استراتيجيات بناء الدولة اليمنية الحديثة في ظل العدوان والحصار والحرب الاقتصادية .. آفاق وتحديات نحو النهوض بالاقتصاد الوطني
المسيرة: د. يحيى علي السقاف
تُعتبر الجمهورية اليمنية من الدول النامية التي تسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية وتدعو إلى الإصلاح المالي والإداري وذلك ضمن كافة برامجها التنموية وتعد السلطة التنفيذية أهم سلطات الدولة وأعظمها؛ باعتبَارها المختصة بوضع البرنامج الحكومي والخطط التي تهدف إلى تنفيذ أعمال الدولة المؤسّسية بكافة اختصاصاتها وتتمثل استراتيجية التنمية الاقتصادية في فن استخدام موارد الدولة وإمْكَانياتها لتحقيق الأهداف العامة والرؤية الشاملة لتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية الشاملة فعملية التنمية لا تقتصر على الإمدَاد ببعض الإسهامات على المستوى الاقتصادي والتقني إنما الحضور الفعال والقوي للدولة من خلال وضع القواعد التي توضح كيفية استعمال هذه الإسهامات ذلك أنه بدون إدارة قوية لا يمكن الوصول إلى تنمية شاملة.
ومن المعلوم أن الاقتصاد اليمني واجه كمًّا من التحديات والمتغيرات السياسية والأمنية والتشريعية والتي كانت لها انعكاساتها المباشرة في رسم ملامح الاقتصاد في المرحلة الراهنة فالاقتصاد اليمني من الاقتصاديات الضعيفة، من حَيثُ هياكله الإنتاجية نتيجة تطبيق السياسات الاقتصادية الخاطئة في الأنظمة السابقة وقد تأثر بشكل مباشر وغير مباشر من خلال تدهور حاد وعدم استقرار في الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية أفضت إلى خسائر وتكاليف اقتصادية جسيمة ترتب على ذلك بروز عدد من الأزمات.
استراتيجياتُ بناء الدولة والعوامل الرئيسة
وتتمثل استراتيجية بناء الدولة اليمنية الحديثة في جميع السياسات والإجراءات والتوجيهات والآليات التي تتبناها مؤسّسات الدولة في الارتقاء بأدائها بشكل عام، وذلك من خلال توفير الدعم الفني في مجال التخطيط الاستراتيجي ووضع سياسات وإجراءات للوزارات والهيئات الحكومية وتطوير الخدمات التي تقدمها ومتابعة تنفيذ خططها وبرامجها وتقديم المعالجات والحلول الممكنة لإصلاح وتقويم الاختلالات والانحرافات الموجودة في مؤسّسات الدولة التي كانت تمثل عائقاً في بناء الدولة اليمنية الحديثة ولضمان تحقيق ذلك يلزم استحداث أجهزة تنفيذية ووحدات فنية في معظم مؤسّسات الدولة ويناط بها مهمة تبني نهج التطوير المؤسّسي والمهني في أداء عمل مؤسّسات الدولة ومراجعة لعدد كبير من هياكلها الإنتاجية والتنظيمية وتنمية الموارد المالية والبشرية.
إن عمليةَ بناء الدولة وفق استراتيجية وطنية حديثة يجبُ أن تكون على ثلاث عواملَ رئيسية، وهي العامل الأمني والسياسي والاقتصادي، وعلى أَسَاس ذلك لا يمكن أن تتحقّق أية استراتيجية لبناء الدولة اليمنية الحديثة من غير الاستقرار الأمني؛ وذلك لكون الاستقرار الأمني العنصر الذي على أَسَاسه تتحقّق العوامل الأُخرى كعامل الاستقرار السياسي وتفعيل المشاركة السياسية وبعدما يتحقّق الاستقرار الأمني والسياسي تُفتح آفاق المجال أمام عامل التنمية الاقتصادية والرفاهية على مستوى الفرد والمجتمع وتتحقّق التنمية المستدامة.
وفي هذا الإطار، نلاحظ أن الاستقرار الأمني والسياسي موجود في ظل القيادة الثورية الحكيمة وحكم المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ رغم العدوان والحصار والحرب الاقتصادية ورغم جميع التحديات والمعوقات والعقبات المفتعلة من دول تحالف العدوان وكذلك الاختلالات والانحرافات التي كانت موجودة لدى الحكومات السابقة، ومع ذلك فَـإنَّ عجلة التنمية والبناء قد بدأت فعلاً وتحتاج إلى مزيد من الاهتمام لكي تستمرَّ عجلة التنمية الشاملة في النهوض بهذا البلد وأن يعم الخير جميع أبناء الشعب اليمني العظيم والذي يلزم علينا التحَرّك الجاد والصادق لتفعيل عامل التنمية الاقتصادية المستدامة في جانبها الداخلي كمرحلة أولى نظراً للعدوان والحصار المفروض علينا والذي سيكون الأَسَاس المتين لمواصلة تحقيق التنمية الاقتصادية على المستوى الخارجي في المستقبل القريب وتحقيق النصر بإذن الله.
واستراتيجية بناء الدولة اليمنية الحديثة والاقتصاد الوطني يجب أن تبدأ على أكثر من مسار في وقت واحد أولها يبدأ من بناء الكادر البشري ثقافيًّا واجتماعياً، حَيثُ وهم الركيزة الأَسَاسية الذين يبادرون بتطوير المجتمع اليمني في جميع الجوانب واستثمار جهودهم بشكل جيد وتوجيههم التوجيه الصحيح فَـإنَّها ستكون البداية لبناء اليمن والاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة عن طريق تبني تنفيذ برامج حقيقية تبدأ من الاهتمام بهُــوِيَّتها الإيمَانية التي تعتبر من الأسس الضرورية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.
والمسار الثاني يتمثل في الإرادَة الحقيقية في التوجّـه لإحداث إصلاح حقيقي وجذري يشمل جميعَ هياكل مؤسّسات الدولة من خلال بنائها بشكل جديد وحديث وفاعل وقادر على البقاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي بشكل تدريجي فقوة الدولة تكمن في قوة قدراتها المؤسّسية على أداء وظائفها، وأما المسار الثالث والأخير فيتمثل في مواكبة التقدم والتطور وتقنية المعلومات والتكنولوجيا الحديثة في جميع المجالات، وخَاصَّة ما يتعلق في الجانب الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال.
مشروعُ الرئيس الشهيد كضرورة للبناء
وبعد إطلاق الرئيس الشهيد صالح الصمّاد، مشروع بناء الدولة “يد تبني ويد تحمي”، أقر المجلس السياسي الأعلى الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة وهي تعتبر عملاً استراتيجياً ومتطلباً وطنياً لتدشين مرحلة جديدة من البناء والتأسيس لمستقبل اليمن الذي تقع مسؤولية بنائه وتقدمه وازدهاره على عاتق الجميع، وتتمحور غاية وأهداف هذه الرؤية في ازدهار اليمن ووصل حاضره بمستقبله وتحقيق السلام والاستقرار والتعامل مع المتغيرات من خلال ركائزها الأَسَاسية التي تعتمد على الدولة اليمنية الموحدة القوية والديمقراطية العادلة والمستقلة وعلى تنمية بشرية متوازنة ومستدامة تهتم بالمعرفة والابتكار ومناهج التعليم المتنوعة، وفي هذا السياق فَـإنَّ الرؤية عبارة عن خارطة طريق لبناء الدولة اليمنية الحديثة والتي تتطلب لنجاحها تفعيل إجراءات عملية وتنفيذية عاجلة وليست فقط محاور نظرية لإصلاح وتطوير وتحديث هياكل ومهام واختصاصات جميع مؤسّسات الدولة وتوحيد كُـلّ الجهود الرسمية والمجتمعية لتحقيق التغيير والاستقلالية من أية تبعية سياسية أَو اقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ومحتوى ما ذكر في محور الاقتصاد في الرؤية الوطنية مهم جِـدًّا ومكثّـف ويحتاج إلى بذل جهود كبيرة لتنفيذه وما يتم حَـاليًّا في الجانب الاقتصادي وخَاصَّة في المراحل الأولى من التنفيذ هو تحَرّك ضعيف لا يرتقي إلى الإنجاز المطلوب لبناء دولة يمنية حديثة واقتصاد وطني قوي ينافس بقية الدول الأُخرى ويجب الانتقال في هذا الجانب من الدفاع والاستقرار الحاصل إلى الهجوم وتحقيق أسس وقواعد ثابتة للنهضة الاقتصادية المستقبلية المستدامة والتي سوف تكون حصناً منيعاً لاستقلال اليمن وقرارها السيادي وصد كُـلّ المؤامرات والأطماع الاستعمارية التي تحاول استهداف اليمن والسيطرة عليه.
ويلزم في مواجهة ذلك أن يتم تسليط الضوء على هذا المحور من خلال جهود كبيرة من الجهات الاقتصادية المختصة في الحكومة في تنفيذه والتعمق بإجراءاته لإظهاره إلى الواقع الحقيقي ولا يتم ذلك إلا بمنح تلك الجهات جميع الإمْكَانيات المادية والمهنية وإعادة ترتيب وضعها بما يتناسب وقيامها بتطوير وتحديث إمْكَانياتها وتذليل جميع العوائق والصعوبات خَاصَّة في ظل وجود نية وإرادَة حقيقية من القيادة الثورية والسياسية وكذلك في وضع خطة اقتصادية للتعبئة العامة والتعبئة العامة ليست فقط في الجبهة العسكرية أَو السياسية أَو الإعلامية، بل تشمل جميع المجالات ومنها الجبهة الاقتصادية وتهدف الخطة الاقتصادية إلى حصر كافة الإمْكَانيات المتوفرة في الاقتصاد ووضع خطة شامله لتعبئتها وتشمل أَيْـضاً خطة التعبئة الاقتصادية تأسيس إدارة طوارئ وأزمات دائمة غايتها تحقيق التشغيل الكامل والأمثل لجميع الموارد الاقتصادية في جميع المجالات.
العدوانُ الاقتصادي وطرُقُ التصدي
ومما لا شك فيه أن العدوان السعوديّ الأمريكي والحرب الاقتصادية استهدف بشكل مباشر المنشآتِ الإنتاجية والخدمية والبنى التحتية ودمّـر كافة مقومات الحياة المعيشية والإنسانية في اليمن وتسبب ذلك في توقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية والبرامج الاستثمارية الحكومية وجزء كبير من الاستثمارات الخَاصَّة وانسحاب أغلب المستثمرين وخلّف الكثير من الأزمات، ولكن ما لم نلاحظه خلال العقود السابقة من وجود عدوان اقتصادي غير مباشر كان ينفذه تحالف دول العدوان ومن سار في فلكهم وكان يهدف إلى تدمير الاقتصاد اليمني بشكل تدريجي وكان ظاهرة الرفاهية والغناء الفاحش لزمرة فاسدة كانت تتربع في مفاصل الدولة وتتحكم بمصير الشعب اليمني بأكمله وتنهب ثرواته ومقدراته وتؤثر مصلحتها الشخصية على المصلحة العامة.
ومن ناحية أُخرى، كان لهذه الأزمات الدور الكبير في تأخير بناء الدولة وتدمير الاقتصاد الوطني بصورة غير مباشرة عن طريق تطبيق سياسات مالية واقتصادية فاشلة ونتائجها على المدى الطويل تسببت في انهيار كبير للاقتصاد الوطني وعملته المحلية ومن ضمن تلك السياسات تطبيق سياسة دعمها للمنتجات الخارجية دون ضوابط ومعاييرَ علمية وعملية وإهمالها المتعمد في عدم دعم المنتج المحلي الزراعي والصناعي واتباع إجراءات كانت متعمدة ساعدت على تلاشي ما كان موجوداً من بعض المنتجات المحلية السابقة وكل ذلك كان وفق إملاءات خارجية استعمارية هدفها السيطرة على المرتكزات الاقتصادية في اليمن.
وما يتعين علينا فعله في المرحلة القادمة هو تصحيحُ تلك الأخطاء والتجاوزات السابقة وعدم استخدام السياسات الاقتصادية السابقة والفاشلة كمنطلق لبناء اليمن الحديث الذي يعوّل عليه جميعُ أبناء الشعب اليمني الصامد في وجه العدوان والحصار وأن لا نشارك مخطّطات العدوان التآمرية بالاستمرار في تنفيذ ما فرضوه من سياسات تدميرية فاشلة التي كانت بتعاون الأنظمة السابقة ومحاولة تصحيحها قدر الإمْكَان، فلو كانت تلك السياسات ناجحة لما وصل حال اليمن إلى هذا المستوى من الفشل والانهيار في جميع المجالات ولكنا أصبحنا في مصاف الدول المتقدمة.
تطوُّراتٌ مضادة
وفي هذا الإطار وما يمر به الوطن من عدوان وحصار لا يخفى ما حصل من تطور ونجاح في بعض مؤسّسات الدولة التي حقّقت نجاحاً كبيراً في تحقيق الأهداف المرسومة لها، وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى وجهود القيادة الثورية والسياسية والشرفاء من أبناء هذا الوطن والتوجيه المُستمرّ في التغير والتحديث في بقية مؤسّسات الدولة وتهيئتها لبذل كُـلّ الطاقات الإنتاجية وتحقيق النتائج المطلوبة رغم المعوقات وضعف الإمْكَانيات واستمرار العدوان والحصار والآثار السلبية نتيجة السياسات الاقتصادية السابقة التي ما زال الوطن يعاني منها.
ونجاح هذه المرحلة مرهون ببناء مؤسّسات الدولة والتعاون المجتمعي والشعبي والتظافر مع كُـلّ الوطنين الشرفاء من نخب علمية ووطنية وأحزاب ومنظمات وكافة الفئات من المجتمع لبناء الدولة اليمنية الحديثة والنهوض بهذا الوطن إلى التقدم والازدهار والبناء الاقتصادي وتحقيق السيادة والاستقلال والانتقال إلى مرحلة تطوير العمل المؤسّسي في جانبه الاقتصادي إلى طور متقدم وتنفيذ الخطط الاستراتيجية التي من شأنها النهوض بمستوى التنمية في كافة أنواعها عبر خطط وآليات تنفيذية ومعايير اقتصادية تنموية ويتعين على الدولة لتحقيق استراتيجية عامة لبناء الدولة اليمنية الحديثة وتحقيق التنمية الاقتصادية التغلب على جميع التحديات والمشاكل والصعوبات وتوحيد آفاق مستقبلية تعتمد على بناء مسار النهضة الاقتصادية ودعم المنتج المحلي الزراعي والصناعي.
والهدف الأَسَاسي لاستراتيجية التنمية الاقتصادية الحالية في اليمن هو توسيع القاعدة الإنتاجية فضلاً عن ضرورة تأهيل الموارد الطبيعية والبشرية والدعوة إلى الاستثمار في القطاع الزراعي والصناعي ومنح جميع التسهيلات وتبسيط الإجراءات لجميع التجار والمستثمرين في الداخل والخارج والعمل على التخطيط الاستراتيجي القائم على المعايير العلمية والخطوات العملية بمشاركة المجتمع وجميع المؤسّسات الحكومية والقطاع الخاص لإحداث تنمية مستدامة والاستفادة من التجارب الدولية في مجال التنمية والتركيز على البرامج التي تتلاءم مع بيئة الريف وإشراك جميع الأطراف في عمليات بناء الاستراتيجية الوطنية وفق المناهج الحديثة للتخطيط الاستراتيجي.
ومن المعروف أن الصناعةَ من القطاعات المهمة والبالغة الأهميّة وعليه فَـإنَّ الاهتمام بها يكتسب أهميّة فائقة وفق استراتيجية حقيقية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، حَيثُ يتمكّن البلد من تفعيل الواقع الصناعي؛ لذلك سوف يتجه إلى التقليل من استيراد السلع وخَاصَّة ذات المواصفات الرديئة منها، وهنا لا بد من الاعتراف بأن الواقع الحالي للصناعة اليمنية مؤلم وخَاصَّة لمعامل وشركات القطاع العام والخاص التي حاولت العودة للإنتاج بعد أن تعرضت للتدمير الممنهج من العدوان الغاشم والحصار الجائر الذي يشن على بلدنا على مدى سبع سنوات إلا أنها واجهت مصاعبَ كبيرة، مما اضطرها للتراجع والعجز عن إيجاد الحلول في الوقت الراهن.
سبلُ إنعاش القطاع الصناعي
ويمكنُ تلخيصُ الأبعاد الاقتصادية في الواقع الحالي للنشاط الصناعي بجوانبَ عدة أهمُّها التأخرُ في توفير الدعم المالي للشركات الصناعية لتمكينها من إطلاق عملية تطوير وتحديث شاملة وإعادة تأهيل عمالة وتطوير البنية التحتية، حَيثُ إنه من قبل لم ترصد في الموازنة العامة للدولة أموالاً كافية لإعادة تشغيل المعامل وتأهيلها وغابت السياسات الحمائية النسبية للصناعات من الاستيراد غير المنظم للسلع والبضائع الأجنبية كما غابت التشريعات والقوانين التي تضمن حقوق الملكية الفكرية من الاختراعات والابتكارات مما أضعف دور القطاعين العام والخاص ومساهمتهما في المشاريع الاقتصادية والتنموية.
ومن جملة السياسات التجارية المطلوبة هي اللجوء إلى وسائل حماية الصناعات الوطنية من المنافسة الأجنبية للوصول إلى الطاقة القصوى من الإنتاج المحلي، وخُصُوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الصناعة اليمنية ويكون ذلك من خلال فرض الرسوم الجمركية المناسبة على السلع المستوردة والمنافسة للإنتاج المحلي وبما في ذلك القيود الكمية على المستوردات في بعض الحالات وذلك لكي تتمكّن الصناعة الوطنية من الوقوف على قدميها وتغطية تكاليف إنتاجها المرتفعة وتحقيق مستوى مقبول من الأرباح وتقديم المحفزات المالية بأشكال مختلفة وبما يتناسب مع حاجة الصناعات المختلفة وأهميتها للاقتصاد الوطني ودعم إمْكَانياتها على التصدير.
ويعتبر ذلك جزءًا من استراتيجية عامة لبناء الدولة اليمنية الحديثة والاقتصاد الوطني وتستهدف إعادة بناء الصناعة وتأهيلها وتطويرها بما يعزز دورها في عملية التنمية الاقتصادية مع إعطاء دور فاعل للدولة في هذا المضمار إلى جانب القطاعين الخاص والمختلط ووضع سياسات صناعية وإجراءات مناسبة لغرض دعم وتشجيع النشاط الصناعي بما يؤمن النهوض بواقع الصناعة وتنميتها ورفع كفاءتها وتفعيل دور دائرة التنظيم والتطوير الصناعي في وزارة الصناعة؛ بهَدفِ إجراء التدابير لمواجهة الممارسات الضارة التي تتمثل في إغراق الأسواق المحلية بالمنتجات الأجنبية المستوردة وغير الضرورية.
وما جاء في مصفوفة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة وما تتضمَّنُه من مشاريع وأنشطة تسهم في خدمة المجتمع وهنا يجب أن يحظى المزارعون بالدعم والمساندة والاهتمام وبالفعل اتجهت الدولة في المرحلة الراهنة لتشجيع ودعم مزارعي الحبوب بجميع أنواعها وجميع المنتجات الزراعية واستصلاح الأراضي في العديد من المناطق والمحافظات الزراعية وحقّقت نجاحاً في تغطية جزء من الاستهلاك؛ بهَدفِ تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي ويأتي التأكيد على الاكتفاء الذاتي أَيْـضاً من خلال الاهتمام بالصناعة، حَيثُ يتعين على الدولة لتحقيق السياسة الصناعية الحالية والمستقبلية توحيد آفاق مستقبلية تعتمد على عنصري الموارد الطبيعية والبشرية، حَيثُ تعتبر وفرة وجودة تلك الموارد نقطة بداية المسار الصناعي.
وإنه من الضرورة بمكان أياً كانت الظروفُ أن يتم التوجُّـهُ نحو حماية وتشجيع الاستثمار المحلي ودعمه وتفعيل القطاعات الاقتصادية المتعددة والواعدة في ظل السباق الاستثماري الإقليمي والدولي في تحقيق الأهداف وفق خطة واضحة وبرامج اقتصادية حقيقية وضعت المصلحة الوطنية فوق كُـلّ اعتبار ويجب على الدولة ممثلة بمؤسّساتها المالية والاقتصادية المعنية في ظل العدوان الغاشم والحصار الجائر أَو في الأزمات المؤقتة والمتجددة اتِّخاذ الإجراءات اللازمة كافة لحماية الاقتصاد والحد من التأثر بالأزمات المالية والاقتصادية العالمية.
وسائلُ استغلال الركائز الاقتصادية الوطنية
وبالحديث عن الطرُقِ والوسائل التي نستطيع من خلالها استغلال الركائز الاقتصادية في اليمن يلزم علينا معرفة أن زيادة تطور التكنولوجيا واستخدامها له دور كبير في استخراج الموارد الطبيعية بسرعة وكفاءة لتحقيق التنمية الاقتصادية والمستدامة وتعتبر الموارد البشرية العامل الرئيسي في تنمية اقتصاد الدول فعلى الرغم من أن توفرَ الموارد الطبيعية يؤثر في الاقتصاد إلا أنه لولا وجود الموارد البشرية لما تم استغلال هذه الموارد الطبيعية ولا يمكن ذلك إلا بعد العمل على تطوير وتأهيل الموارد البشرية وتنميتها من خلال الدورات والخبرات وورش العمل التي تمكّن الفرد من تحقيق أهدافه ويجب على الدولة في هذا الجانب أن تأخذ بعين الاعتبار توفير فرص العمل تبعاً لاهتمامات الأفراد؛ مِن أجلِ استغلال الموارد البشرية في زيادة الإنتاجية.
ومن خلال دعم المنتج المحلي سواء الزراعي أَو الصناعي والإصلاحات الجوهرية في هذا الجانب وتوجيه جزء كبير منه بما يخدم الاحتياجات الأَسَاسية للمواطن وللمشاريع الإنتاجية المعززة للاكتفاء الذاتي وبرامج التعافي الاقتصادي في سياق استراتيجية وطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة تأتي أَيْـضاً بأهميّة التعليم بجميع أقسامه وخَاصَّة التعليم الفني والمهني لصنع مخرجات ذات كفاءة واقتدار تكون سبباً للتعافي الاقتصادي وكذلك أهميّة النهوض بالمشاريع الصغيرة والأصغر لتحقيق النمو الاقتصادي وإعادة النظر في المنظومة القانونية وعمل حلول جوهرية تسهم في فتح العديد من الأسواق المحلية والدولية وتقديم مشروع قانون لحماية المنتجات المحلية.
ولبناء الدولة اليمنية الحديثة والاقتصاد الوطني وفق استراتيجية وطنية لا بد لنا من معرفة النزاهة؛ لأَنَّها والفساد كضفتي نهر لا تلتقيان أبداً فعندما تنتشر النزاهة يغيب الفساد ولهذا لا بد من تعزيز قيم النزاهة؛ مِن أجلِ نشر ثقافة مكافحة الفساد وترسيخ أخلاق النزاهة في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب كذلك فَـإنَّ مكافحة الفساد تحتاج إلى التعاون والتنسيق لكشفه ومحاصرته وقطع خطوط التعاون بين مرتكبيه والرشوة هي مفتاح كُـلّ الآفات وكل الانعكاسات المدمّـرة لكيان المجتمع العربي بفضل ما تقدمه من تسهيلات لخرق القانون والتحايل عليه.
ويتعين على الدولة أن تستعد لمستقبل ما بعد النفط وذلك على صعيد إيجاد مصادر جديدة للدخل القومي فَـإنَّ من السلبيات الاعتماد على هذه الموارد وإغفال بقية الموارد الاقتصادية وإيجاد موارد أُخرى دائمة ومتجددة لرفد الخزينة العامة للدولة وهذه الموارد موجودة وبشكل كبير في اليمن والاتّجاه نحو تخفيض نسبة الإعفاءات الضريبية الاستثمارية التي يتم بموجبها التلاعب والتهرب من حصول الدولة على مستحقاتها وإعادة النظر في وضع الصناديق الخَاصَّة التي فقدت الدولة بعض الموارد وإعادة النظر في الاتّفاقيات الخَاصَّة بشركات الاصطياد ومراقبة حسن استغلال الثروة السمكية والأحياء البحرية ووضع التدابير الكفيلة لحماية هذه الثروة وإجراءات أُخرى لا يسع المقال لذكرها.
ولبناء الدولة اليمنية الحديثة يجب تبني استراتيجية حديثة ومتطورة يعمل بها في معظم الدول المتقدمة لتعزيز فعالية النظام الضريبي والجمركي والنهوض بدوره كسياسة فاعلة ومورد مالي مستدام فقراءة واقع هذا النظام الإيرادي المهم يعكس ضعف أثره، كما أن دور الضرائب والجمارك في تمويل الموازنة العامة ما زال محدوداً، ناهيك عن أن معظم العبء الضريبي والجمركي يتحمله القطاع العام وموظفيه والذي يحصل بدون أي جهد من قبل الإدارة الضريبية والجمركية إضافة إلى وجود فاقد كبير في الحصيلة الإيرادية مدعوماً بتفشي الفساد وضعف نظام العقوبات وتدني شفافية الإنفاق العام.
وبالتالي تعد السياسة الضريبية والجمركية إحدى السياسات الاقتصادية الكلية إلى جانب السياسة المالية والنقدية والاقتصادية وَتهدف إلى إعادة توزيع الدخل والثروة في المجتمع وتحقيق التكافل الاجتماعي والمساهمة في التخفيف من الفقر ومن ثم تعزيز التوازن بين الفئات الاجتماعية وتقوية السلم الاجتماعي كما تمثل الموارد الضريبية والجمركية من أهم مصادر التمويل المستدام للموازنة العامة لتمكين الدولة من القيام بواجباتها تجاه الفرد والمجتمع.
ونرى فيما سبق الإشارة إليه من خطوات وإجراءات الحكومة بشأن الإطار العام لاستراتيجية بناء الدولة اليمنية الحديثة وأدواتها ومتطلباتها وكذلك في مكونات برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي وفي هذا الإطار فَـإنَّ التأكيد على أهميّة دور الدولة في النهوض الاقتصادي والحد من الأزمات المالية والاقتصادية وضرورة وجود برنامج اقتصادي وطني يتناسب مع بيئة الاقتصاد اليمني وتوفير البدائل التمويلية المناسبة للاقتصاد في سبيل التخلص من إملاءات المؤسّسات الدولية المالية والنقدية وامتلاك القرار الاقتصادي لتجنيب الاقتصاد ويلات الاقتراض الخارجي والارتهان للخارج.
والعمل على تفعيل القطاعات الاقتصادية الواعدة لتحقيق زيادة وتنوع في مصادر الإيرادات الحكومية في سبيل تحقيق النمو الاقتصادي المنشود وتجنب أثر الأزمات المالية والاقتصادية العالمية وضرورة بناء علاقات اقتصادية إقليمية ودولية قائمة على تبادل المصالح والمنافع المشتركة مع دول محور المقاومة والدول المناهضة لسياسات الاستعمار الأمريكي ومن سار في فلكهم والعمل الجاد للخروج من دائرة الأزمات بل وجعلها دافعاً حقيقياً وكبيراً في تحقيق نهضة اقتصادية شاملة خَاصَّة ما يمتلكه ويتميز به الاقتصاد اليمني من ركائز اقتصادية مدفونة لم تُستغل بعد.
* وكيل وزارة المالية، كاتب وباحث في الشأن الاقتصادي