أفي سلامة من ديني.. المؤامرة بين الماضي والحاضر .. بقلم/ إكرام المحاقري
حين بُشر بها استبشر وجهه وتلألأت عيناه وكان اليقين بها عظيم في قلبه المؤمن، لم يخف مما قد يحدث بل انتظر لحظتها بفارغ الصبر، إنه الإمام علي -عليه السلام- أشجع ضارب وطاعن، هارون كُـلّ زمان ومكان، ومهدم عروش الطغاة المستكبرين، إنه القرآن الناطق والحق الأبلج، وفاتح حصن خيبر، ومذل يهود بني قينقاع، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار فتح الله على يديه.
لم يأت استهدافُ الإمام علي -عليه السلام- من فراغ أَو نزوة حرب، بل إنها تدابير الشيطان وأوليائه ليضلوا الأُمَّــة عن نهج النبي محمد وآله الأخيار ووصيته في العالمين، لم تكن تلك الحادثة وليدة يومها بل إنها نتاج لانحراف الأُمَّــة عن توجيه الله تعالى، وما حدث من حجّـة لله على العالمين يوم غدير خم وقال مخاطباً وموجها للمسلمين بـ (هذا)، وحدّد الوصاية والولاية على لسان نبيه الكريم بتوجيهات إلهية عظيمة.
كان الإمام علي -عليه السلام- في قمة الاستعداد للقاء ربه، بل وتواق لتلك الضربة الغادرة، حَيثُ لم يبالِ بها إذَا كانت في سلامة للدين والمسلمين، لم يكن لديه هم آخر، إذَا سلم دين الله حتى وإن أخضب لون لحيته بأحمر دمه، وهذه هي عظمة الصادقين في كُـلّ زمان ومكان، يحملون في قلوبهم قضية وعقيدة يقدمون مِن أجلِها الغالي والنفيس، وهذه هي قضية الدين -قضية الله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حتى وإن كان الاستهداف للإمام علي عليه السلام، استهدافاً سياسيًّا بحتاً، حَيثُ وتلك الضربة لم تستهدف شخص الإمام علي -عليه السلام- وإزاحته من واجهة الدين الإسلامي والتمكين الإلهي فحسب، بل إن الأمر أوسع وأشمل من ذلك.
فقد أرادوا بتلك الضربة إقصاء القرآن الكريم، وإقصاء الحق، وإقصاء النبي محمد صلوات الله عليه وآله من الواجهة، فحين يقول النبي محمد -صلوات الله عليه وآله- للإمام علي -عليه السلام-: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، فهذا يعني الكثير والكثير، كذلك قوله: (علي مع القرآن والقرآن مع علي، علي مع الحق والحق مع علي)، والأعظم من ذلك قوله صلوات الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتِها من بابها)، فهل نعي بعد كُـلّ ذلك خطورة هذا الاستهداف الممنهج والمُستمرّ إلى عصرنا الراهن بذات العذر والثقافة، وذات الضربة العدوانية، وباسم الدين وبسيف وسلاح محسوب على الإسلام.
فذاك الغدر وذاك الاستهداف لم يقف عند حَــدٍّ معين، فالأمة الإسلامية تشهد حركة -شيطانية أموية- ممتدة في كُـلّ بقاع المعمورة، وقد سقط الصادقون مرات ومرات باسم الدين وبأعذار فضحها القرآن الكريم، وأصبح البديل عن نهج الإسلام القويم، منهجاً وهّـابياً تكفيرياً صهيوأمريكياً، كما كان البديل عن منهج آل البيت، هم معاوية وأتباعه من بني أمية، وللأسف الشديد البعض من الصحابة الذين خالفوا توجيهات الله تعالى حين قال لهم (هذا) وقالو (هذا) وحرفوا الأُمَّــة من مسار الحق والهدى والنور، إلى مسار الظلمات والباطل والتيه.
فالأمة الإسلامية اليوم وللأسف الشديد لا تفقه قرآنها ولا تقدر دينها ولا تعظم ربها ولا تتأسى بنبيها، أصبح الدين مُجَـرّد روتين لا أكثر، ولم تعد توجد تلك المسؤوليات التي ألقاها الله على عاتق المسلمين بشكل عام، بل أصبحت غريبة بعض الشيء عن المجتمعات المسلمة وكأنها مزايدات في عصر التطبيع والانفتاح!!
ختاماً: لم تكن التحَرّكات الشيطانية لأعداء الله في يوم من الأيّام مجدية بل لا تاريخ لها، ومع مر العصور لم يترك الله تعالى الدين هباء منثوراً، فلكل قوم هاد في كُـلّ زمان ومكان، والحق أبلج على مر الدهور، لذلك، ما زالت الحركة الشيطانية تواصل مشروع الاغتيالات حتى اليوم والذي بدأوه حين قرّروا قتل النبي محمد -صلوات الله عليه وآله- في فراشه، ومن ثَمَّ قتلوا الإمام علي عليه السلام، لكنها لم تؤتِ أكلها وباءت بالفشل بوجود المشروع القرآني وحقّقت نقلة نوعية من الوعي للشعوب المسلمة في العصر الراهن حين عادوا للقرآن الكريم {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.