أي حالاتٍ من الاختلاف، أو سوء التفاهم، في أن تقدِّم ما يعالج العوائق النفسية المؤثرة سلباً على مسألة التوحد والتعاون بين المؤمنين.
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: الآية105]، وهذا شيءٌ مخيف جداً، هو وعيدٌ صريح، ووعيدٌ لا يمكن أن يختلف، وهذا الذنب- بحد ذاته- كفيلٌ أن يدخلك إلى جهنم، أن يوصلك إلى العذاب العظيم، حتى لو كنت تتظاهر بالاهتمام بصلاتك، وبصيامك، وببعض الأعمال الأخرى، ولكنك ممن يتفرَّقون، ممن يسعون للفرقة، ممن لا يسعى للأخوّة الإيمانية، ممن يتجه اتجاه الفرقة والشتات، وينأى، ويبتعد، ويسعى للخروج عن الصف الإيماني والأخوّة الإيمانية، فهذا الذنب- بحد ذاته- كافٍ في أن يوصلك إلى جهنم، {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وهو في الواقع جرمٌ عظيم، تداعياته وآثاره السلبية خطيرةٌ جداً، وبالذات تجاه المسؤوليات الجماعية العظيمة والكبرى والمهمة في واقع الأمة.
يقول الله “سبحانه وتعالى”: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[الأنعام: الآية159]، قوله تعالى مخاطباً لنبيه “صلوات الله عليه وعلى آله”: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، عبارة مهمة جداً جداً، تبين ألَّا علاقة لهم برسول الله، ولا بما عليه رسول الله؛ وبالتالي لا علاقة لهم بالدين، أمر رهيب جداً، وأمر خطير جداً.
في الحديث النبوي الشريف عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام))، الهجر بالقطيعة، بالمباينة، بالانفعال والجفاء، فالقطيعة التي هي مبنيةٌ على جفاء، قطيعةٌ متعمدة، هي لا تحل، إذا حصلت يجب التخلص منها قبل أن تطول، ((ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام)).
يقول أيضاً “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا))، الإيمان له أهميته حتى على المستوى التربوي، بمثل ما أهميته على المستوى المبدئي، أنه يرسي المبادئ الجامعة، هو أيضاً على المستوى التربوي يزكي النفوس، ويصيغها لتكون قابلةً لأن تأتلف، لأن تتعاون، لأن تتفاهم، لأن تتظافر جهودها في طاعة الله “سبحانه وتعالى”، تعالج من الإنسان كل الترسبات والشوائب الخبيثة والسيئة، التي تمثل عائقاً عن الإخوّة الإيمانية، وعن التعاون على البر والتقوى، وعن التعاون في النهوض بالمسؤوليات الجماعية، ((ألَا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السَّلام بينكم، وتواصلوا، وتبادلوا)).
النصوص التي تتعلق بالوحدة وأهميتها بين المؤمنين، والأخوّة فيما بينهم، هي كثيرةٌ جداً، ومؤكدةٌ، وواضحةٌ، وجعلت من المسألة مسألة أساسية، والنصوص التي تحذِّر من الفرقة، هي كثيرةٌ وصريحةٌ، واقترنت بالوعيد الصريح، ومع هذا من الواضح في واقع المسلمين أنَّ من أكبر مشاكلهم أنهم فرَّطوا، فرَّطوا في هذا المبدأ العظيم، فرَّطوا في هذه الفريضة المقدَّسة، بكل ما لها من أهمية، وما يترتب عليها من نتائج عظيمة، ودفعوا الثمن الباهظ، والمكلف، والكبير، نتيجةً لذلك.
فعلى مستوى واقع الأمة الإسلامية، وعلى مدى التاريخ، وفي المرحلة الراهنة، تضرر المسلمون جداً من فرقتهم، فهم أمةٌ كبيرة، لديها الإمكانات الهائلة، ولكن لأنها أمةٌ مشتتة، مفرقة، واتجه أعداؤها للتوحد ضدها، أصبحت أمةً مضطهدة، فانتماء الإنسان المسلم إلى أمةٍ كبيرة بحجم المسلمين، إلى أكثر من مليار مسلم، لا يجعله يشعر بأنه فعلاً يستند إلى أمة كبيرة، إلى دعم كبير، إلى سند عظيم، هو أمته التي ينتسب إليها؛ لأنه يدرك أنه قد يكون- وهو هناك، أو هناك، في بقعةٍ من بقاع العالم الإسلامي- مهما واجه من تحديات، ومن أخطار، أو من ظلم واضطهاد، أو من إذلال وإهانة، فليس هناك اهتمام بواقعه، ليس هناك ذلك التآخي، التعاون فيما بين هذه الأمة، التكاتف فيما بين هذه الأمة، لتكون إلى جانب بعضها البعض، لا في مواجهة التحديات، والأعداء، والأخطار، ولا في تحقيق المصالح المشتركة الكبيرة والعظيمة، التي تنهض بالأمة في كل مجالات حياتها، ولا في أشكال التعاون على البر والتقوى.
ولذلك تجرَّأ أعداء هذه الأمة عليها، ويضطهدون المسلمين في مختلف بقاع الأرض، يلقى المسلمون في كثيرٍ من بلدانهم، في كثيرٍ من المناطق، وحتى على مستوى القارات، الاضطهاد على المستوى الديني المباشر، في شؤون دينهم، يُمنَعون، أو يعذَّبون، أو يضطهدون، أو تحصل إبادات جماعية، أو تهجير واسع… أو أي شيء من ذلك، يمنعون من أشياء حتى من أشياء سلوكية، أشياء تعبِّر عن هويتهم الإيمانية، كالحجاب مثلاً، أشياء كثيرة جداً، تصدر الإساءات إلى القرآن الكريم، والعمل لحرقه، وتصدر الإساءات إلى رسول الإسلام “صلوات الله عليه وعلى آله”، إلى مقدسات المسلمين، وبكل جرأة من جانب الأعداء؛ لأنهم يدركون أنَّ هذه الأمة وإن كانت كبيرةً في حجمها، كأمة من حيث العدد، والرقعة الجغرافية، والإمكانات، لكنها ليست قوية، ليست قوتها بحجمها؛ لأنها مشتتة، مفرَّقة، مبعثرة، غرق كل بلدٍ من بلدانها في همومه، ومشاكله، وجزئياته، وقضاياه، وتخلت عن مسؤولياتها الجماعية، التي هي المفتاح لتعزيز الأواصر فيما بينها، والروابط فيما بينها.
دخلت الفرقة بكل أشكالها ما بين العالم الإسلامي والأمة الإسلامية، الفرقة بكل أشكالها: الفرقة والاختلاف على المستوى الفكري والثقافي، وعلى المستوى السياسي، واشتغل الأعداء من جانبهم أيضاً على المستوى الجغرافي، فقطَّعوا أوصال هذه الأمة إلى بلدان، وقسَّموها، وجزَّؤها، ورسموا بينها حدودها السياسية، ثم اشتغلوا بشكلٍ مستمر، ويعملون بشكلٍ مستمرٍ ودؤوب على توسيع الفجوة بين أبناء الأمة، يستنسخون بشكلٍ مستمر المزيد من كل عوامل الفرقة، مما يشتت المسلمين على المستوى الثقافي، وعلى المستوى المذهبي، وعلى المستوى الفكري، وعلى المستوى السياسي، وعلى… على كل المستويات، حتى على المستوى العرقي، أصبحوا يشتغلون لبعثرة المسلمين من خلال ذلك.
فأوصلوا المسلمين إلى ما وصلوا إليه من الفرقة والشتات الكبير، الذي لا مثيل له عند غيرهم، فيما الأعداء يتجهون إلى تحالفات، وتكتلات، ويجتمعون على مواقف موحَّدة ضد أمتنا الإسلامية، يصبح اجتماع الأمة الإسلامية على أي موقف أمراً صعباً جداً، وأحياناً يكون الاجتماع محدوداً جداً، وعلى مستوى شيءٍ شكليٍ، إصدار بيان، أو نحوه، ثم في الأخير حتى بهذا القدر لم يعد متوفراً.
دخل الأعداء بالفتنة التكفيرية ليوسِّعوا أكثر وأكثر، ويعمِّقوا جراح هذه الأمة أكثر وأكثر، ودخلوا بالعناوين الأخرى: العناوين السياسية، ودخلوا عبر الأنظمة العميلة لهم من المنافقين، الذين يمثِّلون معاول الهدم في يد أعداء الأمة؛ لـ- كذلك- يوسِّعوا الفجوة من الداخل أكثر فأكثر، وليثيروا الفتن في داخل هذه الأمة أكثر فأكثر.
مع كل ما وصلت إليه الأمة من شتات وفرقة، وما يعمله الأعداء، فلو توفرت لدى الأحرار والأخيار، والذين يتجهون الاتجاه الإيجابي والسليم من أبناء الأمة، توفرت عندهم الإرادة القوية والصادقة على معالجة هذه المشكلة بالتحرك الجاد، من خلال تعزيز الانتماء الإسلامي الجامع، والالتقاء على القرآن الكريم، والقواسم المشتركة، وتوحيد الموقف من القضايا الرئيسية، هذا- بحد ذاته- سيكون مقدمةً فيما يتعلق بالواقع الإسلامي العام، مقدمةً مهمةً جداً، تساعد الأمة الإسلامية؛ لأن الحديث عن توحُّد المسلمين جميعاً دفعةً واحدةً حتى على مستوى الموقف الواحد، يكاد يكون من المستحيل بالنظر لما وصلوا إليه، ولطبيعة التوجهات التي أصبحت سائدة لدى الكثير من أبناء الأمة، الذين غابت من اهتماماتهم مثل هذه المسائل، وأصبحت عندهم العقد الكثيرة، والعوائق الكثيرة، والسلبيات التي تبعدهم عن مثل هذه الأمور إلى حدٍ كبير.
ولكن على المستوى الإجمالي، فيما لو تحرَّك الأخيار، الناس الناصحون، الحريصون من أبناء الأمة، على أساس الالتقاء تحت العناوين الجامعة: العنوان الإسلامي، الذي يتجاوز الأطر المذهبية، والأطر الجغرافية، والعودة إلى القرآن الكريم، والتحرك في إطار المواقف الجامعة، في القضايا التي هي قضايا تهم الأمة كل الأمة، لها علاقةٌ بالأمة بشكلٍ عام، فالتوجه على هذا النحو، وإن شاء الله مؤشراته وبشائره فيما يتعلق بتحرك الأحرار من أبناء الأمة، والمجاهدين من أبناء الأمة في قضية فلسطين، والقضايا الجامعة، مبشراته- إن شاء الله- جيدة.
على مستوى مجتمعٍ معين، كبلدنا اليمن، الذي لنا فيه الهوية الجامعة، الهوية الإيمانية، الانتماء الإيماني الجامع، ونعيش كبلدٍ واحدٍ، يجمعنا الروابط الكثيرة جداً، ترسيخ هذا الانتماء الإيماني، هذه الهوية الجامعة الإيمانية، وهي هوية مباركة، هوية عظيمة، والتحرك على أساس القرآن الكريم، هو من أهم وأعظم وأقدس ما هو كفيلٌ بأن يجمع، وأن يؤلِّف الله القلوب عليه، وفي مواجهة التحديات والأخطار الكبيرة التي نواجهها.
وهناك فعلاً عوامل هدمٍ تشتغل للتفرقة بين أبناء شعبنا، وفي مقدمتها: التكفيريون والمنافقون، التكفيريون هم منافقون، ولكن لهم سمة معينة، يشتغلون تحت العناوين الدينية، ويرسِّخون ويجذِّرون حالة الفرقة، ويوسِّعون الفجوة بين أبناء الشعب اليمني، ويكفِّرون بقية أبناء الشعب، من لا يتجهون بتوجههم، ومن لهم منهم موقف، ويشتغلون كأداة في يد أعداء الإسلام والمسلمين.
على المستوى العام، كلما رُسِّخت الهوية الإيمانية الجامعة، وكلما رُسِّخ الارتباط بالقرآن الكريم، والاهتداء به، والتحرك ضمن المسؤوليات الجماعية، التي هي جهادٌ في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، وإقامةٌ للقسط، وأمرٌ بالمعروف، ونهيٌ عن المنكر، نعمل من خلالها على أن نحقق لبلدنا الاستقلال عن التبعية لأعدائه، الخلاص من التبعية لأعدائه، العمل على إبعاد سيطرة المنافقين عن شعبنا؛ لأنه شعبٌ عظيم، شعبٌ مسلم، شعبٌ هويته إيمانية، لا يليق ولا يجوز أبداً أن يسيطر عليه المنافقون، التابعون لأعداء الأمة، الموالون لأعداء الأمة، الذين يعملون بكل وسعهم على تنفيذ أجندة ومؤامرات أعداء الأمة في الواقع الداخلي.
لكن عندما نأتي إلى واقعنا كذلك في إطار هذا التحرك الإيماني، ما الذي يساعدنا أكثر على ترسيخ وتعزيز هذه الأخوّة الإيمانية؟
كما قلنا الله: “سبحانه وتعالى” جعل لها الأساس الذي تبنى عليه، وهي: الرؤية الواحدة، عندما نتحرك وفق هدى الله “سبحانه وتعالى”، الذي هو النور، هو البصيرة، ولا نتحرك وفق أهوائنا، وفق آرائنا التي قد تكون البعض منها آراء سخيفة، بعيدة عن الحكمة، بعيدة عن الصواب، ونعود إلى القرآن الكريم، فهذه هي الأرضية الصلبة، التي يبنى عليها بنيان الأخوّة على أرقى مستوى.
ثم التحرك في إطار المسؤولية الجامعة، الله “جلَّ شأنه” يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: الآية71]، فمن ضمن مواصفاتهم الإيمانية، والتزاماتهم الإيمانية، وما يدخل في إطار التزامهم الإيماني، واستقامتهم الإيمانية، قوله: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، فهم يتجهون كأمةٍ واحدة، متآخية، متعاونة، متفاهمة، تتظافر جهودها للنهوض بهذه المسؤولية الجماعية: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}… إلى آخر الآية المباركة، {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
يقول أيضاً: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}[الصف: من الآية4]، صف واحد، يجمعهم التوجه الواحد، الموقف الواحد، التعاون فيما بينهم، تظافر جهودهم فيما بينهم، {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف: من الآية4]، في مستوى تعاونهم، تآخيهم، تماسكهم، صلابتهم، قوتهم، كالبنيان المرصوص.
في القرآن الكريم هدايةٌ واسعة إلى العوامل التي تساعد على الأخوّة الإيمانية، التي تساعد على الحفاظ على وحدة الكلمة، وعلى اجتماع الكلمة من كل الجوانب، كما هو على المستوى الفكري، والثقافي، والرؤية العملية الواحدة، هو أيضاً على مستوى المسؤولية الجامعة، المسؤولية الواحدة التي يتحركون فيها، ويؤلف الله بين قلوبهم، بتوجههم الصادق، بإخلاصهم في ذلك لله “سبحانه وتعالى”، بتوجههم لتنفيذ ذلك من أجل الله “سبحانه وتعالى”.
هناك ما تبنى عليه هذه الوحدة، وهناك ما يحافظ عليها، ويساعد عليها، على المستوى النفسي، على المستوى التربوي، القرآن الكريم يقدِّم ما يزكي النفوس، ما يُخَلِّصَها من الشوائب الخطيرة التي تعيق مسألة الأخوّة والتعاون، يُخَلِّص النفس البشرية من الأنانية، من الحسد، من الكبر، من الطمع، من الجشع، يساعد الإنسان على أن تزكو نفسه، وزكاء النفس يجعل نفسية الإنسان قابلةً للألفة، سليمةً من العقد، قريبةً من الأخوّة، ليس فيها ما يصنع الحواجز والعقد من السلبيات الخطيرة.
ثم على مستوى حسن التعامل، وبذل المعروف، والإحسان، والسعي لصلاح ذات البين، والتحلي بالقيم المساعدة على ذلك، فتأتي المواصفات المهمة، التي تبيِّن ما هم عليه فيما بينهم، من مثل قوله “سبحانه وتعالى”: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية29]، إذا ترسَّخت هذه المواصفات العظيمة، إذا كانت الرحمة هي السائدة فيما بينهم، في تعاملهم مع بعضهم البعض، في اهتمامهم ببعضهم البعض، في أسلوبهم في التعامل مع بعضهم البعض، في الاهتمام بشؤون بعضهم البعض، إذا كانت الرحمة هي السائدة، أَلَا ينتج عنها الألفة؟ أَلَا ينتج عنها الأخوّة؟ أَلَا ينتج عنها التعاون؟ بلى، وحالة مستمرة، {رُحَمَاءُ}، تصبح من المواصفات الرئيسية التي يستمرون عليها، ويبنى عليها سلوكهم، وتعاملاتهم فيما بينهم، ونظرتهم تجاه بعضهم البعض، وبذلهم المعروف لبعضهم البعض، ومستوى التعاطف فيما بينهم لكل ما يستدعي حالة الرحمة.
يقول أيضاً عنهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة: من الآية54]، وهذا كذلك قدَّمه كمواصفة من المواصفات الأساسية المهمة، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، فهم فيما بينهم، في معاملاتهم، في تصرفاتهم تجاه بعضهم البعض، يتعاملون بمنتهى التواضع، ليس فيهم الجرأة على الإساءة إلى بعضهم البعض، القسوة على بعضهم البعض، الغلظة على بعضهم البعض، الجرأة بارتكاب الجريمة في الاعتداء على بعضهم البعض، هم بعيدون عن كل ذلك، هم في منتهى التواضع فيما بينهم، ليس عنده الجرأة لا في الإساءة، ولا في الاعتداء، ولا في الظلم، ولا في أي تصرفٍ سيء يصدر من جانبه عمداً تجاه أخيه المؤمن، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}.
يقول عنهم أيضاً: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران: من الآية134]، أيضاً يتحلون بصفة كظم الغيظ، حتى إذا بَدَر من أخيه المؤمن ما قد يزعجه، أو ينفعل منه، فهو لا يبادر فوراً إلى الإساءة، وإلى الرد حتى بأكثر من ذلك، وإلى أن يُخرِج كل ما في قلبه بشكل إساءات، واتهامات، وكلام جارح، إذا اغتاظ، والغيظ هو أشد حالة من حالات الانفعال والغضب، وهي الحالة الخطيرة على الكثير من الناس، الذين إذا عانوا من هذه الحالة، لم يعودوا ينضبطون بأي ضوابط، سيقولون أي كلام، مهما كان جارحاً، مهما كان مسيئاً، مهما كان فيه أيضاً أحياناً افتراءات، وإساءات، واتهامات باطلة، وكلام جارح، فيتحمل الإنسان الوزر الكبير، ويصنع الفجوة التي تزداد يوماً بعد يوم.
فهم قال الله عنهم: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، بما يفيد أنها صفة يستمرون عليها، ليس بمجرد أي حالة انفعال يبدأ يتكلم، ويسيء، وتحصل من جانبه ردة فعل، وكثيراً ما تكون ردود الأفعال مبالغاً فيها، أكثر ما تكون مبالغاً فيها، فيها اتهامات أكثر، فيها إساءات أكثر، فيها جرح أكثر، القليل من الناس الذين قد ينضبط حتى في مستوى ردة الفعل، عندما يصدر ما يزعجه، أو ما يجرح مشاعره، أكثر ما يحصل هو: الرد المبالغ فيه، الذي يتحمل الإنسان فيه الوزر، وهو يريد أن يشفي غيظه، أو كما يقولون: [أن يبرد غليله]، أن يتكلم، يتكلم، ويسيء، ويجرح، ويقول ما يرى أنه ارتاح بكل ما قد قال، ولكن هذا لا يليق، لا يليق أخلاقياً، ولا إنسانياً، ولا إيمانياً، وهو- في نفس الوقت- مما يورِّط الإنسان في أن يحمِّل نفسه الوزر والإثم، وهذا يحصل للكثير، يحصل للكثير في ردود أفعالهم الظالمة، المشحونة بالافتراءات، والإساءات، والكلام الجارح، والاتهامات الباطلة، والبعض أيضاً قد يضيف إليها أيمان، ويقسم على ذلك، وهذه أمور شنيعة، وأمر رهيب جداً عندما يحلف الإنسان أيضاً اليمين الفاجرة، يضيف إلى ذلك ذنباً على ذنب.
{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، قد حتى يعفو؛ لأنه يحمل اهتمامات كبيرة، مسؤولية عظيمة، حريص جداً على ما هو أهم، على القضية الكبرى، على مواجهة التحديات الخطيرة، يمتلك الوعي الكافي عن مخاطر الفرقة، وعمَّا تسببه من ضعف، وشتات، وفشل، وتمكين للأعداء، وما ينتج عن ذلك من مخاطر كبيرة جداً على الناس في دينهم ودنياهم.
يقول عنهم، عن المؤمنين: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى: من الآية37]، في واقعهم الداخلي تجاه ما قد يبدر مما يستفزهم، مما يغضبهم من كلمةٍ من هناك، أو تصرفٍ من هناك، هم لا يبادرون بكل سرعة، بكل جرأة، بكل شدة، على ردة الفعل المسيئة، أو الجارحة، أو المؤلمة، أو الانتقامية، لا يعيشون حالة العقدة، عقدة الحقد، وعقدة الانتقام تجاه كل شيء، كل شيء، أبسط كلمة، أبسط استفزاز، أبسط مشكلة، ثم تأتي ردة الفعل المبالغ فيها، الانتقامية، الحنقة، التي تعبَّر عن أنَّ الإنسان يحمل في داخله حقداً، كراهيةً، عقداً، ليست نفسيته سليمة في ذلك؛ أمَّا هم فيقول عنهم: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، ويأتي هذا في سياق نقاء أنفسهم، صفاء أنفسهم، اهتماماتهم الكبيرة بالأمور العظيمة، بالمسؤوليات الكبيرة، وعيهم بخطر الأعداء، وخطر التفريط في مواجهتهم، وعيهم بحجم القضايا، لا يجعلون من الحبة قبة، يساوي أي إشكالية، أي قضية، أي سوء تفاهم، بأكبر مشكلة، البعض من الناس يعني أبسط قضية عنده أكبر من المشكلة الفلسطينية، أكبر من العدوان الجاري على البلد، أكبر من أي قضية أخرى، انفعاله من ذلك الأمر الذي استفزه، غضبه، توتره الشديد، انزعاجه الشديد، ردة فعله، اهتمامه الكبير، يفوق كل أمرٍ آخر، هذا يدل على حالة نفسية غير سليمة، حالة نفسية صغيرة، لا تحمل الاهتمامات الكبيرة، المشاعر الإيمانية، لا تعطي قيمة للتوجيهات الإلهية، وهذا ما سنتحدث عنه أكثر- إن شاء الله- لاحقاً.
الكلام حول هذا الموضوع له تفاصيله الكثيرة، نتحدث عنها لاحقاً إن شاء الله.
ونكتفي بهذا المقدار…
ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
ونسأله أن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛