أمانةُ المسؤولية 2-2 .. بقلم/ عبدالغني العزي
وبما أن المسؤولية العامة أمانة يجب أن يؤديَها المكلفُ على الوجه المطلوب وفي حال تأديتها على الوجه الذي يتوجب أن تكون عليه فَـإنَّ المكلفَ يدخل ضمن من أحبهم الله في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)؛ لأَنَّ تأدية الأمانة من أفضل قيم الإحسان، والإحسان إلى عباد الله لا يرغب فيه ولا يحب القيام به إلا من له نفس مؤمنة ترى فيه قربة عظيمة إلى الله وهذا الشعور سيقود إلى استشعار نفسي عميق لدى المسؤول بأن وجوده في قمة الهرم الوظيفي في هذا المرفق أو تلك الإدارة أَو هذه المؤسّسة العامة يحتم عليه مضاعفةَ الجهود لخدمة جمهوره ومجتمعه والمستهدفين من أنشطته وأعماله، وبالتالي ستتبلور عنده قناعة تامة بضرورة خروجه من الإطار الشخصي النفعي الخاص إلى الإطار المجتمعي العام الشامل وتبعاً لذلك ستتوسع مداركه وتتجدد أفكاره لتواكب قناعاته سيتمكّن من استيعاب ما حوله من الاتّجاهات وَالتناقضات والمصالح ببعد نظر وبصيرة وسيخلق عنده استشرافاً لمستقبل مؤسّسته وما يجب أن تكون عليه بل إنه سيكون قادراً على تشخيص ما يتوقع ظهوره من مستجدات أَو صعوبات أثناء عمله الإداري، وبالتالي يقترح الحلول والمعالجات المناسبة.
المسؤولية العامة الرسمية تحتاج إلى المؤهلات العلمية وَالخبرات الإدارية ولكن ذلك لا يكفي إذَا لم يصاحب تلك المؤهلات والخبرات زكاء نفسي ووعي وبصيرة وتجدد في الأفكار ومنطق إيمَاني وسلوك عملي قرآني؛ لأَنَّ هذه المبادئ والقيم هي الحصن الحصين للمسؤول من الغواية وللأعمال من الانحراف وهذه ما يجب أن يتمتع بها كُـلّ مسؤول أَو مكلف يتولى زمام المسؤولية.
بل إن هذه المبادئ في حال الالتزام بها هي من ستخلق لدى المسؤول الشفافية والنزاهة وَالقدرة والرغبة النفسية في رعاية مصالح الناس والاهتمام بتنميتها وحتى إيجادها في ظل شحة الإمْكَانيات أَو قلة الكوادر وَفي حال كان المسؤول فارغاً من تلك القيم أَو أنه يفتقر لبعضها فَـإنَّ عليه سرعةَ اكتسابها وتعلمها عبر الهدى القرآني الموضح في محاضرات السيد القائد التربوية الشاملة لينهل من معينها ويقتبس من نورها ببصيرة وعزم على الاستفادة منها والتنفيذ لمحتواها وليدرك المسؤول أن السير بلا هدى وأن إغفال تلك القيم الدينية والمبادئ الإيمَانية وعدم ارتواء النفس منها سيكون له انعكاسات خطيرة عليه وعلى عمله وعلى من حوله، بل إن التغافل يسبب الكبر والغرور يؤدي إلى سيطرة النفس الأمّارة بالسوء على مجمل تصرفات المسؤول وبالتالي الانحدار نحو الفساد المالي والإداري والتعامل الأحمق وحرف مسار وأهداف المرفق أَو المؤسّسة وهذا ما يجب أن يتنبه له المكلفون ويحرصوا على عدم حدوثه؛ كونه رذيلةً وَسقوطاً أخلاقياً قد يقع فيه أي مكلف بمسؤولية عامة إذا لم يحصّن نفسه بهدى الله وتعاليم دينه وهذا ما سيودي إلى تحويل المؤسّسة من مرفق خدمي عام إلى مرفق إقطاعي شللي وسيحجم دورها من خدمة عامة إلى خدمة للمصالح الشخصية الفردية، وهنا تكمن الخطورة.
على المسؤول المكلف أن يركز اهتمامَه إلى كيفية الارتقاء بالخدمات التي يقدمها للجماهير الذي وجد لخدمتهم ورعاية مصالحهم والتي سيحقّق بها النسبة الكبرى من رضاهم أَو وإهمالها سيبعث سخطهم وتذمرهم ولتدارك السخط والوصول إلى رضا الجماهير لا بُـدَّ من التخطيط الاستراتيجي المحكم والمدروس المصحوب بجهود مركزة وفق غايات صافية نقية خالية من اللف والدوران تهدف إلى تحقيق النسبة العليا من الإنجاز ورعاية مصالح الناس والتي هي في مجملها خدمة عامة يستفيد منها الوطن والمواطن والأمَّة بصورة شاملة.
قلم المسؤول وأفكاره وأعماله ومهامه اليومية والأسبوعية والشهرية جميعها يجب أن تستحضر الله تعالى ورعايته وشديد عقابه ما لم فالانحدار إلى الهاوية هو الأقرب منه إلى النجاح وحينها سيلعن الشيطان وَيلوم نفسه في الوقت الضائع..
لن ترتقي أمتنا من خلال ثقافة الأنا والمصالح الشخصية ولا من خلال العمل الدؤوب لتلبية رغبات الأهل ومصالح الأولاد وضمان مستقبلهم وترك مستقبل الأُمَّــة ومصالحها العامة للمجهول ليتولى رعايتها.
يجب أن يكون شعارنا اليوم بناء الأُمَّــة وتحقيق أهدافها ورعاية مصالحها بصورة عامة وعبرها ستتحقّق المصالح الفردية والشخصية وبالتالي نضمن مستقبل الأبناء والأحفاد؛ لأَنَّنا جزء من أُمَّـة مترابطة وصفها الله بأنها خير أُمَّـة أُخرجت للناس.