في الذكرى الثانيةِ لاغتيال شرف الدين.. غاب القائدُ واستمرَّ المشروع
صدى المسيرة/ تقرير/ سليمان ناجي آغـــــــــا
تمُــرُّ اليومَ الذكرى الثانيةُ لاغتيال الدكتور أَحْمَـد شرف الدين الذي التحقَ بقوافلِ شهدائنا في معركةِ الحُريّة والكرامة الوطنية.. هذه الجريمة الجبانةُ التي أرادت من خلالها القوى الإجرامية والرَّجعية والدوائرُ المحرِّكة لها ضرْبَ الوطن وإجهاضَ المشروع الوطني الجامع، الذي كان سيتوِّجُهُ مؤتمرُ الحوار الوطني، لكن شعبَنا الذي أنجبَ على مرِّ السنوات والمسيرة التي تقدِّمُ كُلَّ يوم قرابينَ من الدماء الزكية والطاهرة من أَجل الـيَـمَـن وفي طريق النضال والتحرر من التعبية والوِصاية، يبدو اليوم أكثرَ إصراراً وصلابةً نحو تحقيق أهدافه، تستمد بلادنا قوتها وَتصميمها من دماءِ شهدائها، وإيماناً بعدالة قضيتها ومشروعها الإنساني وإيمانها بحتمية انتصارها، فاليوم تمُرُّ سنتان على رحيلِ المناضل الدكتور أَحْمَـد شرف الدين أحد أبرز القانونيين الـيَـمَـنيين وعضو مؤتمر الحوار الوطني عن مكوِّن أَنْصَــار الله وعضو فريق بناء الدولة الذي طالته يدُ الغدر الإجرامية.
هذا الاغتيالُ السياسيُّ الذي هزّ ضميرَ الشعبِ الـيَـمَـني ودَقَّ ناقوسَ الخطر الذي مثَّلَ مؤشراً لجُملةٍ من التحوُّلات السياسيّةِ التي دخلت فيها البلادُ بعد أن تنبّهت القوى الوطنيّة إلى مرور التحريض والعنف الذي صاحب الجماعات المتطرفة والذي وجد له حاضنةً في حكومة باسندوة إلى أقصى درجاته الإجرامية بتصفية الخصومِ السياسيين وموسم حِياكة المؤامرات وتقسيم البلاد.
لقد كانت الصدمة التي رافقت اغتيالَ الشهيد شرف الدين في حجم المكانة والدور السياسيين اللذين كان الشهيد يحتلهما في الساحة السياسيّة والحقوقيّة والأكاديمية والقانونية ولكن لم يمض الزمن طويلاً حتى اكتشف الرأي العام مكامنَ فرادة وتميُّز الشهيد على مستوى رؤيته الإستراتيجية الاستشرافية التي قادته بمعيّة رفاقه المناضلين إلى إخراج مشروع أو رؤية أَنْصَــار الله لبناء الدولة للقطع مع حالة التشتّت التي استفادت منها القوى الرجعيّة والقبلية المتنفذة وعملت على تأبيدها وتكريسها أمراً واقعاً لتضمن هيمنتَها على المشهد السياسي وتمرير مشروعها الإقصائي المتناقِض مع شعارات الثورة ومطالبها الاجتماعية والديمقراطية.
واهمٌ مَن يعتقدُ أن اغتيالَ الدكتور شرف الدين بذلك الشكل يستهدف شخصاً أو مكوناً، إن القضية أبعد من أن تختزلَ في هذا التصور السطحي الذي ينتقص من مكانة ودور الشهيد الذين تجاوزا حدودَ العمل السياسي والحزبي وتمردا على الروابط والعلاقات ووضع نفسه على ذمة مشروع حضاري ووطني جامعٍ يمثل استجابة لمتطلبات الثورة ومؤتمر الحوار الوطني.
لقد تمكن مكوّن أَنْصَــار الله بعد اغتيال قيادات كبيرة فيها بفضل قائدِها ورمزها الشهداء والأحياء ومناضليها الماسكين على الجَمْر ورغم كُلِّ المؤامرات من تجاوُز أصعب الامتحانات وحققت شروطَ بقائها وتموقعها السياسي الجيد بنجاحها حتى توجت بثورة الـــ21 من سبتمبر المجيدة
عاش الدكتور أَحْمَـد شرف الدين بشكل استثنائي ورحل بشكل استثنائي كان رحيلُه صادماً ومثّل خسارةً كُبَرى على صعيد الحياة السياسية الـيَـمَـنية برُمَّتها وبرحيله عنها ترك ثغرةً ما تزال واسعة لم يستطع السياقُ السياسي العام سدَّها ولا تجاوزها بعدُ.
الشهيدُ الخالد أَحْمَـد شرف الدين واحدٌ من تلك المشاعل البهية التي طالتها رصاصاتُ التخلف والإجرام بهدف اغتيالِ الفكرة والمشروع الذي كان الشهيدُ يمثّلُه في مؤتمر الحوار الوطني، غيرَ أن الأيامَ والشهورَ التي أعقبت رحيلَ الدكتور أَحْمَـد شرف الدين أثبتت ذهاب القتَلة وبقاء الفكرة والمشروع. فالدكتور أَحْمَـد شرف الدين لم يمت فما زال نبضاً في كُلّ قلب شريف ونبراساً ما زال بهاء إشعاعه ينير نهجَ السير لمعانقة الفجر الذي ظل دوماً يتصدر أحلامه السامية ولذلك خرج وطنٌ بكامله لمواراة جثمانه في مسامات التربة التي عشقها باقتدار في ذلك اليوم والمشروع الذي كان يمثلُهُ الدكتور أَحْمَـد شرف الدين في مؤتمر الحوار الوطني قد شق طريقَه حتى توّج بثورة الـــــــ21 من سبتمبر المجيدة وحققت الاستقلال الوطني وهزمت المشروع الداعشي.
الدكتور أَحْمَـد شرف الدين قاتلوك ومَن جلست معهم في ذات الطاولة.. المتآمرون والمخطِّطون والقتَلة ذهبوا إلى مزبلة التأريخ وبقيت أنت مشعاً فريداً غادروا مصحوبين باللعنات، واستمر هو بالخلود والقتلة رحلوا تطاردهم مساوئهم ولطخة العار السوداء، وبقي هو منارة هدي وملهم نضال وأيقونة سلام ومجد. ماتوا مائة مرة خوفاً وهلعاً وعشت أنت وستعيش مكللاً بغار الخلود مئات من السنوات الضوئية ظنوا أنهم باغتيالك حقَّقوا الانتصارَ لكنهم بعد حين اكتشفوا أنك أنت من انتصر، ضحكوا لكنك أنت من ضحك أخيراً.
الدكتورُ أَحْمَـد شرف الدين لم يذهبْ بعيداً، إنه فكرةٌ نبيلةٌ والأفكارُ لا تفنى ولا تموت وسيعيش زمناً طويلاً، ويبقى ملهماً لنضالات أجيال عديدة ستأتي، وسيعيش أكثر من قاتليه الذين لن يتذكرهم أحد مطمورين في غبار النسيان أشبه بقطعة صدئة في باحة خردة.