خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في تدشين الدورات الصيفية 1443هـ 2022م
حياكم الله جميعاً، وأهلاً وسهلاً ومرحباً
أرحبُ بكل الحاضرين، وفي المقدِّمة الآباء العلماء الأجلاء، وكذلك الإخوة المسؤولين، وكافة الحاضرين أجمعين.
أُعُوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ.
وارضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المُنْتَجَبين، وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصَّالحِين وَالمُجَاهِدِيْنَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
يأتي موسمُ الدورات الصيفية في هذا العام –كما في الأعوام الماضية- في إطار التوجّـه التحرّري المبارك لشعبنا العزيز، الذي لم يوقفه العدوان على هذا البلد، والذي هو عدوانٌ شامل، استهدف حتى النشاط التعليمي، ولكن بعزيمة شعبنا الإيمانية، بثباته المستند إلى قيمه، ومبادئه العظيمة، وتوكله على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، استمر النشاط التعليمي، ومن ضمنه هذه الدورات الصيفية، التي ندشّـنها اليوم، والتي تأتي -عادةً- في العطلة الصيفية، كما في الأعوام الماضية.
ميزة هذا النشاط التعليمي: أنه يأتي في إطار التوجّـه التحرّري العملي الشامل لشعبنا العزيز، الذي هو بالاستناد إلى نور الله، وهدايته، وتوفيقه، وكتابه المبارك، وانطلاقاً من هُـوِيَّته الإيمانية، وانتمائه الإيماني.
فشعبُنا العزيز الذي يتحَرّك في نهضته الحضارية، على أَسَاس مبدأ الاستقلال والتحرّر من هيمنة أعدائه، هو ينطلق انطلاقةً واعية، راشدة، مستبصرة، يستند فيها إلى نور الله، ليست انطلاقةً عمياءَ، بدون بصيرةٍ ولا رشد، أَو توجّـهاتٍ حمقاء، ومواقف عشوائية، انطلقت من مزاج وأهواء وأطماع، أَو تفكيرٍ ساذج، الذي يستند عليه شعبنا في إطار موقفه الحق، وموقفه الصحيح، وقضيته العادلة، ومظلوميته الواضحة، هو: هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو نور الله، هو المبادئ الكبرى، التي ننطلق على أَسَاسها في انتمائنا الإيماني العظيم، في مقدِّمتها: التحرّر من هيمنة أعداء الإسلام والمسلمين، أعداء الأُمَّــة، وأن ننطلق في مسيرة حياتنا على أَسَاس نور الله وهديه، كشيءٍ أَسَاسيٍّ لنا، بحكم إسلامنا، بحكم هُـوِيَّتنا وانتمائنا للإسلام.
الإسلامُ هو دينُ رُشد، دين نور، دين بصيرة، دين العلم النافع، الذي ينتفع به الإنسان ابتداءً في واقعه الروحي، والنفسي، والتربوي، والأخلاقي، والسلوكي، ثم في إطار مسيرته في الحياة، نور الله الذي يضيء لنا الدروب، فنستضيء به في مسيرة حياتنا، لفهم دورنا في هذه الحياة بشكلٍ صحيح، لأداء مسؤولياتنا في هذه الحياة بشكلٍ صحيح، لنقف المواقف الصحيحة في واقعنا على أسسٍ صحيحة، لنتزود بالبصيرة، لمعرفة الحقائق في واقع هذه الحياة، ولنتحصن من الضلال، ولتتزكى نفوسنا، فهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو نور.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ}، يخاطب نبيه محمداً “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ}، {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم: من الآية1]، ورسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” تحَرّك لإنقاذ البشرية بذلك النور، وأخرجهم من الظلمات بشكلٍ عمليٍّ من خلال ذلك النور، حرّرهم من العبودية للطاغوت، إلى ألَّا يكونوا عبيداً إلَّا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، علَّمهمٌ منهج الله، ليكون هو الأَسَاس الذي يعتمدون عليه لنظم حياتهم، قدَّم لهم شريعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لتكون هي المعتمد في مسيرة حياتهم، هداهم إلى الله، بصَّرهم بنور الله حقائق هذه الحياة، قدَّم لهم التشخيص الكامل لواقع المجتمع البشري؛ ليعرفوا من هو العدوّ، ومن هو الصديق، قدَّم لهم ما أخرجهم من الضلال، وما حصَّنهم من الضلال… وهكذا هو هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” نور بكل ما تعنيه الكلمة.
الإنسان في مسيرة حياته يحتاج إلى هذا النور، في إطار دورنا الحضاري كبشر نحتاج إلى نور الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، دين الله، وهدي الله، ونور الله، هو لنا في هذه الدنيا نستضيء به في أداء مسؤولياتنا في هذه الحياة، لصلاح حياتنا، لنكتسب الرشد الحقيقي، ولنقتبس الحكمة في معناها الحقيقي، ولنسير بشكلٍ صحيح في هذه الحياة، وَأَيْـضاً وفيما بعد ذلك وعلى مستوى أَسَاسي جِـدًّا لما بعد هذه الحياة، لمستقبلنا الأبدي في الآخرة، لفلاحنا، لفوزنا، لنجاتنا في مستقبلنا الآتي حتماً في الآخرة.
ولذلك العلاقة بنور الله، العلاقة بهدي الله، العلاقة بالعلم النافع، التزود للوعي والبصيرة، هي مسألة أَسَاسية بالنسبة للإنسان المسلم، وإلا فالبديل عن ذلك هو الظلمات.
أمتنا الإسلامية تضررت كَثيراً بقدر ما فقدت من النور، وبقدر ما انتشرت فيها الظلمات، ظلمات التجهيل من جانب، وظلمات التضليل من جانبٍ آخر، فتأثرت كَثيراً، وانتشرت الكثير من المفاهيم المغلوطة، والأفكار الظلامية، والعقائد الباطلة، التي أثَّرت على أمتنا في مسيرة حياتها، في واقعها، في أدائها، إلى حَــدّ كبير.
شعبنا اليمني، وانطلاقاً من هُـوِيَّته الإيمانية، في إطار توجّـهه -كما قلنا- التوجّـه العظيم، القائم على أَسَاس الحرية بمفهومها الحقيقي، الحرية من هيمنة الأعداء بكل أشكالها: هيمنتهم السياسية، هيمنتهم الثقافية والإعلامية، التي هي خطرةٌ جِـدًّا، والتي هي عبارةٌ عن ضلال بكل ما تعنيه الكلمة، هيمنتهم العسكرية… كُـلّ أشكال هيمنة الأعداء شعبنا يثور عليها، يثور عليها انطلاقاً من هُـوِيَّته الإيمانية، يُرَسِّخ هذه الهُـوِيَّة، يُرَسِّخ هذا الانتماء، يترجمه عمليًّا في مواقفه، في توجّـهاته، في سياساته، وهذه هي نعمةٌ كبيرةٌ، وتوفيقٌ إلهيٌّ كبير، نحمد الله ونشكره على ذلك.
ولذلك فَـإنَّ من الأولويات هو: النشاط التعليمي والتثقيفي والتوعوي المكثّـف، الذي يبنينا، ويبني أجيالنا، ويبني أبناءنا البناء الصحيح، يُقَدِّم النموذج الحقيقي للإنسان المسلم، الإنسان الراشد، الذي يحمل الرؤية الصحيحة، المستنير بنور الله، الذي يمتلك النظرة الصحيحة إلى المسؤولية، إلى واقع الحياة، الذي يحمل الوعي تجاه حقائق هذه الحياة، تجاه واقع هذه الحياة، تجاه الأعداء، تجاه طبيعة الصراع معهم، وفي نفس الوقت يحمل زكاء النفس؛ لأَنَّ هدى الله يزكي النفوس، بمثل ما هو نور، بمثل ما هو رشد، بمثل ما هو حكمة، بمثل ما هو رؤيةٌ صحيحة وبصيرةٌ عالية وفهمٌ صحيح، هو زكاءٌ للنفوس، وإصلاح للعمل، وتقويمٌ للسلوك، أثره في الإنسان أثرٌ مبارك، أثرٌ عظيم، يرقى بالإنسان إلى المستوى الإنساني الحقيقي، فيما منح الله هذا الإنسان في فطرته، ما أودع الله في فطرته من مكارم الأخلاق.
فنحن نحمدُ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن مَنَّ علينا أن يأتيَ نشاطُنا التعليمي في إطار توجّـهنا العملي الصحيح، المبني على أَسَاس من هُـوِيَّتنا الإيمانية، وانتمائنا الإيماني، في إطار الموقف الصحيح، شعب ينهض على المستوى الحضاري، لكن برؤية صحيحة، وشعب يتحرّر من هيمنة أعدائه، وهو يحمل البصيرة، والوعي، والنور، هذه مسألة في غاية الأهميّة.
في واقعنا الحياتي العلم هو أَسَاس لنهضة الأمم، ونهضتنا -إن شاء الله- هي نهضةٌ حضاريةٌ إيمانيةٌ إسلامية، ننطلق فيها من منطلق انتمائنا الإيماني لقيمنا، لا نجعل من التوجّـه الحضاري معول هدمٍ لأخلاقنا، لقيمنا، لمبادئنا، بل ننطلق لنصل الحاضر بالماضي في المبادئ الأَسَاسية، والقيم الصحيحة، والتوجّـه الصحيح، لنبني واقعنا على أَسَاس صحيح، وتوجّـه صحيح، بما يرضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بما فيه الفلاح، بما فيه الفوز، بما فيه النجاة، وهذا لا بُـدَّ فيه من العلم، لا بُـدَّ فيه من التعلم، لا بُـدَّ فيه من اكتساب المعرفة الصحيحة، وهذه مسألة في غاية الأهميّة.
قدوتنا هو رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، الذي بعثه الله ليزكينا، وليعلمنا الكتاب والحكمة، فكيف كان تعليمه؟ كان تعليماً غيَّر الواقع، ونهض بالأمة، وحرّرها من العبودية للطاغوت، وبناها، لتكون في واقع الحياة في القمة، في مصاف الأمم في القمة، تعليماً مثمراً، ثمرته كانت ملموسةً في الواقع: عزةً، وكرامةً، وقيماً، وأخلاقاً، وعدلاً، وحقاً، وأضاء بنور الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ما غيَّر به الواقع الجاهلي، الذي كان في منتهى الظلمات، فهكذا هو العلم النافع الذي هو نور، يترك أثره العظيم، يحصِّن مجتمعنا من كُـلّ الجوانب، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمهمٌ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الجمعة: الآية2]، الحكمة، أُمَّـة تكون راشدةً في تفكيرها، حكيمةً في: مواقفها، وسياساتها، وتعاملاتها، الرشد، الحكمة، النظرة الصحيحة، الفهم الصحيح، الذي تحتاج إليه أمتنا بشكلٍ كبير.
ثم في إطار الواقع الذي نعيشه، في الميدان، في ميدان الصراع مع الأعداء، أعداء الإسلام والمسلمين، أعداء الأُمَّــة، في كُـلّ مراحل التاريخ وإلى اليوم، الأُمَّــة تخوض معتركاً خطيراً جِـدًّا مع الأعداء، في ميدان الأعداء يسعون فيه بكل جهد إلى إضلال هذه الأُمَّــة، يعني: واحدٌ من أخطر أساليب الاستهداف للأُمَّـة، من الشيطان وأولياء الشيطان، هو: السعي لإضلال الأُمَّــة، إلى الاختراق الثقافي والفكري لهذه الأُمَّــة، وإضلالها حتى في إطار العناوين الدينية، في إطار النشاط التعليمي، هناك عمل كبير من جانب الأعداء، الله أخبرنا عنهم في القرآن الكريم، قال عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء: من الآية44]، قال عنهم كثيراً: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}[الصف: من الآية8]، {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أهل الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية69]…
الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع في القرآن الكريم، والتي تبيِّن لنا أن هناك توجّـهاً كَبيراً وأَسَاسياً من جانب أعدائنا، يستهدفنا فكرياً وثقافيًّا، هو توجّـه كبيرٌ وخطير، يهدف إلى إضلالنا، إلى إضلالنا؛ حتى نحمل المفاهيم المغلوطة، النظرة الخاطئة، التي تدجننا لصالح أعدائنا، التي تبعدنا عن هدى الله الذي هو نور، يهدينا به الله إلى ما فيه الخير لنا، والعزة لنا، وصلاح حياتنا في الدنيا، والفوز في الآخرة.
فالأعداء يتجهون بكل جد، ليس فقط من جانبهم بشكلٍ مباشر، الذي يمثِّل خطورةً كبيرةً: أنَّ لهم الكثير من الأبواق، ولديهم الكثير من الأيادي التي تكتب بأقلام الزور والتضليل ما يخدمهمٌ، ما يدجِّن الأُمَّــة لهم، ما يفرِّق الأُمَّــة، ما يشتت الأُمَّــة، ما يضعف الأُمَّــة، فهذه حالة خطيرة جِـدًّا تستهدف أبناء الأُمَّــة تحت كُـلّ العناوين، وبكل الوسائل: على المستوى التعليمي، على المستوى الإعلامي، النشاط بالدعايات، التي هي أَيْـضاً دعايات يسعون من خلالها إلى تزييف الحقائق، إلى التضليل للناس، إلى التشكيك لهم في موقفهم الحق، في قضيتهم العادلة، حتى تجاه مظلوميتهم الواضحة.
وفي هذا العصر كَثُرَت الوسائلُ التي يشتغل من خلالها الأعداء، أنت في عصر القنوات الفضائية، وأنت في عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، يأتي فيها الكثير والكثير من الحملات الدعائية التضليلية تحت كُـلّ العناوين: ما يتعلق بالمواقف، ما يتعلق بالعقائد، ما يتعلق بالتوجّـهات، ما يتعلق بالسياسات، حملات هائلة تهدف إلى التضليل، لا بُـدَّ أن يتحصَّن الإنسان تجاهها بالوعي، بالنور، بالبصيرة، بالفهم الصحيح، بالمعرفة الصحيحة، وإلَّا كان عرضةً للتضليل، وكان صيداً سهلاً، وفريسةً سهلة، ولقمةً سائغة، للمضلين بوسائلهم التضليلية المخادعة، التي يستهدفون بها الإنسان، سواءً في العناوين السياسية، أَو العناوين العقائدية… أَو أي عناوين، هناك توجّـه كبير، ويستهدف فيما يستهدف، هو يستهدف الأُمَّــة بكلها، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، ويستهدف أَيْـضاً بشكلٍ كبير الجيل الناشئ والشباب.
الأعداء يركِّزون بشكلٍ كبير على الجيل الناشئ والشباب، يرون فيهم حاضر الأُمَّــة ومستقبلها، ودعامة قوتها، فيركِّزون عليهم التركيز الكبير؛ لتضليلهم، لإفسادهم، لتضييعهم، لتشتيتهم، للتأثير السلبي عليهم؛ حتى لا يتجهوا الاتّجاه الصحيح، الذي يجعل منهم أُمَّـة مستقلةً، أُمَّـة تنهض واثقةً بربها “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، منطلقةً على أَسَاس صحيح، متخلِّصةً من التبعية لأعدائها، تنطلق على أَسَاس هدي الله، الذي يبنيها أُمَّـة قوية بكل ما تعنيه الكلمة، وأمةً تحمل حضارةً متميزة، بطابعها الإسلامي، والأخلاقي، والراقي، الذي يعبِّر عن الإنسانية أجمل تعبير، يقدِّم الصورة الحقيقية الراقية التي أرادها الله للمجتمع البشري في واقعه الحضاري.
فالأعداء هم يركِّزون بشكلٍ كبير على الجيل الناشئ وعلى الشباب، وهناك مسؤولية، مسؤولية علينا جميعاً، مسؤولية على العلماء، والمتعلِّمين، والمثقَّفين، مسؤولية على الآباء، لحماية الجيل الناشئ والشباب، والحفاظ عليهم من تلك الهجمة التضليلية الخطيرة التي تستهدفهم.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: الآية6]، أكبر عامل يمكن أن يوصل الإنسان إلى النار هو الضلال، بل هو العامل الرئيسي الذي يوصل الإنسان إلى النار، الضلال، الضلال شيء خطير جِـدًّا على الإنسان، فتلك الهجمة التي تستهدف جيلنا الناشئ وشبابنا يجب أن نتصدى لها، وأن نسعى لتحصينهم بالعلم النافع، بالمعرفة الصحيحة، بالنور، بالوعي، بالبصيرة، في إطار هذا التوجّـه العملي التحرّري الحضاري الواسع لشعبنا العزيز، هذه مسألة مهمٌة جِـدًّا.
في المقابل قد يحصل من البعض، من بعض الفئات الأُخرى المناوئة لتوجّـه شعبنا، التي لا تريد لشعبنا أن يكون شعباً حراً، عزيزاً، كريماً، مستقلاً، متخلِّصاً من هيمنة أعدائه، هناك من يعارض هذا التوجّـه، هناك من يريد لشعبنا أن يكون شعباً مستذلاً، مقهوراً، خانعاً لأعدائه، مستسلماً لأعدائه، وخاضعاً لهم بشكلٍ تام، ومطيعاً لهم، ومستسلماً لإرادتهم، بل وهناك من يريد لشعبنا أن يكون في صف أعدائه ضد نفسه، أن يكون مع أعدائه، فيقف في صفهم، ويقاتل معهم كُـلّ من ينادي بحرية شعبنا بشكلٍ صحيح، بكرامة شعبنا على نحوٍ جادٍّ وصادق، تلك الفئات التي تناوئ التوجّـه الصحيح لشعبنا العزيز، هي تسعى في حملاتها التضليلية، والدعائية، والإعلامية، حتى البعض منها في إطار نشاط قد يحمل في اسمه وعنوانه النشاط التعليمي، ولكنه في حقيقته: إمَّا تجهيل، وإمَّا تضليل، وكله يقود إلى التدجين، إلى الجمود، إلى الاستسلام، إلى إخماد الروح الحية الإيمانية المباركة المتحرّرة لشعبنا العزيز؛ ولذلك يجب أن يكون الجميع في حالةٍ من اليقظة، والحذر، والانتباه، تجاه أي نشاط تضليلي، أَو تجهيلي، يناوئ التوجّـه الصحيح لشعبنا العزيز، وهناك -كما قلنا- مسؤولية على الجميع.
في البداية، الذي نأمله من كُـلّ الإخوة المثقَّفين، من كُـلّ الإخوة المعلِّمين، المستنيرين، المستبصرين، الذين ينطلقون في إطار هذا التوجّـه المبارك والعظيم لشعبنا العزيز، والعلماء، والمتعلمين، أن يساهموا في إحياء هذه الدورات، في العناية بها، في الإسهام فيها، في الاهتمام بها، هذا شيءٌ مهمٌّ، وجزءٌ من مسؤولياتهم، كُـلّ بالمقدار الذي يمكنه، من يشجع، من يشارك في العملية التعليمية، من يساند… إلخ. هذه مسألة مهمٌة جِـدًّا.
أيضاً بالنسبة للإخوة القائمين على هذه الدورات، نأمل منهم أن يعوا أهميتها، وأن يؤدوا مسؤوليتهم في القيام بها على أكمل وجه، وبكل جدية، وأن يسعوا فيها إلى أن يكون أداؤهم الأداء المطلوب؛ حتى تكون ثمرتها الثمرة الطيبة، ونتائجها النتائج الإيجابية المثمرة بإذن الله ” سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
نأمل أَيْـضاً من الجهات الرسمية على المستوى المركزي، في وزارات الدولة ومؤسّساتها، والمحافظات، والمديريات، أن تقوم بدورها القوي والفاعل، في المتابعة، في الدعم، في تفقد سير العمل، في مساندة هذا العمل والعناية به.
نأمل من جانب المجتمع، الإخوة الآباء، أن يحرصوا على الدفع بأبنائهم للاستفادة من هذه الدورات، والمشاركة في هذه الدورات، هذه مسألة مهمٌة، هم بحاجة إلى ذلك، هم بحاجة، هذا النشء المبارك، الذي ينشأ في هذه الظروف، في هذه المرحلة الحساسة، في هذا الظرف الكبير، الذي تواجه فيه أمتنا بشكلٍ عام تحديات كبيرة، يحتاج إلى العلم، والوعي، والبصيرة، والنور، والهدى، والفهم الصحيح، والحكمة، والرؤية الصحيحة، هذا من أهم وأعظم وأقدس وأسمى ما تخدم فيه ابنك، ما تقدمه لابنك، ما تفيد به ابنك، أهم حتى من الطعام والشراب، أهميته أهميّة كبيرة جِـدًّا، فيه نجاته، في فلاحه، في صلاحه، فيه فوزه، أنت تؤهله ليقوم بدوره العظيم في هذه الحياة، فنأمل الاهتمام بهذا الجانب إن شاء الله.
فإذا تكاملت هذه الجهود، من جانب الآباء، من جانب الجهات الرسمية، من جانب المعلمين، والعلماء، والمثقفين، وَأَيْـضاً من جانب الجهات الإعلامية، أن تؤدي دورها المساند لهذا النشاط التعليمي كما ينبغي؛ سيكونُ لذلك -إن شاء الله- الأثرُ الطيب، والنتيجة المباركة، الله هو الذي يعطي البركة، الله هو مصدر النور، مصدر الهداية “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو الذي نرجوه أن يوفِّقَنا جميعاً، وأن ينوِّرَ بصائرنا، وأن يهديَنا بهديه إنه سميعُ الدُّعاء.
نكتفي بهذا المقدارِ..
نأملُ من الجميع أن يتفاعلوا مع هذه الدورات، أن ينشطوا في مساندتها، في الاهتمام بها، في إحيائها؛ لأَنَّها من الحياة، من الحياة الحقيقية، حياة الإيمان، حياة الوعي، حياة البصيرة، أن نكون مجتمعاً حياً، يدرك قيمة هذه الأمور العظيمة والمهمة، التي لها أثرها الكبير في نهوضه بمسؤولياته، في مواجهته للتحديات، في قيامه بواجباته، في أدائه لدوره العظيم.
أَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يوفِّقَنا وإيِّاكم لما يُرْضِيه عنا، وأَنْ يرحَمَ شهداءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفيَ جرحانا، وَأَنْ يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ ينصُرَنا بنصره، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
رعاكم الله..