مأزِقٌ سعوديّ أمميّ في الثلث الأخير من الهُدنة! بقلم/ علي ظافر
منذ نيسان/أبريل الماضي، بدأ تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ بالتسويق لما وصفها “مبادرة إنسانية لإطلاق 163 أسيراً حوثياً شاركوا في العمليات القتالية ضد السعوديّة”، وزعم أنّ هذه الخطوة تأتي؛ بهَدفِ “إحلال السلام وتثبيت الهُدنة وإنهاء مِلف الأسرى”. وقد صرح بذلك المتحدث باسم تحالف العدوان تركي المالكي.
ربما انخدع البعض بهذا الإعلان السعوديّ، ورأوا فيه تحولاً طارئاً في سلوك العدوان ضد اليمن، الدولة الجارة للملكة، على مدى 7 سنوات، إلى سلوك مغاير؛ بهَدفِ إحلال السلام، غير أنَّ ما حصل كان فضيحة مدوية وسقوطاً إنسانياً وأخلاقياً، ذلك أنَّ السعوديّة أفرجت عن أكثر من 100 محتجز على خلفيات عدة لا علاقة لها أَسَاساً بالحرب ولا بصنعاء، لا من قريب ولا من بعيد، باستثناء 9 منهم، بينهم 4 صيادين خطفوا من عرض البحر أثناء مزاولة مهنة الصيد، فيما 99 من المفرج عنهم مجهولون وغير مدرجين ضمن كشوف الأسرى.
وقد شهدوا بألسنتهم بذلك، بحسب مراسل قناتي “العربية” و”الحدث” السعوديّتين، الذي قال: “عندما تحدثت إليهم قالوا إنهم لم يكونوا في جبهات القتال”. وبإمْكَان القراء العودة إلى إحدى مداخلاته المباشرة على الهواء أثناء هبوط المحتجزين في مطار عدن الدولي، ما يؤكّـد أن المفرج عنهم لا علاقة لهم بالحرب، ولا يندرجون ضمن ملف الأسرى الذي تُعنَى به لجنة شؤون الأسرى برئاسة عبد القادر المرتضى.
ومثلما نسف هذا الاعتراف الدعايةَ السعوديّة على قاعدة “وشهد شاهد من أهلها”، فَـإنَّ المتحدث باسم الصليب الأحمر الدولي بشير عمر وصف من أطلقت السعوديّة سراحهم بـ”المحتجزين”، وليس “الأسرى”، وثمة فَرْقٌ كبيرٌ في القانون الدولي الإنساني بين مصطلح “محتجز” ومصطلح “أسير” (يفهمه خبراء القانون).
المبعوثُ الأممي في الفخّ السعوديّ
وعلى الرغم من اعتراف مراسل القناتين السعوديّتين بأنّ المفرج عنهم لم يكونوا في جبهات القتال، وشهادة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد سارع المبعوث الأممي هانس غراند براغ إلى الترحيب بالخطوة السعوديّة، واعتبرها إنجازاً و”خطوة مهمة نحو الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها في ستوكهولم”، في إشارة إلى اتّفاق السويد في العام 2018م، وفقاً لمبدأ “الكل مقابل الكل”.
وبالتالي، إن المبعوث الأممي هانس غراند برغ سقط في وحل الفضيحة السعوديّة، وهو ما استدعى تنبيهاً من كبير المفاوضين محمد عبد السلام بأنَّ “على الأمم المتحدة ومبعوثها عدم اللهاث وراء الدعاية السعوديّة السوداء وتبييضها وتجميلها، ولا سيما في قضايا باتت واضحة ومدعاة للسخرية”، وطالب المبعوث الأممي؛ باعتبَاره وسيطاً -أَو هكذا يفترض أن يقوم بدوره- بـ”المسؤولية والحيادية وعدم مجاراة المعتدي”؛ كي لا يكون مصيره كمصير المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ، الذي كان منحازاً بشكل فج إلى دول العدوان.
في اعتقادي، هذا التنبيه قد يدفع صنعاء مجدّدًا إلى اتِّخاذ موقف سياسي ودبلوماسي صارم يقضي بمقاطعة المبعوث الدولي وعدم التعاطي معه أَو استقباله في صنعاء التي لم تعد تثق به؛ لأَنَّه انحاز إلى دول العدوان، وانقلب على مقارباته السياسية التي كان يؤمن بها قبل توليه منصب المبعوث الأممي إلى اليمن من ناحية، ولأنه مع مرور وقت الهُدنة المزمنة يخسر فرصة ذهبية كان يمكن البناء عليها نحو تحقيق الحل السياسي والسلام الشامل من ناحية أُخرى، في ظل انسداد الأفق السياسي، وتعثر الهُدنة الإنسانية، وعدم التزام أهل العدوان بفتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية التي نصت عليها الهُدنة، واستمرار الخروق الميدانية، ومواصلة العراقيل، والقرصنة البحرية للسفن النفطية الإنقاذية، وتعثر ملف الأسرى، وغياب أي خطوة من خطوات بناء الثقة في الثلث الأخير من الهُدنة التي مر عليها قرابة 40 يوماً من دون تقدم يُذكَرُ.
وقد قال رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عبد القادر المرتضى: “كان الأحرى بالمبعوث الأممي أن يلتزم الصمت حيال هذه المسرحية السعوديّة، وألا يطلق هذا الموقف، وخُصُوصاً بعد أن سمع توضيحاً من صنعاء، تماماً كما التزم الصمت حيال مبادرات أحادية قدمتها صنعاء، وأفرج بموجبها عن 400 أسير”.
واعتبر المرتضى أن خطوة السعوديّة ومزاعمها بـ”وجود أسرى أجانب من أكبر الفضائح”؛ بهَدفِ تثبيت الدعاية السعوديّة بـ”أن هناك مقاتلين أجانب يقفون إلى جانب الجيش واللجان الشعبيّة”، والتغطية على وجود مقاتلين أجانب من مختلف الجنسيات يقاتلون في صف التحالف، وتم إطلاق بعضهم ضمن صفقات أحادية أَو برعاية الأمم المتحدة.
فضيحةٌ سعوديّةٌ جديدة
حاولت السعوديّة من خلال هذه الخطوة أن تتدثر برداء الإنسانية، وأن تتظاهر بأنها مع السلام، وأنها حريصة على إنهاء ملف الأسرى من باب المزايدة، علماً أنها من أكثر الأطراف تعنتاً وتعقيداً لهذا الملفّ الإنساني، لكنّها بهذه الخطوة أضافت فضيحة جديدة إلى سجلها الحافل بالفضائح، وكان للجنة الأسرى دور بارز في فضحها وحشرها في الزاوية، إذ بادرت الأخيرة، وفور استلامها كشوف أسماء الأشخاص الذين سيفرج عنهم، بمطابقتهم مع قاعدة بياناتها، ليتبين لها أن جميع المفرج عنهم غير موجودين، وأنهم ليسوا أسرى حرب، باستثناء 5 أشخاص و4 صيادين اختطفتهم قوات التحالف من البحر الأحمر أثناء مزاولة مهنتهم اليومية في الصيد.
وقد أبلغت الصليب الأحمر بذلك قبل نحو أسبوع، مخاطبة إياه بأن على دول التحالف التواصل مع وزارة الخارجية والمغتربين أَو وزارة المغتربين ووزارة حقوق الإنسان؛ باعتبَار أن ملف المغتربين والمعتقلين والمخطوفين ليس من ضمن مهامها وصلاحياتها، وأنها معنية فقط بالأسرى والمفقودين، وأن على دول العدوان عدم المتاجرة في ملف الأسرى، ولا يمكن السماح للسعوديّة بتسييس موضوع العمالة اليمنية أَو المعتقلين من الجنسيات المختلفة واستهدافهم وتقديمهم على أنهم أسرى حرب. وقد جرت العادة على أن ترحّل السعوديّة المغتربين والمعتقلين والمختطفين من دون مزايدات، ومن دون إطلاق مبادرات كاذبة.
في الخلاصة، وضعت السعوديّة نفسها، ووضعت المبعوث الأممي معها، في مأزق إنساني وسياسي بهذه الفضيحة التي جاءت في الثلث الأخير من الهُدنة، لتكشف أكثر مدى عرقلتهم ملف الأسرى، وتعنّتهم في تنفيذ الهُدنة الإنسانية، بما في ذلك فتح المطار، وهو أبرز بنودها.